منتديات الكعبة الإسلامية

منتديات الكعبة الإسلامية (http://forum.alkabbah.com/index.php)
-   منتدى الفقه وأصوله (http://forum.alkabbah.com/forumdisplay.php?f=24)
-   -   < مسائل متعلقة بالأذان و المؤذن > (http://forum.alkabbah.com/showthread.php?t=2314)

مسلم التونسي 02-05-2011 12:50 PM

ألفاظ الأذان بين السنة والبدعة




الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين..
أما بعد:

فإن الأذان عبادة جليلة، وقربة يتقرب بها الإنسان إلى الله تبارك وتعالى،


ولذلك فإنه يجب على المؤذن أن يتقيد بما جاءت السنة ببيانه من ألفاظ الأذان والإقامة، ذلك أن العبادة مبنية على التوقيف،
بمعنى أنه لا يجوز لنا شرعاً أن نزيد أو ننقص في ألفاظ الأذان أو الإقامة على ما جاءت به السنة الصحيحة.

والأذان الذي جاءت السنة ببيان ألفاظه:

الله أكبر، الله أكبر، أربع مرات، ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، مرتين، ثم يقول: أشهد أن محمداً رسول الله، مرتين، ثم حي الصلاة، مرتين، ثم حي على الفلاح، مرتين، ثم يعيد الله أكبر، مرتين، ثم يختم بقوله: لا إله إلا الله، مرة واحدة.. هذه صفة الأذان الواردة في السنة الصحيحة..

وأما صفة الإقامة فيقول:

الله أكبر، الله أكبر، مرتين، ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، مرة واحدة، ثم أشهد أن محمداً رسول الله، مرة واحدة، ثم حي على الصلاة، مرة واحدة، ثم حي على الفلاح، مرة واحدة، ثم يقول: قد قامت الصلاة، مرتين، ثم يقول: الله أكبر مرتين، ثم يختم بقوله: لا إله إلا الله..

وهناك صفة أخرى للأذان بأن يثني التكبيرات الأولى، وهكذا بقية ألفاظ الأذان، ما عدا لفظة: لا إله إلا لله، فيفردها.. وكذلك الإقامة مثل الأذان إلا أنه يضيف لفظ: قد قامت الصلاة، مرتين.. فكل هذا وردت به السنة الصحيحة..

وهناك ما يسمى بالترجيع في الأذان وهي الصفة الثالثة، وكيفيتها: أن يقول الله أكبر أربع مرات،

ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله مرتين ولا يرفع بها صوته، ثم يرفع صوته فيقول: أشهد أن لا إله إلا الله، مرتين..
ثم يقول: أشهد أن محمداً رسول الله مرتين ولا يرفع بها صوته، ثم يرفع صوته بها مرة أخرى فيقول: أشهد أن محمداً رسول الله، مرتين..
ثم يكمل الأذان كما تقدم في الصفة الأولى..

كما أن هناك ألفاظاً أخرى وردت السنة الصحيحة بأنها تقال في الأذان لبعض الصلوات، كزيادة لفظة: الصلاة خير من النوم، بعد قول المؤذن: حي على الفلاح، في صلاة الفجر،

وكذلك لفظة: صلوا في رحالكم عند المطر، فتقال بعد: حي على الفلاح، أو تقال بعد الانتهاء من الأذان، فيقولها المؤذن مرتين..


فهذا مما جاءت به سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأذان..

وأما زيادة الألفاظ المبتدعة في الأذان وكذا في الإقامة فإن ذلك مما لا يجوز؛ لأن في ذلك مخالفة صريحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بين الأحكام ولا يجوز تعديها..

ومن الألفاظ المبتدعة في الأذان:

قراءة بعض المؤذنين لبعض الآيات من القرآن، كقراءة بعض المؤذنين قبل الأذان:
وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا سورة الإسراء (111)،


أو قراءة البعض: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ سورة فصلت(33)،

فهذا مما لم يرد فيه دليل من كتاب الله ولا من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم..

وكذلك قول بعضهم بعد الفراغ من الأذان: الفاتحة إلى روح نبينا...إلخ.. أو الصلاة والسلام على رسول الله وآله، عبر مكبرات الصوت، أو ما أشبه ذلك من الألفاظ والأذكار التي يقولها بعض المؤذنين قبل وبعد الفراغ من الأذان1..

والسنة للإنسان أن يردد بعد المؤذن ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الفراغ من الأذان، ثم يسأل له الوسيلة، وكذلك يسن للمؤن نفسه أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن بينه وبين نفسه، وليس بصوت مرتفع يساوي صوت الأذان، وكأنه زيادة فيه..

ومن الألفاظ المبتدعة في الأذان:


ما يسميه البعض بالتسابيح أو التواشيح، أو ما أشبه ذلك، فتجد في بعض المساجد بعض الناس يرفعون أصواتهم بهذه التسابيح قبل الأذان الثاني لصلاة الفجر، وكذلك قبل صعود الإمام إلى المنبر يوم الجمعة،

وقد نص على عدم جواز ذلك علماء الإسلام،

يقول ابن الجوزي -رحمه الله- وهو يبين تلبيس إبليس في الأذان: "ومنه أنهم يخلطون أذان الفجر بالتذكير والتسبيح والمواعظ، ويجعلون الأذان وسطا فيختلط، وقد كره العلماء كل ما يضاف إلى الأذان،


وقد رأينا من يقوم بالليل كثيرا على المنارة فيعظ ويذكر، ومنهم من يقرأ سورا من القرآن بصوت مرتفع، فيمنع الناس من نومهم، ويخلط على المتهجدين قراءتهم، وكل ذلك من المنكرات"2..

وقال ابن الحاج في "المدخل": "وينهى المؤذنون عمّا أحدثوه من التسبيح بالليل، وإن كان ذكر الله - تعالى- حسناً سراً وعلناً، لكن في المواضع التي تركها الشارع -صلوات الله وسلامه عليه- ولم يعين فيها شيئاً معلوماً".


وقال أيضاً: "وينهى المؤذنون عما أحدثوه من التذكار يوم الجمعة، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يفعله، ولا أمر به، ولا فعله أحد من بعده من السلف الماضيين -رضي الله عنهم–، بل هو قريب العهد بالحدوث".

ومن الألفاظ المبتدعة في الأذان ما اشتهر عند الزيدية وغيرهم من الشيعة: زيادة لفظ: "حي على خير العمل" في الأذان والإقامة، وكذلك زيادة "سيدنا" في الإقامة،


وكذلك زيادة لفظة كاملة في الأذان: " أشهد أن عليا ولي الله"، كما هي عند الرافضة، فزيادة هذه الألفاظ من البدع المنكرة المحدثة في الأذان والتي لم يدل عليها دليل من السنة،

بل الوارد المنع من ذلك، يقول ابن الحاج وهو يتحدث عما ينهى فعله في المسجد: "وأما في أثناء الأذان فقد أضاف الناس كلماتٍ وألفاظٍ ليس عليها دليل، وليس عندهم من الله فيها برهان،

ومنها زيادة لفظة "سيدنا" في ألفاظ الإقامة، وزيادة "حي على خير العمل" عند الأذان والإقامة، وزيادة بعضهم جملة كاملة في ألفاظ الأذان "أشهد أن عليا ولي الله" وهذا مما لا يجوز زيادته في الأذان، وكأنهم يتهمون النبي -صلى الله عليه وسلم- بعدم البيان، والدين بالنقصان،


ولأن الأذان عبادة مستقلة لا يجوز الزيادة فيها ولا النقصان.

يقول القاسمي في "إصلاح المساجد": "إن ألفاظ الأذانين مأثورة متعبد بها، رويت بالتواتر خلفاً عن سلف، في كتب الحديث الصحاح والحسان والمسانيد والمعاجم، ولم يرو أحد قط استحباب هذه الزيادة- يقصد لفظة "سيدنا"- عن صحابي ولا تابعي، بل ولا فقيه من فقهاء الأئمة ولا أتباعهم"..

وقد وجه سؤالا إلى الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
يقول نص السؤال: "ما حكم الإسلام في زيادة: "حي على خير العمل" في الأذان؟

وهل ثبتت عن الرسول -صلى الله عليه وسلم-؟ وما حكم الصلاة في المساجد التي يؤذّن بحي على خير العمل فيها؟ وهل صحيح أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- أذّن بها في إحدى الغزوات؟".

فكان الجواب:

"... فقد ثبتت الأحاديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بيان صفة الأذان، وقد علمه بلالا، وعلمه أبا محذورة، والأحاديث في ذلك ثابتة في الصحيحين وغيرهما، وليس فيها "حي على خير العمل"، وليس فيها "أشهد أن علياً ولي الله"،
بل هاتان الجملتان من البدع المحدثة في الأذان بعد النبي -صلى الله عليه وسلم-،

وقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) يعني مردود رواه الشيخان البخاري ومسلم في الصحيحين.


وقال عليه الصلاة والسلام: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) أخرجه مسلم في الصحيح.


وأخرج مسلم في الصحيح عن جابر بن عبد الله الأنصاري -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يقول في خطبة الجمعة: (أما بعـد: فإن خير الكتاب كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها ، وكل بدعةٍ ضلالة).

فالواجب على المؤذنين أن يدعو هذه الزيادة؛ لأنها غير ثابتة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، بل هي من البدع..."3.

وعليه فإن فالواجب على المؤذنين التقيد بما وردت السنة ببيانه،

وأن لا يزاد في ألفاظ الأذان ولا الإقامة، فمن زاد في ذلك فقد خالف الكتاب والسنة..

والله وحده نسأل أن يرد المسلمين إلى دينه رداً جميلاً، وأن يرزقنا التمسك السنة المطهرة والبعد عن البدع، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..

1 يراجع: إصلاح المساجد للقاسمي صـ(133-134).

2 تلبيس إبليس(168).

3 برنامج نور على الدرب، رقم الحلقة (660).


مسلم التونسي 02-05-2011 12:51 PM

حكم الأذان والإقامة من المضطجِع




الحمد لله الذي علمنا ما لم نكن نعلم وكان فضله علينا عظيماً، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كريماً.. أما بعد:

فإن الأذان شعيرة عظيمة رتب الله ورسوله عليها عظيم الأجر، وجعلها ركيزة من ركائز الإسلام وشعيرة من شعائره، وبين صفتها وكيفيتها، وأوقاتها، والقائم بها.

وفي هذا المقال المختصر سنتطرق إلى مسألة من مسائل الأذان وهي: هل يجوز للمضطجع أن يؤذن وهو على حاله ذلك؟

اتفق الفقهاء على كراهة الأذان والإقامة من المضطجع إذا كان لغير عذر، وذلك لمخالفته سنة القيام حال الأذان والإقامة.

واختلفوا في صحتهما على قولين:

القول الأول:



أنهما يصحان من المضطجع، وهو مذهب الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة. وعللوا ذلك بأن المراد الإعلام وقد حصل.


قال النووي رحمه الله: "السنة أن يؤذن قائماً مستقبل القبلة؛ لما ذكره المصنف، فلو أذن قاعداً أو مضطجعاً أو إلى غير القبلة كره وصح أذانه؛ لأن المقصود الإعلام وقد حصل، هكذا صرح به الجمهور وقطع به العراقيون وأكثر الخراسانيين، وهو المنصوص،


وذكر جماعات من الخراسانيين في اشتراط القيام واستقبال القبلة في حال القدرة وجهين وحكى القاضي حسين وجها أنه يصح أذان القاعد دون المضطجع والمذهب صحة الجميع.."1


القول الثاني:

أنهما لا يصحان من المضطجع، وهو رأي لبعض المالكية، ووجه للشافعية وبعض الحنابلة.

والذي يترجح أن ذلك جائز مع الكراهة، والأولى الأذان قائماً اتباعاً لسنة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وخروجاً من الخلاف.

والله أعلم.


1 المجموع (ج 3 / ص 106).


مسلم التونسي 02-05-2011 12:51 PM

الأذان يحقن الدماء

الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:

فإن الأذان شعيرة من شعائر الإسلام، ومظهر عظيم من مظاهره، وإرشاد واضح إلى أعظم أركانه وركائزه، إذا تركه أهل بلدة وأطبقوا على ذلك قوتلوا، وإن قاموا به عصمت دماؤهم وأرواحهم،


وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن يغزو قوماً انتظر حتى يسمع الأذان، فإن سمع أذاناً كف عن قتالهم، وإن لم يسمع أغار عليهم، وكان يعلم أصحابه هذا الأمر، فقد أخرج الإمام أحمد في مسنده والبخاري في صحيحه عن أنس - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - إذا غزا قوما لم يغز حتى يصبح، فإذا سمع أذاناً أمسك، وإذا لم يسمع أذاناً أغار بعد ما يصبح".



وفي رواية عند مسلم: "كان يغير إذا طلع الفجر، وكان يستمع الآذان، فإن سمع أذاناً أمسك وإلا أغار، وسمع رجلا يقول: الله أكبر، الله أكبر،


فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: (على الفطرة)، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، فقال: (خرجت من النار).

ففي هذين الحديثين دليل على أن الأذان شعار الإسلام؛ كما يقول الخطابي: "وأنه لا يجوز تركه، ولو أن أهل بلد اجتمعوا على تركه كان للسلطان قتالهم عليه"1.


وقال العلامة الشوكاني - رحمه الله - عند شرحه للحديث السابق: "..فيه دليل على جواز الحكم بالدليل لكونه - صلى الله عليه وآله وسلم - كف عن القتال بمجرد سماع الأذان،


وفي هذا الحديث الأخذ بالأحوط في أمر الدماء؛ لأنه كف عنهم في تلك الحال مع احتمال أن لا يكون ذلك على الحقيقة"2.


وقد تعرض العلماء إلى بيان بعض حِكم الأذان فقال النووي: "وذكر العلماء في حكمة الأذان أربعة أشياء: إظهار شعار الإسلام وكلمة التوحيد، والإعلام بدخول وقت الصلاة، وبمكانها، والدعاء إلى الجماعة"3.



كما أن العلماء أيضاً بينوا حكم الأذان، فعدوه من فروض الكفاية، بمعنى أنه إذا قام به البعض سقط الإثم عن الباقين، وإن لم يقم به أحداً أثموا جميعاً.




والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

1 فتح الباري(2/90).

2 نيل الأوطار(8/51)

3 شرح النووي على مسلم(4/77).

مسلم التونسي 02-05-2011 12:51 PM

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

نتحدث في هذا المقال عن الأذان والإقامة في غير الصلوات، هل له مواطن يشرع فيها، وسيتم بيان القول الصحيح من أقوال أهل العلم في ذلك، مع بيان الدليل؛

حيث صار مشهوراً بين الناس مشروعية الأذان والإقامة في مواطن قد لا يصح الاعتماد على بعضها لضعف الدليل أو عدمه.

ونبدأ هنا بذكر المواطن التي اشتهر فيها فعل الأذان والإقامة في غير الصلوات، فمن ذلك:
الأذان في أذُن المولود اليمنى عند ولادته، والإقامة في أذنه اليسرى، ومنها الأذان وقت الحريق ووقت الحرب، وخلف المسافر.

ومنها الأذان في أذن المهموم المصروع وللغضبان، ولمن ساء خلقه من إنسان أو بهيمة، وإذا تغولت الغيلان، أي سحرة الجن والشياطين؛ وذلك لدفع شرها بالأذان، وعند إدخال الميت القبر.

أولاً: الأذان والإقامة في أذن المولود:

اختلف الفقهاء في مشروعية الأذان والإقامة في أذن المولود على قولين:

القول الأول:

أنه يستحب الأذان في أذن المولود، وزاد بعضهم والإقامة, فيؤذن في أذنه اليمنى ويقيم في اليسرى، وهو قول متأخري الحنفية ومتأخري المالكية، وقول الشافعية والحنابلة
1.


القول الثاني:

أنه يكره الأذان والإقامة في أذن المولود، وهو قول الإمام مالك.

وقد استدل القائلون بأنه يستحب بما يلي:


أولاً: من السنة:

1- حديث أبي رافع -رضي الله عنه- قال: "رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أذن في أذن الحسن بن علي حين ولدته فاطمة بالصلاة"
2.
2
- حديث الحسين بن علي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم-: (من ولد له مولود فأذن في أذنه اليمنى وأقام في أذنه اليسرى لم تضره أم الصبيان)
3.


ثانياً من الآثار:

ما روي عن عمر بن عبد العزيز أنه كان إذا ولد له ولد أذن في أذنه اليمنى، وأقام في أذنه اليسرى4.


ثالثاً من المعقول:

1- أن يكون أول ما يقرع سمع الإنسان كلمات الأذان المتضمنة لكبرياء الرب وعظمته، والشهادة التي هي أول ما يدخل بها الإنسان في الإسلام، كما يلقن كلمة التوحيد عند خروجه من الدني
5.


2-
هروب الشيطان من كلمات الأذان، وهو ما كان يرصده حتى يولد6




3-
أن تكون دعوته إلى الله وإلى دينه الإسلام وإلى عبادته سابقة على دعوة الشيطان، كما كانت فطرة الله سابقة على تغيير الشيطان لها.7





ثانياً: الأذان إذا تغولت الغيلان:

الغيلان: جمع غول، وهي جنس من الجن والشياطين، والتغول: التلون، وتغولت الغول: تخيلت وتلونت
8، والغول في لغة العرب: الجان إذا تبدى في الليل9.


وقد ذكر بعض فقهاء الشافعية وتبعهم بعض متأخري الحنفية أنه يستحب الأذان إذا تغولت الغيلان، واستدلوا على ذلك بأدلة منها ما يلي:


أولاً: من السنة:


1- حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إذا تغولت الغيلان فنادوا بالأذان)
10.


2- حديث سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- قال سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (إذا تغولت لكم الغيلان فأذنوا)
11.

3- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إذا تغولت لكم الغول فنادوا بالأذان فإن الشيطان إذا سمع النداء أدبر وله حصاص)
12.


ثانياً من الآثار:
1-
عن سهيل بن أبي صالح ذكوان السمان –رحمه الله- قال: أرسلني أبي إلى بني حارثة، قال: ومعي غلامٌ لنا -أو صاحبٌ لنا- فناداه مناد من حائط باسمه، قال: وأشرف الذي معي على الحائط فلم يرَ شيئاً، فذكرت ذلك لأبي


فقال: لو شعرت أنك تلقى هذا لم أرسلك، ولكن إذا سمعت صوتاً فناد بالصلاة؛ فإني سمعت أبا هريرة –رضي الله عنه- يحدث عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أنه قال:
(إِنَّ الشَّيْطَانَ إِذَا نُودِيَ بِالصَّلَاةِ وَلَّى وَلَهُ حُصَاصٌ)13، والحصاص أي: ضراط كما في الرواية الأخرى، وقيل الحصاص: شدة العدو14.


2- ما روي أن الغيلان ذكروا عند عمر -رضي الله عنه- فقال: "إن أحداً لا يستطيع أن يتحول عن صورته التي خلقه الله عليها، ولكن لهم سحرة كسحرتكم، فإذا رأيتم ذلك فأذنوا"
15.



وبهذا يعلم أن الأذان عند تغول الغيلان مستحب؛ وذلك لصحة بعض الأدلة الواردة في ذلك.

ثالثاً:مواطن في غير الصلوات لا يشرع لها الأذان:



معلوم أن الأذان شرع في الأصل للإعلام بالصلاة، ولا يشرع في غير الصلوات المفروضة إلا ما وردفيه نص صريح يفيد مشروعيته لغير الصلوات، ولم يرد إلا في موضعين،


وهما الأذان في أذن المولود وعند تغول الغيلان على خلاف بين أهل العلم في ثبوت ذلك كما تقدم.

وقد توسع بعضهم فاستحبوا الأذان في مواضع أخرى لا أصل لها استئناساً وتبركاً، أو إزالة للهم، وهذه المواضع هي:

1-
الأذان لمن ساء خلقه من إنسان أو بهيمة, استناداً على ما روي عن الحسين بن علي-رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: (من ساء خلقه من إنسان أو دابة فأذنوا في أذنيه). وهو أثر لا يصح16.

2- الأذان في أذن المهموم.

3- الأذان في أذن المصروع.

4- الأذان في أذن الغضبان.

5- خلف المسافر.

6- عند مزدحم الجيش.

7- لمن ضل الطريق في السفر.

8- عند إنزال الميت القبر.

9- الأذان عند ركوب البحر.

وكل ذلك مخالف للسنة المطهرة، ومما أحدث من البدع التي لا أصل لها، ومن استحب ذلك من الفقهاء إما أن يكون اعتمد على خبر لا يصح، أو قاسه على أصل مشروع، أو استحسنه، ومثل هذا لا يثبت إلا توقيف17.


نسأل الله تعالى أن يوفقنا لصالح العمل، وأن يجنبنا الزلل في القول والعمل، إنه سميع قريب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.




1 البحر الرائق 1/272، رد المحتار 1/385، مواهب الخليل 1/434، المهذب مع المجموع 8/325، مغني المحتاج 1/134، المغني 13/401، شرح منتهى الإرادات 1/130- 131

2 رواه أبو داود (5105) والترمذي (1514) وأحمد (27230) وحسنه الألباني رحمه الله برقم (1173) في إرواء الغليل.

3 رواه البيهقي في شعب الإيمان (8619) وهو ضعيف جداً، بل قال الألباني في السلسلة الضعيفة (321): (موضوع).

4 أخرجه عبد الرزاق في المصنف رقم (7985) (4/336)، والبغوي في شرح السنة (11/273) وهو مستدرك على الحافظ ابن حجر، ومن بعده الإمام الشوكاني، إذ قال الحافظ: "لم أره عنه مسنداً"التلخيص الحبير (4/386)، نيل الأوطار (5/146), لكن شيخ عبد الرزاق هو: إبراهيم بن محمد بن أبي يحي, متروك كما في التقريب (1/33)، انظر تصحيح الدعاء لبكر أبو زيد ص 405، 406.

5 انظر: تحفة المودود بأحكام المولود لابن القيم ص 22، ط: دار البيان دمشق 1414هـ، ومرقاة المفاتيح 4/36، وشرح منتهى الإرادات 1/131.

6 المصادر السابقة.

7 تحفة المودود بأحكام المولود ص 23.

8 النهاية لابن الأثير (3/355) ولسان العرب (10/147).

9 تفسير ابن كثير (1/33).

10 رواه الإمام أحمد في المسند (14316) وابن أبي شيبة (95) وابن خزيمة (2549) قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح كما في مجمع الزوائد (3/487) وقال الألباني ضعيف.

11 أخرجه عبد الرزاق في المصنف برقم (9252) وعن الحسن مثله برقم (9247) والبزار (كشف الأستار برقم (3129) قال الهيثمي: "رجاله ثقات إلا الحسن البصري لم يسمع من سعد فيما أحسب)

12 رواه الطبراني في المعجم الأوسط برقم (7436)، قال الهيثمي: "فيه عدي بن الفضل وهو متروك" مجمع الزوائد (10/192).

13 رواه مسلم (389).

14 شرح النووي على مسلم (ج 4/92).

15 أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (6/95)، وابن عبد البر في التمهيد (3/42) وصحح إسناده الحافظ ابن حجر في الفتح (6/396).

16 أخرجه الديلمي (فردوس الأخبار بمأثور الخطاب (4/207) ط: دار المتاب العربي 1407هـ، والإسناد فيه المعلى بن مهدي، قال في الميزان (4/151) قال أبو حاتم: "يأتي أحياناً بالمناكير".

17 استفيد الموضوع بتصرف يسير من كتاب أحكام الأذان والنداء والإقامة لـ(سامي بن فراج الحازمي)، قدم له فضيلة الشيخ سعود بن إبراهيم الشريم، إمام وخطيب المسجد الحرام.


مسلم التونسي 02-05-2011 12:52 PM

الأذان والإقامة لصلاة العيدين ولغير المفروضة



الحمد لله على نعمائه، والشكر له على إحسانه وتوفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيماً لشأنه, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وعلى آله وأصحابه. أما بعد:

اتفق الفقهاء على أن الأذان والإقامة لا يشرعان إلّا للصلوات الخمس المفروضة( ومنها الجمعة) فلا يشرعان لغيرها من فروض الكفاية أو النوافل؛ كالعيدين، والجنازة، والاستسقاء والكسوف وغير ذلك(1).



قد حكى الإجماع على ذلك غير واحد من أهل العلم(2).

واستدلّوا على ذلك بما يلي:

1- أنه لم يؤذن على عهد رسول الله-صلى الله عليه وسلم- لغير الصلوات الخمس المفروضة(3).
2
- أن المقصود من الأذان الإعلام بوقت الصلاة على الأعيان، وهذا لا يوجد في غير المكتوبة(4).

3- أن الأذان والإقامة شُرعا علماً على المكتوبة، وهذه ليست بمكتوبة(5).


وهذا وقد ورد التصريح بنفي الأذان والإقامة عن بعض تلك الصلوات في بعض الأحاديث، كصلاة العيدين، وصلاة الاستسقاء، منها مايلي:

أولاً صلاة العيدين:


1- عن ابن عباس، وعن جابر بن عبد الله-رضي الله عنهما- قالا:"لم يكن يؤذن يوم الفطر ولا يوم الأضحى"(6).

2- وعن جابر بن عبد الله-رضي الله عنه-: (أن لا أذان للصلاة يوم الفطر حين يخرج الإمام ولا بعد ما يخرج، ولا إقامة ولا نداء، ولا شيء، لا نداء يومئذٍ ولا إقامة"(7).

3- وعن جابر بن سمرة-رضي الله عنه- قال: (صلّيت مع رسول الله-صلى الله عليه وسلم- العيدين غير مرّة ولا مرّتين بغير أذان ولا إقامة)(8).

فائدة:


روي أن أول من أحدث الأذان والإقامة لصلاة العيدين معاوية بن أبي سفيان-رضي الله عنهما.(9).


وقيل عبد الله بن الزبير-رضي الله عنهما-، وقيل غير ذلك(10).

ثانياً: صلاة الاستسقاء:


1- عن أبي هريرة-رضي الله عنه- قال: "خرج رسول الله-صلى الله عليه وسلم-يوماً يستسقي، فصلّى بنا ركعتين بلا أذان ولا إقامة...)(11).

2- ما روي أن عبد الله بن يزيد الأنصاري-رضي الله عنه- خرج ومعه البراء بن عازب، وزيد بن أرقم-رضي الله عنه- فاستسقى، فقام على رجليه على غير منبر، فاستغفر ثم صلى ركعتين يجهر بالقراءة، ولم يؤذن ولم يقم(12).



وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين،،،

1 - راجع: المبسوط(1/134). وبدائع الصنائع(1/152).

2 - انظر جامع الترمذي(1/537).

3 - فتح القدير(1/240).

4 - المبدع(1/311).

5 - بدائع الصنائع(2/242).

6 - البخاري-كتاب العيدين، باب المشي والركوب إلى العيد بغير أذان ولا إقامة.

7 - مسلم، كتاب صلاة العيدين. رقم (886).

8 - مسلم ، كتاب صلاة العيدين رقم (887).

9 - أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف(1/491).

10 - راجع: التمهيد(5/227). وفتح الباري(2/525).

11 - أحمد ، وابن ماجه.

12 -البخاري، كتاب الاستسقاء، باب الدعاء في الاستسقاء قائماً، رقم (1022).


مسلم التونسي 02-05-2011 12:52 PM

الأذان مسؤولية


الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على رسوله الصادق الأمين، وعلى آله الطاهرين وصحابته الطيبين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فإن الأذان مسؤولية المؤذن، وعليه أن يراعي مسؤوليته، وما يجب عليه في ذلك من الاهتمام بالوقت ودخوله، سيما الفجر والمغرب في رمضان، على وجه الخصوص،

وإلا فطوال العام لابد من التحري لدخول وقت الصلاة، وتحري أوقات الأذان والإقامة.

ولو رأينا لحال النبي -صلى الله عليه وسلم- مع الأذان لوجدناه كثيراً ما ينبه على أهمية ضبط الوقت للمصلين، ولذا حدد -صلى الله عليه وسلم- أكثر من مؤذن يقومون بالتعاون عليه،

وليس هذا إلا من أهمية الأذان ووقته، وأنه مسؤولية عظيمة لا ينبغي التساهل في شأنها، أو التهاون في وقتها.


وقد جاء في ضبط النبي -صلى الله عليه وسلم- ما يدل على اهتمامه بهذا الأمر من حديثٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عُمَرَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ:
(إِنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ) وَكَانَ رَجُلًا أَعْمَى لَا يُنَادِي حَتَّى يُقَالَ لَهُ: أَصْبَحْتَ أَصبَحْتَ)1.


وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ، أَوْ أَحَدًا مِنْكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ مِنْ سَحُورِهِ؛ فَإِنَّهُ يُؤَذِّنُ، أَوْ يُنَادِي بِلَيْلٍ؛ لِيَرْجِعَ قَائِمَكُمْ، وَلِيُنَبِّهَ نَائِمَكُمْ، وَلَيْسَ أَنْ يَقُولَ الْفَجْرُ، أَوْ الصُّبْحُ،


وَقَالَ بِأَصَابِعِهِ وَرَفَعَهَا إِلَى فَوْقُ، وَطَأْطَأَ إِلَى أَسْفَلُ حَتَّى يَقُولَ: هَكَذَا، وَقَالَ زُهَيْرٌ -أحد رواة الحديث- بِسَبَّابَتَيْهِ إِحْدَاهُمَا فَوْقَ الْأُخْرَى ثُمَّ مَدَّهَا عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ)2.


فهذا يدل على أن شعائر الدين لها اهتمامها الخاص عند النبي صلى الله عليه وسلم، كيف لا وهو المعلم والقدوة والأسوة والمرجعية المطلقة.

ولما كان الأمر كذلك تعين على من جاء من بعده من الأئمة والمؤذنين أن يجعلوا جل اهتمامهم بوقت الصلاة وضبطها، وأحكام الأذان وما يجب على المؤذن فعله، وما يستحب وما يكره وما يحرم، إلى غير ذلك من الأحكام؛ فإنه يترتب على الأذان أحكام عدة منها وقت الصلاة، واستعداد الناس لها، ومنها قيام الليل والسحور، وإمساك الصائم وإفطاره وغير ذلك،


كل هذه كان الأذان علامة لها ودليلاً عليها، والناس قد جعلوا من إمام المسجد قدوة لهم في هذه الأمور، ووثقوا به فما عليه إلا أن يتحرى هذا الأمر؛ فإنها مسؤولية يسأل بها بين يدي الله.


ونجد اليوم في بعض البلدان وقوع بعض الأخطاء الناتجة عن الأذان تقديماً وتأخيراً، كاختلاف الناس في أذان الفجر: هل دخل وقته أم لا، والمغرب هل يفطر الصائمون أم لا، وغير ذلك من الأمور التي تجب العناية بها، وتعظيمها ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب، هذا على جهة المؤذن والإمام.

وعلى الجهات المعنية بذلك رسمياً وضع تقويم دقيق لكل منطقة قد يختلف فيها التوقيت، وتعميمه على المساجد؛ ليكون مسلكاً يسلكه المؤذنون في أرجاء البلدة ترفع الحرج عن الناس، فليس كل الناس خبراء في علم التوقيت ولا في فقه الصلوات.


والله أعلم

1 صحيح البخاري: (582).

2 صحيح البخاري: (586)، صحيح مسلم: (1830) واللفظ للبخاري.


مسلم التونسي 02-05-2011 12:53 PM

أيها المؤذن! إياك وتحمل الإثم


الحمد لله وصلى الله على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:

أيها المؤذن: قد منَّ الله عليك بما أنت فيه من نعمة الدعوة إلى الله، {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}1،

وهل أحسن مما تدعو إليه؟ وهل أحسن منك دعوة وشعاراً؟.

ليس على وجه البسيطة من يوازي مكانة الداعي إلى الله، والهادي إلى سبيل الله، ولا من الأعمال عمل يضاهي النداء إلى عبادة الرحمن.


أيها المؤذن: يا من يقتدي بك المسلمون، يقضي بشهادتك المصلون، لقد ارتقيت مرتقىً صعباً، واشتريت مرتعاً خصباً، تعظم فيه الحسنات، وتزيد فيه الأجور، إذا ارتفع نداك مجلجلاً في أرجاء البلاد فر الشيطان وله ضراط،

وإذا علا صوتك لم يكن جن ولا إنس ولاشيء سمع نداءك إلا كان لك شاهداًَ يوم القيامة.

مع أذانك يفطر الصائمون، وعليه يعتمد المتسحرون، صرت فيهم شاهداً عدلاً يسمع قوله ويطاع،
فشهادتك بينهم مقبولة، وكلماتك لديهم مأمولة، وهذا أيها المؤذن مُؤْذِنٌ بخير في الأمة، ولكنه لفتة انتباه بالنسبة لك، فالأمر ليس بالسهل ما دام الناس متَّبعيك في أعظم شعائرهم.


حذار من امتهان هذه المسؤولية، إنها أمانة في عنقك، وستسأل عنها أمام الله تعالى، ستسأل عن أناس أكلوا وهم صيام تبعاً لأذانك،

وستسأل عن أناس تركوا سحورهم تبعاً لأذانك، ربما جاع أحدهم وبلغ به الجوع مبلغاً عظيماً بسبب تركه السحور، وكان في متسع فضيقت عليه، وربما صلى أناس الفجر ولم يدخل وقت الصلاة بعد.


إنها مسؤولية عظيمة قد ألقيت على عاتقك، وتحملت أمانتها، وسوف تسأل عنها بين يدي المولى جل وعلا، فارفق بنفسك، وقم بواجبك على أتم حال، ولا تظنن أن الأمر يسير، فهو أمر عظيم، وأمانة عظمى لا بد من القيام بحقها.




إياك وأن يكون ظاهرك الخير والدعوة إلى الله، وفي الحقيقة أنت تأثم في أغلب الأيام، وتظن أنك على شيء وأنت في مصيدة للآثام.

إياك أن تزل بدعوتك الصالحة، فتكون جالباً للمشقة على الناس، وتفقد ثقة الناس بك، فكم اشتهر بين الناس أن المؤذن الفلاني يقدم في الوقت، أو يؤخر فيه، أو غير منضبط، وبالتالي كنت سبباً والعياذ بالله في تهاون الناس بشعائر الدين، وتكاسلهم عن العبادات.


وربما وقعت في تشكيك الناس في يقينياتهم، وجعلت الشعائر المتعلقة بالأذان مشكوكاً فيها، فتجد أناساً يمسكون قبل الفجر بعشر دقائق احتياطاً؛ لأنك لم تضبط لهم الوقت المحدود،

وترى آخرين يفوتهم أجر تعجيل الإفطار بسبب احتياطهم الذي تسببت في إيجاده لديهم.

واعلم أن الناس يتبعون أئمة مساجدهم ومؤذنيها، ويكلون أمر الصلاة ووقتها عليهم، بل ويعتبرونهم قدوة في هذا الباب، فلا تكن أول مقصر فيه، وأول متهاون، فإنك وحدك من سيتحمل التبعات.


لذلك يجب عليك أن تحافظ على وقتك، وتضبط أوقات الصلوات، وكن دقيقاً في ذلك، ويمكنك أن تستعين ببعض التقويمات، أو التعميم الوزاري التابع لوزارة الأوقاف ببلدك، أو سؤال ذوي الخبرة، أو أي شيء مما ينمي خبرتك بالأوقات،

فكلما زادت دقتك كلما زادت ثقة المسلمين، ولا أعني بثقة المسلمين بشخصك فحسب، إذ ليس هدفاً يُسعى إليه، ولكن أعني الثقة بعملك وقيامك به على وجه يضبط لهم شعائر دينهم.


اللهم اهدنا إلى طاعتك واجعلنا من عبادك الصالحين، واكتب لنا الصيام والقيام والدعوة إليك يا رب العالمين.
1 (33) سورة فصلت.


مسلم التونسي 02-05-2011 12:53 PM

المدة بين الأذانين

الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:


فقد يتساءل امرؤ عن الوقت بين الأذان والإقامة هل هو محدد شرعا أم لا؟ فإن المساجد تختلف فيه، وليس هناك وقت متفق عليه، وأما في صلاة المغرب في رمضان فالناس ما بين مفرط ومفرط –باختلاف البلدان-.



وقد اتفق الفقهاء على استحباب الفصل بين الأذان والإقامة للصلوات الخمس بقدر الوضوء وصلاة ركعتين، يتهيئون فيها ما عدا المغرب فقد اختلفوا فيه1.


والأولى به في الصلاة التي قبلها تطوع مسنون أو مستحب أن يتطوع بين الأذان والإقامة جاء في تأويل قوله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا}2، أنه المؤذن يدعو الناس بأذانه ويتطوع بعده قبل الإقامة3.


وقد جاء من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ الْمُزَنِيِّ –رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ) ثَلَاثًا (لِمَنْ شَاءَ). قال ابن حجر -رحمه الله-: أي أذان وإقامة4.



والحديث يدل على عدم الوصل بين الأذان والإقامة، بل بينهما وقت تؤدى فيه صلاة النافلة.


والفصل بين الأذان والإقامة أمر ضروري جداًً؛ لأن المقصود بالأذان إعلام الناس بدخول الوقت ليتأهبوا للصلاة بالطهارة، فيحضروا المسجد لإقامة الصلاة، وبالوصل ينتفي هذا المقصود،

فإن كانت الصلاة مما يتطوع قبلها يفصل بينهما بالصلاة، فإن لم يُصلَّ يفصل بينهما بجلسة خفيفة؛ لحصول المقصود به5، وهذا أوجه ما قيل في هذه المسألة.



وأما إذا كان في المغرب فقد اتفقوا على أن الفصل لا بد منه فيه أيضاً، لكنهم اختلفوا في مقداره على ثلاثة أقوال6:


الأول: يستحب أن يفصل بينهما بسكتة قائماً مقدار ما يتمكن فيه من قراءة ثلاث آيات قصار أو آية طويلة لأن تأخير المغرب عن وقتها مكروه، والاشتغال بالركعتين يؤدي إلى التأخير فلذلك لا يفصل بينهما، وهذا عند أبي حنيفة وظاهر مذهب المالكية.



الثاني: يستحب أن يفصل بينهما بمقدار صلاة ركعتين خفيفتين، وبه قال بعض الشافعية وبعض الحنابلة، واستدلوا بما جاء عن عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيّ عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (صَلُّوا قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ) قَالَ فِي الثَّالِثَةِ: (لِمَنْ شَاءَ) كَرَاهِيَةَ أَنْ يَتَّخِذَهَا النَّاسُ سُنَّةً7.




وعَنْ مُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَنْ التَّطَوُّعِ بَعْدَ الْعَصْرِ، فَقَالَ: كَانَ عُمَرُ يَضْرِبُ الْأَيْدِي عَلَى صَلَاةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ، وَكُنَّا نُصَلِّي عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ، فَقُلْتُ لَهُ: أَكَانَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- صَلَّاهُمَا قَالَ: كَانَ يَرَانَا نُصَلِّيهِمَا فَلَمْ يَأْمُرْنَا وَلَمْ يَنْهَنَا)8.



الثالث: يستحب أن يفصل بينهما بجلسة خفيفة كالجلسة التي بين الخطبتين في الجمعة، ولا يستحب الفصل بالصلاة، وهذا هو المشهور عند الشافعية، والصحيح عند الحنابلة.



ويتبين مما تقدم أن الدليل مع من قال بالفصل بركعتين، فهو مؤيد بالنص النبوي الثابت في البخاري، وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لمن شاء) من باب التخفيف قالها: (كَرَاهِيَةَ أَنْ يَتَّخِذَهَا النَّاسُ سُنَّةً) قال المحب الطبري: لم يرد نفي استحبابها لأنه لا يمكن أن يأمر بما لا يستحب، بل هذا الحديث من أقوى الأدلة على استحبابه9.



وفي زماننا ضبط الوقت بين الأذان والإقامة بمدة محددة في كل البلدان، كأن يكون ذلك عشرين دقيقة مثلاً أو خمس عشرة دقيقة، أو أقل من ذلك أو أكثر، كل بلد بحسبه،



وأما صلاة المغرب فإنه يتم التجوز في مدة الوقت بين الأذانين، وذلك بصلاة ركعتين، وبعض البلدان أو بعض القوم لا يفصلون بينهما سوى بالدعاء بعد الأذان، كما في صلاة المغرب،



وهذا كله عائد إلى المصلحة من وراء ذلك، فما بين (الأذانين) الأذان والإقامة مدة تكفي لتجهز الناس للصلاة خاصة عند الازدحام، أو كون بعض البيوت والمساكن بعيدة عن المساجد، ونحو ذلك من الأسباب التي تجعل تأخير الإقامة من الأمور النافعة للناس.


وقد جرت العادة في بلدان عديدة على وضع تقويم للناس يبين وقت الأذان والمدة بينه وبين الإقامة، وهذا مما تضبط به الأوقات وتعرف به الصلوات، ويكون المسلم على معرفة تامة بوقت الصلاة والمدة بين الأذانين.





والله تعالى أعلم.

والحمد لله رب العالمين.


1 المغني لابن قدامة: (2/219)، والمجموع للنووي: (3/120).

2 (33) سورة فصلت.

3 المبسوط للسرخسي: (1/414)، وتفسير الطبري: (21/469)، وتفسير ابن كثير: (7/180).

4 فتح الباري: (2/431)، وكذا قال النووي في شرح مسلم: (3/196)

5 العناية شرح الهداية لمحمد بن أحمد الحنفي: (1/403).

6 مواهب الجليل في شرح مختصر الشيخ خليل للحطاب: (3/382)، والمغني: (2/219).

7 صحيح البخاري: (1111).

8 صحيح مسلم: (1382).

9 فتح الباري لابن حجر: (4/183).


مسلم التونسي 02-05-2011 12:53 PM

تعميم الأذان
الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:


فإن الأذان من أفضل العبادات القولية، ومن شعائر الإسلام الظاهرة التي إذا تركها أهل بلد أثموا، وهو العلامة الفارقة بين دار الإسلام ودار الكفر حتى إن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يترك قتال بلد لأجل سماعه صوت المؤذن يجلجل بالتكبير، وقد شرع للنداء للصلوات الخمس، والغرض منه الإعلام بدخول وقتها.


ولما كان الأذان عبادة يتعبد بها الله، كان لابد لها من النية فهي شرط صحة لكل عبادة، فلو أذَّن مؤذن دون قصد لم يصح الأذان على القول الراجح؛ إذ لابد أن ينوي المؤذن عند أدائه الأذن أن هذا أذان لهذه الصلاة، ولهذا لم يعتبر أذان السكران والمجنون والمغمى عليه عند جمهور أهل العلم.



وفي عصرنا هذا ابتدعت أمور لم تكن من قبلُ، تعتمد بعض المساجد في بعض الدول في أذانها على أذان مسجل في شريط، أو أذان المذياع، وهذا ليس من المشروع في شيء ولا يعتمد أذاناً. فعلى أهل كل بلد أن يجعلوا لهم من أنفسهم مؤذناً يؤذن لهم كما جاء في حديث مالك بن الحويرث -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له: (فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ)1.


وقد ورد في هذا الموضوع الفتوى رقم (10189) من فتاوى اللجنة الدائمة في السعودية في سؤال عن الأذان بالمذياع جاء فيه:



إنه لا يكفي في الأذان المشروع للصلوات المفروضة أن يؤذن من الشريط المسجل عليه الأذان، بل الواجب أن يؤذن المؤذن للصلاة بنفسه لما ثبت من أمره عليه الصلاة والسلام بالأذان، والأصل في الأمر الوجوب.


وسئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين عن الأذان في المذياع أو التلفاز هل يُجاب؟
فأجاب قائلاً: الأذان لا يخلو من حالين:



الحال الأولى : أن يكون على الهواء -أي أن الأذان كان لوقت الصلاة من المؤذن- فهذا يجاب؛ لعموم أمر النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا سَمِعْتُمْ النِّدَاءَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ)2 إلا أن الفقهاء -رحمهم الله- قالوا: إذا كان قد أدَّى الصلاة التي يؤذن لها فلا يجيب.


الحال الثانية: إذا كان الأذان مسجلاً، وليس أذاناً على الوقت فإنه لا يجيبه؛ لأن هذا ليس أذاناً حقيقياً -أي أن الرجل لم يرفعها حين أمر برفعه- وإنما هو شيء مسموع لأذان سابق. -وإن كان لنا تحفظ على كلمة: يرفع الأذان- ولذا نرى أن يقال: "أذن فلان"، لا: "رفع الأذان"3.



والأذان شعيرة عظيمة من شعائر الإسلام، وقد صار علامة واضحة على جبين المساجد، فما أروع تلك المنائر حين يدوي صوتها في الآذان وما أجملها عندما يصدح المؤذن بأذانه في أرجاء بلاد الإسلام، ويجلجل صداه في الآفاق، وما أعظمه من نداء يرغم أنفة المتجبرين، ويهز شوكة أهل الشرك، فعلى مرِّ التاريخ لا زال يضيق به ذرعاً أهل الفساد والعناد.



وليُعلم أن الأذان ليس موسيقى غنائية، أو ناقوساً أو طبلة لهو، إن الأذان شعار وراية للمسلمين، ونداء الرحمن لعباده المؤمنين، وعبادة يتعبد بها المسلمون الخالقَ جل في علاه، ولهم به شغف، وإليه شوق، ومن الأذان يتزودون ثقتهم بالله ما دام يعلن فيها "أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمد رسول الله".



ولهذا فإن منع الأذان من أن يصدع من فوق المنارات، ويرفع شعاراً فوق الشعارات، يُعد تجنياً على دين الله تعالى، وتعدياً لحدوده، وقريبٌ من منعه إقصاءُ دوره والتدخلُ في خاصياته من وقت وسمات وشروط وآداب وأحكام وغيرها، كما وقع في ظن كثير ممن انزعجت آذانهم بسماع المسلمين وأذانهم،



حتى قال قائلهم: "أن بيوت الله يجب أن تكون مصدراً لإسعاد الناس، وليس لإزعاجهم وإرهابهم فكريا" قاصداً بذلك الأذان!! فرأوا أن يقوموا بتوحيد الأذان ظناً منهم أن الأذان نغمة موسيقية كدقات الناقوس، وأن الأفضل توحيده بحيث يرفع الأذان في وقت واحد في البلد كلها، وأن يعمم عبر الشبكة الإلكترونية، ويكون المؤذن واحداً، وعجبي من هذا الهراء، ومن حذا حذوه، صحيح أن من تكلم في غير فنه أتى بالعجائب.



وقريب منه في إثارة العجب العجاب أن يدافع بعض المساكين المتمسحين بالعلم عن الأذان بقوله في توحيد الأذان عبر الشبكة الإليكترونية:



إنها تضع قيودًا على حرية الإبداع بغلق باب الاجتهاد الفني أمام المؤذن وتسييد نغمة واحدة لصوت واحد في الأذان، وأنه إفقار للخيال وللثراء النغمي في موسيقانا العربية، بتثبيت نغمة واحدة وصوت واحد للأذان، مما يعد إساءة بالغة للثقافة الغنائية، وإساءة للتقاليد الفنية للأذان، وأيضاً يسبب لأكثر من تسعين ألفاً من المؤذنين في بلدة البطالة فيبقون دون أي عمل وأي مصدر!!.

الأمر ليس هكذا بالصورة البسيطة العادية، هذا الأمر دين، وهذه بلاد الإسلام من شاء أن يحيا فيها بإقامة شرع الله وإلا فلينظر أيَّ أرض تؤويه، فليس البشر هم من يتحكم في دين الله، والدين ليس ثقافة غنائية موسيقية، إنه وحي رباني، لا يعبر عنه أنه فكر ولا ثقافة ولا نغمات فنية.


وسبحان الله رأى إلى أجرة القائم على الأذان ولم ينظر إلى أجره عند الله، (فَإِنَّهُ لَا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلَا إِنْسٌ وَلَا شَيْءٌ إِلَّا شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)4، و(الْمُؤَذِّنُونَ أَطْوَلُ النَّاسِ أَعْنَاقًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ)5



ولهم من الأجر شيء عظيم، هذه الفكرة ستحرم كثيراً من المؤذنين الأجر وتحصره في واحد أو اثنين، بل حتى من سيختار صوته ليس له أجر تسجيله، فيكون أول محروم، وربما كان ذلك جالباً له الرياء والعجب.

وأما من حيث الحكم الشرعي لهذه الظاهرة فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي المنعقد بدورته التاسعة في مكة المكرمة من يوم السبت 12/7/1406هـ إلى يوم السبت 19/7/1406هـ قد نظر في الاستفتاء الوارد من وزير الأوقاف بسوريا برقم 2412/4/1 في 21/9/1405هـ بشأن حكم إذاعة الأذان عن طريق مسجلات الصوت «الكاسيت» في المساجد؛ لتحقيق تلافي ما قد يحصل من فارق الوقت بين المساجد في البلد الواحد حين أداء الأذان للصلاة المكتوبة.



وعليه فقد اطلع المجلس على البحوث المعدة في هذا من بعض أعضاء المجمع، وعلى الفتاوى الصادرة في ذلك من سماحة المفتي سابقًا بالمملكة العربية السعودية الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ -رحمه الله تعالى- برقم 35 في 3/1/1378هـ، وما قررته هيئة كبار العلماء بالمملكة في دورتها الثانية عشرة المنعقدة في شهر ربيع الآخر عام 1398هـ، وفتوى الهيئة الدائمة بالرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد في المملكة برقم 5779 في 4/7/1403هـ، وتتضمن هذه الفتاوى الثلاث عدم الأخذ بذلك، وأن إذاعة الأذان عند دخول وقت الصلاة في المساجد بواسطة آلة التسجيل ونحوها لا تجزئ في أداء هذه العبادة.



وبعد استعراض ما تقدم من بحوث وفتاوى، والمداولة في ذلك فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي تبين له ما يلي:


1. أن الأذان من شعائر الإسلام التعبدية الظاهرة، المعلومة من الدين بالضرورة بالنص وإجماع المسلمين، ولهذا فالأذان من العلامات الفارقة بين بلاد الإسلام وبلاد الكفر، وقد حكي الاتفاق على أنه لو اتفق أهل بلد على تركه لقوتلوا.




2. التوارث بين المسلمين من تاريخ تشريعه في السنة الأولى من الهجرة وإلى الآن، ينقل العمل المستمر بالأذان لكل صلاة من الصلوات الخمس في كل مسجد، وإن تعددت المساجد في البلد الواحد.


3. في حديث مالك بن الحويرث -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إذا حضَرت الصلاةُ فلْيُؤذِّنْ لكم أحدُكم ولْيَؤمَّكم أكبرُكم)6.


4. أن النية من شروط الأذان، ولهذا لا يصح من المجنون ولا من السكران ونحوهما، لعدم وجود النية في أدائه فكذلك في التسجيل المذكور.


5. أن الأذان عبادة بدنية، قال ابن قدامة -رحمه الله تعالى- في المغني 1/425: (وليس للرجل أن يبني على أذان غيره؛ لأنه عبادة بدنية فلا يصح من شخصين كالصلاة)ا.هـ.


6. أن في توحيد الأذان للمساجد بواسطة مسجل الصوت على الوجه المذكور عدة محاذير ومخاطر منها ما يلي:


أ*- أنه يرتبط بمشروعية الأذان أن لكل صلاة في كل مسجد سننًا وآدابًا، ففي الأذان عن طريق التسجيل تفويت لها وإماتة لنشرها مع فوات شرط النية فيه.


ب*- أنه يفتح على المسلمين باب التلاعب بالدين، ودخول البدع على المسلمين في عباداتهم وشعائرهم، لما يفضي إليه من ترك الأذان بالكلية والاكتفاء بالتسجيل.



وبناء على ما تقدم فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي يقرر ما يلي:


أن الاكتفاء بإذاعة الأذان في المساجد عند دخول وقت الصلاة بواسطة آلة التسجيل ونحوها لا يجزئ ولا يجوز في أداء هذه العبادة، ولا يحصل به الأذان المشروع، وأنه يجب على المسلمين مباشرة الأذان لكل وقت من أوقات الصلوات في كل مسجد على ما توارثه المسلمون من عهد نبينا ورسولنا محمد -صلى الله عليه وسلم- إلى الآن. والله الموفق7.


وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

1 صحيح البخاري: (592) وصحيح مسلم: (1080).

2 صحيح البخاري: (576)، وصحيح مسلم: (576).

3 فتاوى ورسائل ابن عثيمين سؤال رقم: (120).

4 صحيح البخاري: (574).

5 صحيح مسلمhttp://www.waratel.net/vb/images/smilies/frown.gif580)

6 تقدم تخريجه.

7اسلام اون لاين


مسلم التونسي 02-05-2011 12:54 PM

فضل الأذان والمؤذن

الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين.. أما بعد:


لا يشك مسلم في أن الأذان شعارٌ من شعائر أهل الإسلام، ونداءتهم إلى الصلاة والعبادة، أمر المسلمون، بتلبيته، وإجابته، فإذا كانت هذه خصائصه ومميزاته, فإنه لابد أن يكون فيه فضل عظيم، وأجر كبير،

إذ أنه من الأعمال التي يتقرب إلى الله - عز وجل - بها، فقد قال الله - عز وجل - في كتابه:{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (33) سورة فصلت.


قالت عائشة - رضي الله عنها - وعكرمة ومجاهد, وقيس بن أبي حازم أنها نزلت في المؤذنين، قالت عائشة: فالمؤذن إذا قال: حيّ على الصلاة فقد دعا إلى الله(1).


وقال محمد بن سيرين والسدي, وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم: المراد بها المؤذنون الصلحاء(2)


فليس هناك أحسن ممن يدعوا إلى الله، ويعمل صالحاً، بدليل الآية السابقة، فهو فضل عظيم, وأجر جزيل من رب العالمين.


ثم إن هناك ثم أمور وفضائل في الأذان والمؤذن ذكرت في السنة الغراء, فإليك هذه الفضائل:



1 - الاستهام على الأذان:


عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -http://www.waratel.net/vb/images/smilies/frown.gifلو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول, ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا...)(3).


قال الإمام النووي:(معناه أنهم لو علموا فضيلة، الأذان وقدرها, وعظيم جزائه, ثم لم يجدوا طريقاً يحصلونه به لضيق الوقت عن أذان بعد أن أذان، أو لكونه لا يؤذن للمسجد إلا واحد، لاقترعوا في تحصيله"(4).



2 - المؤذنون أطول أعناقاً يوم القيامة:


عن معاوية - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (المؤذنون أطول الناس أعناقاً يوم القيامة)(5)


أي أن الناس يعطشون يوم القيامة والإنسان إذا عطش انطوت عنقه, والمؤذنون لا يعطشون يومها, فلا تنطوي أعناقهم(6



وقيل معناه: "أكثر الناس تشوفاً إلى - رحمة الله -؛ لأن المتشوف يطيل عنقه إلى ما يتطلع إليه, فمعناه كثرة ما يرونه من الثواب, وقيل إذا ألجم الناس العرق يوم القيامة طالت أعناقهم, لئلا ينالهم ذلك الكرب,



وقيل معناه أنهم سادة ورؤساء, والعرب تصف السادة بطول العنق, وقيل أكثر أتباعاً, وقيل أكثر أعمالاً وروي إعناقاً بكسر الهمزة إسراعاً إلى الجنة من سير العنق"(7)

فأي المعاني كان فهو فضل للمؤذن، وشرف له وسعادة في الآخرة، يوم يفر المرء من أخيه، وأمه وأبيه، يوم تبلغ القلوب الحناجر، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.



3 - الشيطان يفر من الأذان:


عن أبي هريرة رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا نودي للصلاة أدبر الشيطان وله ضراط حتى لا يسمع التأذين، فإذا قضي النداء أقبل، حتى إذا ثُوب بالصلاة أدبر،حتى إذا قضي التثويبُ أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه).



قال الحافظ ابن حجر: "والحكمة في هروب الشيطان عند سماع الأذان والإقامة دون سماع القرآن والذكر في الصلاة, فقيل يهرب حتى لا يشهد للمؤذن يوم القيامة, فإنه لا يسمع المؤذن جن ولا إنس إلا شهد له(8).



4 - الجن والإنس وكل شيء يشهد للمؤذن:


فقد جاء من حديث عبد الرحمن بن أبي صعصعة - رضي الله عنه - أن أبا سعيد الخدري - رضي الله عنه -، قال له:
(إني أراك تحب الغنم والبادية، فإذا كنت في غنمك، أو باديتك فأذنت، بالصلاة فارفع صوتك بالنداء، فإنه لا يسمع مدى، صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة)، قال أبو سعيد: سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (9).



5 - النبي يدعو للمؤذن بالمغفرة:


عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -http://www.waratel.net/vb/images/smilies/frown.gifالإمام ضامن والمؤذن مؤتمن، اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين)(10)..



6 - المغفرة للمؤذن من الله:


عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -http://www.waratel.net/vb/images/smilies/frown.gifالمؤذن يغفر له مدى صوته ويستغفر له كل رطب ويابس)(11).


وعن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (يعجب ربك عز وجل من راعي غنم في رأس شظية، بجبل يؤذن للصلاة ويصلي فيقول الله عز وجل: أنظروا إلى عبدي هذا يؤذن ويقيم الصلاة يخاف مني قد غفرت لعبدي وأدخلته الجنة)(12).



7 - الأذان دليل على وجود الإسلام:


عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغير إذا طلع الفجر, وكان يستمع الأذان، فإن سمع أذاناً أمسك و إلا أغار، فسمع رجلاً يقول: الله أكبر الله أكبر، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:على الفطرة، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرجت من النار، فنظروا فإذا هو راعي معزى)(13).



8 - أن الدعاء بين الأذان والإقامة لا يرد:


فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا يرد الدعاء بين الأذان والإقامة)(14).


وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين،
والحمد لله رب العالمين







1 - تفسير القرطبي (15/315).

2 - تفسير ابن كثير(4/101).

3 - البخاري في الفتح/ (615)، كتاب الأذان، باب الاستهام في الأذان.

4 - شرح صحيح مسلم(4/158).

5 - صحيح مسلم(1/242)(387). كتاب الصلاة، باب فضل الأذان.

6 - كشف الخفاء(2/384).

7 - الديباج للسيوطي(2/122).

8 - فتح الباري(2/86).

9 - البخاري(1/206)(609)، كتاب الأذان، باب رفع الصوت بالنداء.

10 - سنن أبي داود(1/254)(517). كتاب الصلاة، باب ما يجب على المؤذن من تعاهد الوقت، وصححه الألباني كما في صحيح سنن ابن ماجه(1/226).

11 - سنن ابن ماجه (1/240)(724)، كتاب الأذان، باب فضل الأذان وثواب المؤذنين. وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه(1/266).

12 - سنن أبي داود(1/519)(1203)، باب الأذان في السفر.

13 - صحيح مسلم(1/241)(8102)، كتاب الصلاة، باب الإمساك عن الإغارة على قوم في دار الكفر إذا سمع فيهم الأذان.

14 - سنن أبي داود، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، رقم(489).

مسلم التونسي 02-05-2011 12:54 PM

الشروط المتفق عليها لصحة الأذان



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله،وعلى آله وصحبه ومن والاه. أما بعد:

فإن الأعمال التي يراد فعلها على الوجه الصحيح والأسلم لا بد من أن تكون حسب المواصفات والشروط، وإلا فإن العمل لم يؤدَّ بأكمل وجه أو أن فيه نقصاً، ولأن الأذان من أجل العبادات وأنفعها، ولأنه يعلن رسالة التوحيد في اليوم والليلة خمس مرات، فإنه لا بد من أن تتوفر فيه شروط الصحة وإلا فإنه لم يؤدِّ الرسالة المطلوبة منه، بل إنه لا يصح إلا بشروط،


وإننا في هذا المبحث القصير سنتكلم عن بعض الشروط التي لا يكون الأذان صحيحاً إلا بتوفرها، فإليك أخي الكريم هذه الشروط:

1- الشروط المتفق عليها:

الأول: دخول وقت الصلاة.


اتفق الفقهاء على أنه يشترط لصحة الأذان والإقامة دخول وقت الصلاة المفروضة، فلا يصحّ الأذان ولا الإقامة قبل دخول الوقت، وأنه إذا أذن قبل دخول وقت الصلاة أعاد الأذان بعد دخول الوقت، إلا إذا صلى الناس في الوقت وكان الأذان قبله فلا يعاد(1).

الأدلة على ذلك:

1- حديث ابن عمر-رضي الله عنه-:" أن بلالاً أذن قبل طلوع الفجر فأمره النبي-صلى الله عليه وسلم- أن يرجع فينادي: ألا إن العبد نام، ألا إن العبد نام"2.


وجه الدلالة أن النبي-صلى الله عليه وسلم-علّق الأمر بالأذان على حضور الصلاة، وحضورها يكون بدخول وقتها.

2- عن جابر بن سمرة-رضي الله عنه-قال:" كان بلالٌ يؤذن إذا دحضت3،فلا يقيم حتى يخرج النبي-صلى الله عليه وسلم-، فإذا خرج أقام الصلاة حين يراه"4 .

3- وعن أبي هريرة-رضي الله عنه- أن النبي-صلى الله عليه وسلم-قال:"الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن..."5.


والدلالة أن المؤذن مؤتمن على أوقات الصلاة، وفي الأذان قبل الوقت إظهار للخيانة فيما ائتمن فيه"6.


الثاني: خلوّ الأذان والإقامة من اللّحن:


تعريف اللحن: يأتي على الخطأ في الإعراب، وترك الصواب في القراءة والنشيد ونحو ذلك، يقال: فلان لَحّانٌ ولَحّانّةٌ، أي : يخطئ، والتلحين: التخطئة.

ويأتي بمعنى الأصوات المصوغة الموضوعة التي فيها تغريد وتطريب، وجمعه ألحان ولحون، يقال: لحن في قراءته إذا غرّد وطرّب فيها بألحان. والتطريب في الصوت: مدّه وتحسينه"(7).



حكم اللحن في الأذان والإقامة:


ينقسم اللحن- سواء ما كان بالمعنى الأول وهو الخطأ في الإعراب، أو المعنى الثاني الذي هو التمطيط والتطريب- على قسمين:

الأول: اللحن الذي يتغيّربه المعنى: وهذا اتفق الفقهاء على أنه إذا كان اللحن يحيل المعنى، فإنه يحرم ويبطل الأذان(8)،

لأن الأذان إنما المقصود به النداء إلى الصلاة، فلا بدّ من تفهيم ألفاظه للسامع، واللّحن المحيل للمعنى يخرجه عن الإفهام(9).

قال الشيخ علي محفوظ: " من البدع المكروهة تحريماً التلحين في الأذان، وهو التطريب- أي التغني به- بحيث يؤدي إلى تغيير كلمات الأذان وكيفياتها بالحركات والسكنات، ونقص بعض حروفها، أو زيادة فيها؛ محافظة على توقيع الألحان، فهذا لا يلح إجماعاً في الأذان، كما لا يحل في قراءة القرآن"(10).


قال ابن الجوزي:" كره مالك بن أنس وغيره من العلماء التلحين في الأذان كراهية شديدة، لأنه يخرجه عن موضع التعظيم إلى مشابهة الغناء"(11).


والتلحين الذي بمعنى التطريب والتغني قد تجافاه السلف، وإنما أحدث بعدهم، كإمالة حروف الأذان وإفراط المدّ فيه، أو التأذين بالألحان مما يشبه الغناء، فهذا لا يحل باتفاق الفقهاء(12).


وروي أن مؤذناً أذن فطرب في أذانه، فقال له عمر بن عبد العزيز: أذَّن أذاناً سمحاً وإلا فاعتزلنا"(13).


أمثلة على هذا اللحن:


1- مد همزة "آلله" لأنه استفهام.

2- مد همزة" أكبر".

3- مدّ الباء من " أكبر" فيصير " أكبار"جمع كَبَر بفتح الباء وهو الطبل، لأنه يجعل فيها ألفاً.


4- المد في أول " أشهد" فيخرج إلى حيّز الاستفهام، والمراد أن يكون خبراًَ إنشائياً.

5- الوقف على" لاإله" ويبتدئ "إلا الله".

الثاني: اللحن الذي لا يتغير به المعنى:



يرى جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة على الأصح، أن اللحن إذا كان لا يحيل المعنى، فإنه يصح معه الأذان مع الكراهة، وذلك لأن المقصود من الأذان الإعلام ويحصل به، ولأنه يأتي به مرتباً فيصح كغيره(14).



أمثلة على هذا اللحن:


1- عدم إدغام تنوين" محمد" في الراء بعدها.


2- فتح النون من "أن لا إله إلّا الله".


3- الزيادة عن مقدار المدّ الطبيعي في لفظ" إله" زيادة فاحشة.


4- إشباع الفتحة من "إله" فتكون ألفاً فيقول"إلهاً".


5- الإتيان بهاء زائدة بعد الهاء من "إله". هذه وغيرها من الأمثلة : كضم" محمد" وإدغام" حيّ" وفتح الراء في " أكبر" الأولى،، وقلب الألف هاءً من " الله".

وإدغام الهاء في الشين في كلمة" أشهد" فتنطق" أشَّد". كل هذه تحلق باللحن المكروه وهو الغير المحيل للمعنى.



قال الشيخ ابن باز:"


ينبغي للمؤذن أن يصون الأذان من اللحن والتلحين . واللحن كونه يخل بالإعراب ، كان يقول : أشهد أن محمدا رسول الله بفتح اللام ، بل يجب ضم لام ( رسول الله ) ؛ لأن رسول الله خبر أن مرفوعا ، فإن نصب ( اللام ) كان ذلك من اللحن الممنوع ،

وإن كان لا يخل بالمعنى في الحقيقة ، ولا يمنع صحة الأذان؛ لأن مقصود المؤذن : هو الإخبار بأن محمدا صلى الله عليه وسلم هو رسول الله؛ ولأن بعض العرب ينصب المعمولين ، لكن ذلك لحن عند أكثر العرب .



وأما التلحين : فهو التطويل والتمطيط ، وهو مكروه في الأذان والإقامة"15



الثالث: أداء الأذان باللغة العربية:




اتفق الفقهاء- في الجملة- على أنه يشترط لصحة الأذان والإقامة أداءهما باللغة العربية، فلا يصح أداءهما بغير اللغة العربية، إلا ما روي عن أبي حنيفة بجواز ذلك إذا علم أنه أذان وإلا لم يجز.


واشتراط أداء الأذان والإقامة باللغة العربية هو قول جمهور الحنفية، وظاهر مذهب المالكية، وهو قول الشافعية والحنابلة. إلا أن الشافعية قيدوا هذا الاشتراط في حالة وجود من يحسن العربية،



فإن لم يوجد من يحسنها صحَّا، وكذلك إن كان يؤذن أو يقيم لنفسه وهو لا يحسن العربية وقد وافقهم بعض الحنابلة فيمن يؤذن أو يقيم لنفسه مع عجزه عن العربية. واستدلّ على اشتراط اللغة العربية لصحة الأذان والإقامة بما يلي:



1- أن الأذان والإقامة وردا بلسانٍ عربيِّ في الأحاديث الدالّة على بدء مشروعيتهما ولم ترد بغير اللغة العربية، ومنها حديث عبد الله بن زيد. أنه أري الأذان في المنام، وأنه بالعربية.


2- قياساً على أذكار الصلاة، فكما أنها لا تصح بغير العربية، فكذلك الأذان والإقامة؛ لأن كلَّاً منهما يراد به التعبّد(16)


إن هذه الشروط المتفق عليها بين الفقهاء لصحة الأذان، يجب على المؤذن أن يراعيها وأن يلتزم بها لكي يكون أذانه صحيحاً،
ثم إن عليه أن ينتبه للحن المحيل عن المعنى فإنه لا يصح معه الأذان، بل يكون باطلاً، ومما يؤسف له اليوم أن تسمح العشرات من المؤذنين بل المئات في معظم البلاد الإسلامية والعربية من يلحن في الأذان بهذا اللحن – أي اللحن المحيل عن المعنى-

ثم لا تجد من ينصحه أو يغيره بل يستمر سنوات على هذا اللحن، وهذا من الخطأ الذي يجب على إمام المسجد أو المسؤل المباشر على المسجد أن يتنبه لهذا الأمر الخطير، فيقوم بتغييره، أو تعليمه، وهذا من أمور الدين لا يصح السكوت عنه، لأنه يسكت على أذان غير صحيح.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. والحمد لله رب العالمين،،

1 - المجموع(3/95)، والمغني(2/62).

2 - رواه أبو داود، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود.

3 - أي زالت الشمس.(النهاية(2/98)

4 - صحيح مسلم(1/354)(606).

5 - رواه أبو داود، وصححه الألباني كما في صحيح الجامع حديث(2787).

6 - أحكام الأذان والإقامة".

7 - الصحاح(1/259).

8 - فتح القدير(1/150).

9 - راجع: أحكام الأذان والإقامة ص(163).

10 - "الإبداع" ص(176)

11 - تلبيس إبليس(ص152).

12 - أحكام الأذان ص (163).

13 - رواه ابن أبي شيبة (1/229). وقد أورده البخاري تعليقاً مجزوماً به في باب رفع الصوت بالنداء.

14 - أحكام الأذان ص(164).

15 -راجع: مجموع الفتاوى – الجزء العاشر.

16 - راجع: رسالة في أحكام الأذان والإقامة ص(167).

مسلم التونسي 02-05-2011 12:55 PM

تشنيف الآذان
بأسرار الأذان

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:

فإن شرائع الإسلام وفرائضه، لا تخلوا من حكم وأسرار أودعها الله سبحانه وتعالى فيها لمن تأملها وتدبرها وتفكر فيها،

فالأذان من شعائر الإسلام التي أودعه الله أسراراً وحكماً بليغة لا يعرفها إلا العالمون بدينه, وسنظهر هنا بعضاً من هذه الأسرار متوكلين على الله، راجين منه أن يوفقنا إلى الصواب ويلهمنا طريق الرشاد، ويسدد خطانا نحو الهدى، ويجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

اعلم أيها السامع بإذن قلبك, وفقني الله وإياك لا متثال أمر ربي وربك، أن الصلاة أعظم أركان الإسلام، وأجلُّ قواعد الإيمان،

وهي قربان المؤمن ونوره، وهي عمود الدين, وعمود الإيمان, والميزان الذي من أوفى به استوفى، وهي خدمة الله في الأرض, هي خير موضوع فمن استطاع أن يستكثر فليستكثر، وهي قربان كل تقي, وليس بين العبد والكفر إلا ترك الصلاة.


ولما كانت من أعظم شعائر الإيمان، كان من أعظم شعائرها الأذان؛ لأن الإنسان لا يزال يتقلب في الأطوار، وينتقل في طلب الأوطار، لاهياً بما هو فيه من دنس دنياه، عما خلق له من طاعة مولاه، مشغولاً بما ينبغي الاشتغال عنه,

فإذا دخل وقت الصلاة احتاج إلى ما يحثه عليها، ويرغبه إليها، لئلا يلهو عنها بأعماله، ويتشاغل عنها بأشغاله، فكان الأذان هو المرغب إلى أدائها، والمحرك للهمة إلى إجابة ندائها، وكان أول لفظ يقرع السمع منه.


(الله أكبر).زجراً عن الاشتغال بما هو دونه، إذ من شأن كل إنسان بالطبع، أن يطلب أكبر الأمرين فإذا كان كذلك فليفرغ إلى من هو أكبر.


فاختيار هذا اللفظ لدلالة الاسم الشريف على جميع صفات الكمال, ونعوت الجلال واشتماله على سائر الأسماء الحسنى, والصفات العليا, لا إله إلا هو وحده لا شريك له.

و(أكبر) أفعل التفضيل الدال على عموم متعلقه, حدِّقْ فلا شيء مما يخطر بالبال أو يجوزه الوهم والخيال إلا والله أكبر منه, ولا يخفى لطف هذا وحَثّه على ترك السوى، وعلى اجتماع القلب عليه سبحانه, وتعظيمه والثناء عليه, واستحضار عظمته وكبرائه, وجلاله واستحقاقه لجميع أجزاء المحامد، وإفراد الشكر ودقائق المدح,


ولهذا كان التكبير مفتاح الصلاة لقدوم العبد بين يدي جبار السموات والأرض, ليستحضر في صلاته أنه بين يدي الملك الفعال لما يريد, المذل لكل جبار عنيد.,والإله الحق الذي كل الكائنات لا شيء بالنسبة إليه:
(وهو الله في السموات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون) فكما كان التكبير مفتاح الصلاة كان مفتاح الأذان؛ لأنه يفتح القلوب بذكر علام الغيوب.

ثم إنَّه لما كان التكبير أول الأذان كرر أربع مّرات تأكيداً؛ لأن السامع في بادئ الأمر متشاغل بما هو فيه فحسن التأكيد هناك زيادة في حضه على الإقبال واطراح الأشغال, وإطفاء لنار الشيطان, وإخماداً لجمرات المعاصي والطغيان،


ولما كانت نيران الشهوات تشتعل في كل آن، وجمرات المعاصي تتسعر على كل إنسان كان في التكبير من الإطفاء لها ما لا يخفى على أهل العرفان.


(أشهد أن لا إله إلا الله):

وإذا سمع السامع التكبير بسمعه وقلبه, واجتمع لأداء ما نودي إليه بجوارحه، ولبِّه، والتفت إلى الأكبر الأعظم, سمع قول المنادي (أشهد أن لا إله إلا الله) تذكيراً للسامع بذلك, ليحضه على الالتفات إلى إلهه المنفرد بالألوهية، والتفرغ عن أشغاله وأعراضه, والقيام بطاعته, والفرار إليه, والوقوف بكليته بين يديه، ونفي ما سواه, وإثباته فرداً مختصاً, بالألوهية منفرداً, بالربوبية حقيقاً بالإجلال، أهلاً للعزة والكمال, معروفاً بالخير والإفضال, متعرفاً إلى خلقه بالفضل والإحسان، مسدياً دقائق الجود وجلائله إلى كل إنسان.

عن عتبان بن مالك –رضي الله عنهما- يرفعه: (لا يشهد أحد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فيدخل النار أو تطعمه)(1).

وقال-صلى الله عليه وسلم-: (من شهد أن لا إله إلا الله دخل الجنة)(2),


وعن عمر-رضي الله عنه-، قال-صلى الله عليه وسلم-: (أبشروا وبشروا من ورائكم أنه من شهد أن لا إله إلا الله صادقاً بها دخل الجنة)3. وغيرها من الأحاديث .

وأما تأكيد تكرارها, فتأكيد وحض على الإقبال عليه بالقلب, والقالب ,والتلذذ بذكره، وحلاوة المكرر يعرفها ذوو الذوق السليم، ولطف المناسبة بين التكبير والشهادة ظاهر؛

لأنه لما أخبر أن الله أكبر كان ترغيبا للعبد في ترك ما سوى الأكبر, وأمراً له بالإقبال عليه والوقوف بالذل بين يديه, وباستشعار الخضوع وملازمة الخشوع، ثم أتى بعد ذلك بما هو أعلى ترقّيا, وهو نفي الألوهية عن سواه، وحصرها فيه ترهيباً للعبد عن تساهله في طاعة إلهه الذي لا إله إلا هو, وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، وإذا كان الأكبر لا إله غيره شهادة الحق فكيف يليق بالعبد, المضطر إليه أن يشتغل عنه.

(أشهد أن محمدا رسول الله).


ثم إنه حسن إتباع الشهادة بأختها وهي:"أشهد أن محمداً رسول الله" صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ لأنها لا تقبل هذه إلا بهذه, وللإعلام بأنه-صلى الله عليه وسلم-رسول مرسل من الله عز وجل.

فالتكبير لإيقاظ الفكرة لمراجعة الفطرة, والشهادة لله-سبحانه وتعالى-بالإلهية لإدراك التبري من الإشراك، والشهادة لمحمد-صلى الله عليه وسلم-بالرسالة للإقرار بما جاء به المختار من الملك الجبار للبراءة من النار،

قال-صلى الله عليه وسلم-وقد سمع مؤذناً قال: "الله أكبر" "الله أكبر" فقال-صلى الله عليه وسلم-: (على الفطرة)

فقال: "أشهد أن لا إله إلا الله" فقال-صلى الله عليه وسلم-: (بريء هذا من الشرك) فقال: "أشهد أن محمداً رسول الله" قال-صلى الله عليه وسلم-(خرج من النار).(4)


وفي التذكير به-صلى الله عليه وسلم-والشهادة برسالته من الحض على اتباعه, واقتفاء آثاره, في الأقوال, والأفعال, والحركات, والسكنات, والقيام بأمره, وإجابة داعية, والإصغاء إلى مناديه,

وزيادة ترغيب إلى الصلاة التي جعلت قرة عينه فيها مالا يخفى, وإظهاراً لشرفه-صلى الله عليه وسلم-وإغاضة لمن لم يقبل دعوته, ولم يعد بإجابته, وإعلاناً لدينه الذي جاء به من عند الله-سبحانه-وتذكيراً لمحبة له-صلى الله عليه وسلم-وترويحاً للمشوق إليه, ولإتباع التلذذ بذكر الله-سبحانه-بذكر حبيبه للانشراح بذكر الأحباب ولئلا يتخلى عباده عن ذكره-صلى الله عليه وسلم-وليكون ذكره مبدأ للصلاة, وختاماً فإنه كما جاء في الأذان الذي هو نداء للصلاة, ودعاء إليها الشهادة له بالرسالة,
كذلك جاء في التشهد الذي هو آخر الصلاة الشهادة له-صلى الله عليه وسلم-بالرسالة بعد السلام عليه وقبل الصلاة عليه-صلى الله عليه وسلم-إشارة إلى أنه بهذه العبادة العظيمة سرا لندائه، وبهذه النعمة الجسيمة.


(حي على الصلاة):

اعلم أنه بعد تحلي القلب عما سوى الله-سبحانه-بالعلم بأنه الأكبر والشهادة له بالإلهية وحده, وأنه الواجب أن يعبد بحق, والشهادة لرسوله-صلى الله عليه وسلم-بالرسالة الذي هو الهادي إلى الصراط المستقيم، والمعلّم لِلْخَلْقِ كل خُلُقٍ لم يبق للعبد عذر عن طاعة الله-سبحانه-، وطاعة رسوله-صلى الله عليه وسلم- فحسن حينئذ النداء للصلاة (بحي على الصلاة) أي هلُمّ وأقبل إلى الصلاة,


وما أحسن إتيان هذا الأمر بالإقبال والقيام إلى الصلاة، وإذا كان الأمر عن الرب الإله المفضل المنعم الرحمن الرحيم، العفو الحليم على لسان رسوله الذي هو بالمؤمنيين رؤوف رحيم،-صلى الله عليه وسلم-فكيف يليق بعاقل أن يتساهل في امتثال هذا الأمر العظيم، أو يؤثر غيره عليه، ويتمهل في القيام إليه, ويتغافل عن الوثوب لإجابة أمره، أو يتكاسل عن النهوض لأداء واجب شكره،

وهل يتثبط عن إجابة سلطان هذا الداعي، أو يقعد عن امتثال هذه الأمر الذي لا يغفل عنه واعي.

(حي على الفلاح):

وبعد الأمر بالإقبال على الصلاة وتكراره للتأكيد شرع في ترغيبه بقولهhttp://www.waratel.net/vb/images/smilies/frown.gifحي على الفلاح)أي هلُمّ وأقبل إلى ما به الفلاح،

والصلاة هي سبب الفلاح، ومفتاح باب النجاح، وبها ينال العبد ما يروم، ويبلغ ما يتمناه من الحي القيوم، والفلاح هو الفوز, والنجاة, والبقاء في الخير, والصلاة هي سببه الأعظم وأصله المعظم،

ولهذا جاء في الكتاب العزيز في وصف المتقين:
"الذي يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون، والذي يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون ، أولئك على هدى من ربهم وألئك هم المفلحون"


وقال تعالى "قد أفلح المؤمنون ، الذين هم في صلاتهم خاشعون" وسماها النبي- صلى الله عليه وسلم-فلاحاً فقال النبي-صلى الله علي وسلم-:
(الجفاء كل الجفاء, والكفر, والنفاق من سمع منادي الله-تعالى-ينادي بالصلاة ويدعو إلى الفلاح فلا يجيبه).(5)


وفي قوله: (حي على الفلاح) بعد الأمر بالصلاة من الترغيب إليها ما لا يخفى حسنه كأنه يقول هلم إلى ما به الفوز والنجاة في الدنيا والأخرى، وكثيراً ما يأتي بعد الأمر الترغيب, وبعد النهي الترهيب بحسب ما تقتضيه المقام.

أخرج مسلم عن عمر-رضي الله عنه-عن النبي-صلى الله وسلم-أنه قال:

(إذا قال المؤذن: "الله أكبر" فقال أحدكم: "الله أكبر", ثم قال: "أشهد أن لا إله إلا الله" قال: "أشهد أن لا إله إلا الله", ثم قال: "أشهد أن محمداً رسول الله" قال: "أشهد أن محمداً رسول الله",

ثم قال: "حي على الصلاة" قال: "لا حول ولا قوة إلا بالله", ثم قال: "حي على الفلاح" قال: "لا حول ولا قوة إلا بالله", ثم قال: "الله أكبر" "الله أكبر" قال: "الله أكبر" "الله أكبر" ثم قال: "لا إله إلا الله" قال: "لا إله إلا الله" من قلبه دخل الجنة"(6).

فلما ندب-صلى الله عليه وسلم-إلى القول كما يقول المؤذن, وكان في القول كما يقول تأديباً للنفس, وتنبيهاً لها من سنة الغفلة, وضرباً لها بسوط الإزعاج, وجذباً لها بأزمة الاشتياق, وعطفاً لها عن أودية الفراق, وتشويقاً لها إلى بلوغ المرام, والتفاتاً بها إلى رفيع المقام, وتمريناً لها على الطاعة, وارتحالاً عن طلل الإضاعة, لتذهب حلاوة الذكر مرارة النسيان, وتجري بها أنها المراقبة إلى رياض الإيمان, فتبسم زهور المحبة, وتطيب أثمار المناجاة، وتغرد طيور جنات الشهود ليسمع أرباب السماع, ويعوا ويفوز بالتمتع بفواكه

(إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا)(7).

فإذا سمع العبد الأذان بقلبه وآذانه, ونطق به بفؤاده ولسانه, كان أرفع إنابة وأسرع إجابة, وأجدر أن لا يتغافل عن امتثال أوامره،وسماع زواجره,


ولما قال المؤذن: "حي على الصلاة" "حي على الفلاح" وعلم السامع أن الأمر عظيم, والخطب جسيم، وأنه يدعوه إلى البدار إلى خطاب الملك الجبار، والقيام بين يدي ملك الأملاك، ومدير الأفلاك، الذي خلقه في أحسن تقويم، وخصه بإحسانه العميم، فخلق له السمع, والبصر, والفؤاد، ووكل به ملائكة يحفظونه في كل إصدار وإيراد

فحسن أن يقول عند أمره بالقيام لمناجاة الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، يعني لا حول عن معصية الله إلا بقوة الله، ولا قوة على طاعة الله إلا بعون الله.

فإذا علم العبد عجزه عن القيام بأمر الله، وضعفه عن ترك مناهي الله، ونظر بعين البصيرة إلى حقارته وذله, وأنه ليس له حول ولا قوة على إجابة هذا الداعي، وأداء ما طلبه منه من حميد المساعي، واجتناب البطالة, والفرار عن أدران الجهالة.


(لا إله إلا الله)

لما كان الله-سبحانه-هو الأول والآخر، ومنه البداية وإليه النهاية، ختم هذا العقد الفريد بلفظ "لا إله إلا الله" الذي قامت به السموات والأرض,

فكان ابتداء الأذان بلفظ الجلالة من "الله أكبر"، وختمه بها أيضاً من "لا إله إلا الله" وفي حسن الختام بها التفاؤل بأن يكون آخر الكلام فيفوز قائلها بحسن الختام،


فقد قال-صلى الله عليه وسلم-وفيما أخرجه الإمام أحمد, وأبو داود, والحاكم, في المستدرك عن معاذ بن جبل-رضي الله عنه-: (من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة)(8).
فكان ختم الأذان بهما لما فيهما من الفضل العظيم, والفيض العميم, ولإفرادها مع تشفيع كلمات الأذان سر لطيف يفهمه كل ذي فهم شريف، إذ لا يخفى على الفطن العارف القايل(9) في ظل رياض المعارف أن الله-سبحانه-وتر يحبّ الوتر، كما أخبر بذلك المصطفى-صلى الله عليه وسلم-أهل الصّفا،


فلما كانت كلمات الأذان شفعاً, وترت بكلمة الشهادة, كما وترت صلاة النهار بصلاة المغرب, وصلاة الليل بصلاة الوتر، قال-صلى الله عليه وسلم- : (المغرب وتر النهار, فأوتروا صلاة الليل)(10).

فالشهادة في أول الأذان المقصود منها تنبيه ذوي الأشغال ,والتحريض في المبادرة بسلوك الامتثال، والسامع في أوّل الأذان أقرب إلى الغفلة والانشغال بالمحال، وهو في آخر الأذان بخلاف ذلك الحال إذا كان واعياً للمقال، وأمّا من استولت كثافة الغفلة على فؤاده, وقطعت عوائق الخسران طرق رشاده, فهو بمعزل عن الجميع، وإذا نودي إلى الخير فهو غير سميع.


فائدة:


إعلم وفقني الله وإياك أن الصلوات الواجبات خمس، والسنن المؤكدة، التي كان النبي-صلى الله عليه وسلم لا يتركها حضراً وسفراً سنة الفجر, ووتر الليل، وفي كلمات الأذان إلى ذلك إشارة؛ لأن الظهر, والعصر, والعشاء أربعاً أربعاً،

والتكبير كلمتا الشهادة على رواية التربيع والترجيع مشابهة لها في كونها أربعاً أربعاً، وصلاة الفجر وسنتها ركعتان ركعتان، وحي على الصلاة, وحي على الفلاح مثنى مثنى,

ولما كانت "حي على الفلاح" تابعة في المعنى "لحي على الصلاة" وكانت سنة الفجر تابعة لصلاة الفجر حصلت المناسبة ووقعت المشابهة،

ولما كان المغرب وتر صلاة النهار، والوتر المندوب إليه وتر صلاة الليل، ناسب الوترين التكبير في آخر الأذان، وكلمة الشهادة إشارة إلى تغاير الوترين وصحة الإيثار بواحدة, وفي إيجادها في كونها كلها كلمات ذكر الله-سبحانه-إشارة إلى المغرب الذي هو وتر النهار، فإنه لا يكون إلا ثلاثاً؛ لأنه لو جعل الوتر النهار مشابهاً لذهب الوتر وكانت كلماته شفع11.

اللهم نبهنا من سنة الغفلة, وأزل عن القلب ر تاجه وقفله, وافتح مسامعنا لسماع ندائك, وفقه قلوبنا لفهم دعائك.
واجعل قرة أعيننا في الصلاة, وفهم معاني كلماتك، وأقبل بقلوبنا إلى ما به الصلاح والفلاح.

واجعلنا ممن لهجت منهم بذكرك الألسنة, والقلوب, والأرواح، واختم أعمالنا وأقوالنا بكلمة الشهادة،آمين اللهم آمين.




1 - صححه الألباني في صحيح الجامع رقم(7720).

2 - المعجم الأوسط،وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم (6318).

3 - وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم 35)

4 - أخرجه أبو الشيخ في الأذان.

5 - الطبراني في الكبير عن معاذ.

6 -صحيح مسلم.

7 - سنن الترمذي.

8 -

9 - من القيلولة

10 -

11 - راجع/ رسالة الأمير الصناعي تشنيف الآذان بأسرار الأذان.

مسلم التونسي 02-05-2011 12:55 PM

آداب الأذان
الحمد لله,والصلاة والسلام على رسول الله,وعلى آله وصحبه,ومن وآلاه.
أمَّا بعدُ:

فإن من التأدب مع الله-عز وجل-أن نعظم شعائره قال-سبحانه-:"{ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} (الحج:32) ,


فتعظيم شعائر الله هي من تأثير التقوى التي في القلب، وإن الأذان من شعائر الإسلام التي يُعظَّمُ فيها الله-تعالى-،

فالتأدب عنده هو من تعظيم شعائر الله، فالأذان له آداب ينبغي أن يعمل بها ويحافظ عليها؛ لأنه شعار عظيم، يُعظَّمُ فيه المولى-تبارك وتعالى-,

ويُشهد له فيه بالوحدانيَّةِ، ويشهد لنبيه بأنه رسول من عند الله، وهو في نفس الوقت إعلان لدخول وقت الصلاة التي هي عمود الدين، فالأذان شعارُ أهلِ التوحيد، وشعيرة من شعائر الإسلام فالتأدب عنده هو من التأدب مع بقية شعائر الإسلام. ثم إن هناك آداب يُستحبُّ للمؤذن أنْ يؤديها ألا, وهي :

1- الطهارة:



إن من الأدب مع الأذان أن يكون المؤذن على طهارة، ولهذا فقد اتفق الفقهاء على أنَّ الطهارة من الحدثين الأصغر والأكبر مطلوبة للأذان والإقامة، وتتأكَّدُ في الإقامة أكثر لاتصالها بالصلاة(1).


فقد جاء من حديث أبي هريرة-رضي الله عنه- أن النبي-صلى الله عليه وسلم-قال:"لا يُؤَذِّنُ إِلَّا مُتَوضِّئٌ"(2).


وحديث المهاجر بن قنفذ-رضي الله عنه- أنه أتى النبيَّ-صلى الله عليه وسلم-وهو يبول فسلم عليه، فلم يرد عليه حتى توضأ، ثم اعتذر إليه فقال:"إنّي كَرِهْتُ أَنْ أَذْكُرَ اللَّهَ-عَزَّ وَجَلَّ-إِلَّا عَلَى طُهْرٍ"، أو قال: "عَلىَ طَهَارَةٍ"(3).


ووجه الدلالة أنه-صلى الله عليه وسلم-كره أن يذكر الله إلّا على طُهر، وفي الأذان والإقامة ذكر لله فإتيانهما مع الطهارة مطلوب.

فالأذانُ ذكرٌ مشروعٌ مُعظَّمٌ,فأدائه مع الطَّهارةِ أقرب إلى التعظيم،مثله كمثل الطهارة لقراءة القرآن وللخطبة(4)

2- استقبال القبلة:



اتفق الفقهاءُ على أنه يُسَنُّ للمؤذِّن استقبالُ القبلة حالَ الأذان والإقامة،ويُكره له استدبارُها إلّا للإسماع،

قال ابنُ المنذرِ(5):" وأجمعُوا على أنَّ مِنَ السُّنَّةِ أنْ تستقبلَ القبلة بالأذان"(6).

والدليل ما روي أن الملك النازل من السماء أذن مستقبل القبلة، كما جاء في بعض روايات حديث رؤيا الأذان، وفيها:" ...
فجاء عبد الله بن زيد رجل من الأنصار وقال فيه: فاستقبل القبلة قال:" الله أكبر الله أكبر.." الحديث(7).


وحديث سعد القرظ-رضي الله عنه- :" أن بلالاً كان إذا كبر بالأذان استقبل القبلة..."(8).


ثم إن من المعقول:

أن القبلة أشرف الجهات، وقد روي عن ابن عباس-رضي الله عنه- أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم- قال:"إن لكل شيءٍ شرفاً، وإن أشرف المجلس ما استقبل به القبلة..."(9). فالأذان دعاء إلى جهة القبلة، فاقتضى أن يكون من سنته التوجه إليها(10)،


ثم أن الأذان فيه ذكر وثناء على الله-تعالى- والشهادة له بالوحدانية ولنبيِّه-صلى الله عليه وسلم-بالرسالة، فالأفضل أن يكون مستقبلاً القبلة(11).

3- الأذانُ مِنْ عَلَى مَكَانٍ مُرْتفعٍ:




اتفق الفقهاءُ على أنه يُستحبُّ أنْ يكون الأذانُ من فوق مكان مرتفع كالمنارة، أو سطح المسجد ونحوهما(12).


واستدلوا بحديث عروة بن الزبير عن امرأة من بني النجار قالت:" كان بيتي من أطول بيت حول المسجد، فكان بلال يؤذن عليه الفجر..."(13).


وحديث عبد الله بن عمر-رضي الله عنه- أن النبي-صلى الله عليه وسلم-قال:" إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم"، قال: " ولم يكن بينهما إلا أن ينزل هذا, ويرقى هذا"(14).


فقوله:" ولم يكن بينهما إلا أن ينزل هذا, ويرقى هذا"، يدل على أنهما كانا يؤذنان على مكان مرتفع؛ لأنه ذكر النزول والارتقاء، وهذا لا يكون إلا في المرتفع من المكان(15).

فالأذان من مكان مرتفع أبلغ في الإعلام، وهو المقصود الأعظم من الأذان(16).

4- القيام:



اتفق الفقهاءُ على أنَّ مِن سُنن الأذان أنْ يؤذِّن المؤذنُ ويقيم قائماً(17). واستدلوا على ذلك بحديث عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما- وفيه:"... فقال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: يا بلال قُم فناد بالصلاة"(18).


وحديث عبد الله بن زيد-رضي الله عنه- عند رؤيا الأذان،قال:"... رأيت رجلاً كأن عليه ثوبين أخضرين فقام على المسجد فأذن.."(19).

ثم إنَّ مُؤذني رسول الله-صلى الله عليه وسلم- كانُوا يؤذنون قياماً(20) ثم أنَّ القيام في الأذان يكون أبلغَ في الإعلام.

5- وضع الأصبعين في الأذنين حال الأذان:




جمهور الفقهاء على أن وضع الأصبعين في الأذنين حال الأذان مستحب، ودليلهم حديث أبي جحيفة-رضي الله عنه- قال:" رأيت بلالاً يؤذن ويدور، ويتبع فاه هاهنا وهاهنا وإصبعاه في أذنيه..."(21) .

وحديث سعد القرظ-رضي الله عنه- أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم-أمر بلالاً أن يجعل إصبعيه في أذنيه، وقال:" إنه أرفع لصوتك"(22).

وقد ذكره البخاري تعليقا:" فقال :" ويُذكر عن بلال أنه جعل إصبعيه في أذنيه"(23).


قال الحافظ في الفتح:" وأما وضع الإصبعين في الأذنين فقد رواه مؤمل –أيضاً- عن سفيان أخرجه أبو عوانة,وله شواهد ذكرتها في "تغليق التعليق" من أصحها مارواه أبو داود وابن حبان من طريق أبي سلاَّم الدمشقي أن عبد الله الهوزنى حدثه,قال: قلت لبلال: كيف كانت نفقة النبي-صلى الله عليه وسلم- وآله وسلم فذكر الحديث وفيه:" قال بلال فجعلت إصبعي في أذني فأذنت"

ثم إنه من المعقول: أن وضع الأصبعين في الأذنين حال الأذان أجمع للصوت؛ لأن الصوت يبدأ من مخارج النّفَس، فإذا سدّ أذنيه اجتمع النّفس في الفم فخرج الصوتُ عالياً، فيكون أبلغ في الإسماع(24).



6- الترسل في الأذان:





الترسل في اللغة يأتي بمعنى التأني والتمّهل يقال: ترسل في قراءته، اتّأد فيها، وهو تحقيقها بلا عجلة. وفي الاصطلاح: هو التمهّل والتؤدة والتحقيق في ألفاظ الأذان من غير عجلة، ويكون بسكتة بين كل جملتين تسع الإجابة، وذلك من غير تمطيط ولا مدٍّ مفرط(25).

وقد اتفق الفقهاء على أن الترسل من سنن الأذان(26). واستدلوا بحديث جابر بن عبد الله-رضي الله- أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم-قال لبلال:

" يا بلال إذا أذنت فترسل في أذانك، وإذا أقمت فاحدر..."(27) .


وقال عمر بن الخطاب-رضي الله عنه- قال لمؤذن بيت المقدس:" إذا أذنت فترسل وإذا أقمت فاحدر"(28) .ثم إن من المعقول أن الأذان إعلام للغائبين فكان الترسل فيه أبلغ في الإعلام(29).

7- الالتفات في الحيعلتين:



المقصود بالحيعلتين هي قول المؤذن:" حي على الصلاة، حي على الفلاح"، فقد اتفق الفقهاء على أنه يُسَنُّ للمؤذن أن يلتفت عند الحيعلتين، إلا أنًَّ المالكية قالوا بجوازه إذا كان للإسماع(30).


ودليل السنية حديث أبي جحيفة-رضي الله عنه-قال:"... وأذن بلال فجعلت أتتبع فاه هاهنا وهاهنا، يقول يميناً وشمالاً يقول: حي على الصلاة حي على الفلاح..."(31).


والله أسأل أن يوفق المسلمين لكل خير يحبه ويرضاه.


1 - نهاية المحتاج(1/308).

2 - رواه الترمذي(200).، كتاب أبواب الصلاة، باب ما جاء في كراهية الأذان بغير وضوء.

3 - رواه أبو داود، كتاب الطهارة، باب أيردّ السلام وهو يبول(17). وصححه الألباني كما في صحيح سنن أبي داود(1/16).

4 - راجع " أحكام الأذان ص192.

5 - الإجماع لابن المنذر ص7

6 - المجموع(3/114).

7 - رواه أبو داود (250)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود.

8 - رواه الحاكم في المستدرك (4/796)(6613).

9 - رواه الطبراني في الكبير(10/389) رقم(10781)، والحاكم في المستدرك(5/383). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع برقم (1934).

10 - الحاوي الكبير(2/41).

11 - المبسوط(1/129).

12 - بدائع الصنائع(1/146).

13 - رواه أبو داود(519). وحسنه الحافظ ابن حجر في الفتح(2/122).

14 - البخاري- كتاب الأذان-، باب الأذان بعد الفجر(1/152)(620).

15 - أحكام الأذان والإقامة ص(201)

16 - الحاوي الكبير(2/145).

17 - بدائع الصنائع(1/151).

18 - متفق عليه.

19 - رواه أبو داود في سننه، وصححه الألباني في صحيح أبي داود.

20 - كشاف القناع(1/283).

21 - رواه الترمذي (197). وقال حديث حسن صحيح، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي.

22 - رواه ابن ماجه (710).

23 - البخاري(2/114).

24 - فتح القدير(1/245).

25 - بدائع الصنائع(1/149).

26 - فتح القدير(1/244).

27 - رواه الترمذي(195).قال الترمذي حديث جابر لا نعرفه إلا من هذا الوجه.

28 - أخرجه الدار قطني في السنن(1/246)

29 - المغني(2/60).

30 - المجموع(3/115).

31 -رواه مسلم.


مسلم التونسي 02-05-2011 12:56 PM

الأذان والإقامة للصلوات الخمس في السفر

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد:

فقد اتفق الفقهاء على استحباب الأذان والإقامة في السفر للمنفرد والجماعة، إلا ما ذكره بعض المالكية عن الإمام مالك بعدم استحباب الأذان للمسافر(1).


وقد استدلّ الفقهاء على استحباب ذلك بأدلّة، منها ما يلي:

1- حديث مالك بن الحويرث-رضي الله عنه-قال: "أتى رجلان إلى النبي-صلى الله عليه وسلم-يريدان السفر، فقال النبي-صلى الله عليه وسلم-http://www.waratel.net/vb/images/smilies/frown.gifإذا أنتما خرجتما فأذنا، ثم أقيما، ثم ليؤمكما أكبركما)(2).

2- حديث عقبة بن عامر-رضي الله عنه-قال: سمعت رسول الله-صلى الله عليه وسلم- يقول: (يعجب ربك- عزوجل-من راعي غنم في رأس شظية بجبل يؤذن للصلاة ويصلي....) (3).

3- حديث سلمان الفارسي-رضي الله عنه- قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم- http://www.waratel.net/vb/images/smilies/frown.gifإذا كان الرجل بأرض قِيٍّ(4)فحانت الصلاة فليتوضأ، فإن لم يجد ماءً فليتيمم، فإن أقام صلى معه ملكاه، وإن أذن وأقام صلى خلفه من جنود الله ما لا يُرى طرفاه)(5).

4- حديث أبي قتادة-رضي الله عنه-:"سرنا مع النبي-صلى الله عليه وسلم-ليلة، فقال بعض القوم: لو عرَّست(6) بنا يا رسول الله!،

قال: (أخاف أن تناموا عن الصلاة)، قال: بلال: أنا أوقظكم، فاضطجعوا، وأسند بلال ظهره إلى راحلته فغلبته عيناه فنام، فاستيقظ النبي-صلى الله عليه وسلم- وقد طلع حاجب(7) الشمس، فقال: (يا بلال! أين ما قلت؟) قال: ما ألقيت علي نومة مثلها قط. قال: (إن الله قبض أرواحكم حين شاء وردها عليكم حين شاء, يا بلال قم فأذن بالناس بالصلاة), فتوضأ فلما ارتفعت الشمس وابياضت قام فصلى"(8).

5- حديث عبد الرحمن بن أبي صعصعة-رضي الله عنه- أن أبا سعيد الخدري-رضي الله عنه-قال له النبي-صلى الله عليه وسلم-: (إني أراك تحب الغنم والبادية، فإذا كنت في غنمك-أو باديتك-فأذنت بالصلاة فارفع صوتك بالنداء، فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن, ولا إنس, ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة) قال أبو سعيد: سمعته من رسول الله-صلى الله عليه وسلم-(9).


6- حديث أنس بن مالك، في قصة سماعهم لأذان صحاب المعز, والذي فيه أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم-كان يغير إذا طلع الفجر, وكان يستمع الأذان، فإن سمع أذاناً أمسك وإلا أغار، فسمع رجلاً يقول: الله أكبر الله أكبر، فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: (على الفطرة)، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله، فقال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: (خرجت من النار)، فنظروا فإذا هو راعي معزى"(10).


وأما ما نقل عن الإمام مالك فقد استدلّ له بما يلي:


1- ما روي عن عبد الله بن عمر-رضي الله عنه- أنه كان لا يزيد على الإقامة في السفر إلّا في الصبح فإنه كان ينادي فيها، ويقيم، وكان يقول: "إنما الأذان للإمام الذي يجتمع الناس إليه"(11).

2- ما روي عن عليّ بن أبي طالب-رضي الله عنه-أنه قال في المسافر: "إن شاء أذّن وأقام وإن شاء أقام"(12).

الترجيح:



يلاحظ من هذه الأدلة أن مذهب جمهور الفقهاء من استحباب الأذان والإقامة مطلقاً هو الراجح، وذلك لما يلي:

1- أن الأحاديث دلّت على أن الأذان والإقامة من شأن الصلاة لا يدعها مسافر ولا حاضر(13).

2- أثبتت تلك الأحاديث أن من سنّة النبي-صلى الله عليه وسلم- الأذان والإقامة للصلوات في السفر، وأثبتت أيضاً أمره بذلك(14).

3- أن المقصود من الأذان لم ينحصر في الإعلام، بل كل منه ومن الإعلام بهذا الذكر نشراً لذكر الله ودينه في أرضه, وتذكيراً لعباده من الجنّ والإنس الذين لا يرى شخصهم في الفلوات من العباد(15).

وإظهاراً لشعائر الإسلام(16).
فدلّ على إبطال قول من زعم أنه لا معنى له إلا ليجمع الناس، بل له فضل كثير جاءت به الآثار(17).

إن ترك المسافر الأذان دون الإقامة، لم يكره باتفاق جمهور الفقهاء القائلين باستحباب الأذان والإقامة في السفر(18).

أما من تركها جميعاً أو ترك الإقامة فقد صرّح بكراهة ذلك فقهاء الحنفية، وهو الظاهر من كلام المالكية والحنابلة(19).

وعلّلوا ذلك بما يلي:



1- أنَّ من ترك الأذان والإقامة في السفر، فقد خالف الأمر المذكور في حديث مالك بن الحويرث(20).

2- ما روي عن عليّ-رضي الله عنه-أنه قال في المسافر: "إن شاء أذّن وأقام وإن شاء أقام".

ووجه الدلالة من ذلك:


أن عليَّا-رضي الله عنه-لا يرى بأساً بترك الأذان في السفر، دون الإقامة.

3- أن السفر سبب الرخصة وقد أثر في سقوط شطر، فجاز أن يؤثر في سقوط أحد الأذانين، إلا أن الإقامة آكد ثبوتاً من الأذان فيسقط شطر الأذان دون الإقامة(21).

4- أن الأذان للإعلام بدخول وقت الصلاة ليحضروا، والقوم في السفر حاضرون، والإقامة للإعلام بالشروع في الصلاة وهم إليها محتاجون(22).

5- أن الأذان والإقامة من لوازم الجماعة، والسفر لا يسقط الجماعة فلا يسقط ما هو من لوازمها الشرعية(23)"(24).

والله أعلم والهادي إلى سواء السبيل.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد, والحمد لله رب العالمين،،،


1 - بدائع الصنائع(1/153).

2 - البخاري، كتاب الأذان، باب من قال: ليؤذن في السفر مؤذن واحد رقم(630).

3 - أبو داود في الصلاة باب الأذان في السفر..وصححه الألباني في صحيح أبي داود رقم (1062)، وصحيح الجامع رقم(8102).

4 - الأرض القفر الخالية.

5 - أخرجه عبد الرزاق في المصنف(1/510) برقم(1955)، وابن أبي شيبة موقوفاً على سلمان(2/198).برقم (2277)، والبيهقي في السنن الكبرى(2/165).برقم(1946). وصحح وقفه ثم قال: " وقد روي مرفوعاً، ولا يصحّ رفعه).

6 - التعريس: نزول المسافر آخر الليل نزلة للنوم والاستراحة.(النهاية(3/186).)

7 - ناحية منها (لسان العرب(3/51).)

8 -متفق عليه.

9 - البخاري، كتاب الأذان، باب رفع الصوت بالنداء رقم(609).

10 - مسلم في كتاب الصلاة ، باب الإمساك عن الإغارة على قوم في دار الكفر إذا سمع فيهم الأذان رقم(382).

11 - مالك في الموطأ(1/69)رقم(160)، والبيهقي في السنن الكبرى(2/177). رقم (1983).

12 - البيهقي في السنن الكبرى(2/178).

13 - التمهيد(3/58).

14 - شرح موطأ الإمام مالك للزرقاني(1/224).

15 - فتح القدير(1/254).

16 - مواهب الجليل للحطاب(1/450).

17 - شرح موطأ الإمام مالك للزرقاني(1/225).

18 - بدائع الصنائع (1/153).

19 -بدائع الصنائع(1/153).

20 - فتح القدير(1/255).

21 - المبسوط(1/132).

22 - بدائع الصنائع(1/153).

23 -فتح القدير(1/255).

24 - راجع: أحكام الأذان والنداء والإقامة ص(301-304).


مسلم التونسي 02-05-2011 12:56 PM

قدر المكث بين الأذان والإقامة

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله إمام المتقين, وهادي الناس من الظلمات إلى النور صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.


أما بعد:




قبل أن نذكر مقدار الفصل بين الأذن والإقامة لا بد أن نتطرق إلى حكم هذا الفصل وما هي أقوال الفقهاء في هذا الباب وبما ذا استدل كل فريق منهم على كلامه.

اتفق الفقهاء على استحباب الفصل بين الأذان والإقامة للصلوات الخمس ما عدا المغرب، فقد اختلفوا فيها(1).وذلك لكون المغرب مبنية على التعجيل(2).

واستدلّوا لذلك بما يلي:


أولاً: من الكتاب:



قوله-تعالى-: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (فصلت:33)،
ووجه الدلالة من هذه الآية الكريمة أنه قد جاء في تفسير هذه الآية: المؤذن يدعو الناس بأذانه, ويتطوّع بصلاة ركعتين بين الأذان والإقامة، وهو مرويّ عن أبي أمامة الباهلي-رضي الله عنه وغيره(3) .

ثانياً من السنّة:


1- حديث عبد الله بن مُغفّل المزني-رضي الله عنه-أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم-قالhttp://www.waratel.net/vb/images/smilies/frown.gifبين كل أذانين صلاة –ثلاثاً-لمن شاء)(4)


ووجه الدلالة من الحديث أنه دل على عدم الوصل بين الأذان والإقامة،بل بينهما وقت تؤدّى فيه صلاة النافلة؛ لأن الأذانين المقصود بهما، الأذان والإقامة.

قال "الحافظ ابن حجر"-رحمه الله- : "ولا مانع من حمل قوله أذانين على ظاهره؛ لأنه يكون التقدير بين كل أذانين صلاة نافلة غير المفروضة قوله: (صلاة) أي وقت صلاة أو المراد صلاة نافلة"(5).


2- حديث عائشة-رضي الله عنها-:" كان النبي-صلى الله عليه وسلم-يصلي ركعتين خفيفتين بين النداء والإقامة من صلاة الصبح"(6).


3- حديث جابر بن سمرة-رضي الله عنه-قال:" كان مؤذن رسول الله-صلى الله عليه وسلم- يؤذن ثم يمهل، فلا يقيم حتى إذا رأى رسول الله-صلى الله عليه وسلم- قد خرج، أقام الصلاة حين يراه"(7).


ثالثاً: من المعقول:


1-أن الأذان شرع للإعلام فيسنّ الانتظار ليدرك الناس الصلاة ويتهيّؤوا لها(8)وإذا وصل بين الأذان والإقامة فات الناس الجماعة، فلم يحصل المقصود بالأذان(9).


2- أن الفصل بين الأذان والإقامة بوقت يمكّن المصلي من أداء النافلة(10)فإنه لا خلاف بين العلماء في التطوّع بين الأذان والإقامة إلّا في المغرب(11).


أما مقدار الفصل بين الأذان والإقامة للصلوات الخمس ما عدا المغرب فإنه على النحو التالي:


اختلف الفقهاء في مقدار هذا الفصل على أقوال هي كالتالي:


قول الحنفية:


روي عن أبي حنيفة في الفجر قدر ما يقرأ عشرين آية، وفي الظهر قدر ما يصلّي أربع ركعات يقرأ في كلّ ركعة نحواً من عشر آيات، وفي العصر مقدار ما يصلّي ركعتين في كل ركعة نحواً من عشر آيات، وفي المغرب يقوم مقدار ما يقرأ ثلاث آيات، وفي العشاء كما في الظهر. وهذا عند الحنفية ليس بتقدير لازم، فينبغي أن يفعل مقدار ما يحضر القوم مع مراعاة الوقت المستحبّ(12).


وأما الشافعية:


فقد ذكر بعضهم: أن الفصل يكون بقدر ما تجتمع الجماعة(13).


وزاد بعضهم، وبقدر أداء السنّة التي قبل الفريضة(14).


أمّا الحنابلة:


فعند أكثرهم أن الفصل يكون بقدر الوضوء وصلاة ركعتين(15).



وقال بعضهم : يفصل بقدر حاجته ووضوئه وصلاة ركعتين(16



وقال بعضهم: بقدر ما يفرغ الإنسان من حاجته، وبقدر وضوئه وصلاة ركعتين، وليفرغ الآكل من أكله والشارب من شربه(17).


قال "ابن بطال:: لا حدّ لذلك غير تمكن دخول الوقت واجتماع المصلين(18).


قال "الشيخ عبد الله البسام"-في كتابه توضيح الأحكام-:


"فالأفضل أن يجعل بين الأذان وإقامة الصلاة وقت يستعدون فيها للحضور، ويفرغون من أعمالهم التي بدأ الأذان وهم قائمون بها، من أكل, ولبس وطهارة، ونحوها لقوله-صلى الله عليه وسلم-http://www.waratel.net/vb/images/smilies/frown.gifاجعل بين أذانك وإقامتك مقدار ما يفرغ آكل من أكله)(19).


وقال: كما أن المستحب أن لا يطيل الانتظار ما بين الأذان وقبل الصلاة، فيشق على الحاضرين(20).


والراجح:-والله أعلم-هو أن يقال أن مقدرا الفصل بين الأذان والإقامة يرجع فيه إلى اجتهاد إمام المسجد، مراعياً في ذلك عدة أمور منها:


1- الوقت المستحب لأداء الصلاة.


2- حضور واجتماع الناس، وهذا يختلف باختلاف مواقع المساجد, وباختلاف الصلوات، وقد روي أن النبي-صلى الله عليه وسلم-كان يخرج بعد النداء إلى المسجد، فإذا رأى أهل المسجد قليلاً جلس حتى يرى منهم جماعة ثم يصلي، وكان إذا خرج فرأى جماعة أقام الصلاة(21).


وحديث جابر بن عبد الله-رضي الله عنه-: "كان النبي-صلى الله عليه وسلم-يصلّي... العشاء أحياناً وأحياناً: إذا رآهم اجتمعوا عجل، وإذا رآهم أبطئوا أخر)(22).


3- تمكّن المصلّين من أداء السنّة التي قبل الصلاة.

وغير ذلك مما هو من مصلحة الصلاة(23).


وصلى الله وسلم على نبينا محمد, والحمد لله رب العالمين،،،

1 - المبسوط (1/139). بدائع الصنائع(1/150).

2 - أحكام الأذان والنداء والإقامة ص(380).

3 - انظر: جامع البيان في تأويل القرآن للطبري(11/110). وغيره من التفاسير.كابن كثير، والقرطبي، والبغوي.

4 - البخاري-كتاب الأذان، باب كم بين الأذان والإقامة ومن ينتظر الإقامة رقم(838).

5 - فتح الباري(2/107).

6 - متفق عليه.

7 - الترمذي(202)، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.

8 - بدائع الصنائع(1/150).

9 - المهذب مع المجموع(3/127).

10 - المبسوط(1/139).

11 - فتح الباري(2/126).

12 - بدائع الصنائع(1/150).

13 - المجموع(3/127).

14 - مغني المحتاج(1/138).

15 - المغني(2/67).

16 - الإنصاف(1/392).

17 - كشاف القناع(1/288).

18 - سبل السلام(2/154).

19 - الحديث رواه الترمذي وضعفه الألباني في ضعيف الترمذي رقم (30).

20 - توضيح الأحكام(1/425).

21 - أخرجه أبو داود وقال الحافظ ابن حجر في الفتح"وإسناده قوي مع إرساله".

22 - البخاري، كتاب مواقيت الصلاة، باب وقت المغرب رقم (560).

23 - أحكام الأذان والنداء والإقامة(384).


مسلم التونسي 02-05-2011 12:56 PM

الأذان للصلاة المعادة

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:





هناك مسألة لا بد من توضيح أقوال العلماء فيها، وهي إذا صلّى فرد أو جماعة صلاة بأذان وإقامة في الوقت، وتبين فساد تلك الصلاة، وأرادوا إعادتها في الوقت، فهل يعاد الأذان والإقامة لها أم لا؟. هذا هو السؤال الذي يشكل على كثير من الناس اليوم.


والجواب: أن الفقهاء-رحمهم الله-لهم في هذه المسألة ثلاثة أقوال:


القول الأول:
أنه يُعاد الأذان والإقامة لها، وهو مذهب الحنابلة، وظاهر مذهب الشافعيّة(1)،

ويتبين مذهب الشافعيّة من قول الزركشي:" من شرع في عبادة تلزمه بالشروع ثم أفسدها فعليه قضاءها على الصفة التي أفسدها مع الإمكان".(2)

وهذا الكلام يفيد أن إعادة الأذان والإقامة مطلوبة للصلاة المعادة(3).


وأدلتهم على ذلك ما يلي:


أولاً من الآثار:



ما روي أن عمر بن الخطاب-رضي الله عنه-: أنه صلّى بالناس فلم يقرأ شيئاً، فقال له أبو موسى الأشعري-رضي الله عنه-: يا أمير المؤمنين أقرأت في نفسك، قال : لا، فأمر المؤذنين فأذّنوا وأقاموا وأعاد الصلاة بهم(4).


نقل عن الإمام الشافعي تضعيف هذا الأثر لكونه مرسلاً.


ثانياً : من المعقول:


أن في الأذان والإقامة للصلاة المُعادة إعلام للناس ليجتمعوا للإعادة(5).


القول الثاني:
أنه لا يعاد الأذان والإقامة لها، إلّا إن طال الفصل فتعاد الإقامة، وهو مذهب الحنفيّة(6).


القول الثالث:
أنه تعاد الإقامة لها، ولو قرب، ويجوز الأذان، وهو مذهب المالكية(7).


وهذا القول هو أقرب الأقوال للصواب في حالة عدم تفرّق القوم وذلك لما يلي:



1- الأثر الذي استدلّ به أصحاب القول الأول ضعيف، كما تقدّم من أنه نقل عن الشافعي رحمه الله- تضعيف الأثر لكونه مرسلاً.


2- الأصل في الأذان أنه لإعلام الغائبين وقد حصل، أما الإقامة فهي لاستنهاض الحاضرين.


فإن تفرّق الناس وطال الفصل، فالقول بإعادة الأذان والإقامة أرجح، لحاجتهم حينئذٍ لكِلَا الإعلامين(8).


هذا والله أعلى وأعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين،،،،

1 -بدائع الفوائد لابن القيم ص(404).

2 - المنثور في قواعد الزركشي(2/152).

3 - أحكام الأذان والنداء والإقامة (346).

4 -أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (3/353). ونقل عن الإمام الشافعي تضعيف هذا الأثر لكونه مرسلاً.

5 - بدائع الفوائد ص(404).

6 -البحر الرائق(1/276).

7 - الخرشي على مختصر خليل(1/236).

8 - راجع: أحكام الأذان والنداء والإقامة ص(347).


مسلم التونسي 02-05-2011 12:57 PM

كيفية الأذان ومعاني كلماته


الحمد لله رب العالمين،والصلاة والسلام على البشير النذير،وعلى آله وأصحابه الغر الميامين.
أما بعد:


فقد اتفق الفقهاء على الصيغة الأصلية للأذان المعروف الوارد بكيفية متواترة من غير زيادة ولا نقصان,وهو مَثْنى مَثْنى،كَمَا اتفقوا على التَّثويب,أي الزيادة في أذان الفجر بعد الفلاح وهي:" الصلاة خير من النوم" مرتين،عملاً بما ثبت في السنة عن بلال(1)،


ولقوله-صلى الله عليه وسلم- لأبي محذورة- :"... فإذا كان أذان الفجر، فقل: الصلاة خير من النوم مرتين"(2).


واختلفوا في الترجيع؛وهو أن يأتي بالشهادتين سراً قبل أن يأتي بهما جهراً،فأثبته المالكيةُ والشَّافعيةُ،وأنكره الحنفيةُ والحنابلةُ،لكن قال الحنابلةُ: لو أتى بالتَّرجيع لم يُكره.


قال الحنفية والحنابلة على المختار(3):

الأذان خمس عشرة كلمة، لا ترجيع فيه، كما جاء في خبر عبد الله بن زيد(4)، وهي :" الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر ، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله،حي على الصلاة، حي على الصلاة،حي على الفلاح،حي على الفلاح،الله أكبر،الله أكبر،لا إله إلا الله"(5).


واتفقوا على أن الأذان مثنى,ما عدا الجملة الأخيرة منه، وهي قول" لا إله إلا الله" فهي مفردة. ودليلهم حديث أنس بن مالك قال:" أمر بلال أن يشفع الأذان وأن يوتر الإقامة إلا الإقامة6 7


معاني كلمات الأذان


قال الإمام القرطبي-رحمه الله تعالى- وغيره:



اعلم أن الأذان على قلّة ألفاظه مشتمل على مسائل العقيدة لأنه بدأ بالأكبرية،وهي تتضمّن وجود الله-تعالى- ووجوبه، وكماله، ثم ثنَّى بالتوحيد ونفي الشريك،ثم ثلّث برسالة رسوله-صلى الله عليه وسلم-،
ثم ناداهم لما أراد من طاعته المخصوصة عقب الشهادة بالرسالة، لأنها لا تعرف إلا من جهة الرسول،ثم دعا إلى الفلاح وهو البقاء الدائم,وفيه الإشارة إلى المعاد،ثم أعاد ما أعاد توكيداً(8).


فقوله:" الله أكبر" أي من كلِّ شيء،أو أكبر من أن يُنسَبَ إليه مالا يليق بجلالِهِ،أو هو بمعنى كبير.


وقوله:" أشهد" أي أعلم.وقوله:" حي على الصلاة" أي أقبلوا إليها،أو أسرعوا. والفلاح: الفوز والبقاء؛


لأن المصلي يدخل الجنة إن شاء الله،فيبقى فيها ويُخلَّد. والدعوة إلى الفلاح معناها: هلموا إلى سبب ذلك. وختم بـ"لا إله إلا الله" ليختم بالتوحيد وباسم الله تعالى، كما ابتدأ به(9).


فالأذان تلخيصٌ لدعوة الإسلام ؛
لأنه متضمن للشهادتين ، والإسلام كله قام على أساسين عظيمين: أن يُعبد الله وحده،وتلك شهادة أن " لا إله إلا الله

وأن يُعبد بما جاء به رسوله-صلى الله عليه وسلم- وتلك شهادة أن " محمداً رسول الله" ، فالإسلامُ بناءٌ يقوم على أركانٍ خمسةٍ,أولها الشهادتان".


وكما في الأذان: أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمداً رسول الله ، ففيه: حي على الصلاة ، حي على الفلاح ،والصلاة من أولها إلى آخرها تصديق عملي بالشهادتين ؛

ففيها يقول المسلم في الفاتحة {إياك نعبد وإياك نستعين},وتلك شهادة "أن لا إله إلا الله" ، وفيها يقول :{اهدنا الصراط المستقيم} ،


وتلك شهادة "أن محمداً رسول الله". أشهد أن محمداً رسول الله حقّاً ، فهو من جهة ليس إلها، وليست فيه أي صفة من صفات الألوهية، ومن جهة ثانية: ليس كذاباً, ولا ساحِراً, ولا كاهناً, ولا مجنوناً،



فالذي يشترك فيه مع الناس هو البشرية،والذي يتميز به عنهم هو الوحي والنبوة،كما قال سبحانه: {قُلْ إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إلَيَّ }(فصلت:6).


وقد قامت على صدق نبوته دلائل كثيرة: فمنها صفاته،ومنها معجزاته،ومنها نبوءاته،ومنها البشارات به في الكتب السابقة،ومنها ثمرات دعوته في الأرض ، إلا أن أعظم آية تشهد له بالنبوة هي القرآن الكريم،


قال الله تعالى : {تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ العَالَمِينَ}الحاقة : 43.



حي على الصلاة ، حي على الفلاح :


هاتان الجملتان تعقبان الشهادتين في الأذان،وذكر الصلاة عقب الشهادتين يُوافِقُ الترتيبَ الذي رتبت به أركان الإسلام,
وحيثُ إنَّ الإنسان مجبولٌ على تقديم العاجلة على الآجلة،وتفضيل النقد على النسيئة،
وبما أن الدنيا عَرَض حاضر،والآخرة وعد صادق،فالدُّنيا يراها والآخرة يسمع عنها،فالذي يحدثُ–غالباً-هُو انشغالُ الإنسان بما يَرَى عمَّا يسمعُ،والإقبال على العرض الحاضر,والغفلة عن الوعد الصادق،فيأتي في الأذان "حي على الصلاة، حي على الفلاح" ؛ لينادي على الناس في أسواقهم يبيعون ويشترون،أو في أعمالهم يصنعون ويعملون، أو في بيوتهم يأكلون ويشربون،أن يؤثروا الحياة الآخرة على الحياة الدنيا، كما أمرهم الله.


فنداء المؤذن: "حي على الصلاة، حي على الفلاح" عند كل صلاة إعلان عن وسطية الإسلام,وجمعه بين الدين والدنيا،فالمسلم في عبادة قبل الحضور إلى المسجد،وهو في عبادة عندما يحضر بعد سماع الأذان،وهو في عبادة عندما ينصرف بعد الصلاة إلى أشغاله وأعماله.


الله أكبر الله أكبر :


هذا النداء الذي افتتح به الأذان واختتم به، فيه تكبير الله عز وجل، فهو سبحانه{عَالِمُ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الكَبِيرُ المُتَعَالِ} الرعد : 9


وحيث إن الصلاة دعوة منه سبحانه ينقلها المؤذن عبر الأذان؛ ناسب افتتاحها بالتكبير ليعلم الناس أن الله تعالى أكبر من كل شيء يَصدّهم عن دعوته، أو يشغلهم عن إجابة ندائه {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ المَلِكِ القُدُّوسِ العَزِيزِ الحَكِيمِ}10 الجمعة:1





1 - رواه الطبراني وغيره.نقلاً من حاشية الفقه الإسلامي وأدلته (1/543).

2 - رواه أحمد أبي داود. وصححه الألباني في تمام المنة رقم(88).

3 - اللباب شرح الكتاب(1/62). وما بعدها، وفتح القدير(1/167). نقلاً من حاشية الفقه الإسلامي وأدلته(1/543).

4 - وهو حديث أذان المالك النازل من السماء، رواه أبو داود في سننه.

5 - راجع: الفقه الإسلامي وأدلته (1/543-544).

6 - البخاري- الفتح- (605). كتاب الأذان باب الأذن مثنى مثنى. وقوله (الإ الإقامة):أي قوله قد قامت الصلاة.

7 - أحكام الأذان والإقامة ص(65).

8 - المفهم (2/14)، نقلاً من حاشية أحكام الأذان والإقامة ص(64).

9 - كشاف القناع(1/273). نقلاً من حاشية الفقه الإسلامي وأدلته(1/544).

10 نقلاً عن مقال في عدد البيان 95 ص 32 وما بعدها بتصرف.

http://www.islammnet.co.cc/vb/images...c/progress.gif http://www.islammnet.co.cc/vb/images...ttons/edit.gif

مسلم التونسي 02-05-2011 12:58 PM

الأذان والإقامة للنساء




الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد:


اتفق جمهور الفقهاء على أنه ليس على النساء أذان ولا إقامة، سواءً كان أذانهنّ أو إقامتهنّ لجماعة النساء أو لنفسها منفردة(1).


ويرى بعض العلماء أن النساء كالرجال في الأذان والإقامة،
وفي ذلك يقول الشوكاني-رحمه الله- :


" ثم الظاهر أن النساء كالرجال؛ لأنهن شقائق الرجال، والأمر لهم أمر لهنّ، ولم يرد ما ينتهض للجة في عدم الوجوب عليهنّ، فإن الوارد في ذلك في أسانيده متروكون ولا يحل الاحتجاج بهم، فإن ورد دليل يصلح لإخراجهن فذلك وإلّا فهن كالرجال"(2).



واختار هذا الرأي الشيخ محمد صديق خان، كما في الروضة الندية شرح الدرر البهية(3).


وتبعه الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، كما في السلسلة الضعيفة والموضوعة(2/271).


فإن أذّنت المرأة وأقامت لجماعة النساء أو لنفسها، فقد اختلفت أقوال الفقهاء في حكم ذلك على أربعة أقوال:


القول الأول:


يكره لهنّ الأذان والإقامة، وهو مذهب الحنفية، ورأي لبعض المالكية، ووجه للشافعية، ومذهب الحنابلة.


والكراهة عند المالكية هنا تحمل على المنع، وصرّح بعض الحنابلة بعدم صحتهما منهنّ.


أدلتهم
: استدلّ من قال بكراهة الأذان والإقامة للنساء، بما يلي:


أولاً: من السنة:


1- حديث أسماء بنت أبي بكر –رضي الله عنه-قالت: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-http://www.waratel.net/vb/images/smilies/frown.gifليس على النساء أذان ولا إقامة ولا جمعة، ولا اغتسالٌ، ولا تقدمهن امرأة ولكن تقوم في وسطهن)(4).


2- عن أم ورقة الأنصارية: أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم-جعل لها مؤذناً يؤذن لها، وأمرها أن تؤم أهل دارها"(5).


ووجه الدلالة : أن النبي-صلى الله عليه وسلم-لما أذن لها أن تؤمّ أهل دارها لم يأمرها أن تؤذن هي ، أو امرأة من أهل دارها، بل جعل لها مؤذناً، فلو كان الأذان مشروعاً للمرأة لما أمرها باتخاذ مؤذن رجل.


ثانياً: من الآثار:



1- ما روي عن عبد الله بن عمر-رضي الله عنه-أنه قال: "ليس على النساء أذان ولا إقامة"(6).


2- ما روي عن عائشة أنها قالت:" كنا نصلي بغير إقامة"(7).


3- ما روي عن أنس أنه سُئل هل على النساء أذان وإقامة قال: "لا، وإن فعلن فهو ذِكر"(8).


ثالثاً من المعقول:


1- أن الأذان في الأصل يشرع للإعلام، ولا يشرع للمرأة ذلك.(9).


2- أن الأذان يشرع له رفع الصوت, ولا يشرع للمرأة رفع الصوت، لما فيه من الفتنة(10)، ومن لا يشرع في حقه الأذان لا يشرع في حقه الإقامة، كغير المصلي، وكمن أدرك بعض الجماعة.(11).


3- لأنه ليس على النساء الجماعة بل إن جماعتهنّ غير مستحبّة، فلا يكون عليهنّ الأذان والإقامة(12).


القول الثاني:
يكره لهنّ الأذان وتستحبّ الإقامة، وهو المشهور والمعتمد في مذهب المالكية، والصحيح عند الشافعيّة، ورواية عند الحنابلة.


إلّا أن الشافعية قالوا: لو أذّنت ولم ترفع صوتها لم يكره، وكان ذكراً لله، وإن رفعت وثم أجنبيّ حرم.


أدلتهم:



استدلّ أصحاب هذا القول بما يلي:


أولاً : من الآثار:



ما روي عن جابر بن عبد الله-رضي الله عنه-أنّه قال: " تقيم المرأة إن شاءت"(13).


ثانياً: من المعقول:


1- أن الأذان مشروع للإعلام بدخول الوقت وحضور الجماعة، ومشروعية الإقامة لإعلام النفس بالتأهب للصلاة فطلبت من الجميع ولو صبيّاً(14).


2- أن في الأذان ترفع المرأة صوتها فيكره لما فيه من الفتنة، وأمّا في الإقامة فلا ترفع صوتها؛ لأنها لاستنهاض الحاضرين(15).


القول الثالث:


يستحبّ لهن الأذان والإقامة، وهو وجه عند الشافعية، ورواية عند الحنابلة، دون رفع الصوت عند الشافعيّة. أمّا الحنابلة فعلى روايتين: الأولى مطلقاً, والثانية مع خفض الصوت.


استدل أصحاب هذا القول بما يلي:



1- ما روي عن عائشة-رضي الله عنها-:" أنها كانت تؤذن وتقيم، وتؤم النساء وتقوم وسطهن"(16).


2- ما روي عن ابن عمر أنه سئل هل على النساء أذان فغضب، وقال: ( أنا أنهى عن ذكر الله!!"(17).



وجه الدلالة أن الأثر دل على أن الأذان والإقامة ذكر لله، وذكر الله لا يمنع منه أحد.


القول الرابع:
يباح لهنّ الأذان والإقامة، مع خفض الصوت، وهو رواية عند الحنابلة.


أدلة أصحاب هذا القول:



يمكن أن يستدلّ له بالجمع بين الآثار الواردة عن عائشة وابن عمر-رضي الله عنهما-حيث نُقل عن عائشة الفعل والترك، وأمّا ابن عمر فنقل عنه النفي وعدم النهي، فدلّ على جواز الأمرين.


قال الإمام البيهقي-بعد ذكره الأثرين الواردين عن عائشة-رضي الله عنه-:" وهذا إن صح مع الأوّل فلا ينافيان، لجواز فعلها ذلك مرّةً وتركها أخرى لجواز الأمرين جميعاً"(18).


و القول الرابع القائل بالإباحة، وأنه لا يسنّ للمرأة أذان ولا إقامة، يراه بعض أهل العلم وجيها لأسباب منها :


1- أن أبرز ما شرع له الأذان هو إعلام الناس كي يجتمعوا للصلاة والمرأة غير مطالبة بإجابة هذا النداء إذا سمعته، والأفضل لها أن تصليّ في بيتها، فلهذا لا يسنّ لها أذان ولا إقامة(19).


2- أنه لم ينقل أن النبي-صلى الله عليه وسلم-ندب النساء إلى الأذان والإقامة أو علمهن ذلك، ولو كان مشروعاً في حقهنّ لعلمهن كما علمهن كيفية غسل الحيض والجنابة(20).


3- أنه بهذا القول يمكن الجمع بين الآثار الواردة عن بعض الصحابة في ذلك.(21).


والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين،،،

1 - الإفصاح لابن هبيرة(1/64-65). المبسوط(1/133).

2 - السيل الجرار(1/197-198).

3 - الدرر البهية(1/216).

4 - أخرجه البيهقي في السنن(2/169)، رقم(1960). وابن عدي في الكامل (2/620).

5 - أبو داود، وأحمد والحاكم،

6 - البيهقي في السنن الكبرى، وصحح إسناده ابن حجر في التلخيص الحبير(1/521).

7 - البيهقي في السنن الكبرى(2/170).

8 - ابن أبي شيبة في المصنف(2317).والبيهقي في السنن(2/170).

9 - المغني(2/80).

10 - المبسوط(1/133).

11 - المغني (2/80).

12 - بدائع الصنائع (1/152).

13 - أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف(1/203)(2329).

14 - المغني(2/80).

15 - مغني المحتاج(1/135).

16 -أخرجه عبد الرزاق في المصنف(3/126) (5016)، وابن أبي شيبة، والبيهقي في السنن الكبرى. والحاكم في المستدرك.

17 -أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف(1/202)(2324).

18 - السنن الكبرى للبيهقي(2/170).

19 - راجع: الإحكام فيما يختلف فيه الرجال والنساء من الأحكام.

20 - المصدر السابق.

21 - أحكام الأذان والنداء والإقامة ص(356).

مسلم التونسي 02-05-2011 12:58 PM

أذان صاحب الصوت الندي



الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:


فإنَّ من الصفات المستحبة في المؤذن، أن يكون صيتاً، حسن الصوت فصيحاً، وهذه صفة اتفق الفقهاء على استحبابه1.


واستدلوا على ذلك بحديث عبد الله بن زيد -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له: (فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت به فإنه أندى صوتاً منك)2. ومعنى: (أندى) أي أرفع وأعلى وأبعد، وقيل أحسن وأعذب3.


واستدلوا كذلك بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- اختار أبا محذورة للآذان لكونه صيتاً، وذلك في قصة إسلامه، وطلب أبو محذورة من النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يجعله مؤذناً بمكة- فقال: (قد أمرتك به)4.



واستدلوا أيضاً بما روي أن مؤذناً أذن فطرَّب في أذانه، فقال له عمر بن عبد العزيز-رحمه الله-: أذِّن أذاناً سمحاً و إلاَّ فاعتزلن5.



واستدلوا أيضاً بأن المقصود من الأذان الإعلام، وإذا كان المؤذن صيتاً ما أبلغ في الإسماع6. ولأن المؤذن إذا كان حسن الصوت فإنه يكون أرق لسامعيه، فيميلون إلى الإجابة7.
فصاحب الصوت الحسن له تأثير عجيب في جذب قلوب الناس، وهز في قلوبهم الشوق إلى علام الغيوب، ومن ثم إتيانهم إلى المسجد لأداء الصلاة.



فمن المشاهد أن المصلين في المسجد الذي مؤذنه حسن الصوت أكثر عدداً من غيره. ولقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يختار للأذان مؤذنين ذوي أصوات حسنة، كبلال بن رباح، وأبي محذورة، وابن أم مكتوم، ولذلك لما أذَّن بلال في عهد عمر ارتجت المدينة بالبكاء، وخرج الرجال والنساء إلى سكك المدينة، متذكرين وسائلين هل بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟!

فما أجمل تلك الأصوات التي تجلل بالنداء من فوق تلك المنائر الشامخة شموخ الكلمات المنبعثة منها؟. إنها توحد الله، وتدعو إليه، وتعلم بدخول وقت الصلاة، التي أجل العبادات عند الله ومن أجلها شرع الآذان.



والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

1 - راجع بدائع الصنائع(1/149). وفتح القدير(1/248). والمهذب مع المجموع(3/110). والمغني(2/70).

2 - أخرجه أبو داود في متاب الصلاة، باب كيف الآذان( سنن أبي داود(1/244 رقم(499)). وغيره. وحسنه الألباني في صحيح أبي داود(1/98) رقم(469). وفي إرواء الغليل(1/50) رقم(246).

3 - النهاية(5/32). ولسان العرب(14/97).

4 - القصة رواها مسلم مختصرة (1/287) رقم (379)، وأحمد مطولة (3/409). وغيرهما.

5 - أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف(1/207 برقم(2375).

6 - مواهب الجليل(1/437). ومغني المحتاج(1/138) والكافي لابن قدامة( 103).

7 - الأم(1/87) المغني(2/70). ومغني المحتاج(1/138).

مسلم التونسي 02-05-2011 12:59 PM

الأذان والنداء بالصلاة في الرَّحال



الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد,وعلى آله وصحبه أجمعين.
أمَّا بعدُ:


لم يكن النداءُ بالصَّلاةِ في الرَّحالِ بعيداً عن كلامِ الفُقهاء، فقد اتفقَ الفقهاءُ على مشروعيَّةِ قولِ المؤذِّنِ عندَ المطرِ أو الرِّيحِ أو البردِ:"ألا صلُّوا في رِحَالِكم"، أو " الصلاة في الرِّحَال"(1)،



استدلُّوا على ذلك بأدلَّةٍ,منها:


1- ما رُوي عن عبد الله بن عمر-رضي الله عنه-:" أنه أذَّن بالصلاة- في ليلة ذات برد وريح-ثم قال: ألا صلوا في الرحال،
ثم قال: إن رسول الله-صلى الله عليه وسلم –كان يأمر المؤذن –إذا كانت ليلة ذات برد ومطر- يقول:"ألا صلوا في الرحال"(2).


2- حديث أسامة الهذلي-رضي الله عنه-:" أنَّ يوم حُنين كان يوم مطرٍ, فأمر النَّبيُّ-صلى الله عليه وسلم –مناديه أن الصلاة في الرحال"(3).


3- وعن أسامة الهذلي-رضي الله عنه-أنه قال:"لقد رأيتنا مع رسولِ اللهِ-صلى الله عليه وسلم-يوم الحديبية وأصابتنا سماء لم تبلَّ أسافل نعالنا، فنادى منادي رسول الله-صلى الله عليه وسلم-:"صلوا في رحالكم"(4).


موضع قول المؤذن "الصلاة في الرحال" من الأذان:


اختلف الفقهاء في موضع هذه الجملة: "الصلاة في الرحال"أو" ألا صلّوا في رحالكم" بعد اتفاقهم على مشروعيتها، هل تُقال أثناء الأذان أم بعد الفراغ منه؟ على أربعة أقوال:


1- أنها تقال في أثناء الأذان بدلاً من الحيعلة، وهو وجه للشافعية وظاهر مذهب الحنابلة(5).


أدلتهم:
أ*- عن عبدِ اللهِ بنِ الحارثِ,قالَ:"خطبنا ابنُ عبَّاس في يوم ردغ(6)، فلمَّا بلغ المؤذنُ حي على الصلاة فأمره أنْ يُنادي: الصلاة في الرِّحَال، فنظر القومُ بعضُهم إلى بعضٍ، فقالَ: فعل هذا مَنْ هو خيرٌ منهُ وإنها عَزمة"(7).


ب*- وفي روايةٍ:" أنه قال لمؤذنه في يوم مطير: إذا قلت: أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أنَّ محمداً رسولُ الله، فلا تقُلْ: حي على الصلاة، قل: "صلُّوا في بيوتكم"(8



وجه الدلالة أنَّ الحديثَ صريحٌ في أنها تقال بدلاً من الحيعلة،حيث قال له:" فلا تقلْ حيّ على الصلاة"(9).


2- أنها تقال في أثناء الأذان,ولكن بعد الحيعلة(فيجمع بينها وبين الحيعلة) وهو وجه للشافعية(10).


أدلتهم:



أ*- حديث نعيم بن النحام، قال: سمعت مؤذن النبي-صلى الله عليه وسلم-في ليلة باردة وأنا في لحاف فتمنيت أن يقول: صلوا في رحالكم،
فلما بلغ حي على الفلاح، قال: صلوا في رحالكم، ثم سألت عنها فإذا النبي- صلى الله عليه وسلم- كان أمر بذلك(11).



وفي رواية قال: فقلت: " ليت المنادي قال: ومن قعد فلا حرج ، فلما قال" الصلاة خير من النوم" ، قال : " ومن قد فلا حرج".


ب*- عن رجل من ثقيف: " أنه سمع منادي النبي-صلى الله عليه وسلم-يعني في ليلة مطيرة في السفر- يقول: حي على الصلاة حي على الفلاح، صلُّوا في رحالكم"(12)



وجه الدلالة من هذينِ الحديثينِ أنهما صريحان في الجمع بين الحيعلةِ وقول المؤذِّن" صلُّوا في رحالِكم"(13)


3- أنَّها تُقال بعد الفَرَاغِ من الأذانِ، وهُو مذهبُ الحنفيَّةِ والمالكيَّةِ، ووجهٌ للشافعيَّةِ(14).


أدلتهم:
عن نافع قال:" أذن ابن عمر في ليلة باردة بضجنان(15)، ثم قال: " صلوا في رحالكم، فأخبرنا أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم–كان يأمر مؤذناً يؤذن ثم يقول على إثره: ألا صلوا في الرحال في الليلة الباردة أو المطيرة في السفر"(16).



وجه الدلالة أن قوله" ثم يقول على إثره"، صريح في أن القول المذكور كان بعد فراغ الأذان"(17).


4- أن الأمر في هذا واسع، سواء قالها في أثناء الأذان أو بعد الفراغ منه فكله جائز، ولكن الأولى أن يكون بعد الفراغ منه، وهو رأي لبعض الحنفية، ومذهب الشافعية(18).



أدلتهم :
الأحاديث المتقدمة في أدلة الأقوال الأخرى- ولكن قوله بعد الأذان أحسن ليبقى نظم الأذان على وضعه"(19).


خلاصة المسألة:


أن الأمر في هذا واسع، فقد ثبت في السنّة جميع ما قيل في الأقوال السابقة، ولا منافاة بين الأحاديث الواردة في ذلك؛ لأن هذا جرى في وقت, وذلك في وقت، والكلُّ صحيحٌ(20).


والله الموفق،،

1 - المجموع(3/136). وعمدة القاري(5/128).

2 - البخاري(666).

3 - رواه أبو داود(1057).،وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود(1/292).

4 - رواه ابن ماجه(936). وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه.

5 - انظر : فتح الباري(2/117).

6 - جمع ردغة وهو : طين ووحل كثير.(النهاية (2/197).

7 - البخاري(616).

8 - مسلم (699).

9 - أحكام الأذان والإقامة(104).

10 - راجع: نهاية المحتاج(1/304).

11 - رواه أحمد.

12 سنن النسائي (652).

13 - أحكام الأذان والإقامة ص (106).

14 - عمدة القاري(5/128).

15 - جبل بناحية مكة.

16 - البخاري(632).، ومسلم(697).

17 - فتح الباري(2/134).

18 -المجموع(3/136).

19 - شرح مسلم للنووي(5/207).

20 - انظر: شرح مسلم للنووي(5/207).


مسلم التونسي 02-05-2011 12:59 PM

الأذان والإقامة فيه مسجد سبقت في الجماعة


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن وآلاه أما بعد:


إذا أقيمت جماعة في مسجد بأذان وإقامة- كما هو مشروع- ثم حضر قوم لم يصلوا وأرادوا أن يصلوا جماعة، فهل يشرع لهم الأذان والإقامة؟



اختلفت أقوال المذاهب في هذه المسألة على النحو التالي:


أولاً : الحنفية:



ولهم تفصيل في هذه المسألة، فقالوا: إن كان المسجد له أهل معلوم، وصلّى فيه غير أهله بأذان وإقامة، لا يكره أن يعيدوا الأذان والإقامة.


وإن صلّى فيه أهله بأذان وإقامة أو بعض أهله يكره لغير أهله, وللباقين من أهله أن يعيدوا الأذان والإقامة.


فإن كان المسجد ليس له أهل معلوم بأن كان على الطريق لا يكره تكرار الأذان والإقامة فيه(1).


ثانياً المالكية:



يكره لهم الأذان دون الإقامة(2).


ثالثاً: الشافعية:


يسنّ لهم الأذان والإقامة على الصحيح من المذهب، لكن الأولى أن لا يرفع الصوت لخوف اللّبس، سواء كان المسجد مطروقاً أو غير مطروق.



والوجه الثاني: أنه لا يسنّ الأذان(3).


رابعاً الحنابلة:



يستوي الأمر، فإن شاؤوا أذَّنوا وأقاموا، وإن شاؤوا صلّوا بغير أذان ولا إقامة، فإن أذّنوا فالمستحبّ أن يخفي الصوت ولا يجهر به ليغرَّ الناس بالأذان في غير محلّة(4).


أدلّة من قال بالجواز أو السنية:



أولاً: من الآثار:



ما روي أن أنساً –رضي الله عنه- دخل المسجد وقد صلوا، فأمر رجلاً فأذّن وأقام فصلّى بهم جماعة(5).


ثانياً: من المعقول:



أن الدعوة الأولى تمّت بالإجابة الأولى(6).فاستحبّ النداء ثانيةً.


أدلّة القائلين بالمنع:


أولاً: من الآثار:



ما روي أن عبد الله بن مسعود-رضي الله عنه-صلّى بعلقمة والأسود بغير أذان ولا إقامة، وقال: "يجزئنا أذان الحيّ وإقامتهم"(7).


ثانياً من المعقول:



أن أذان وإقامة الجماعة الأولى في المسجد تجزئ عمّن جاء بعدهم(8)؛ لأن كل واحد من الجمع مدعوّ بالأذان الأوّل مجيب(9).



والراجح
والله أعلم- هو القول بسنية الأذان والإقامة للجماعة الثانية، ولكن يلاحظ عدم رفع الصوت إذا خيف اللبس،

وذلك لوجاهة ما استدلّوا به؛ ولأن الأذان والإقامة فيهما ذكر لله وفضل عظيم فلا يمنع من ذكر الله، وما روي عن ابن مسعود من قوله:"يجزئنا أذان الحيّ وإقامتهم"، فهو لبيان الجواز(10).


والله الموفق والهادي إلى سواء الصراط.


وصلى الله وسلم على نبينا محمد، والحمد لله رب العالمين،،،

1 - المبسوط(1/135). بدائع الصنائع(1/153).

2 - المدونة(1/182).

3 - المجموع(3/93).

4 - المغني (2/48).

5 - ذكره البخاري معلقاً في كتاب الأذان باب فضل صلاة الجماعة.

6 - الوسيط(2/48).

7 - ابن أبي شيبة في المصنف(1/199)، والبيهقي واللفظ له في السنن الكبرى(2/166).، واصله في صحيح مسلم بلفظ:" فلم يأمرنا بأذان ولا إقامة" صحيح مسلم بشرح النووي (5/15).

8 - المغني(2/80).

9 - الوسيط (2/48).

10 - أحكام الأذان والإقامة والنداء (343-345).

مسلم التونسي 02-05-2011 01:00 PM

الشروط المتفق عليها لصحة الأذان

الحمد لله,والصلاة والسلام على رسول الله،وعلى آله وصحبه ومن والآه.
أمَّا بعدُ:


إن الأعمال التي يُراد فعلها على الوجه الصحيح والأسلم لابد من أن تكون حسب المواصفات والشروط،وإلا فإن العمل لم يؤدى بأكمل وجه، ولأن الأذان من أجلِّ العبادات وأنفعها، ولأنه يعلن رسالة التوحيد في اليوم والليلة خمس مرات،



فإنه لابد من أن تتوفر فيه شروط الصحة, و إلا فإنه لم يؤدي الرسالة المطلوبة منه، بل إنه لا يصح أن يكون بغير شروط الصحة، وإننا في هذا المبحث القصير سنتكلم عن بعض الشروط التي لا يكون الأذان صحيحاً إلا بعد توفرها، فإليك أخي الكريم هذه الشروط:


1- الشروط المتفق عليها:

الأول: دخول وقت الصلاة.


اتفق الفقهاءُ على أنه يُشترط لصحة الأذان والإقامة دخول وقت الصلاة المفروضة، فلا يصحُّ الأذان ولا الإقامة قبل دخول الوقت، وأنه إذا أذن قبل دخول وقت الصلاة أعاد الأذان بعد دخول الوقت، إلا إذا صلى النَّاسُ في الوقت وكان الأذانُ قبله فلا يُعَاد(1).


الأدلة على ذلك:


حديث ابن عمر-رضي الله عنه-:" أن بلالاً أذن قبل طلوع الفجر فأمره النبي-صلى الله عليه وسلم- أن يرجع فينادي: ألا إن العبد نام، ألا إن العبد نام"(2).



وجه الدلالة أن النبي-صلى الله عليه وسلم-علّق الأمر بالأذان على حضور الصلاة، وحضورها يكون بدخول وقتها.


عن جابر بن سَمُرة-رضي الله عنه-قال:" كان بلالٌ يؤذن إذا دحضت(3)،فلا يقيم حتى يخرج النبي-صلى الله عليه وسلم-، فإذا خرج أقام الصلاة حين يراه"(4) .


وعن أبي هريرة-رضي الله عنه- أن النبي-صلى الله عليه وسلم-قال:"الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن..."5.


والدلالة أن المؤذن مؤتمن على أوقات الصلاة، وفي الأذان قبل الوقت إظهار للخيانة فيما ائتمن فيه"(6).


الثاني: خلوّ الأذان والإقامة من اللّحن:


تعريف اللحن: يأتي على الخطأ في الإعراب، وترك الصواب في القراءة والنشيد ونحو ذلك، يقال: فلان لَحّانٌ ولَحّانةٌ، أي : يخطئ، والتلحين: التخطئة.


ويأتي بمعنى الأصوات المصوغة الموضوعة التي فيها تغريد وتطريب، وجمعه ألحان ولحون، يقال: لحن في قراءته إذا غرّد وطرب فيها بألحان. والتطريب في الصوت: مدّه وتحسينه"(7).


حكم اللحن في الأذان والإقامة:


ينقسم اللحن-سواء ما كان بالمعنى الأول وهو الخطأ في الإعراب، أو المعنى الثاني الذي هو التمطيط والتطريب-إلى قسمين:


الأول: اللحن الذي يتغيّربه المعنى:


وهذا اتفق الفقهاء على أنه إذا كان اللحن يحيل المعنى، فإنه يحرم ويبطل الأذان(8)،

لأن الأذان إنما المقصود به النداء إلى الصلاة، فلا بدَّ من تفهيم ألفاظه للسامع، واللّحن المحيل للمعنى يخرجه عن الإفهام(9).


قال الشيخ علي محفوظ:
" من البدع المكروهة تحريماً التلحين في الأذان، وهو التطريب- أي التغني به- بحيث يؤدي إلى تغيير كلمات الأذان وكيفياتها بالحركات والسكنات، ونقص بعض حروفها، أو زيادة فيها؛ محافظة على توقيع الألحان، فهذا لا يحل إجماعاً في الأذان، كما لا يحل في قراءة القرآن"(10).



قال ابن الجوزي:
" كره مالك بن أنس وغيره من العلماء التلحين في الأذان كراهية شديدة؛ لأنه يخرجه عن موضع التعظيم إلى مُشابهة الغناء"(11).

والتلحين الذي بمعنى التطريب والتغني قد تجافاه السلف، وإنما أحدث بعدهم، كإمالةِ حروفِ الأذانِ وإفراط المدِّ فيه، أو التَّأذين بالألحان مما يُشبه الغناء، فهذا لا يحلُّ باتفاقِ الفُقهاء(12).


وروي أنَّ مُؤذِّناً أذن فطرب في أذانه، فقال له عمر بن عبد العزيز: أذِّن أذاناً سمحاً وإلا فاعتزلنا"(13).


أمثلة على هذا اللحن:


مد همزة "آلله" لأنه استفهام.


مد همزة" أكبر".


مدّ الباء من " أكبر" فيصير جمع كَبَر بفتح الباء وهو الطبل، لأنه يجعل فيها ألفاً.



الوقف على" لا إله" ويبتدئ "إلا الله".


الثاني: اللَّحن الذي لا يتغيرُ به المعنى:




يرى جمهورُ الفُقهاء من الحنفيَّة والمالكيَّة والشافعيَّة والحنابلة على الأصحِّ، أنَّ اللَّحْنَ إذا كانَ لا يُحِيلُ المعنى، فإنَّهُ يَصِحُّ معه الأذانُ مع الكراهةِ، وذلكَ لأنَّ المقصودَ من الأذانِ الإعلامُ ويحصل به، ولأنه يأتي به مرتباً فيصح كغيره(14).




أمثلة على هذا اللحن:


1- عدم إدغام تنوين" محمد" في الراء بعدها.


2- فتح النون من "أن لا إله إلّا الله".


3- الزيادة عن مقدار المدّ الطبيعي في لفظ" إله" زيادة فاحشة.


4- إشباع الفتحة من "إله" فتكون ألفاً فيقول"إلهاً".


5- الإتيان بهاء زائدة بعد الهاء من "إله".



6- وغيرها من الأمثلة : كضم" محمد" وإدغام" حيّ" وفتح الراء في " أكبر" الأولى،، وقلب الألف هاءً من " الله".

وإدغام الهاء في الشين في كلمة" أشهد" فتنطق" أشَّد". كل هذه تلحق باللحن المكروه وهو غير المحيل للمعنى.


قال الشيخ ابن باز:
"ينبغي للمؤذن أن يصون الأذان من اللحن والتلحين . واللحن كونه يخل بالإعراب ، كان يقول : أشهد أن محمداً رسولَ الله بفتح اللام ، بل يجب ضم لام ( رسول الله ) ؛

لأن رسول الله خبر أنَّ مرفوع، فإن نصب ( اللام ) كان ذلك من اللحن الممنوع ، وإن كان لا يخلُّ بالمعنى في الحقيقة ، ولا يمنع صحة الأذان؛ لأنَّ مقصودَ المؤذِّنِ : هو الإخبار بأنَّ مُحمَّداً-صلى الله عليه وسلم-هو رسول الله؛ ولأنَّ بعضَ العرب ينصب المعمولين ، لكن ذلك لحنٌ عندَ أكثر العربِ .



وأما التَّلحين: فهو التَّطويلُ والتَّمطيطُ ، وهو مكروهٌ في الأذانِ والإقامةِ.(15)


الثالث: أداء الأذان باللغة العربية:


اتفق الفقهاء- في الجملة- على أنه يُشترط لصحة الأذان والإقامة أدائهما باللغة العربية، فلا يصح أدائهما بغيرِ اللُّغةِ العربيَّةِ، إلا ما رُوي عن أبي حنيفةَ بجوازِ ذلكَ إذا علم أنه أذان وإلا لم يجز.


واشتراط أداء الأذان والإقامة باللغة العربية هو قول جمهور الحنفية، وظاهر مذهب المالكية، وهو قول الشافعية والحنابلة. إلا أن الشافعية قيدوا هذا الاشتراط في حالة وجود من يحسن العربية، فإن لم يوجد من يحسنها صحَّا،

وكذلك إن كان يؤذن أو يقيم لنفسه وهو لا يحسن العربية وقد وافقهم بعض الحنابلة فيمن يؤذن أو يقيم لنفسه مع عجزه عن العربية. واستدلَّ على اشتراط اللغة العربية لصحةِ الأذانِ والإقامةِ بما يلي:


1- أن الأذان والإقامة وردا بلسانٍ عربيِّ في الأحاديث الدالّة على بدء مشروعيتهما ولم ترد بغير اللغة العربية، ومنها حديث عبد الله بن زيد أنه أري الأذان في المنام، وأنه بالعربية.


2- قياساً على أذكار الصلاة، فكما أنها لا تصح بغير العربية، فكذلك الأذان والإقامة؛ لأن كلَّاً منهما يُراد به التعبُّد(16)


إن هذه الشروط المتفق عليها بين الفقهاء لصحة الأذان، يجب على المؤذن أن يُراعيها وأن يلتزم بها لكي يكونَ أذانه صحيحاً، ثم إنَّ عليه أن ينتبه للحن المحيل عن المعنى فإنه لا يصح معه الأذان، بل يكون باطلاً،


ومما يؤسف له اليوم أن تسمع العشرات من المؤذنين بل المئات في معظم البلاد الإسلامية والعربية ممن يلحن في الأذان بهذا اللحن – أي اللحن المحيل عن المعنى- ثم لا تجد من ينصحه أو يغير عليه, بل يستمر سنوات على هذا اللحن،

وهذا من الخطأ الذي يجب على إمام المسجد أو المسئول المباشر على المسجد أن يتنبه لهذا الأمر ، فيقوم بتغييره، أو تعليمه، وهذا من أمور الدين التي لا يصح السكوت عنها؛ لأنه يسكت على أذان غير صحيح.


وصلى الله وسلم على نبينا محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين.
والحمد لله رب العالمين،،

1 - المجموع(3/95)، والمغني(2/62).

2 - رواه أبو داود، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود.

3 - أي زالت الشمس.(النهاية(2/98)

4 - صحيح مسلم(1/354)(606).

5 - رواه أبو داود، وصححه الألباني كما في "صحيح الجامع" حديث(2787).

6 - أحكام الأذان والإقامة".

7 - الصحاح(1/259).

8 - فتح القدير(1/150).

9 - راجع: أحكام الأذان والإقامة ص(163).

10 - "الإبداع" ص(176)

11 - تلبيس إبليس(ص152).

12 - أحكام الأذان ص (163).

13 - رواه ابن أبي شيبة (1/229). وقد أورده البخاري تعليقاً مجزوماً به في باب رفع الصوت بالنداء.

14 - أحكام الأذان ص(164).

15 -راجع: مجموع الفتاوى – الجزء العاشر.

16 - راجع: رسالة في أحكام الأذان والإقامة ص(167).


مسلم التونسي 02-05-2011 01:00 PM

مشروعيّة الأذان والإقامة، للمنفرد


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن وآلاه. أما بعد:


فقد اتفق الفقهاء-في الجملة-على مشروعيّة الأذان والإقامة، للمنفرد والجماعة ممن صلى في المصر1 في غير المسجد كمن صلّى في بيته, أو في المؤسسات التي تقام فيها الصلاة، والإقامة آكد من الأذان في ذلك2.


واختلفوا في وجوبهما على ثلاثة أقوال:


القول الأول:


أنهما لا يجبان، وهو رأي الجمهور من الحنفية والمالكية، والشافعية، والحنابلة3.


أدلة أصحاب هذا القول: استدلّ الجمهور على عدم وجوب الأذان والإقامة، بما يلي:


أولاً من السنة:


حديث أبي هريرة-رضي الله عنه- في الأعرابي المسيء صلاته حيث قال له النبي-صلى الله عليه وسلم-:" إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن..."4



ووجه الدلالة من الحديث


أن النبي-صلى الله عليه وسلم-أمر الأعرابي بأركان الصلاة وواجباتها، ولم يذكر معها الأذان والإقامة، فدلّ على عدم وجوبهم5.


ثانياً من الآثار:

ما روي أن عبد الله بن مسعود-رضي الله عنه-صلّى بعلقمة، والأسود بغير أذان ولا إقامة، وقال : يجزئنا أذان الحيّ وإقامتهم6.


ووجه الدلالة في الأثر


إشارة إلى أن أذان الحيّ وإقامتهم وقع لكل واحد من أهل الحيّ7.


ما روي عن عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما-أنه قال: إذا كنت في قرية يؤذّن فيه ويقام أجزأك ذلك8.


ما روي عن عبد الله بن عمر –رضي الله عنهما-أنه كان لا يقيم بأرض تقام فيها الصلاة"9.


ثالثاً من المعقول:


أن الأذان لإعلام الناس حتى يجتمعوا، وذلك غير موجود هنا، فأشبه قوله:"الصلاة جامعة"10.


أن مقصود الأذان حصل بأذان غيره11.


قال الشيخ العثيمين-رحمه الله-وهو يتكلم على شروط إقامة الأذان، فذكر منها الجماعة، قال: "بخلاف المنفرد فإنه سنة في حقه؛ لأنه ورد فيمن يرعى غنمه ويؤذن للصلاة أن الله يغفر له ويثيبه على ذلك,
والحديث عن عقبة بن عامر –رضي الله عنه-قال: سمعت رسول الله-صلى الله عليه وسلم-يقول:يعجب ربك من راعي غنم على رأس الشَّظِيَّة12 للجبل يؤذن للصلاة ويصلي، فيقول الله: انظروا إلى عبدي هذا يؤذن ويقيم للصلاة يخاف مني قد غفرت لعبدي، وأدخلته الجنة13

وهذا يدل على استحباب الأذان للمنفرد وليس بواجب14.


وقال الشوكاني-رحمه الله تعالى-بعد أن ذكر حديث عقبة بن عامر، وغيره من الأحاديث التي تدل على فضل رفع الأذان :"وفيه دليل على أن الأذان يسن للمنفرد وإن كان بحيث لا يسمعه أحد"15.


القول الثاني:
أنهما يجبان وهو رواية عند الحنابلة16.


أدلة أصحاب القول: استدلّ من قال بوجوب الأذان والإقامة، بما يلي:


أولاً من السنة:


حديث مالك بن الحويرث-رضي الله عنه- أن النبي-صلى الله عليه وسلم- قال لهما:... فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم17.



ووجه الدلالة من الحديث


أنه-صلى الله عليه وسلم- أمر بالأذان، والأمر يقتضي الوجوب18. ولا جماعة معهم19.


حديث أبي الدرداء-رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله-صلى الله عليه وسلم- يقول:ما من ثلاثة في قرية لا يؤذن ولا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان...20.


ووجه الدلالة: أن الترك الذي هو نوع من استحواذ الشيطان يجب تجنّبه21.


ثانياً من الآثار:


عن عطاء بن أبي رباح قال: دخلت مع عليّ بن الحسين على جابر بن عبد الله فحضرت الصلاة، فأذَّن وأقام22.


القول الثالث:




أن الإقامة تجب دون الأذان، وهو رأي لبعض المالكية23.


أدلة أصحاب هذا القول:

استدلّ من يرى وجوب الإقامة دون الأذان، بما يلي:


أولاً من السنة:

حديث الرجل المسيء صلاته، فقد جاء في رواية:... فتوضأ كما أمرك الله ثم تشهد فأقم ثم كبر...24.



ووجه الدلالة من الحديث
أن النبي-صلى الله عليه وسلم- أمره بالإقامة ضمن أركان وواجبات وشروط الصلاة، ولم يذكر الأذان، فدلّ على وجوبها دون الأذان.


الراجح-
والله أعلم-هو القول الأوّل القائل بعدم وجوب الأذان والإقامة للمنفرد, ولمن صلّى في المصر في غير المسجد، وذلك لقوة الأدلة والآثار الثابتة، ودلالة المعقول الذي استدلّ به، وسلامتها من المعارضة25.


1- 1- 2- 3- 1- 2- 1- 2-
اللهم فقهنا في الدين وعلمنا التأويل، والله الموفق إلى سواء السبيل.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين،،،

1 - المصر: البلدة

2 - راجع: المبسوط(1/133)، وبدائع الصنائع (1/152).

3 -المصادر السابقة.

4 - متفق عليه.

5 - المجموع(3/89)، مغني المحتاج(1/133)، والمغني (2/74).

6 - أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف(1/199). والبيهقي واللفظ له في السنن الكبرى(2/166) وهو في صحيح مسلم بلفظ:" فلم يأمرنا بأذان ولا إقامة"، صحيح مسلم بشرح النووي (5/15).

7 - بدائع الصنائع(1/653).

8 - البيهقي في السنن الكبرى(2/167).

9 - أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف(1/200). والبيهقي في السنن الكبرى(2/167).

10 - المبسوط(1/133).

11 - المجموع (3/93).

12 - الشظية. القطعة المرتفعة من الجبل وهي بالظاء المعجمة.

13 - أبو داود في الصلاة باب الأذان في السفر..وصححه الألباني في صحيح أبي داود رقم (1062)، وصحيح الجامع رقم(8102).

14 - راجع: الشرح الممتع على زاد المستقنع (2/41-42).

15 - نيل الأوطار.(2/43).

16 - المستوعب(2/49)، والمبدع(1/312).

17 - متفق عليه.

18 - مغني المحتاج(1/134).

19 - الأوسط(3/60).

20 - أبو داود، وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم(5701).

21 - نيل الأوطار(2/33).

22 - أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف(1/199).

23 - المدونة(1/182).

24 - سنن أبي داود رقم (861).

25 - انظر أحكام الأذان والنداء والإقامة ص(345).

مسلم التونسي 02-05-2011 01:01 PM

يكره في الأذان

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله الصادق الأمين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:


فكما أن للعبادة سنناً فإن لها مكروهات ينبغي أن تجتنب، والأذن من العبادة التي لها سنن ومكروهات، فمن مكروهات الأذان ما يلي:


1- يكره الأذان إذا لم تتوفر فيه السنن الخاصة به،


وقد عد الحنفية أحوال الكراهة إذا لم تتحقق السنن فقالوا: يكره تحريماً أذان جنب وإقامته، ويعاد أذانه، وإقامة المحدث على المذهب، وأذان مجنون ومعتوه, وصبي لا يعقل، وامرأة, وخنثى، وفاسق، وسكران، وقاعد إلا إذا أذن لنفسه، وراكب إلا المسافر.


2- يكره التلحين



وهو التطريب أو التغني أو التمديد الذي يؤدي إلى تغيير كلمات الأذان، أو الزيادة والنقص فيها، أما تحسين الصوت بدون التلحين فهو مطلوب. ويصح أذان ملحِّن على الراجح عند الحنابلة، لحصول المقصود منه كغير الملحن. ويكره أيضاً اللحن أوالخطأ في النحو أو الإعراب.


3- يكره المشي فيه؛


لأنه قد يخل بالإعلام، والكلام في أثنائه، حتى ولو بردِّ السلام، ويكره السلام على المؤذن، ويجب عليه أن يرد عليه بعد فراغه من الأذان.


ولا يبطله الكلام اليسير ويبطله الكلام الطويل؛ لأنه يقطع الموالاة المشروطة في الأذان عند الجمهور غير الحنفية. وأشار الحنابلة: أنه يجوز رد السلام في أثناء الأذان والإقامة.


4- يكره التثويب في غير الفجر،



(والتثويب أن يقول: الصلاة خير من النوم) سواء ثوَّب في الأذان أو بعده، لما روي عن بلال أنه قال: " أمرني رسول الله-صلى الله عليه وسلم-أن أُثوِّب في الفجر، ونهاني أن أثوب في العشاء"(1



ولأن التثويب مناسب لصلاة الفجر حيث يكون الناس نياماً، فاحتيج إلى قيامهم إلى الصلاة عن نوم.


- قال الحنابلة: يحرم الخروج من المسجد بعد الأذان إلا لعذر،


لعمل أصحاب النبي-صلى الله عليه وسلم، قال أبو الشعثاء: " كنا قعوداً مع أبي هريرة-رضي الله عنه- في المسجد، فأذن المؤذن، فقام رجل من المسجد يمشي، فأتبعه أبو هريرة بصره حتى خرج من المسجد، فقال أبو هريرة-رضي الله عنه-أما هذا فقد عصى أبا القاسم-صلى الله عليه وسلم-(2),



وقال عثمان بن عفان: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-:"من أدركه الأذان في المسجد، ثم خرج، لم يخرج لحاجة، وهو لا يريد الرجعة، فهو منافق"(3).


أما الخروج لعذر فمباح، بدليل أن ابن عمر خرج من أجل التثويب في غيره، وقال الشافعية: يكره الخروج من المسجد بعد الأذان من غير صلاة إلا العذر.




6- قال الحنابلة: يكره الأذان قبل الفجر في شهر رمضان مقتصراً عليه،



لئلا يغتر الناس به، فيتركوا السحور، ويحتمل ألا يكره في حق من عرف عادته بالأذان في الليل؛ لأن بلالاً كان يفعل ذلك، بدليل قوله-صلى الله عليه وسلم-:"إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم"(4)



وقوله-عليه السلام-:"لا يمنعكم من سحوركم أذان بلال، فإنه يؤذن بليل لينبه نائمكم، ويرجع قائمكم"(5).


-ويكره عندهم أي الحنابلة:القول قبل الإقامة: اللهم صلى على محمد، ولا بأس بنحنحة قبلها.


- كما يكره عندهم النداء بالصلاة بعد الأذان في الأسواق وغيرها، مثل أن يقول:" الصلاة، أو الإقامة، أو الصلاة رحمكم الله،



وقال النووي: " تسن الصلاة على النبي-صلى الله عليه وسلم-قبل الإقامة(6)


يك أذان المحدث لما في الأذان من الدعاء والذكر.


يكره أذان الصبي: وقال جمهور العلماء : لا يجوز أصلاً.


يكره الأذان والإقامة للظهر يوم الجمعة لمن فاتته وللمعذور أيضاً.




5 7 8 9- 10- 11-
اللهم علمنا علماً ينفعنا وانفعنا بما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين،،،




1 -رواه ابن ماجه.

2 - رواه أبو داود والترمذي، وقال : حديث حسن صحيح.

3 -رواه ابن ماجه.وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه رقم(600).

4 - صحيح البخاري.

5 - صحيح البخاري.

6 - راجع: الفقه الإسلامي وأدلته ص(709-711).,

مسلم التونسي 02-05-2011 01:01 PM

هل يَصِّح أذَانُ الفَاسِق؟؟


الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين والعاقبة للمتقين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:


لا خلاف بين الفقهاء في أنه ينبغي اختيار المؤذن العدل، وقد جعلوا العدالة شرطاً في المؤذن الذي يعتمد عليه في دخول الأوقات
أي الذي يؤذن ابتداءً ويعتمد عليه غيره، فالفاسق لا يرتب مؤذناً، لأن الأذان مشروع للإعلام، والفاسق لا يقبل قوله ولا يوثق به.



فإن لم يكن هو المعتمد عليه في دخول الأوقات ابتداءً، فقد اختلفوا في صحة أذانه على قولين1.


القول الأول:




أنه يصح أذانه، وهو مذهب الحنفية والمالكية والشافعية ورواية عند الحنابلة.


أدلتهم:



أن الفاسق ذكر تصح صلاته فيعتد بأذانه كالعدل2.


لأن الأذان مشروع لصلاته وهو من أهل العبادة، فصح أذانه كالإقامة3.


القول الثاني:



أنه لا يصح أذانه ، وهو رواية عند الحنابلة هي المذهب.


أدلتهم:



من السنة: حديث أبي هريرة-رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-:" الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن".


حديث أبي محذورة-رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-:" أمناء المسلمين على صلاتهم وسحورهم المؤذنون".


وجه الدلالة من الحديثين:



أن النبي-صلى الله عليه وسلم- وصف المؤذن بالأمانة، والفاسق غير أمين4.


حديث عبد الله بن عباس-رضي الله عنهما-قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-:" ليؤذن لكم خياركم وليؤمكم أقرؤكم".


وجه الدلالة:

أن الحديث دلّ على أن المؤذن يكون من خيار الناس، والفاسق ليس كذلك.5





ثانياً : من المعقول:



أن الأذان مشروع للإعلام ولا يحصل الإعلام بقوله لأنه ممن لا يقبل خبره ولا روايته6.




الترجيح:



الراجح_ والله أعلم- هو القول الأوّل القائل بصحة أذان وإقامة الفاسق إذا لم يكن هو المعتمد عليه في دخول الوقت ابتداءً وذلك لوجاهة ما استدلّوا به، وأمّا ما استدلّ به أصحاب القول الثاني فيمكن مناقشته بما يلي:


أنّ حديثي أبي هريرة وأبي محذورة اللذين جاء فيهما وصف المؤذن بالأمانة، ليس فيهما ما يفيد عدم صحة أذان وإقامة الفاسق.


أن حديث عبد الله بن عباس:" ليؤذن لكم خياركم.." ضعيف.


الاستدلال بأن الفاسق لا يقبل خبره ولا روايته، هذا تعليل ليس بوجيه لأن الرواية تختلف عن الأذان من وجوه عديدة ليس الأذان منها.7 8.




اللهم وفقنا لما تحبه وترضاه، اللهم علمنا علماً ينفعنا وانفعنا بما علمتنا إنك سميع قريب.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين


1 - راجع: المغني(2/68-69). والمجموع(3/108-109)، ومغني المحتاج(1/138).وغيرها من مراجع الفقه.

2 - المغني(2/69).

3 - المبدع(1/328).

4 - الشرح الكبير مع المغني لابن قدامة (1/428-429).

5 - أحكام الأذان والنداء ص(265).

6 - المغني(2/68).

7 - مفرادات مذهب الإمام أحمد في كتاب الصلاة ص(52).

8 - أحكام الأذان والنداء ص(266).

مسلم التونسي 02-05-2011 01:02 PM

سنـن الأذان

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد:


فإن العبادات لها سنن يستحب أن تكون مصاحبة لها أو تأتي بعدها كما في الصلوات المفروضة، والأذان عبادة من العبادات التي يتقرب بها إلى الله-عزوجل-،له سنن يستحب أن يؤتى بها،

وقد ذُكِرت بعض هذه السنن في الصفات المستحبة للمؤذن إلا أنه لا يمنع من ذكرها هنا من أجل أن تكتمل الفائدة ويعم الخير للمسلمين، فالسنن كما يلي:


أن يكون المؤذن صيِّتاً، حسن الصوت، يرفع صوته بالأذان
1-،


لقوله-صلى الله عليه وسلم-في خبر عبد الله بن زيدhttp://www.waratel.net/vb/images/smilies/frown.gif فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت به، فإنه أندى منك صوتاً)(1)



أي أبعد، ولزيادة الإبلاغ، وليرقّ قلب السامع، ويميل إلى الإجابة. أما رفع الصوت: فليكون أبلغ في إعلامه، وأعظم لثوابه،



كما في حديث أبي سعيد وحديث أبي هريرة- أن النبي-صلى الله عليه وسلم-قال: (المؤذن يغفر له مدَّ صوته، ويشهد له كل رطب ويابس)(2).


أن يؤذن قائماً على حائط أو منارة للإسماع
2--


إلا أن الحائط أو المنارة قد أغنت عنها المبكرات الصوتية في زماننا": قال ابن المنذر: أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم أن السنة أن يؤذن قائما"



وجاء في حديث أبي قتادة أن النبي-صلى الله عليه وسلم- قال لبلالhttp://www.waratel.net/vb/images/smilies/frown.gifقم فأذن)(3)،



وكان مؤذنو رسول الله-صلى الله عليه وسلم-يؤذنون قياماً.فإن كان له عذر كمرض، أذن قاعداً.



أن يكون المؤذن حراً بالغاً أميناً صالحاً عالماً بأوقات الصلاة
3-،



لحديث ابن عباسhttp://www.waratel.net/vb/images/smilies/frown.gifليؤذن لكم خياركم ويؤمكم أقراؤكم) وهذا سنة عند الجمهور غير المالكية، أما المالكية فيشترطون العدالة ،

كما أن الشافعية يشترطون في موظف الأذان العلم بالوقت.


أن يكون متوضئاً طاهراً،
4-



للحديث (لا يؤذن إلا متوضئ) وفي حديث ابن عباسhttp://www.waratel.net/vb/images/smilies/frown.gifإن الأذان متصل بالصلاة فلا يؤذن أحدكم إلا وهو طاهر)(4).


أن يكون المؤذن بصيراً؛
5-



لأن الأعمى لا يعرف الوقت، فربما غلط، فإن أذن الأعمى صح أذانه، فإن ابن أم مكتوم كان يؤذن للنبي-صلى الله عليه وسلم-،



قال ابن عمر فيما روى البخاري:" كان رجلاً أعمى لا ينادي حتى يقال له: أصبحت، أصبحت"



وقال المالكية: يجوز أذان الأعمى إن كان تبعاً لغيره أو قلد ثقة في دخول الوقت.


أن يجعل أصبعيه في أذنيه،
6-



لأنه أرفع للصوت، ولما روى أبو حنيفة:" أن بلالاً أذن، ووضع إصبعيه في أذنيه"(5).



وعن سعد مؤذن رسول الله-صلى الله عليه وسلم-:"أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم-أمر بلالاً أن يجعل إصبعيه في أذنيه، وقال : (إنه أرفع لصوتك)(6).


أن يترسَّل(يتمهل أو يتأنى) في الأذان بسكته بين كل كلمتين
7-،


ويحدر(يسرع) في الإقامة، بأن يجمع بين كل كلمتين، لما روي عن النبي-صلى الله عليه وسلم- أنه قال لبلال-رضي الله عنه-: (إذا أذنت فترسَّل، وإذا أقمت فاحدر)(7).



ولأن الأذان لإعلام الغائبين بدخول الوقت، والإعلام بالترسل أبلغ، أما الإقامة فلإعلام الحاضرين بالشروع في الصلاة، ويتحقق المقصود بالحدر.


أن يستقبل القبلة في الأذان والإقامة
8-:



لأن مؤذني النبي-صلى الله عليه وسلم-كانوا يؤذنون مستقبلي القبلة ولأن فيه مناجاة فيتوجه بها إلى القبلة.


أن يؤذن محتسباً،
9-



ولا يأخذ على الأذان والإقامة أجراً باتفاق العلماء، ولا يجوز أخذ الأجرة على ذلك عند الحنفية، والحنابلة في ظاهر المذهب؛

لأنه استئجار على الطاعة، وقربة لفاعله، والإنسان في تحصيل الطاعة عامل لنفسه، فلا تجوز الإجارة عليه كالإمامة وغيرها؛



ولأن النبي-صلى الله عليه وسلم-قال لعثمان بن أبي العاص(واتخذ مؤذناً لا يأخذ على أذانه أجراً)(8).


وأجاز المالكية والشافعية في الأصح الاستئجار على الأذان؛ لأنه عمل معلوم يجوز أخذ الأجر عليه كسائر الأعمال،


وأفتى متأخرو الحنفية وغيرهم بجواز أخذ الأجرة على القربات الدينية، ضماناً لتحصيلها بسبب انقطاع المكافآت المخصصة لأهل العلم من بيت المال.



كما أن الحنابلة قالوا: إن لم يوجد متطوع بالأذان والإقامة، أعطي من يقوم بهما من مال الفيء المعد للمصالح العامة.


10- يستحب عند الجمهور غير الحنفية أن يكون للجماعة مؤذنان، لا أكثر؛ لأن النبي-صلى الله عليه وسلم-:" كان له مؤذنان: بلال وابن أم مكتوم"(9)،



ويجوز الاقتصار على مؤذن واحد للمسجد، والأفضل أن يكون مؤذنان لهذا الحديث، فإن احتاج إلى الزيادة عليهما، جاز إلى أربعة؛



لأنه كان لعثمان-رضي الله عنه-أربعة مؤذنين، ويجوز إلى أكثر من أربعة بقدر الحاجة والمصلحة عند الحنابلة والشافعية.


وإذا تعدد المؤذنون فالمستحب أن يؤذن واحد بعد واحد، كما فعل بلال وابن أم مكتوم، كان أحدهما يؤذن بعد الآخر؛ ولأن ذلك أبلغ في الإعلام.



ويصح في حالة تعدد المؤذنين: إما أن يؤذن كل واحد في منارة، أو ناحية، أو يؤذنوا دفعة واحدة في موضع واحد.


يستحب أن يؤذن المؤذن في أول الوقت ليعلم الناس
11-،



فيستعدوا للصلاة، وروى جابر بن سمرة قال:" كان بلال لا يؤخر الأذان عن الوقت، وربما أخر الإقامة شيئاً"10،



وفي رواية قال: " كان بلال يؤذن إذا مالت الشمس لا يؤخر، ثم لا يقيم، حتى يخرج النبي-صلى الله عليه وسلم- فإذا خرج أقام حين يراه"(11)


12- يجوز استدعاء الأمراء إلى الصلاة، لما روت عائشة-رضي الله عنهما-أن بلالاً جاء فقال: السلام عليك يا رسول الله وبركاته، الصلاة يرحمك الله، ف
قال النبي-صلى الله عليه وسلم-: مروا أبا بكر فليصل بالناس، وكان بلال يسلم على أبي بكر وعمر-رضي الله عنهما-،

كما كان يسلم على رسول الله-صلى الله عليه وسلم-.


13- يستحب ألا يقوم الإنسان قبل فراغ المؤذن من أذانه، بل يصبر قليلاً إلى أن يفرع أو يقارب الفراغ، لأن في التحرك عند سماع الأذان تشبهاً بالشيطان(12).


هذه سنن الأذان وإن كنا قد أفردنا معظمها في بحوث مستقلة إلا أننا جمعنها هنا مختصرة لكي تعم الفائدة ويلم القاري بها في بحث واحد وإن أحب أن يرجع ليقرأ كل بحث منفرداً .


اللهم فقهنا في الدين وعلمنا التأويل، وارزقنا الإخلاص في القول والعمل.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين،،،،.

1 - أخرجه أبو داود في متاب الصلاة، باب كيف الآذان( سنن أبي داود(1/244 رقم(499)). وغيره. وحسنه الألباني في صحيح أبي داود(1/98) رقم(469). وفي إرواء الغليل(1/50) رقم(246).

2 - رواه الخمسة إلا الترمذي.وصححه الألباني في مشكاة المصابيح رقم(667).

3 - متفق عليه.

4 - سبل السلام"(1/192).

5 - متفق عليه.

6 - أخرجه ابن ماجه ، والحاكم ، والطبراني وابن عدي(نصب الراية(1/ 278).وضعفه الألباني في ضعيف ابن ماجه رقم(149).

7 أخرجه الترمذي، إسناده مجهول:" نصب الراية(1/122).وضعفه الألباني في ضعيف الترمذي رقم(30).

8 - رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي، وقال : حديث حسن.

9 متفق عليه.

10 - رواه ابن ماجه.

11 - رواه أحمد في المسند.

12 - راجع: الفقه الإسلامي وأدلته ص(1/703-709).

مسلم التونسي 02-05-2011 01:02 PM

حكم أذان الأعمى

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:


إن البصر نعمة عظيمة من نعمة الله-عزوجل-، وهي صفة مستحبة في المؤذن لأن البصير أولى من الأعمى، وذلك لعلمه بدخول الوقت،

إلا أنه يصح أذان الأعمى فقد اتّفق الفقهاء جميعاً على صحة أذان الأعمى، وعلى أنه لا يكره إذا كان معه من يخبره بدخول الأوقات، أو إذّا أذّن بعد بصير1.


واستدّلوا على ذلك بما يلي:


أولاً: من السنّة:




أن مؤذن النّبيّ-صلى الله عليه وسلم-عبد الله بن أُمّ مكتوم كان أعمى، كما دلّت على ذلك الأحاديث الصحيحة، ومنها حديث عبد الله بن عمر-رضي الله عنه- وفيه قوله:"وكان رجلاً أعمى لا ينادي حتى يقال له: أصبحت، أصبحت"2. ولا يختلف في حِلّ أذانه3.


أما من المعقول:


1- أن الإعلام يحصل بصوت الأعمى4.


2- أن قول الأعمى مقبول في الأمور الدينية فيكون ملزم5.


3- لإمكان الوقوف على المواقيت من قبل غيره ممن يثق به ويتثبت في أمره6.


4- أن الأعمى لا يوجد العيب في دينه، وإنما العيب في عينيه7.


واختلف الفقهاء في كراهة أذان الأعمى إذا لم يكن معه من يخبره بدخول الأوقات، أو لم يكن مقلّداً لغيره من المؤذنين المبصرين، مع اتفاقهم على صحته-كما تقدم- وذلك على قولين:


1- أنه لا يكره، وهو قول الحنفية والمالكية8.


أدلتهم:




استدلّوا بالأدلّة الدالَّة على صحة أذان الأعمى، وعدم كراهته إذا كان معه من يخبره بالأوقات أو أذّن بعد أذان بصير كحديث ابن عمر المتقدم وغيره9.


2- أنه يكره ، وهو قول الشافعية والحنابلة10.


واستدلوا بما يلي:


أ*- من الآثار:



ما روي عن عبد الله بن مسعود-رضي الله عنه-أنّه قال: "مَا أُحِبُّ أَن يَكونَ مُؤَذِّنُوكُمْ عُمْيانكُم"11.


ب*- ما روي عن ابن عباس-رضي الله عنه- أنه كره إقامة الأعمى12.


ت*- ما روي أن ابن الزبير-رضي الله عنه- كان يكره أن يؤذن المؤذّن وهو أعمى13.


من المعقول:



1- أن الأعمى لا علم له بدخول الوقت لعدم قدرته على مشاهدة دخول الوقت، وهو في الأصل مبنيّ على المشاهدة14.


2- أنه ربما غلط في الوقت15.


3- أن الأعمى يفوّت على الناس فضيلة أول الوقت وذلك لاشتغاله بمعرفة دخول الوقت بسؤال غيره ونحو ذلك16.


وأخيراً:




إن القول بكراهة أذان الأعمى إذا لم يكن معه من يخبره بدخول الأوقات أو لم يكن مقلداً لغيره فهو قول وجيه، وتتأكد الكراهة إذا نصب كمؤذن راتب، وليس معه من يخبره بدخول الأوقات،



إلا أنه يلاحظ في وقتنا الحالي أن أذان الأعمى يصح بلا كراهة في الغالب، وذلك لكثرة الوسائل الحديثة التي يعرف بها دخول أوقات الصلوات، وتعدّده17.


اللهم فقهنا في الدين وعلمنا التأويل. وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين،،،


1 - بدائع الصنائع(1/150)، والمغني (2/69).

2 - متفق عليه.

3 - بدائع الصنائع(1/150).

4 - المصدر السابق.

5 - البحر الرائق(1/279).

6 - بدائع الصنائع(1/150).

7 - مواهب الجليل(1/451).

8 - رد المحتار(1/392).

9 - أحكام الأذان والنداء والإقامة ص(269).

10 - الأم(1/84).وشرح مسلم للنووي(4/83).

11 - أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف(1/197). رقم (2252).، قال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات" مجمع الزوائد(2/102).

12 - أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف(1/197) رقم(2253).

13 - أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (1/197)، رقم (2254). والبيهقي في السنن الكبرى (2/201) رقم (2045).

14 -بدائع الصنائع(1/150).

15 - المغني(2/69).

16 - المجموع(3/111).

17 - راجع: أحكام الأذان والنداء والإقامة ص(270) بتصرف يسير.


مسلم التونسي 02-05-2011 01:03 PM

تعدّد المؤذنين


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن وآلاه. أما بعد:


فقد اتّفق الفقهاء على جواز تعدّد المؤذنين في المسجد الواحد1،
والمستحب عند الشافعية والحنابلة أن لا يزيد عن اثنين2 لأن الذي حفظ عن النبي-صلى الله عليه وسلم-أنه كان له مؤذنان، بلال, وابن أُّم مكتوم الأعمى- رضي الله عنهما-.


إلا أن تدعو الحاجة إلى الزيادة عليهما فيجوز، فقد روي عن عثمان-رضي الله عنه- أنه كان له أربعة مؤذنين3.


وإن دعت الحاجة إلى أكثر من ذلك كان مشروعاً، إلا أن بعض فقهاء الشافعية يرى عدم الزيادة على أربعة، وقد ردّ هذا القول النووي وغيره.



قال النووي:" وأنكر المحققون هذا ... وقالوا: إنما الضبط بالحاجة ورؤية المصلحة... لأنه إذا جازت الزيادة على ما كان في زمن رسول الله-صلى الله عليه وسلم-للحاجة، فالزيادة على ما كان في زمن عثمان للحاجة أولى"4


إذا كان أكثر من مؤذن في المسجد الواحد فكيف يكون أذانهم: إذا كان الواحد يُسمع الناس، فالمستحب أن يؤذن واحد بعد واحد، وذلك لما يلي:


1- أن مؤذّني النّبيّ-صلى الله عليه وسلم-كان أحدهما يؤذن بعد الآخر5.


2- أن ذلك أبلغ في الإعلام6.


3- أن فيه فائدة إدراك حكاية المؤذن الثاني لمن فاته الأول، فيحصل له الأجر7.



وإن كان الإعلام لا يحصل بواحد، أذّنوا بحسب ما يحتاج إليه، إما أن يؤذن كل واحد في منارة أو ناحية، أو أذّنوا دفعة واحدة في موضع واحد، وإن خافوا من تأذين واحد بعد الآخر فوت أول الوقت أذّنوا جميعاً دفعة واحدةً8.



ولكن يشترط إن أذّنوا جماعة أن يؤذن كل واحد منهم لنفسه من غير أن يمشي على صوت غيره9.



فإن الأذان جماعة على وتيرة واحدة بدعة، وهو ما يسمى بأذان الجَوْق10لأنه مستحدث مخالف للسنّة، وأول من أحدثه هشام بن عبد الملك11.


مفاسد أذان الجَوْق:


1- مخالفة السنّة.


2- أنه لا يسمع ولا يفهم السامع ما يقولون.


3- من كان من المؤذنين صيتاً حسن الصوت وهو المطلوب في الأذان خفي أمره.


4- الغالب على بعضهم أنه لا يأتي بالأذان كلّه، لأنه لا بدّ أن يتنفس فيجد غيره قد سبقه فيحتاج إلى أن يبني على صوت من تقدمه فيترك ما فاته.


وفي العصر الحاضر ومع وجود مكبّرات الصوت، فإن الغرض من تعدّد المؤذنين تغني عنه هذه المكبّرات، التي توزع صوت المؤذن في جميع الجهات12.


وصلى الله وسلم على نبينا محمد

والحمد لله رب العالمين

1 - راجع: فتح القدير(1/249).س

2 - المهذب مع المجموع(3/129-130)، والمغني(2/89).

3 - التلخيص الحبير(1/522).

4 - المجموع(3/130).

5 - المغني(2/89).

6 - المهذب والمجموع (3/130-131).

7 - مواهب الجليل(1/453).

8 - المجموع (3/130-131).

9 -مواهب الجليل(1/453).

10 - الجوق: كل خليط من الرعاء أمرهم واحد، وهو أيضاً الجماعة من الناس. لسان العرب(2/424).

11 - كتاب الأم(1/84).

12 - راجع: أحكام الأذان والنداء والإقامة ص(278).

مسلم التونسي 02-05-2011 01:03 PM

الأذان للصلاة الفائتة




الحمد لله الذي خلق كل شيء فقدره تقديراً, أحمده سبحانه وأشكره وأؤمن به وأتوكل عليه, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليماً.أما بعد:


إن المكلف إذا فاتته صلاة من الصلوات، بعذر من الأعذار الشرعية، كالنسيان، أو الإغمى، أو النوم حتى خرج وقتها فإن عليه أن يقضيها، لكن هناك سؤالاً هل يؤذن للصلاة الفائتة أم لا؟ هذا ما سنعرفه في هذا المبحث القصير:


للفقهاء في هذه المسألة ثلاثة أقوال هي كالتالي:


القول الأول:


أنه يستحبّ أن يؤذن للصلاة الفائتة، وهو مذهب الحنفية, ورأي لبعض المالكية, والمعتمد عند الشافعية(هو قول الإمام الشافعي في القديم) ومذهب الحنابلة1.


القول الثاني:
أنه لا يؤذن للفائتة، وهو مذهب المالكية، ووجه للشافعية ( قول الإمام الشافعي في الجديد) ورواية عند الحنابلة، وحكم بكراهته المالكية2.


القول الثالث:


أنه لا يؤذن إلّا إذا أمل اجتماع الناس، وهو رأي لبعض المالكية ووجه للشافعيّة3.


لما ذا هذا الاختلاف؟!:


يرجع سبب الاختلاف إلى أمرين :


الأمر الأول:


اختلاف روايات الأحاديث الواردة في قضاء النبي-صلى الله عليه وسلم-ومن معه من الصحابة لصلاة الفجر في قصة التعريس، وكذلك قضائهم للصلوات الفائتة يوم الخندق.

فجاء في بعض الروايات الأذان لها، وبعضها لم تذكر إلّا الإقامة والبعض أطلق لفظ النداء


الأمر الثاني:
الاختلاف في الأذان هل هو حق للوقت، أو للصلاة، أو للجماعة؟4.


أدلة القول الأول:


استدلّ القائلون باستحباب الأذان للفائتة، بما يلي:



أولاً: من السنّة:


ما روي في قصة ليلة التعريس، عندما نام النّبيّ-صلى الله عليه وسلم-والصحابة عن صلاة الفجر حتى طلع حاجب الشمس، وفيها قول النّبيّ-صلى الله عليه وسلم-:" ...يا بلالُ قم فأذن بالناس بالصلاة"، فتوضأ، فلما ارتفعت الشمس وابياضَّت قام فصلَّى"5.


ثانياً: من المعقول:


أن الأذان من سنن الصلاة المفروضة فاستوى حاله في الوقت وغيره، كالإقامة6.


أدلة القول الثاني:


اتسدلّ القائلون بعدم الأذان للفائتة، بما يلي:


أولاً: من السنة:


1- حديث أبي سعيد الخدري-رضي الله عنه-قال: "حبسنا يوم الخندق حتى ذهب هويُّ7من الليل، حتى كفينا،

وذلك قول الله-تبارك وتعالى-: (وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً) (الأحزاب:25).


1-قال: فدعا رسول الله-صلى الله عليه وسلم- بلالاً فأقام، فصلى الظهر، وأحسن كما كان يصليها في وقتها، ثم أقام للعصر فصلاها كذلك، ثم أقام المغرب فصلاها كذلك، ثم أقام العشاء فصلاها كذلك..."8.


2- حديث أبي هريرة-رضي الله عنه- في قصة التعريس وفيه: "... فدعا بالماء أي رسول الله-صلى الله عليه وسلم- فتوضأ ثم صلى سجدتين، ثم أقيمت الصلاة فصلى الغداة"9.



وجه الدلالة من الحديثين السابقين: أنه ذكر الإقامة للصلوات ولم يذكر أذان10. فدلّ على أن الفائتة من الصلوات لا يؤذن لها.


ثانياً: من المعقول:



1- قياساً على فعل النبي-صلى الله عليه وسل-حيث روى ابن عمر-رضي الله عنهما-:" أن النبي-صلى الله عليه وسلم-جمع بين المغرب والعشاء بمزدلفة كل واحدة منهما بإقامة.."11.


أدلة القول الثالث:


استدل القائلون بعدم الأذان للفائتة إلّا إذا أمل الاجتماع بالمعقول،




فقالوا: إن الأذان مشروع للإعلام وجمع الناس، فإذا لم يؤمل الجمع فلا يشرع الأذان، لأنه لا وجه له، أما إذا أمل الجمع كان له وجه فيشرع حينئذٍ12.


الترجيح:




بالنظر في الأدلة السابقة يلاحظ أن اختلاف الروايات الواردة في غزوة الخندق، وقصة التعريس، هي سبب الاختلاف في هذه المسألة كما تقدم.


فأمّا روايات غزوة الخندق فقد يعترض عليها بأنها منسوخة بشرع صلاة الخوف، كما صرّحت بذلك بعض الروايات أن هذه الحادثة كانت قبل نزول قوله-تعالى-:(فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً)(البقرة: من الآية239)، والنسخ قول الجمهور13.


وأمّا ما يتعلق بقصة التعريس، فالاستدلال بها ثابت، وقد صحّ فيها ذكر الأذان للفائتة؛ لأن فيه زيادة، والأخذ بها أولى ومن سمع حجّة على من لم يسمع. وبهذا يستحب الأذان للفائتة14.
هذا إذا كان صلاة واحدة.


الأذان للصلاة الفائتة إذا كانت متعددة:


اختلف الفقهاء القائلون باستحباب الأذان للفائتة، في الأذان لها إذا تعدّدت، هل يكتفي بأذان للأولى أم يؤذن لكل واحدة منها؟ على قولين:


القول الأول:


أنه يؤذن للأولى فقط، وهو رأي لبعض الحنفية، وبعض المالكية، والمعتمد عند الشافعية( هو قول الإمام الشافعي في القديم)، ومذهب الحنابلة15 .


أدلتهم :



أولاً من السنة
:



ما روي عن عبد الله بن مسعود-رضي الله عنه-:" أن المشركين شغلوا رسول الله-صلى الله عليه وسلم- عن أربع صلوات يوم الخندق حتى ذهب من الليل ما شاء الله، فأمر بلالاً فأذن، ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ثم أقام فصلى المغرب، ثم أقام فصلى العشاء"16.


ثانياً من المعقول:


أن الصلوات الفائتة جمعها وقت واحد فيؤذّن ويقام للأولى ويقام للباقية كجمع المغرب والعشاء في مزدلفة، والظهر والعصر بعرفة17.


أدلة القول الثاني:



أولاً من السنة:




ما روي عن ابن مسعود –رضي الله عنه-عن رسول الله-صلى الله عليه وسلم:" أنه حين شغلهم الكفار يوم الأحزاب عن أربع صلوات قضاهن، فأمر بلالاً أن يؤذن ويقيم لكل واحدة منهن"18.


ثانياً من المعقول:




أن القضاء يكون على حسب الأداء، وقد فاتتهم الصلاة بأذان ، فتقضى كذلك، فيؤذن لكل صلاة19.


الترجيح:




الراجح-والله أعلم- هو القول الأول القائل بأنه يؤذن للأولى فقط من الفوائت، وذلك لوجاهة ما استدلّوا به، وأما أدلة القول الثاني فهي لا تناهض تلك الأدلة20.


اللهم فقهنا في الدين وعلمنا التأويل وارزقنا الإخلاص في القول والعمل ، والحمد لله رب العالمين،،،

1 - بدائع الصنائع(1/154). والمبسوط(1/136).

2 - المهذب مع المجموع(3/91). والإنصاف(1/393).

3 - مواهب الجليل(1/423)، المهذب مع المجموع(3/91)،

4 - راجع: أحكام الأذان والنداء والإقامة ص(329).

5 - متفق عليه.

6 - الحاوي الكبير(2/47).، البحر الرائق(1/276).

7 - الهَوي: بالفتح: الحينُ الطويل من الزمان، وقيل: هو مختص بالليل(النهاية لابن الأثير(5/245).

8 - أحمد (3/67).وقال الشوكاني:"رجال إسناده رجال الصحيح, راجع: نيل الأوطار(2/31).

9 - صحيح مسلم (1/471)(680)،كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب قضاء الصلاة الفائتة.

10 - الذخير(2/68,69).

11 - البخاري.

12 - المغني(2/76)، والمهذب مع المجموع(3/91).

13 - نيل الأوطار(2/31).

14 - راجع:أحكام الأذان والنداء والإقامة ص(334).

15 - فتح القدير(1/251). مواهب الجليل(1/423).

16 -الترمذي.

17 - فتح القدير(1/251).

18 - المبسوط (1/136). بدائع الصنائع(1/154).

19 - بدائع الصنائع(1/154).

20 -راجع: أحكام الأذان والإقامة ص(337).

مسلم التونسي 02-05-2011 01:04 PM

إقامة الصلاة لغير المؤذن



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:


فإن هناك مسالة مهمة في الآذان والإقامة، ألا وهي حكم إقامة الصلاة لغير المؤذن،


وهذه مسألة تنازع فيها الفقهاء في أيهما أولى أن يقيم من أذن، أو غيره، ومع اتفاقهم على جواز إقامة الصلاة لغير المؤذن1.


وكما قلنا أن العلماء قد اختلفوا فيمن هو أولى وأفضل على قولين2:



القول الأول:
أنه لا فرق وأن الأمر فيه متسع، فلا بأس أن يؤذن رجل ويقيم غيره، وهذا قول كتقدمي المالكية، ورواية عند الحنابلة، إلا أن الحنفية قيدوه بعدم تأذي المؤذن من إقامة غيره.



القول الثاني:

أنه يستحب أن يتولى الإقامة من تولى الآذان، هو قول متأخري المالكية، ومذهب الشافعية والصحيح عند الحنابلة، ووافقهم الحنفية على هذا الرأي إذا كان المؤذن يتأذى من إقامة غيره.



فلو أقام غير المؤذن فقد كرهه الشافعية في الوجه الصحيح، وهو رواية عند الحنابلة، ورأي لبعض الحنفية إذا تأذى المؤذن من ذلك.


وسبب خلاف الفقهاء في هذه المسألة يعود على أنه قد ورد حديثان ظاهرهما التعارض،




أحدهما حديث الصدائي وفيه: (من أذن فهو يقيم)3.



والثاني حديث عبد الله بن زيد-رضي الله عنه- حين رأى الأذان : (أمر رسول الله بلالاً فأذن، ثم أمر عبد الله فأقام)4.



فمن ذهب مذهب النسخ قال: حديث عبد الله بن زيد متقدم وحديث الصدائي متأخر،



ومن ذهب مذهب الترجيح قال: حديث عبد الله بن زيد أثبت؛ لأن الصدائي انفرد به عبد الرحمن بن زياد الأفريقي وليس بحجة عندهم5.



ولعل الراجح في هذه المسألة أن يقال: إن الأصل جواز الأمرين: (أي أن يقيم غير المؤذن، وأن يقيم المؤذن نفسه) إلا أن الأفضل أن يتولى الإقامة من تولى الأذان إذا تيسر ذلك6.



فهذا هو السنة وذلك لما يلي:


أولاً:
أن حديث عبد الله بن زيد إنا فوض الأذان إلى بلال لأنه كان أندى صوتاً من عبد الله على ما ذكر في الحديث، والمقصود من الأذان الإعلام ومن شرطه: الصوت، وكلما كان الصوت أعلى كان أولى، وأما زياد بن الحارث فكان جهوري الصوت ومن صلح للأذان كان للإقامة أصلح7.


ثانياً:


قد يكون هذا الحديث خاصاً بعبد الله بن زيد، وتكون الأولوية باعتبار غيره من الأمة، والحكمة في التخصيص هي رؤيا الأذان8.


ثالثاً:


أن السابق بالإعلام الأول وهو الأذان أحق بالإعلام الثاني وهو الإقامة9.


رابعاً:


القول بحديث الصدائي أولى لأنه نص في موضع الخلاف10.



لذلك فقد قال الحكيم الترمذي -رحمه الله-:


والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم أن من أذن فهو يقيم11.


أما القول بكراهة أن يقيم غير من أذن فبعيد؛


لأن الكراهة حكم شرعي يحتاج على دليل12.



والله أعلم. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.




1 - انظر الإفصاح عن معاني الصحاح لابن هبيرة(1/151) والمجموع(3/128). ونيل الأوطار(2/58).

2 - راجع المبسوط (1/132). وبدائع الصنائع(1/151). والمدونة(1/180) والأم(1/86) والمغني(2/71) والإنصاف(1/389). نقلاً عن أحكام النداء والآذان والإقامة، إعداد سامي بن فراج الحازمي صـ(281).

3 - أخرجه الإمام أحمد في المسند برقم(17678، و17679)، وأبو داود في كتاب الصلاة، باب الرجل يؤذن ويقيم آخر( سنن أبي داود (1/252 حديث(512))، والترمذي في أبواب الصلاة، باب من أن من أذن فهو يقيم( جامع الترمذي(1/240) حديث(199)، وابن ماجه في السنن(1/237 برقم(717). وضعفه الألباني في ضعيف أبي داود (1/50) رقم(102). وضعيف ابن ماجه(152).

4 - أخرجه الإمام أحمد في المسند برقم(16590)، وأبو داود في كتاب الصلاة، باب الرجل يؤذن ويقيم آخر( سنن أبي داود (1/252 برقم(512).

5 - بداية المجتهد(1/147، 148). وللاستزادة من أدلة كل قول في هذه المسألة، ومناقشة أدلة كل قول، وردود أصحاب كل قول على الآخر فليراجع: " أحكام النداء والآذان والإقامة" إعداد سامي بن فراج الحازمي صـ(282- 287).

6 - فتاوى اللجنة الدائمة(6/77).

7 - الاعتبار صـ(52).

8 - نيل الأوطار(2/58).

9 - البحر الزخار صـ(196).

10 - الجامع لأحكام القرآن (6/113).

11 - جامع الترمذي(1/241).

12- انظر إعلاء السن للتهانوي(1/113). راجع :" أحكام النداء والآذان والإقامة" إعداد سامي بن فراج الحازمي، صـ(287- 288).

مسلم التونسي 02-05-2011 01:04 PM

أذان المحــدِث


الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى التابعين لهم بإحسان على يوم الدين.
أما بعد:


فإن للأذان شروطاً وآداباً، ينبغي للمؤذن القيام بها، فمن آدابه المستحبة أن يكون المؤذن متطهراً من الحدثين الأصغر والأكبر،



ويتأكد ذلك في الإقامة أكثر لاتصالها بالصلاة، وهذا الأدب اتفق الفقهاء على اعتباره1.



واستدلوا على ذلك بأدلة منها:


حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا يؤذن إلا متوضئ)2.


وحديث المهاجر بن قنفذ أنه أتى النبي –صلى الله عليه وسلم- وهو يبول فسلم عليه، فلم يرد عليه حتى توضأ،
ثم اعتذر إليه فقال: (إن كرهت أن أذكر الله -عز وجل- على طهر)
أو قال: (على طهارة)3.



وجه الدلالة أنه كره أن يذكره الله إلا على طهر، وفي الأذان والإقامة ذكر لله فإتيانهما مع الطهارة مطلوب.



وكذلك استدلوا بحديث عبد الله بن عباس-رضي الله عنهما- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: (يا ابن عباس: إن الأذان متصل بالصلاة، فلا يؤذن أحدكم إلا وهو طاهر)4.



واستدلوا كذلك بما روي عن وائل بن حجر أنه قال: حق وسنة مسنونة أن لا يؤذن إلا طاهر... 5.



وعللوا لقولهم ذلك بأن الأذان ذكر مشروع معظَّم فأداءه مع الطهارة أقرب إلى التعظيم، مثل الطهارة لقراءة القرآن وللخطبة6.



ولأن المؤذن يدعوا إلى الصلاة، فليكن بصفة من يبادر إليها؛ كالعالم العامل إذا تكلم انتفع الناس بعلمه، فإن لم يكن متطهراً فهو واعظ غير متعظ،
وقد يدخل تحت قول الله-تعالى-: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ} 7. سورة البقرة (44).


وكذلك اتفق الفقهاء على صحة الأذان والإقامة من المحدث حدثاً أصغر
، وقد حكى الإجماع على ذلك الوزير ابن هبيرة8.



واتفقوا كذلك على كراهة إقامة المحدث حدثاً أصغر؛ لأن السنة وصل الإقامة بالشروع في الصلاة، فكان الفصل مكروه9.


إلا رأياً لبعض الحنفية بعدم الكراهة؛ لأنه أحد الأذانين10.



نسأل الله أن يفقهنا في الدين وأن يعلمنا التأويل. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. والله أعلم.

1 - بدائع الصنائع(1/151). وفتح القدير(1/251).

2 - أخرجه الترمذي في أبواب الصلاة، باب ما جاء في كراهية الأذان بغير وضوء( جامع الترمذي1/241) حديث(200)). والبيهقي في السنن الكبرى(2/148) رقم(1897) وقد روي موقوفاً على أبي هريرة، هو أصح من المرفوع؛ كما قرر ذلك جمع من الأئمة منهم الترمذي والبيهقي وغيرهم.

3 - أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة، باب أيرد السلام وهو يبول( سنن أبي داود1/14 برقم(17)). والنسائي في كتاب الطهارة، باب رد السلام بعد الوضوء(سنن النسائي(1/40 برقم(38)). وابن ماجه في السنن1/126 برقم(350))، وصححه الألباني كما في صحيح سنن أبي داود (1/16).

4 - أخرجه أبو الشيخ في كتاب الأذان( انظر نصب الراية(1/367). وسبل السلام(1/221).

5 - أخرجه البيهي في السنن الكبرى(2/148 رقم(1898).

6 - بدائع الصنائع(1/151). والمغني(2/68).

7 - انظر: المبسوط(1/132). ومغني المحتاج(1/138).

8 - انظر الإفصاح عن معاني الصحاح(1/68).

9 - المبسوط(1/131) وبدائع الصنائع(1/151) والأم(1/85). والمغني(2/68) والإنصاف(1/386، 387).

10 - الهداية مع فتح القدير(1/252). وللاستزادة من التفاصيل والتفريعات في حكم أذان وإقامة المحدث حدثاً أصغر أو أكبر راجع: " إحكام الأذان والنداء والإقامة" صـ(192- 197).


مسلم التونسي 02-05-2011 01:05 PM

الأذان الأول لصلاة الجمعة


الحمد الله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على خير خلق الله أجمعين، محمد بن عبد الله الصادق الأمين، وعلى آله وصحبه الغر الميامين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:


فإن الأذان لصلاة الجمعة كان في عهد النبي –صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر وعمر-رضي الله عنهم- كان أذاناً واحداً- سوى الإقامة-،



وكان يرفع حين يجلس الإمام على المنبر؛ فلما كان عهد عثمان-رضي الله عنه- زاد أذاناً ثالثاً على الزوراء- وهي دار أو موضع في سوق المدينة- حين كثر الناس،



دل على ذلك حديث السائب بن يزيد- رضي الله عنه-: إن الأذان يوم الجمعة كان أوله حين يجلس الإمام يوم الجمعة على المنبر في عهد رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر وعمر، فلما كان في خلافة عثمان- رضي الله عنه- وكثروا- أمر عثمان يوم الجمعة بالأذان الثالث، فأذن به على الزوراء، فثبت الأمر على ذلك1.


وقد اتفق جمهور الفقهاء على الأخذ بالأذان الذي زاده عثمان- رضي الله عنه- للجمعة، وأنه سنة2.



واستدلوا على ذلك بقول النبي –صلى الله عليه وسلم-: (... فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ)3.


واستدلوا بإجماع الصحابة حيث أن عثمان لما شرع الأذان وافقه سائر الصحابة بالسكوت وعدم الإنكار، فصار إجماعاً سكوتي4.



ويدل على ذلك ما جاء في بعض روايات الحديث الآنف الذكر: فلم يعب الناس ذلك عليه، وقد عابوا عليه حين أتم الصلاة بمنى5.


ويرى بعض العلماء ترك الأذان الذي سنه عثمان، إما لأنه بدعة، أو لأن ما كان عليه النبي –صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر وعمر- رضي الله عنهم- أولى، ومنهم الإمام الشافعي والإمام الصنعاني6.


ولعل الراجح- والله أعلم- هو القول الأول القائل بمشروعية الأذان الأول الذي سنه عثمان بن عفان -رضي الله عنه-، وذلك لقوة أدلتهم وسلامتها من المناقشة7.


وهذا ما أفتت به اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في بلد الحرمين8.



وانتصر للقول بمشروعية الأذان الأول للجمعة العلامة ابن عثيمين- رحمه الله- في عدد من كتبه، ومنها شرح رياض الصالحين، كتاب الفضائل، باب فضل الأذان(3/139- 140) حيث قال: والجمعة لها أذان أول من سنة عثمان- رضي الله عنه-وهو أحد الخلفاء الراشدين الذين أمرنا باتباع سنتهم:


قال بعض المتحذلقين الذين يدعون أنهم سلفيون سنيون: إن أذان الجمعة الأول بدعة لا نقبله؛ لأنه بدعة لم يكن على عهد النبي –صلى الله عليه وسلم-،



وهذا القول منهم قدح للنبي –صلى الله عليه وسلم-، وقدح بالخلفاء الراشدين، قدح بالصحابة- رضي الله عنهم-وهؤلاء المساكين وصلوا إلى هذا الحد من حيث لا يعلمون، أما كونه قدحاً بالرسول- صلى الله عليه وسلم-فلأن النبي-صلى الله عليه وسلم-قال: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي)9.



وبإجماع المسلمين أن عثمان من الخلفاء الراشدين، وأما كونه قدح بالخلفاء الراشدين فلأنه قدح بعثمان- رضي الله عنه- وهو منهم، والقادح في واحد منهم قادح في الجميع،

كما أن المكذب للرسول الواحد مكذب بجميع الرسل، وأما كونه قدحاً في الصحابة، فلأن الصحابة لم ينكروا على عثمان مع أنه لو أخطأ لأنكروا عليه كما أنكروا عليه الإتمام في " منى" في الحج، لكن أذان الجمعة الأول لم ينكروا عليه،



فهل هؤلاء المتحذلقون المخالفون أعلم بشريعة الله ومقاصدها من الصحابة؟! لكن صدق رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: (إن آخر هذه الأمة يلعن أولها آخرها)10- والعياذ بالله- ويقدح فيهم، فالأذان الأول للجمعة أذان شرعي بإشارة النبي –صلى الله عليه وسلم-، وسنة أمير المؤمنين عثمان- رضي الله عنه-، وبإجماع الصحابة الإجماع السكوتي ولا عذر لأحد، وقطع الله لسان من يعترض على خلفاء هذه الأمة الراشدين وعلى الصحابة.


قد يقول قائل: لماذا لم يشرعه الرسول –صلى الله عليه وسلم- والجمعة موجودة في عهده؟



والجواب: أن السبب هو أن الناس في عهد عثمان كثروا واتسعت المدينة واحتاجوا إلى أذان ينبههم يكون قبل الأذان الأخير الذي يكون عند مجيء الإمام فكان من الحكمة أن يؤذن، وعثمان بنى على أساس فهاهو النبي –صلى الله عليه وسلم- يأمر بلاللاً أن يؤذن بآخر الليل،

لا لأن الصلاة حلت ولكن ليوقظ النائم، ويرجع القائم، فهو مقصد شرعي، ولا إشكال في شرعية أذان الجمعة الأول، إذاً فالأذان الأول ليوم الجمعة مشروع بسنة الخلفاء الراشدين، وإيماء سيد المرسلين محمد وإجماع الصحابة الذين أدركوا هذ11.



ولكن ينبغي أن يكون الأذان الأول لصلاة الجمعة الذي سنه عثمان بن عفان-رضي الله عنه- قبل دخول الوقت؛ لأن عثمان سنه لإعلام الناس بأنه قد قرب وقت الصلاة فليستعدوا وليتركوا ما هم عليه من العمل، وليتأهبوا للصلاة، وليحضروها قبل حضور الخطيب.



والله أعلم.


سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.


1 - أخرجه البخاري في كتاب الجمعة، باب التأذين عند الخطبة( صحيح البخاري1/290 برقم(916)).

2 - بدائع الصنائع(1/152) والهداية مع فتح القدير(2/68، 69)، دار الفكر – بيروت، الطبعة الثانية(1397هـ). وفتح الباري(2/458). دار الريان للتراث، القاهرة، الطبعة الأولى(1407هـ). والكافي لابن قدامة(1/222). تحقيق زهير الشاويش، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثانية، (1399هـ).

3 - أخرجه أحمد في المسند برقم(17275) وأبو داود في كتاب السنة، باب في لزوم السنة، رقم(4594) والترمذي في كتاب العلم، باب الأخذ بالسنة واجتناب البدعة، رقم(2815). وقال حديث حسن صحيح، وابن ماجه(1/15،16 رقم(42).وقال الشيخ الألباني : ( صحيح ) انظر صحيح الجامع ، رقم(4369) وفي غيره من الكتب.

4 - شرح البخاري للكرماني(6/27) ط: دار إحياء التراث العربي(1401هـ). ومجموع فتاوى ابن تيمية(24/193 ، 194) دار عالم الكتب المعارف، الرياض. الطبعة الثانية(1404هـ)..

5 - عمدة القاري(5/298).

6 - راجع الأم(1/195). تصحيح محمد زهري النجار، دار المعرفة، بيروت الطبعة الثانية(1393هـ). وسبل السلام(1/217). تحقيق حازم علي القاضي، مكتبة نزار الباز، مكة المكرمة. الطبعة الأولى(1420هـ).

7 - أحكام الأذان والنداء والإقامة صـ(308). دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى(1425هـ).

8 - راجع الفتوى رقم(1647). ورقم (2601).

9 - سبق تخريجه.

10 - صححه الألباني في أكثر من كتاب من كتبه؛ منها الرواء (2455). والمشكاة(165) وصحيح ابن ماجه(40، 41) والسلسلة الصحيحة (937).

11 - راجع شرح رياض الصالحين(3/139- 140). ط: المكتبة الإسلامية. الطبعة الأولى(1423هـ).

مسلم التونسي 02-05-2011 01:05 PM

وضع الأصبعين في الأذنين
حال الأذان

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد:




فإنه يستحب للمؤذن أن يضع أصبعيه في أذنيه حال الأذان1 عند جمهور الفقهاء، من الحنفية والشافعية والحنابلة،


أما المالكية فيقولون بأنه جائز وليس من المستحبّات، وعلّلوا ذلك بعدم وجوده في مسجد رسول الله-صلى الله عليه وسلم-2.


أما جمهور الفقهاء فقد استدلّوا على استحباب ذلك بما يلي:


أولاً من السنة:


1- حديث أبي جحيفة-رضي الله عنه-قال:" رأيت بلالاً يؤذن ويدور، ويتبع فاه هاهنا وهاهنا وإصبعاه في أذنيه..."3.


2- وقد ذكره البخاري تعليقاً فقال: ويذكر عن بلالٍ أنه جعل إصبعيه في أذنيه4.


قال الحافظ في الفتح:


" وأما وضع الإصبعين في الأذنين فقد رواه مؤمل أيضاً عن سفيان أخرجه أبو عوانة وله شواهد ذكرتها" أي الحافظ ابن حجر " في تغليق التعليق من أصحها ما رواه أبو داود وابن حبان من طريق أبي سلاَّم الدمشقي أن عبد الله الهوزني حدثه قال: قلت لبلال كيف كانت نفقة النبي-صلى الله عليه وآله وسلم-فذكر الحديث وفيه:" قال بلال فجعلت إصبعي في أذني فأذنت"5.


3 حديث سعد القرظ-رضي الله عنه-أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم-أمر بلالاً أن يجعل إصبعيه في أذنيه، وقال:" إنه أرفع لصوتك"6.


ثم إن في وضع الإصبعين في الأذان فوائد منها:


1- أنه أجمع للصوت؛لأن الصوت يبدأ من مخارج النّفَس، فإذا سدّ أُذنيه اجتمع النّفس في الفم فخرج الصوت عالياً، فيكون أبلغ في الإسماع7.


2- أنه ربما لم يسمع إنسان صوته لصمم أو بعد أو غيرهما، فيستدلّ بإصبعيه على أذانه8.


والله أعلم وأحكم، والحمد لله رب العالمين

1 - بدائع الصنائع(1/151).

2 - مواهب الجليل (1/439).

3 - أخرجه الترمذي(197). وقال حديث حسن صحيح.

4 - صحيح البخاري(608).

5 - فتح الباري(2/115).

6 - أخرجه ابن ماجه في السنن (710). وضعفه الألباني (231).

7 - فتح القدير(1/245).

8 - المجموع(3/117).

مسلم التونسي 02-05-2011 01:06 PM

أخذ الأجرة على الأذان


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، محمد بن عبد الله الصادق الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.


أما بعد:


فإن الأذان للصلاة عبادة محضة لله -عز وجل-؛



وكما هو معلوم أن العبادة لابد لقبولها من شرطين أساسيين: أحدهما الإخلاص لله-تعالى-. والثاني: الموافقة للسنة؛ قال العلامة حافظ حكمي-رحمه الله-:


شرط قبول السعي أن يجتمعا *** فيه إصابـة وإخلاص معا

لله رب العـرش لا ســواه *** موافق الشرع الذي ارتضاه

وكلمـا خالـف للــوحيين *** فإنــه رد بغـير مــين

وعلى هذا فإنه ينبغي أن يكون المؤذن للصلاة لا يبتغي إلا وجه الله -عز وجل-، فلا ينتظر من أحد جزاءا ولا شكوراً، حتى يؤجر على أذانه، وأن يكون لأذانه تأثيراً على قلوب السامعين، ويحصد تلك الفضائل العظيمة التي جعلت للمؤذنين الذين يؤذنون ابتغاء مرضاة الله.


ولكن هنا ينبغي أن تتطرق لمسألة مهمة جداً، وهي لو أن مؤذناً أخذ الأجر على الأذان والإقامة، فما حكم الشرع في ذلك؟



نجيب على هذا السؤال بما قاله أهل العلم في هذه المسألة، فنقول: اختلف الفقهاء في هذه المسألة؛


فمنهم أجاز ذلك، مستدلاً بقوله تعالى: {قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} سورة الشورى (23).


وكذلك بحديث عثمان بن أبي العاص-رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله اجعلني إمام قومي، قال (أنت إمامهم، واقتد بأضعفهم، واتخذ مؤذناً لا يأخذ على أذانه أجراً)1.


وأيضاً بما روي أن رجلاً قال لابن عمر-رضي الله عنهما-: يا أبا عبد الرحمن إني أحبك في الله، فقال له ابن عمر: وأنا أبغضك في الله، قال: لِمَ؟ قال: إنك تبغي في أذانك وتأخذ عليه أجر2.



وذكروا لهذا القول تعليلات عدة؛ منها: أن الأذان قربة لفاعله، لا يصح إلا من مسلم، فلا يجوز أخذ الأجرة عليه كما هو في الصوم والصلاة3.



ولأن الاستئجار على الأذان والإقامة سبب لتنفير الناس والرغبة عن هذه الطاعات؛ لأن ثقل الأجر يمنعهم عن ذلك4.

وذهب بعضهم إلى عدم جوازه
، مستدلين بحديث أبي محذورة-رضي الله عنه-- وتعليم النبي-صلى الله عليه وسلم- الأذان له، وفيه: ... ثم دعاني حين قضيت التأذين، فأعطاني صرة فيها شيء من فضة...5.



ولأن الأذان فعل يجوز التبرع به عن الغير، فلا يكون كونه قربة مانعاً من الإجارة قياساً على الحج عن الغير وبناء المساجد أو كتب المصاحف، والسعاية على الزكاة6. ولأن الأذان عمل معلوم يجوز أخذ الرزق عليه، فجاز أخذ الأجرة عليه كسائر الأعمال7.



وذهب البعض إلى التفصيل في هذه المسألة، فأجازوا أخذ الأجرة للحاجة، وبأن لا يشترط ذلك
،


واستدلوا بحديث عثمان بن أبي العاص- رضي الله عنه-، وعللوا لجوازه في حالة الحاجة؛ بقلة من يقوم بالأذان حسبة لله –تعالى-، فبمراعاته للأوقات والاشتغال به يقلّ اكتسابه عما يكفيه لنفسه وعياله، فيأخذ الأجرة لئلا يمنعه الاكتساب عن إقامة هذه الوظيفة الشريفة8.


ولعل سبب اختلاف الفقهاء في هذه المسألة يرجع إلى ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله-:



ومأخذ العلماء في عدم جواز الاستئجار على هذا النفع، أن هذه الأعمال يختصّ أن يكون فاعلها من أهل القرب بتعليم القرآن، والحديث، والفقه، والإمامة، والأذان، لا يجوز أن يفعله كافر، ولا يفعله إلا مسلم، بخلاف النفع الذي يفعله المسلم والكافر: كالبناء والخياط، والنسج، ونحو ذلك،



وإذا فعل العمل بالأجرة لم يبق عبادة لله، فإنه يبقى مستحقاً بالعوض، معمولاً لأجله، والعمل إذا عمل للعوض لم يبق عبادة: كالصناعات التى تعمل بالأجرة. فمن قال: لا يجوز الاستئجار على هذه الأعمال،



قال: إنه لا يجوز إيقاعها على غير وجه العبادة لله، كما لا يجوز إيقاع الصلاة والصوم والقراءة على غير وجه العبادة لله، والاستئجار يخرجها عن ذلك.




ومن جوز ذلك، قال: إنه نفع يصل إلى المستأجر، فجاز أخذ الأجرة عليه؛ كسائر المنافع. قال وإذا كانت لا عبادة في هذه الحال، لا تقع على وجه العبادة، فيجوز إيقاعها على وجه العبادة، وغير وجه العبادة، لما فيها من النفع.


ومن فرق بين المحتاج وغيره -وهو أقرب- قال: المحتاج إذا اكتسب بها أمكنه أن ينوي عملها لله، ويأخذ الأجرة ليستعين بها على العبادة فإن الكسب على العيال واجب أيضاً،


فيؤدي الواجبات بهذا بخلاف الغني لأنه لا يحتاج الكسب، فلا حاجة تدعوه أن يعملها لغير الله، بل كان الله قد أغناه، وهذا فرض على الكفاية: كان هو مخاطباً به، وإذا لم يقم إلا به كان ذلك واجباً عليه عين9.


ولعل الراجح- والعلم عن الله- هو قول من قال بأنه لا يجوز أخذ الأجرة على الأذان والإقامة إلا في حالة الحاجة، ومن غير شرط، خصوصاً في هذه العصور المتأخرة التي كثر فيها اشتغال الناس بطلب معاشهم، فغالبهم يمضي الساعات في ذلك، وإذا لم يؤخذ بهذا القول فقد يؤدي إلى تعطيل كثير من المساجد من هذه الشعيرة العظيمة.


وبهذا القول يتم الجمع بين الحديثين الواردين في هذه المسألة وهما محل النزاع- أعني- حديث عثمان بن أبي العاص، الدال على المنع، وحديث أبي محذورة الذي يدل على الجواز10.


ولكن لابد من التنبيه هنا على أنه ينبغي للمؤذن أن يتق الله- تعالى- في هذه الشعيرة العظيمة، إذا تولاها فلا يجعلها مصدر كسب فحسب ثم هو ينسى أن الأصل فيها أنها عبادة لله؛ لأننا نرى بعض المؤذنين- هدانا الله وإياهم- يتولى هذا الأمر وظيفياً وعملاً يوليه غيره من الناس، والله المستعان11.


وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

1 - أخرجه الإمام أحمد في المسند برقم(16378) وأبو داود في كتاب الصلاة، باب أخذ الأجر على التأذين( سنن أبي داود(1/260 برقم(531)). وغيرهما.

2 - أخرجه عبد الرزاق في المصنف(1/482 برقم(1853)، وابن أبي شيبة(1/207 برقم(2372).

3 - المبسوط(1/140) وبدائع الصنائع(1/152).

4 - بدائع الصنائع(6/14).

5 - أخرجه الإمام أحمد في المسند برقم(15454) والنسائي في كتاب الأذان باب كيف الأذان( سنن النسائي2/332،333 رقم(631).

6 - الذخيرة (2/66).

7 - المهذب مع المجموع(3/132) والمغني(2/70).

8 - ارجع المبسوط(1/140) ورد المحتار(1/392).

9 - مجموع الفتاوى(30/206- 207).

10 - انظر نيل الأوطار(2/60).

11 - راجع : " أحكام الأذان والنداء والإقامة، إعداد سامي بن فراج الحازمي صـ(296).


مسلم التونسي 02-05-2011 01:06 PM

الصفات المستحبة في المؤذن
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:


فإن هناك صفات مستحبة ينبغي توفرها في المؤذن، ومن هذه الصفات ما يلي:


أن يكون المؤذن بصيراً،

1. وهذه الصفة اتفق جمهور الفقهاء على استحبابها، وأنه أولى من الأعمى؛ لأنه أعلم بدخول الوقت1.



وظاهر مذهب المالكية عدم ترجيح أذان البصير على الأعمى تأسياً على أن مؤذن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان أعمى وهو ابن أم مكتوم، والأمانة هي المرجح بين الأعمى والبصير عند المالكية2.


وقد اتفق الفقهاء جميعاً على صحة أذان الأعمى، وعلى أنه لا يكره إذا كان معه من يخبره بدخول الأوقات، أو إذا أذَّن بعد بصير3.


أن يكون المؤذن صيتاً حسن الصوت فصيحاً،
2.



وهذه صفة اتفق الفقهاء -رحمهم الله- على أنه يستحب أن يختار للأذان المؤذن الصيت صاحب الحسن، دون ما فيه غلظة أو فظاظة4.



وقد استدلوا على ذلك بحديث عبد الله بن زيد -رضي الله عنه- أن النبي-صلى الله عليه وسلم- قال له: (فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت به فإنه أندى صوتاً منك)5. ومعنى: (أندى) أي أرفع وأعلى وأبعد، وقيل أحسن وأعذب6.



ولأن النبي -صلى الله عليه وسلم- اختار أبا محذورة للأذان لكونه صيتاً، وذلك في قصة إسلامه، وطلب أبو محذورة من النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يجعله مؤذناً بمكة- فقال: (قد أمرتك به)7.


واستدلوا كذلك بما روي أن مؤذناً أذن فطرَّب في أذانه، فقال له عمر بن عبد العزيز-رحمه الله-: أذِّن أذاناً سمحاً و إلاَّ فاعتزلن8.



واستدلوا أيضاً بأن المقصود من الأذان الإعلام، وإذا كان المؤذن صيتاً ما أبلغ في الإسماع9. ولأن المؤذن إذا كان حسن الصوت فإنه يكون أرق لسامعيه، فيميلون إلى الإجابة10.



فصاحب الصوت الحسن له تأثير عجيب في جذب قلوب الناس، وهزّ قلوبهم الحنين إلى علام الغيوب، ومن ثم إتيانهم إلى المسجد لأداء الصلاة. فمن المشاهد أن المصلين في المسجد الذي مؤذنه حسن الصوت أكثر عدداً من غيره.




أن يكون المؤذن حراً،



3. وهذه أيضاً صفة اتفق الفقهاء على استحبابها، وقد نقل الإجماع على ذلك ابن هبيرة 11.



واستدلوا على ذلك بحديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: (ليؤذن لكم خياركم، وليؤمكم قرَّاؤكم) 12.


وجه الدلالة أنه أمر بأن يكون الأذان لخيارنا، والحر خير من العبد. واستدلوا بما روي أن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- سأل فقال: من مُؤذنوكم اليوم؟ قالوا: موالينا وعبيدنا، قال: إن ذلك بكم لنقص كثير، أو كبير13. ولأن الحر أولى لأنه أكمل14.



ولأن العبد لا يتفرغ لمراعاة الأوقات لاشتغاله بخدمة المولى15. ولأن العبد الغالب عليه الجهل16.



4. وهناك صفات أخرى تستحب في المؤذن، ذكرها بعض الفقهاء، منها ما ذكره فقهاء الحنفية من أنه يستحب أن يكون المؤذن عالماً بالسنة؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (ليؤذن لكم خياركم، وليؤمكم قراؤكم)17.


فقالوا: وخيار الناس العلماء؛ ولأن مراعاة سنن الأذان لا تأتي إلا من العالم به18. واستحبوا أيضاً أن يكون مواضباً على الأذان ؛


لأن حصول الإعلام لأهل المسجد بصوت الواظب أبلغ من غيره؛ لأن صوته يصير معهوداً للقوم فلا يقع الاشتباه، فكان أفضل19.



وقال فقهاء المالكية: ويستحب أن يكون المؤذن حسن الهيئة20. وقال فقهاء الشافعية: يستحب أن يكون من ولد من جعل الأذان فيهم، أو من الأقرب فالأقرب إليهم21. واستدلوا لذلك بما يلي: حديث أبي هريرة-رضي الله عنه- أنَّ النبي-صلى الله عليه وسلم- قال: (الملك في قريش، والقضاء في الأنصار، والأذان في الحبشة) 22. وبقول أبي محذورة- رضي الله عنه-: جعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الأذان لنا 23.



والله أعلم.

1 - بدائع الصنائع(1/150) ورد المحتار(1/392) والأم(1/84). والمغني(2/69)

2 - انظر الذخيرة(2/65). ومواهب(1/451).

3 - راجع المصادر السابقة في الهامشين السابقين.

4 - بدائع الصنائع(7/435). والمصباح المنير(1/350). والمجموع(3/110).

5 - أخرجه أبو داود في متاب الصلاة، باب كيف الآذان( سنن أبي داود(1/244 رقم(499)). وغيره. وحسنه الألباني في صحيح أبي داود(1/98) رقم(469). وفي إرواء الغليل(1/50) رقم(246).

6 - النهاية(5/32). ولسان العرب(14/97).

7 - القصة رواها مسلم مختصرة (1/287) رقم (379)، وأحمد مطولة (3/409). وغيرهما.

8 - أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف(1/207). برقم(2375).

9 - مواهب الجليل(1/437). ومغني المحتاج(1/138) والكافي لابن قدامة( 103).

10 - الأم(1/87) المغني(2/70). ومغني المحتاج(1/138).

11 - الإفصاح عن معاني الصحاح(1/68). والمبسوط(1/137). وبدائع الصنائع(1/150). والذخيرة(2/65). والمهذب(3/108). والفروع(1/279). والإنصاف(1/382).

12 - أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب من أحق بالإمامة( سنن أبي داود(1/283 حديث(590)). وابن ماجه في كتاب الأذان والسنة فيها، باب فضل الأذان وثواب المؤذنين. وقال الشيخ الألباني : (ضعيف). انظر ضعيف الجامع، رقم(4866).

13 - أخرجه عبد الرزاق في المصنف(1/486، 487، رقم(1871) وابن أبي شيبة(1/204 رقم(2346). والبيهقي في السنن الكبرى(2/200). ورجاله ثقات.

14 - المجموع(3/109).

15 - المبسوط(1/137). وبدائع الصنائع(1/150).

16 - بدائع الصنائع(1/150).

17 - سبق تخريجه.

18 - بدائع الصنائع(1/150).س ورد المحتار(1/393).

19 - المبسوط(1/140). وبدائع الصنائع(1/150).

20 - الذخيرة(2/65). ومواهب الجليل(1/437).

21 - المهذب(3/110). والمجموع(3/110). ومغني المحتاج(1/138).

22- أخرجه أحمد في المسند برقم(8746). والترمذي في المناقب، باب فضل اليمين(جامع الترمذي برقم(4193)). وصححه الألباني كما في صحيح سنن الترمذي(3/592) ط: مكتبة المعارف(1420هـ). وصحيح الجامع، رقم (6729).

23 - المهذب مع المجموع(3/110). انظر: "أحكام الأذان والنداء والإقامة" صـ(267- 273).


مسلم التونسي 02-05-2011 01:07 PM

الأذان بواسطة آلة التسجيل
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن وآلاه. أما بعد:


فإن الأذان من أفضل العبادات القولية، ومن شعائر الإسلام الظاهرة التي إذا تركها أهل بلد وجب قتالهم، وهو العلامة الفارقة بين دار الإسلام ودار الكفر،



وقد شرع للصلوات الخمس المفروضة، المقصود الأعظم منه هو الإعلام بدخول وقت فريضة من فرائض الصلاة، وقد ذكر الفقهاء شروطاً لصحته، وصفاتاً تشترط فيمن يؤذن،



فمن شروط صحته وجود النيّة، فإذا أتى المؤذن بألفاظ الأذان دون قصد لم يصح الأذان- على القول الراجح- فلا بدّ من أن ينوي المؤذن عند أدائه الأذان أن هذا أذان لهذه الصلاة الحاضرة التي دخل وقتها،



ومن الصفات المشترطة في المؤذن أن يكون مسلماً عاقلاً ذكراً مميزاً، ولهذا لا يصح الأذان من الصبي غير المميز باتفاق الفقهاء(1)، ولا من السكران، والمجنون والمغمى عليه، على رأي الجمهور(2).




وقد جرت العادة أخيراً في بعض البلاد الإسلامية على إذاعة الأذان في المذياع بواسطة أسطوانة، أو شريط تسجيل تسجل عليه كلمات الأذان، من غير أن يكون هناك يؤدي الأذان في تلك اللحظة يداع فيها، وإنما هو تسجيل لصوت مؤذن ردد كلمات الأذان ثم تعاد إذاعتها بعد ذلك مرات ومرات، والمراد من ذلك لفت انتباه الناس إلى أن وقت الفريضة قد دخل.




وهذه المسألة هي ما يسمى بمسألة توحيد الأذان وما يتردد الحديث عنها في وسائل الإعلام هذه الأيام وفيها من المحاذير ما يلي:


1- الحرمان من الأجر والثواب الذي حث عليه النبي صلي الله عليه وسلمفي فضل الأذان: فعن معاوية رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلي عليه وآله وسلم يقول: 'المؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة' رواه مسلم




وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أذن اثنتي عشرة سنة وجبت له الجنة وكتب له بتأذينه في كل يوم ستون حسنة وبكل إقامة ثلاثون حسنة " رواه ابن ماجه والدارقطني والحاكم وقال صحيح على شرط البخاري


قال الحافظ: وهو كما قال فإن عبد الله بن صالح كاتب الليث وإن كان فيه كلام فقد روى عنه البخاري في الصحيح3


وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال لعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة الأنصاري ثم المازني: إني أراك تحب الغنم والبادية


فإذا كنت في غنمك أو باديتك فأذنت بالصلاة فارفع صوتك بالنداء فإنه لا يسمع مدي صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة،



قال أبو سعيد: سمعته من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم. رواه البخاري وغيره، فكيف يحرم كل هؤلاء المؤذنين من هذا الأجر العظيم؟!


2- بروز بعض الإشكالات خاصة في البلدة الكبيرة المترامية الأطراف، وذلك عند حدوث بعض النوازل كالمطر والريح، ونحوها، في بعض ضواحي البلدة فلن يتسنى للمؤذن الواحد أن يقول في أذانه لأهل هذه المنطقة " صلوا في رحالكم " ويسكت عنها في منطقة أخرى والأذان واحد.!!!! وبالتالي تموت كثير من السنن




ولهذا فقد صدرت فتاوى وقرارات من الهيئات والمجمّعات الإسلامية، تتضمّن عدم الأخذ بذلك، وأنه لا يكفي في الأذان المشروع للصلوات المفروضة أن يؤذن من الشريط المسجل عليه الأذان،


ولا يجوز في أداء هذه العبادة، ولا يحصل به الأذان المشروع،


وأن على المسلمين في كل جهة تقام فيها الصلاة أن يعيِّنوا من بينهم من يحسن أداءه عند دخول وقت الصلاة(4).


فمن تلك القرارات، قرار المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العلام الإسلامي بشأن حكم الأذان للصلوات في المساجد عن طريق مسجلات الصوت" الكاسيتات" ومحاذير ذلك ونصّه:


" الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أمّا بعد:



فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي المنعقد بدورته التاسعة في مكة المكرمة من يوم السبت(12/7/1406هـ) إلى يوم السبت (19/7/1406هـ) وبعد استعراض ما تقدم من بحوث وفتاوى والمداولة في ذلك، فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي تبين له ما يلي:


1- أن الأذان من شعائر الإسلام التعبدية الظاهرة، المعلومة من الدين بالضرورة بالنصّ وإجماع المسلمين، ولهذا فالأذان من العلامات الفارقة بين بلاد الإسلام وبلاد الكفر، وقد حكي الاتفاق على أنه لو اتّفق أهل بلد على تركه لقوتلوا.




2- التوارث بين المسلمين من تاريخ تشريعه في السنة الأولى من الهجرة وإلى الآن، ينقل العمل المستمر بالأذان لكل صلاة من الصلوات الخمس في كل مسجد، وإن تعدّدت المساجد في البلد الواحد.




3- في حديث مالك بن الحويرث-صلى الله عليه وسلم-أن النبي-صلى الله عليه وسلم-قال:" إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم"(5).




4- أن النية من شروط الأذان، ولهذا لا يصح من المجنون ولا من السكران ونحوهما، لعدم وجود النية في أدائه، فكذلك في التسجيل المذكور.




5- أن الأذان عبادة بدنية، قال ابن قدامة-رحمه الله تعالى- في المغني(1/425)، " وليس للرجل أن يبني على أذان غيره؛ لأنه عبادة بدنية فلا يصح من شخصين كالصلاة" أ.هـ




6- أن في توحيد الأذان للمساجد بواسطة مسجل الصوت على الوجه المذكور عدة محاذير ومخاطر منها ما يلي:




أ*- أن يرتبط بمشروعية الأذان أن لكل صلاة في كل مسجد سنناً وآداباً، ففي الأذان عن طريق التسجيل تفويت لها وإماتة لنشرها مع فوات شرط النية فيه.




ب*- إنه يفتح على المسلمين باب التلاعب بالدين، ودخول البدع على المسلمين في عباداتهم وشعائرهم، لما يفضي إليه من ترك الأذان بالكلية والاكتفاء بالتسجيل.




وبناءً على ما تقدم فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي يقرّر ما يلي:


أن الاكتفاء بإذاعة الأذان في المساجد عند دخول وقت الصلاة بواسطة آلة التسجيل ونحوها لا يجزئ ولا يجوز في أداء هذه العبادة، ولا يحصل به الأذان المشروع،

وأنه يجب على المسلمين مباشرة الأذان لكل وقت من أوقات الصلوات في كل مسجد على ما توارثه المسلمون من عهد نبيّنا ورسولنا-صلى الله عليه وسلم- إلى الآن.



والله الموفق وصلىَّ الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين"(6).




و هناك عدة فتاوى حول هذه المسألة منها:



فتوى الشيخ محمد بن إبراهيم
: عندما سؤال عن الأذان بواسطة التسجيل قال رداً على السائل :


"من محمد بن إبراهيم إِلى سعادة رئيس المكتب الخاص بالديوان الملكي سلمه الله السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:


فبالإِشارة إِلى خطابكم رقم 3052-3 وتاريخ 26-12-86 هـ المرفق به رسالة بن غوله العربي، نهج العربي ابن مهيدي من جليجل بالجزائر حول استبدال الأَذان الشرعي باسطوانات مسجلة، وما جاء بخطاب المذكور من استنكار لذلك.


لقد تأَملنا ما ذكر. ووجدنا ما قاله هو الحق الذي لا ينبغي العدول عنه. وذلك لأَن الأَذان من أَفضل العبادات القولية ومن فروض الكفايات، ومن شعائر الإِسلام الظاهرة التي إِذا تركها أَهل بلد وجب قتالهم، وهو واجب للصلوات الخمس المكتوبة، وكان هو العلامة الفارقة بين بلاد المسلمين وبلاد الكفر،

لأَن النبي-صلى الله عليه وسلم-كان إِذا أَراد الإِغارة على قوم انتظر حتى تحضر الصلاة فإِن سمع الأَذان كف عنهم وإِلا أَغار عليهم.


وللأذان شروط منها "النية" ولهذا لا يصح من النائم, والسكران, والمجنون, لعدم وجود النية، والنية أَن ينوي المؤذن عند أَدائه الأَذان أَن هذا أَذان لهذه الصلاة الحاضرة التي دخل وقتها.


ومن أَين للأُسطوانات أَن تؤدي هذه المعاني السامية، وقال النبي-صلى الله عليه وسلم-: (إِذا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ فَليُؤَذِّنَ لَكُمْ أَحَدُكُمْ) متفق عليه.


فهل الأُسطوانة تعتبر كواحد من المسلمين.



والحقيقة أَننا نستنكر استبدال الأَذان بالاسطوانات. وننكر على من أَجاز مثل هذا لما تقدم، ولأَنه يفتح على الناس باب التلاعب بالدين، ودخول البدع على المسلمين في عباداتهم وشعائرهم،


وقد قال-صلى الله عليه وسلم-: (مَن أَحْدَثَ فِيْ أَمْرنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنهُ فَهُوَ رَدٌّ)) وفي رواية ((مَن عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ)). والمقام يقتضي أَكثر من هذا ولكن آثرنا الاختصار. والله الموفق والهادي إِلى الصواب. والسلام عليكم.


مفتي البلاد السعودية (ص-ف-35 في 3-1-1387 هـ) فهرس المجلد الثاني (أصول الفقه - الطهارة – الصلاة)


ومنها فتوى اللجنة الدائمة:


الأذان من آلة التسجيل السؤال السادس من الفتوى رقم (4091) س: الأذان سنة للصلوات المفروضة، وما حكمه بآلة التسجيل إن كان المؤذنون لا يتقنونه؟



جـ: الأذان فرض كفاية بالإضافة إلى كونه إعلاماً بدخول وقت الصلاة ودعوة إليها، فلا يكفي عن إنشائه عند دخول وقت الصلاة إعلانه مما سجل به من قبل،



وعلى المسلمين في كل جهة تقام فيها الصلاة أن يعينوا من بينهم من يحسن أداءه عند دخول وقت الصلاة. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.



اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عضو نائب رئيس اللجنة الرئيس عبد الله بن غديان عبد الرزاق عفيفي عبد العزيز بن عبد الله بن باز الفتوى رقم (10189)
س: قد سمعت من بعض الناس في الدول الإسلامية أنهم يسجلون بالشريط المذياع أذان الحرمين الشريفين ويضعون المذياع أمام المكبر ويؤذن بدل المؤذن

فهل تجوز الصلاة؟ مع ورود الدليل من الكتاب والسنة، ومع تعليق بسيط؟


جـ:
إنه لا يكفي في الأذان المشروع للصلوات المفروضة أن يؤذن من الشريط المسجل عليه الأذان، بل الواجب أن يؤذن المؤذن للصلاة بنفسه لما ثبت من أمره عليه الصلاة والسلام بالأذان، والأصل في الأمر الوجوب. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.



اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عضو نائب رئيس اللجنة الرئيس عبد الله بن غديان عبد الرزاق عفيفي عبد العزيز بن عبد الله بن باز.


فتوى العثيمين:
سئل فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين هل يصح الأذان بالمسجل ؟ فأجاب فضيلته بقوله : الأذان بالمسجل غير صحيح ؛ لأن الأذان عبادة ، والعبادة لابد لها من نية .



وسئل أيضاً:


عن الأذان في المذياع أو التلفاز هل يُجاب ؟



فأجاب قائلاً :
الأذان لا يخلو من حالين : الحال الأولى : أن يكون على الهواء أي أن الأذان كان لوقت الصلاة من المؤذن فهذا يجاب
لعموم أمر النبي صلى الله عليه وسلم : " إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول المؤذن " . إ


لا أن الفقهاء رحمهم الله قالوا : إذا كان قد أدى الصلاة التي يؤذن لها فلا يجيب . الحال الثانية : إذا كان الأذان مسجلاً وليس أذاناً على الوقت فإنه لا يجيبه لأن هذا ليس أذاناً حقيقياً أي أن الرجل لم يرفعها حين أمر برفعه وإنما هو شيء مسموع لأذان سابق . وإن كان لنا تحفظ على كلمة يرفع الأذان ولذا نرى أن يقال أذن فلان لا رفع الأذان .


وفي سؤال له رحمه الله في لقاء الباب المفتوح ج2/280 اللقاء 34 / سؤال رقم 986 :


نص السؤال:



يا شيخ هناك حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الإنسان لو قرأ سورة البقرة لا يدخل الشيطان في بيته لكن لو كانت السورة مسجلة على شريط هل يحصل نفس الأمر .؟



الجواب :
لا..لا... صوت الشريط ليس بشيء لا يفيد لأنه لا يقال قرأ القرآن ، يقال : استمع إلى صوت قارئ سابق . ولهذا لو سجلنا أذان مؤذن فإذا جاء الوقت جعلناه في الميكرفون وتركناه يؤذن ، هل يجزئ ؟؟ لا يجزئ،



ولو سجلنا خطبة خطيب مثيرة ، فلما جاء يوم الجمعة وضعنا هذا المسجل وفيه الشريط أمام الميكرفون ، فقال المسجل : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، ثم أذن المؤن ثم قام فخطب ، هل تجزيء؟؟
لا .. تجزيء ... لماذا ؟؟ لأن هذا تسجيل صوت ماضٍ كما لو أنك كتبته في ورقة ، لو كتبت ورقة أو وضعت مصحفاً في البيت ...هل يجزئ عن القراءة ؟ لا.. يجزئ .


ومن المحاذير أيضاً


ما قاله الأستاذ خير الدين وانلي:" وقد انتشرت هذه البدعة حديثاً؛ حباً منهم في الطرب وسماع أصوات المؤذنين المشهورين بالتنغيم والتطريب، وقد يضعون شريط أذان الفجر سهواً، فتنادي الآلة نهاراً: " الصلاة خير من النوم"، أو يستمر الشريط بعد الأذان، ويكون فيه موسيقى أو غناء!!"(7) .


نسأل الله جل وعلا أن يعصمنا من الزلل والتلاعب بالدين أن سميع قريب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله صحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين،،،.


1 - بدائع الصنائع(1/150).

2 - راجع: فتاوى ورسائل ابن إبراهيم(2/111-113).

3 قال الألباني: صحيح لغيره " صحيح الترغيب والترهيب:1/5 كتاب الصلاة 1 - الترغيب في الأذان وما جاء في فضله.

4 - المصدر السابق.

5 - متفق عليه.

6 راجع: أحكام الأذان والإقامة ص(176-177).

7 - راجع: المسجد في الإسلام ص(255-256).

مسلم التونسي 02-05-2011 01:08 PM

التّثــويب فـي الأذان


الحمد لله،والصلاة والسلام على رسول الله،وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أمَّا بعدُ:



تعريف التثويب:


في اللغة:

مصدر ثوَّب يُثوِّبُ،يقال: ثابَ الرّجلُ يَثُوبُ ثوَباً:رجَع بعدَ ذهابِهِ،ويُقال:ثابَ فلانٌ إلى اللهِ، أي عاد ورجع إلى طاعتِهِ(1).


في الاصطلاح:


للتّثويبِ عند الفُقهاءِ إطْلاقانِ:


الأول:

التّثويبُ الوارِدُ في السُّنَّة هو: العَوْدُ إلى الإعلام بالصلاة بعد الإعلام الأول،بقولِهِ:"الصَّلاةُ خيرٌ من النَّومِ"،مرَّتينِ في أذانِ الفجر(2).

الثاني :


التثويب المحدث، الذي أحدثه علماءُ الكوفة من الحنفية،وهو: أنْ يقولَ بين الأذان والإقامة(حيّ على الصلاة، حيّ على الفلاح) مرتين، أو أي عبارة أخرى حسب ما تعارف عليه أهل كل بلدة، كتنحنح، أو الصلاة الصلاة، أو قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة، ونحو ذلك(3).



التثويب في السنّة:


اتفق الفقهاءُ رحمهم الله على أنَّ هذا التثويب سنَّةٌ في الأذان لصلاة الفجر، وقد حكى الإجماعَ على ذلك ابنُ هُبيرة رحمه الله (4).


ومِنْ أدلَّتِهم عَلَى أنَّ التَّثويبَ سُنَّة في أذانِ الفَجْرِ،مَا يَلِي:


1- قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي محذورة رضي الله عنه :"...فإنْ كَانَت صَلاةَ الصُّبْحِ قُلْتَ:" الصَّلاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ، الصَّلاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ..."(5).


2- حديث بلال رضي الله عنه أنه أتى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يُؤذنه بالصُّبحِ فوجده راقِداً، فقالَ: الصلاة خير من النوم، مرتين. فقالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم :" ما أحسن هذا يا بلال اجعله في أذانك"(6).


3- حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال:"كَانَ التَّثْويبُ في صَلاةِ الغَدَاةِ إِذَا قالَ المُؤَذٍّنُ في أَذَانِ الفَجْرِ: حَيَّ عَلَى الفَلاحِ، حَيَّ عَلَى الفَلاحِ، فَلْيَقُل: الصَّلاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ، الصَّلاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ(7).


موضع التّثويب في أذان الفجر:


اختلف الفقهاء في موضع التثويب في أذان صلاة الفجر، بعد اتّفاقهم على أنه سنّة فيه وذلك على قولين:


الأول:

أن موضع التثويب يكون بعد قول المؤذن حيّ على الفلاح، وهو قول المالكية، والشافعية، والحنابلة، ورأي لبعض الحنفية(8).


أدلتهم:

استدل الجمهور على أن التثويب يكون بعد قول المؤذن حيّ على الفلاح، بما يلي:



1- حديث أبي محذورة رضي الله عنه قاله النبي صلى الله عليه وسلم :

(تقول: الله أكبر، الله أكبر، ...إلى أن قال:"..حي على الفلاح ، حي على الفلاح، فإن كان صلاة الصبح قلت: الصلاة خيرٌ من النَّوم، الصلاةُ خيرٌ من النَّوم، اللهُ أكبرُ...)


2- حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال:" كان التثويب في صلاة الغداة إذا قال المؤذن في أذان الفجر: حي على الفلاح، حي على الفلاح، فليقل: الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم"9


3- حديث ابن عمر رضي الله عنه قال:"كان في الأذان الأول بعد الفلاح، الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم"(10).


الثاني:

أن موضعه يكون بعد الأذان، وهو مذهب الحنفية(11).



أدلة أصحاب هذا القول:

1- ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا أذن المؤذن أدبر الشيطان وله حُصاص كحُصاص الحمار، فإذا فرغ رجع،

فإذا ثوب أدبر، فإذا فرغ رجع فإذا أقام أدبر، فإذا فرغ رجع وجعل يوسوس إلى المصلي أنه كم صلى" وجه الدلالة من

هذا الحديث" أنه قال:"فإذا فرغ" أي من الأذان، ثم قال:"فإذا ثوب أدبر"، فذكر أن التثويب يكون بعد الفراغ من الأذان، وليس المراد بالتثويب هنا الإقامة؛ لأنه صرّح بذكر الإقامة بعد التثويب(12).



2- حديث بلال رضي الله عنه أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم يؤذنه بالصبح فوجده راقداً،

فقال: الصلاة خير من النوم مرتين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :"ما أحسن هذا يا بلال، اجعلْهُ في أذانك" وجه الدلالة أنَّ بلالاً قال التثويب بعد الانتهاء من الأذان، وقد أقرَّه النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك.



و" القول بأن التثويب يكون بعد قول المؤذن(حي على الفلاح)، هو القول الراجح؛ وذلك لثبوت الأدلة الصريحة في ذلك" (13).


في أي أذاني الفجر يكون التّثويب:



اختلف جمهور الفقهاء القائلون بأن التثويب يكون بعد قول المؤذن (حيّ على الفلاح) من أذان الفجر هل يُشرع في الأذان الأول،للفجر أم في الأذان الثاني؟

وذلك على أربعة أقوال:



1- أنه يُشرع في الأذان الأول الذي يكون قبلَ طُلُوع الفجر،وهو رأيٌ لبعضِ الحنابلةِ.


أدلتهم:


*حديث أبي محذورة رضي الله عنه في تعليم النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم له الأذان، وفيه:" تقول: الله أكبر.." إلى أن قال:"الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم في الأولى من الصبح"(14).


* حديث أبي محذورة رضي الله عنه قال: " كنت أُأذن لرسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ،وكنت أقول في أذان الفجر الأول: حي على الفلاح، الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله(15).


وجه الدلالة من الحديثينِ أنَّ الصريح فيهما بأن التثويب مخصوص بالأذان الأول من صلاة الصبح، دون الثاني(16)
2- أنه يُشرع في الأذان الثَّاني الذي يكونُ بعد طُلُوعِ الفجرِ، وهو مَذْهبُ الحَنَابلةِ.


أدلة أصحاب هذا القول:


1- أن روايات الأحاديث جاءت بمشروعية التثويب قيدته بالأذان لصلاة الفجر، أو الصبح، وهذا ينصرف إلى الأذان الثاني الذي يعتبر هو الأصل المتفق عليه،وهو الذي يكونُ بعد دخولِ وقتِ الصَّلاة(17).


2- حديث نعيم بن النَّحَّام رضي الله عنه ،قال:" كنت مع امرأتي في مرطها في غداة باردة، فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صلاة الصبح،


فلمَّا سمعت قلت: لو قال:"ومن قعد فلا حرج"، قال: فلمَّا قالَ:"الصلاة خير من النوم"، قال: ومن قعد فلا حرج(18).


ووجه الدلالة من هذا الحديث تتضح على أن التثويب يكون في الأذان الثاني من الفجر في عدة مواضع من الحديث(19).



3- أنه يُشرع في كل أذان للصبح، سواء كان الأول الذي قبل الفجر ، أو الثاني الذي بعده، وهو وجه للشافعية، ورأي لبعض مُتأخِّري الحنابلةِ.


أدلة أصحابِ هذا القولِ: أنَّ في ذلكَ جمعاً بين الآثارِ(20) الواردةِ في ذلكَ.


4- أنه إنْ ثوَّب المؤذِّنُ في الأذان الأول بم يثوب في الثاني، وهو الوجه الثاني للشافعية.


أما الشيخ ابن عثيمين رحمه الله فإنه يؤيد هذا القول فيقول:

"زعم بعض المتأخرين أنها تقال – أي الصلاة خير من النوم" في الأذان الأول قبل الفجر، وأخطئوا خطأ عظيماً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بلالاً أن يقولها في أذان الفجر قال:

"إذا أذنت الأول في صلاة الصبح فقل: الصلاة خير من النوم". ومعلوم أن الأذان للصلاة لا يكون إلا بعد دخول وقتها لقول النبي صلى الله عليه وسلم :" إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم" وسمى أذاناً أولاً باعتبار الإقامة؛ لأن الإقامة أذان ثان، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم :" بين كل أذانين صلاة"(21).


وجاء في صحيح مسلم رحمه الله من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: فإذا أذن للأذان الأول للفجر:


قام النبي – صلى الله عليه وسلم حتى يأتيه المؤذن فيؤذنه لصلاة الفجر. وهذا صريح في أن أذان الفجر الأول يكون بعد دخول الوقت، وأما الأذان آخر الليل فليس أذاناً للفجر، بل هو أذان للنائمين ليقوموا وللقائمين ليرجعوا ويتسحروا إذا كان ذلك في رمضان(22).


والله الموفق




1 لسان العرب (2/144 147).

2 المجموع (3/100).

3 المغني (2/61).

4 المجموع(3/100)، ومغنى المحتاج(1/136).

5 رواه أبو داود في كتاب الصلاة، باب كيف الأذان(500).وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود.

6 رواه الطبراني في المعجم الكبير(1/340)، والحديث له روايات أخر، منها ما رواه ابن ماجه في كتاب الأذان، باب السنة في الأذان(1/237)(716)، وصحح الألباني رواية ابن ماجه في صحيح سنن ابن ماجه.

7 البيهقي في السنن الكبرى وصححه (2/195).(2024)، وابن خزيمة في صحيحه(386).

8 شرح معاني الآثار(1/137).

9 البيهقي في السنن الكبرى وصححه (2/195).(2024)، وابن خزيمة في صحيحه(386).

10 أخرجه الدار قطني في السنن(1/251).وقال ابن حجر: "سنده حسن" انظر: التخليص (1/205).

11 المبسوط (1/130).

12 أحكام الأذان والإقامة ص(87).

13 راجع: كتاب أحكام الأذان والإقامة ص(88).

14 رواه أبو داود(501).وصححه الألباني في صحيح أبي داود(1/148).

15 أخرجه النسائي(646)، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي.

16 راجع: الدرر السنية في الأجوبة النجدية(4/208).

17 الشرح الممتع للعثيمين(2/57).

18 أحمد، والبيهقي في السنن الكبرى(2/150).

19 راجع: كتاب الأذان لأسامة القوصي ص(71 72)

20 الدرر السنية(4/210).

21 صحيح البخاري (627,624). ومسلم(838). من حديث عبد الله بن مغفل رضي الله عنه .

22 راجع: شرح رياض الصالحين (3/140).

مسلم التونسي 02-05-2011 01:08 PM

( التوحيد والأذان )
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. أما بعـد:


فالأذان ليس مجرد وسيلة لإبلاغ الناس بوقت الصلاة؛وإنما يشتمل على معان متعددة،


قال ابن حجر رحمه الله: قال القرطبي وغيره:


الأذان على قلة ألفاظه مشتمل على مسائل العقيدة لأنه بدأ بالأكبرية وهي تتضمن وجود الله وكماله، ثم ثنى بالتوحيـد ونفي الشريك، ثم بإثبات الرسالة لمحمد صلى الله عليه وسلم،


ثم دعا إلى الطاعة المخصوصة عقب الشهادة بالرسالة لأنها لا تعرف إلا من جهـة الرسول،
ثم دعا إلى الفلاح وهو البقاء الدائم وفيه الإشارة إلى المعاد، ثم أعاد ما أعاد توكيداً.



ويحصل من الأذان الإعلام بدخول الوقت، والدعاء إلى الجماعة، وإظهـار شعائر الإسلام.1




إن الأذان يعد تلخيصاً لدعوة الإسلام، فهو متضمن للشهادتين ، والإسلام كله قائم على أساسين عظيمين: أن يعبد الله وحده، وتلك شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن يعبد بما جاء به رسوله وتلك شهادة أن محمداً رسول الله.




وكما أن في الأذان : أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمد رسول الله، ففيه: حي على الصلاة ، والصلاة من أولها إلى آخرها تصديق عملي بالشهادتين،


ففيها يقول المسلم في الفاتحة { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } حي على الفلاح وتلك شهادة (أن لا إله إلا الله)



وفيها يقول: { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ } وتلك شهادة "أن محمداً رسول الله".


"فالهداية هي البيان والدلالة ثم التوفيق والإلهام وهو بعد البيان والدلالة ولا سبيل إلى البيان والدلالة إلا من جهة الرسل فإذا حصل البيان والدلالة والتعريف ترتب عليه هداية التوفيق..."2




لقد كان المتلفظ بالشهادتين في عصر الرسالة يعرف أنه يجتاز عالماً بأكمله ويدخل إلى عالم جـديد يجتاز عالم الجاهلية بمبادئه وأخلاقه وعاداته ويعبر إلى الإسلام.


إن العربي إبان البعثة كان يفهم مدلولات لغـتـه ولذلك تحضرت في ذهنه كل المعاني التي يستعمل لها لفظ الإلهية بل وما تقتضيه من عمل عندما يقال له:قل: لا إله إلا الله.

وإن من أخطر ما تصاب به أركان الاعتقاد هـو: أن تبقى في أذهان الناس ألفاظ جوفاء لا حقيقة لها في واقع حياتهم وهو ما حصل بالفعل في واقع الأمة اليوم حين صار المسلمون ينطقون الشهادتين ويرددونها في الأذان والإقامة والتشهد..و و، من غير فهم لمعناها الصحيح، ومن غير أن يثمر ذلك النطق واقعاً عملياً في حياتهم لما تقتضيه تلك المعاني.


تفسير ألفاظ الأذان:


إن الشهادتين ثلاث أقسام: الأول : فعل (أشهد) والثاني (لا إله إلا الله) والثالث: (محمد رسول الله) .


أولاً: (أشهد): هذا الفعل يأتي في اللغة بمعان ثلاثة أولها: أرى وأشاهد، ومنه قوله تعالى: { يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ }(المطففين 2).


والثاني: الشهادة: وهي القول بما تعلم ومنه قوله تعالى: { وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } (الطلاق: 2).
وثالثها: الحلف ومنه الحديث: (على مثل الشمس فاشهد أو ذر)3.


فيكون معنى أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً سول الله أني شاهدت بقلبي، وشهدت بلساني وأيقنت يقين الحالف أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.


ثانياً : (لا إله إلا الله) :


لقد كان العرب يعتقدون أن آلهتهم التي يشركونها مع الله تعالى أو من دونه تحميهم وتنصرهم وتجيرهم وتقضي حاجاتهم؛



ولذلك عبدوها دون أن ينكروا وجود الله أو ينكروا أنه الخالق والرازق، فلم يكن نزاع النبي صلى الله عليه وسلم معهم حول وجود الله تعالى وربوبيته، وإنما كان حول التسليم بالوحدانية والألوهية لله وحده. إن المشركين العرب الذي خوطبوا بـ (لا إله إلا الله) كانوا يعتقدون أن آلهتهم المزعومة لها قداسة بها استحقت العبادة ،


فعمد القرآن إلى هذا الاعتقاد وأبطله؛ وأبطل كل شرك موجود أو متوقع، وبين بياناً حاسماً، أنه لا سلطة لأحد في الكون مع الله عز وجل فالألوهية والربوبية كلها لله، فهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله.



لقد قال القرآن الكريم لهؤلاء المشركين: إن من خلق الكون ويملك السلطة فيه هو الإله المستحق للعبادة فهذا الأمر غير قابل للتجزئة، إذ لا يكون الخلق في يد إله، والرزق في يد آخر. والحكم في يد ثالث {إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ } (المؤمنون: 91)


ثالثاً:


(محمد رسول الله): هذا الشطر الثاني من الشهادتين يعني ثلاثة أمـور: الأول: أن محمد رسول الله حقاً فهو من جهة ليس إلهاً ،


وليست فيه أي صفة من صفات الألوهية ، ومن جهـة ثانية : ليس كذاباً ولا ساحراً ولا كاهناً ولا مجنوناً ولا سامراً، فالذي يشترك فيه مع الناس هو البشرية، والذي يتميز به عنهم هو الوحي والنبوة، كما قال سبحانه: { قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ }(فصلت: 6).



وقد قامت على صدق نبوته دلائل كثيرة : فمنها صفاته، ومنها معجزاته ومنها نبوءاته ، ومنها بشارات به في الكتب السابقة ، ومنها ثمرات دعوته في الأرض إلا أن أعظم آية تشهد له بالنبوة هي القرآن الكريم قال تعالى:{ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ } (الحاقة: 43.)



والرسول في اللغة هو: المبعوث، وإضافته إلى الله يعني أنه مبعوث الله إلى الناس، فالرسول رجل بعثه الله ليبلغ الناس، وأيده بالآيات الدالة على صدقه.

أما المعنى الثاني لشهادة أن محمداً رسول الله فهو:


أن ما أخبر به من أمور الغيب حق يجب تصديقه فيه، وهذا الغيب يشمل الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، والقدر خيره وشره. وتصديقه في دعوى النبوة والرسالة يفضي إلى التسليم له بهذا العلم الذي أخبر به، لأنه ليس من عنده، بل من عند الله تعالى عالم الغيب والشهادة.


والمعنى الثالث: أن ما أمر به من أمور الشرع عدل وخير يجب إتباعه فيه، وقد أمر بشرع فيه صلاح الأفراد والأسر والمجتمعات، فإتباعه فيه بغير قيد ولا شرط من تمام الشهادة له بالنبوة والرسالة.


هذه المعاني الثلاث مترابطة؛ فالطاعـة تتفرع عن المحبة ،والمحبة تتفرع عن المعرفة؛ إذ لا يمكن أن تطيع شخصاً لا تعرفه أو تتبع شخصاً لا تحبه.


إن لا إله إلا الله محمد رسول الله ، اختيار في الحياة ، يحدد التصور الذي يعيش به المرء والسلوك الذي يتصرف به، والنطق بهما يعني تحولاً على المستوى الفكري والواقعي،


فبهما يتحدد مصدر التلقي وبهما تتحدد الغاية والهدف وتلك الربانية : ربانية المصدر وربانية الغاية، فيعيش العبد بعلم الله تعالى المنزل يصوغ تصوراته كما يصوغ تصرفاته.


الله أكبر ، الله أكبر:


هذا النداء الذي افتتح به الأذان واختتم به، فيه تكبير الله عز وجل فهو سبحانه { عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ }(الرعد: 9).



وحيث أن الصلاة دعوة منه سبحانه ينقلها المؤذن عبر الأذان ، ناسب افتتاحها بالتكبير ليعلم الناس أن الله تعالى أكبر من شيء يصدهم عن دعوتهم، أو يشغلهم عن إجابة ندائه { يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ }(الجمعة:1).


حي على الصلاة ، حي على الفلاح:


هاتان الجملتان تعقبان الشهادتين في الأذان، وذكر الصلاة عقب الشهادتين يوافق الترتيب الذي رتبت به أركان الإسلام في الأحاديث.


وحيث أن الإنسان مجبول على تقديم العاجلة على الآجلة ، وتفضيل النقد على النسيئة ، وبما أن الدنيا عرض حاضر، والآخرة وعد صادق،
فالدنيا يراها والآخرة يسمع عنها فالذي يحدث غالباً أن الإنسان ينشغل بما يرى عما يسمع، ويقبل على العرض الحاضر ويغفل عن الوعد الصادق فيأتي في الأذان (حي على الصلاة، حي على الفلاح)

لينادي على الناس وهم في أسواقهم يبيعون ويشترون، أو في أعمالهم يصنعون ويعملون، أو في بيوتهم يأكلون ويشربون،ليوازنوا في حياتهم بين الدنيا والآخرة


قال تعالى: { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ ( ) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ }(النور 36-37).


فقد أثنى عليهم ليس لكونهم تفرغوا للصلاة ولازموا المساجد ولا يبرحونها؛ بل لكونهم أصحاب تجارات وأعمال لا تلهيهم عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة.


إن نداءآت المؤذن : "حي على الصلاة ، حي على الفلاح" على رأس وقت كل صلاة إعلان عن وسطية الإسلام وجمعه بين الدين والدنيا ،


فالمسلم في عبادة قبل الحضور إلى المسجد ، وهو في عبادة عندما يحضر بعد سماع الأذان ، وهو في عبادة عندما ينصرف بعد الصلاة إلى أشغاله وأعماله .


ثم إن النداء ، بـ"حي على الصلاة حي على الفلاح" إيذان بانطلاق جولة جديدة من معركة الإنسان مع الشيطان،



فهذا العدو سيسعى جهده ليصده عن ذكر الله ، وعن الصلاة، وإجابة النداء، والذهب إلى المسجد معناه كسب هذه الجولة الجديدة، وتحقيق الانتصار فيها،


فالأذان يصل إلى الجميـع ولكن الناس يختلفون : فمنهم منتصر ومنهم منهزم، فمنهم من يسمعه فيدع ما كان فيه ويجيب النداء ، وآخر يصلي في بيته في الوقت ، وثالث يؤخرها عن وقتها ، ورابع يتركها ولا يصليها وبهذا يستخرج ما في القلوب من إيمان أو كفر ونفاق ، ويكشف لكل عبد درجة إيمانه فإن الإيمان يعرف عند الطاعات.



أخيراً : إن من سوء ما يبتلى به المسلمون أن تجرد شعائر دينهم من معناها ، وتفرغ رموز دينهم من دلالتها ، فتتحول إلى رسوم وأسماء، والواجب أن نقول ذلك بقوة لتبقى لهذه الرموز دلالتها، وتستعيد ما كان لها من معنى يوم شرعت أول مرة،


وهذا يفرض علينا إحياء طريق السلف في تلقين أحكام الدين حتى لا تقصر على جانب واحد؛ فإذا تناولنا أحكام الأذان على سبيل المثال لا نقتصر على بيان ألفاظه والأدعيـة التي تكون بعده وما يشترط في المؤذن ، بل نجمع إلى ذلك ما ذكر في هذا الموضوع ونفعل مثل هذا في دراسة الصلاة والزكاة والحج والصيام وسار شعائر الإسلام.4


والحمد لله رب العالمين

1 - فتح الباري 2/92.

2 - مدارج السالكين 1/9

3 - أخرجه الحاكم في المستدرك.وضعفه الألباني في إرواء الغليل.

-4 نقلاً عن مقال في مدجلة البيان العدد: 95 ص 32 وما بعدها بتصرف.


تم بحمد الله

هذا البحث من تجميعي و تنسيقي

و هو مستفاد من موقع الامام

فلا تنسونا من صالح دعائكم


ISLAM 02-08-2011 09:53 AM

بارك الله فيك على الطرح الطيب
تاكد من اننا
ننتظر موضوعاتك الجديده


ابو نضال 09-22-2015 06:39 PM

رد: < مسائل متعلقة بالأذان و المؤذن >
 

بسم الله الرحمن الرحيم



بارك الله بك على هذا الطرح القيم
كان موضوعك رائعا بمضمونه

لك مني احلى واجمل باقة ورد

https://scontent-frt3-1.xx.fbcdn.net...4e&oe=56A653CA


وجزاك الله خيرا وغفر لك ولوالديك وللمسلمين جميعا



لا اله الا الله محمد رسول الله




الساعة الآن 05:53 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة للمسلمين بشرط الإشارة لشبكة الكعبة الإسلامية