تسجيل الدخول

قديم 10-06-2013, 02:26 PM   #1
انى احبكم فى الله

مشرف المرئيات الاسلامية

 
الصورة الرمزية انى احبكم فى الله
 
تاريخ التسجيل: Jun 2012
الدولة: مصر\ الاسماعيلية
المشاركات: 571
معدل تقييم المستوى: 12
انى احبكم فى الله will become famous soon enough
إرسال رسالة عبر ICQ إلى انى احبكم فى الله إرسال رسالة عبر AIM إلى انى احبكم فى الله إرسال رسالة عبر Yahoo إلى انى احبكم فى الله إرسال رسالة عبر Skype إلى انى احبكم فى الله
افتراضي دمعة في الحج د. محمد بن محمد الأمين المختار الشنقيطي

دمعة في الحج




د. محمد بن محمد الأمين المختار الشنقيطي





إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونؤمن به ونتوكل عليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أرسله بين يدي الساعة بشيرًا ونذيرًا وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، فبلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومَن سار على نهجه.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. أما بعد:



فيا إخواني في الله:

الحج ركن من أركان الإسلام، وشعيرة من شعائره العظام، دعا إليه رب العالمين، وأوجبه على عباده المستطيعين، نادى به نبيُّه الخليل، كما قص الله - عز وجل - خبَرَه في التنزيل، نادى به فأذَّن، فبلَّغ اللهُ أذانه، فلما عَلِم عبادُ الله المؤمنون بذلك الدعاء وذلك النداء، تفتحتْ له أسماعُهم، وتفتحت له قلوبهم؛ فصاروا له مجيبين، ولداعيه ملبِّين، قطعوا الوهاد، وساروا الفيافي، وجاوزوا النجاد؛ محبةً ومرضاة لرب العباد، ساروا إلى الله ملبِّين، ولرحمته خرجوا راجين، وما للدنيا خرجوا، خرجوا لرحمة الله طامعين، وفي جوده وإحسانه وعظيم كرمه آملين، خرجوا إلى الله يرجون رحمة الله بقلوب مليئة بالإجلال والشوق والحنين إلى عفو الله، خرجوا وما كانت الدنيا نصب أعينهم إذ خرجوا، خرجوا وكلهم أمل في الله - تبارك وتعالى - أن يناديَهم: حجٌّ مبرور، وسعي مشكور، وذنب مغفور. لذلك - أحبتي في الله - ما ضربت قَدَمٌ على الأرض أشرف عند الله - عز وجل - ولا أزكى مِن قَدَمِ المطيع لربه، وما وَفَدَ وافدٌ يسير على الفجاج أحب إلى الله مِن وافدٍ على بيته، وما من رَكْب أحبُّ إلى الله مِن هذا الركْب العزيز، الذي فارق كل عزيز؛ إنه رَكْب الله، ووفْد الله القادم على الله، لذلك - أحبتي في الله - قصة هذا الركب قصةٌ مليئة بالعِبَر والعظات، فهو الوفد الذي لله خشع، وفي رحمة الله طمع، إنه وفد الله الذي تذكرك أقواله وأفعاله برحمة الله، أقوام باعوا اللحظات، وباعوا الساعات؛ لكي يتقربوا إلى رب البريات، خرجوا إلى الله - تبارك وتعالى - بهذه الرحلة التي سطرت في دواوين الحسنات، فأُقِيلتْ بها العثرات، ورُفِعت بها الدرجات، فيا لله! كم فائز منهم برحمة الله! ويا لله كم سعيد منهم برضوان الله! لذلك - أحبتي في الله - نسير مع هذه الركاب، وننتقل مع هذه الرحلة مرحلة مرحلة، لماذا عزَّ عند الله شأنُهم؟ وارتفع عند الله قدْرُهم؟ لأن الحاج إلى بيت الله في جهاد وجلاد من أول لحظة تدخل فيها تلك الكلمة، تدعوه إلى الإقبال إلى بيت الله، يعيش الصراع: هل أحج هذا العام أم أرجئه إلى العام القادم؟ يعيش أول ما يعيش



في صراع مع نفس متخاذلة عن طاعة الله متثاقلة؛ يصارعها، يجالدها، يجاهدها، ثم مع الزوجات، ثم مع الأبناء والبنات، ثم مع الأموال والتجارات: أأحج أم لا أحج؟! أأنتظر أم أبادر؟! حتى يشاء الله - عز وجل - أن يختاره في الركاب، فإذا عَقَدَتِ النفسُ النيةَ، وعقد القلب العزم على المسير إلى الله، والانتقال إلى رياض رحمة الله، إلى البيت العتيق، حتى إذا صَدَقَ عزمُه، وقوي يقينه، عندها تكون أول وقفة لنا مع الحاج إلى بيت الله الحرام، إذا عَقَدَ الحاج النية، أوعقدتَ الحج إلى بيت الله الحرام، كانت أول وقفة حينما تشد الرحال، وتعزم على المسير إلى الكبير المتعال، فتقف على الباب؛ لكي تنظر إلى الابن والبنت؛ لكي تنظر إلى الأخ والأخت؛ لكي تنظر بدمعة تسح على الخد لفراقهم، حتى إذا أصابت سويداء قلبك تلك الحسرةُ على فراقهم، إذا بنداءٍ من الأعماق يذكِّرك بيوم عظيم، يذكرك بساعة من فراق، وأي ساعة فراق؟! تناديك نفسك: يا عبد الله، اليوم تودعهم وأنت قادر على الوداع بكلمات رقيقات، فكيف إذا انقطع الأثر وخسف البصر، وجرى القَدَر؟! كيف بك إذا أصبحت أسيرًا للمسير إلى الله؟! فلذلك يتحرك في النفس داعي ذِكْرِ الآخرة، تتحرك في سويداء القلب تلك العظةُ البالغة: اليوم تُودعهم وغدًا يُودعونك، واليوم تَنظر إليهم وغدًا يَنظرون إليك، اليوم تبادلهم الكلمات، فمَن لك إذا انقطع لسانك، ووجل جنانك، ولم تستطع أن تبيح بما في النفس من حسراتها؟! فهذه أول وقفة، ومِن هذه الوقفة إلى ختام الحج، تنتقل من مرحلة إلى مرحلة، تُذكِّرك بالآخرة؛ فتجيش في النفس عبرتها، وتُحرِّك في القلوب خشوعها.



أما الوقفة الثانية، فبعد لحظات يسيرة فارقتَ الأهل والإخوان، وودعتَ الأحباب والخلان، فإذا بأوامر الشرع تأتيك عند الميقات: انزع ثيابك، وتجردْ عن مخيطك، واغتسل لحجك وعمرتك؛ فاستجبتَ ولبيتَ، وقلت: سمعًا وطاعة، فغسلت واغتسلت، وأزلت عنك الثياب، وما إن رفعت الثوب عن الجسد حتى تحركت في النفس أشجانها، وانبعثت في القلوب أحزانها؛ اليوم أزيل لباسي، فكيف بغدٍ إذا أزيل عني لباسي؟! اليوم أرفع ثوبي، وأجرد عن مخيطي، فكيف بي غدًا إذا جردت من الثياب، وولجت من ذلك الباب، مسيرًا إلى رب الأرباب؟! اليوم أغسل نفسي، فكيف بي غدًا إذا أغسل؟! وكيف بي إذا أكفن؟! وما هي إلا لحظات حتى تلبس الإزار والمخيط، وتنخرط مع تلك الجماعات: تلبية، توحيدًا، تكبيرًا، تمجيدًا، لا إله إلا الله! ما أعزها من خُطًا عند الله! وما أكرمها من وفود على الله! منذ أن تجردت من لباسك، وأصبحت في عداد المحرِمين؛ كأن هيئتك تقول لك: الآن أصبحت مع المحرِمين، وغدًا ستصير في عداد المغتربين؛ كما أن صاحب الإحرام تحظر عليه محظورات الإحرام؛ فلا طيب، ولا متعة من الأمور المرفهة، كذلك إذا أوسد في لحده، واضجع في قبره، فكأنه في المرحلة الثانية بعد لبس إزاره وردائه، فالله أكبر، ما أجلها من عظات! الله أكبر ما أعظمها من آيات! دلت وشهدت بوحدانية رب البريات، وسارت الخُطا على تلك الأرض، التي والله مارفعتَ قَدَمًا، ولاحططتَ أخرى إلا سطرت في ديوانكَ، ولقيت بها ربًّا يبيض بها الوجوه إذا لقيه أصحابها، وسرت مع الوافدين في عِداد المسافرين؛ كأن سفر الحج يذكرك بالسفر الطويل، يذكرك بالمسير إلى العظيم الجليل، سرت معهم فرأيت عِبَرًا لا تنسى، وآيات عظيمة جلَّ مَن وضعها وعلا، تسير في الركاب فترى في السفر عجبًا، وأي عجاب! تسير مع الأصحاب والأحباب؛ لكي ترى - إن نظرت أمامك - إلى قفار ووهاد، إلى أشجار وثمار، إلى جبال وأنهار تذكر بالواحد العظيم القهار، ما تقدمتَ ولا خطوتَ إلا وكان في قلبك أثر يذكرك بأن لا إله إلا الله، كَوْنٌ مليء بالعِبَر، وعبادة تهز كيانك لأن تكون من المعتبِرين، وسرت مع الراحلين، وسرت مع المغتربين، وما هي إلا لحظات، وما هي إلا أيام حتى وطئت دار السلام، وعندها أخي في الله لتصدع بشكر الله، والثناء على الله؛ فكم من وفود تمنت! وكم من قلوب حنت وأنت لكي تدخل بيت الله الحرام! كم من عيون تمنى أصحابها رؤية البيت الحرام! وكم من أجساد وأرواح طمعت أن تطوف ببيت الله! اخترمتها البحار، والتقمتها القفار، وصارت إلى العزيز القهار، والله تفضل فاختاركَ من بين العباد حاجًّا وافدًا، فما أجلها من نعمة! وما أعظمها من مِنَّة! حتى إذا وطئتَ بيت الله، وطئته وأنت تجل نعمة الله، وتعظم منحة الله، وطئت البيت الحرام وكُلُّك إجلال وإعظام للملك العلام، أي بيت؟! أي مكان؟! أي بلد؟! أي منزل؟! إنه البلد الذي اختاره الله من بين البلاد، صحيح أنه لا أنهار ولا أشجار، ولا فِتَن من الدنيا بادية، وليس فيه من فتن الدنيا وأنهارها ونعيمها؛ ولكن فيه الرَّوْح والريحان، فيه الرضا والغفران، فيه الصفح والإحسان، فيا لله ما أعظمها من منازل! عظَّمها الله ورفع شأنها، ما أعظمها من منازل! لو أُذِن لتلك البقاع أن تتحدث! لو أُذن لتلك المواضع أن تنطق! فكم عليها من دعوات أُجيبتْ! وكم عليها من هموم فرجت! وكم عليها من غموم نفست! إنها منازل الله، ومحط رحمة الله، حتى إذا وطئتَها، وطئتَها بقلب يعظمها {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32].



يا عبد الله، إذا نزلت إلى بيت الله فادخله لله منكسرًا، ومن هيبته خاشعًا، ادخله بذلة لله، ادخله بالسكينة والوقار؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل يوم الفتح في يوم أعز الله فيه أهل دينه، دخل - صلوات الله وسلامه عليه - مطأطِئًا رأسَه ذلةً لله؛ حتى إن لحيته تكاد تمس قربوس سرجه - صلوات الله وسلامه عليه - ذلة وضعة، منازل لا ترفع فيها الرؤوس خشية لله، ولا يُظهِر الإنسان فيها إلا الفاقةَ والحاجة إلى الله، فيها بيت توجهت إليه القلوب والقوالب، وصفا ومروة، ومنى ومزدلفة، وعرفات وأي عرفات؟! منازل مباركات، منازل عند الله جليلة، وأماكن عند الله عظيمة، لذلك - أحبتي في الله - إذا دخل الحاج إلى تلك المواطن دخلها بقلب يُعظِّم الله، دخلها وكله ثناء على الله إذ بلغها، وأما إجلالها فكله شوق وطمع في الله أن يرزقه الأدب في جوار بيته المحرَّم، فما أسعده من عبد رزقه الله - عز وجل - عفة السمع والبصر! وما أسعده من عبد رزقه الله - عز وجل - الأدب معه، والأدب مع خَلْقه في جوار كعبته وبيته!



وما هي إلا لحظات، حتى يرى العبدُ بيتَ رب البريات، وعندها يخشع القلب لله، ويذل لله - تبارك وتعالى - ويبتدئ في طوافه وينتهي من مطافه، حتى يرقى الصفا، فقد رقاها - صلوات الله وسلامه عليه - من نبي مجتبى، فلما رقاها قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لماذا هلَّلَ؟ هلَّل لأنه بالأمس القريب كان يقف على الصفا يقول لهم منذرًا ومحذرًا ومبينًا: ((سلوني من مالي ما شئتم، لا أغني عنكم من الله شيئًا)) فقال له أبولهب: تبًّا لك؛ ألهذا جمعتنا؟!



فبالأمس يُكَذَّب، وبالأمس يهان، وهو على هذا المكان، ويشاء الله - عز وجل - يوم حجة الوداع مائة ألف نفس تضع رأسها لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -! فلما رقي الصفا تَذَكَّرَ إذ أُهين في البيت، فكان أول ما لفظ به توحيد الله، فقال: لا إله إلا الله وحده، نصر عبده، وأعزَّ جنده، وهزم الأحزاب وحده، تذكرَ نعمة الله - عز وجل - وهذا هو شأن الأخيار، شأن الصفوة الأبرار، إذا أصابهم الله بنعمته، وتفضل عليهم بمنته، أجلُّوا الله - عز وجل - حق إجلاله، وأعظموه حق إعظامه، حتى إذا شاء الله - عز وجل - ما شاء، فمضيتَ بين الصفا والمروة، تنتقل من مَعْلَم توحيدٍ إلى مَعْلَم توحيد لرب العبيد، حتى إذا شاء الله لك أن تبلغ الموطن المبارك، الذي هو الحج الأكبر والذي بعده المشعر، إنه عرفات، وما أدراك ما يوم عرفات؟! يوم تفطرت فيه القلوب لرب البريات! ما طلعت الشمس على يوم أفضل عند الله من يوم عرفة.



أخي! إذا طلعت عليك شمس ذلك اليوم فنادي النفسَ نداءً صادقًا: هو يوم واحد، وقد كان من لطف الله وتيسيره أن جعل الموقف بعد الزوال سويعات، فاحتسب عند الله - تباك وتعالى - فيها بالدعوات، وادخل إلى عرفات بقلب منكسر لرب البريات، واقصد من سنن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما بَيَّن لك، حتى إذا انتهيت من صلاتك، وسمعت المواعظ التي ينبغي لكل مؤمن بالله واليوم الآخر أن يترسم نهجها، وأن يسير على سبيلها، حتى إذا قضيت ذلك كله سِرْتَ إلى الموقف، سِرْتَ بذلك القلب المنكسر إلى الله تبارك وتعالى، سرت وأنت تتذكر ذنوبًا بينك وبين الله.



والله يسير العبد إلى الموقف والخُطا ثقيلة، يسير إلى الموقف بخطًا ثقيلة حينما يتذكر الذنوب فيما بينه وبين الله، يسير وهو ينكسر إلى العلي الكبير، يسير وهو يحس من نفسه أن الذنوب تؤرقه، وأن الخطايا تحطه وتهده، حتى إذا صار إلى موقفه، ووقف بين يدي الله - تبارك وتعالى - نسي الدنيا وما فيها، وأَقْبَلَ على الله يناجيه ويناديه بين لوعتين: لوعة الماضي، ولوعة المستقبل؛ أما الماضي فبينه وبين الله حدودٌ طالما جاوزها، ومحارم طالما أصابها، وبينه وبين الله حدودٌ لعباده أصابها، وحقوق لخلقه ضيعها، فإذا صار العبد إلى ذلك الموقف، يسير بذلك القلب الخاشع الذليل، ويا لله ما أعظمه من موقف! لو أن الإنسان استشعر تلك الساعة المباركة، التي يدنو الله - عز وجل - فيها دنوًّا يليق بجلاله وعظمته لأهل الموقف، ويقول لملائكته: ما أراد هؤلاء؟ يقول بعض العلماء: استفهام إجلال وإعظام وإكبار؛ أيْ: أيَّ شيء أراد هؤلاء؟ يدل على أن الله سيصيبهم من رحمته ورضوانه بما لم يخطر على بال، ماذا أراد هؤلاء؟ أينسى الله - تبارك وتعالى -؟! وما كان ربك نَسِيًّا!

تلك الخُطا التي قَدِمْتَ بها عليه، أينسى إذ تغبر الخطا إليه؟! أينسى الشعث الذي تقربت به إليه؟! حتى إن الإمام أحمد - رحمه الله – سئل: هل ينظر الحاج في المرآة؟ قال: "إن كان ينظر من أجل إصلاح شعره؛ فلا حتى لا يذهب شعثه"، يقول بعض العلماء: إن الله – تعالى - يباهي بشعث الإنسان وغَبَره، ولذلك استحب العلماء إذا كان الإنسان له إزار فاتسخ أو أصابه شيء من القذر، أن يقف به حتى يكون أبلغ في الذِّلة لله - عز وجل - حتى يكون أبلغ في التجرد من الدنيا؛ حتى يكون أبلغ في أنه يحس بالآخرة، وأنه والله ما قدم لكي يتعالى على عباد الله؛ ولكن ليَذل لله عز وجل، وحق – والله - للعبد أن يتذلل، وحق له أن ينكسر لله



- تبارك وتعالى - وذكرُ الله أعظم ما فاهت به الأفواه، فسبحان مَن ذلت له الأشراف، أكرم مَن يُرجى ومَن يُخاف.

وإذا لم يذل العبدُ لربه فلمَن يذل؟! ثم ارمِ بطرْفك إلى هذه الأمم التي اجتمعت على عرفات؛ ذابت أنسابهم، وذهبت أحسابهم، وأصبحوا لا تستطيع أن تفرق بين الغني والفقير، لا تستطيع أن تميز بين الجليل والحقير، أكف إلى الله رافعة، وعيون من خشيته دامعة، وقلوب وأفئدة لجلاله منكسرة، كم فيها من مظاهر! تراهم كأنهم على صفة رجل واحد؛ ولكن بين بعضهم وبعض من الفضل والدرجات؛ كما بين السماء والأرض، بماذا؟! بالقلوب.. وقفوا في تلك المواقف وقلوبهم متباينة في الإجلال والإعظام والانكسار والذكر للعظيم القهار، لذلك يوم عرفة يوم مشهود، ويوم يذكرك هذا اليوم، يذكر بالموقف بين يدي الله عز وجل، ولذلك إذا وقف العبد بعرفات، ونظر إلى تلك البريات، ونظر إلى تلك الأصوات والصيحات، فسبحان مَن عَلِم لغاتها! وسبحان مَن ميَّز ألفاظها! وسبحان مَن قضى حوائجها! لا يخفى عليه صوت، ولا تعجزه حاجة، أحد فرد صمد، لا يعييه سؤال سائل، لذلك - أحبتي في الله - فالنظر في حال يوم عرفة يُذكِّر بالله تبارك وتعالى، وقف بعض السلف مع بعض الخلفاء، فجاءت صاعقة والناس وقوف بعرفة، ففزع الناس فزعًا شديدًا، وفزع الخليفة سليمان - رحمه الله - فزعًا شديدًا من تلك الصاعقة، فقال له عمر: يا أمير المؤمنين، هذه بين يدي رحمته، فكيف بالتي بين يدي عذابه؟! إذا كان هذا والناس ينتظرون المطر، وهم وقوف بين يدي الله يرجون رحمته، فكيف إذا وقفوا بعرصات يوم القيامة؟! وكما ثبت بالخبر يقول: لقد غضب الله في هذا اليوم غضبًا لم يغضب قبله قط، لم يغضب مثله قط! وهذا يدل على عظيم الموقف بين يدي الله - تبارك وتعالى - اللهم سلمنا من ذلك الموقف، اللهم سلمنا منه بعظمتك يا عظيم، ورحمتك يا رحيم!!



أحبتي في الله، يوم عرفة وما يوم عرفة؟! كل مَن حولك يحرك وجدانك، كل مَن حولك يحرك إحساسك، إن كان القلب قاسيًا، والله يصير خاشعًا؛ تسمع هذا يبكي، وهذا يشتكي، وهذا يشجي، فتقول سبحان الله! مَن لهذه الحاجات سوى الله؟! مَن لهذه الدعوات غير الله؟! جاءوا إليه من بلاد بعيدة، وقطعوها في أزمنة مديدة، جاءوا بهموم لا يفرجها سواه، وكربات لا يُنفِّسها أحدٌ عَداه، جاءوا وكلهم يقين في أنه ليس لحاجتهم أحد غيره، وحق لهم ذلك، لذلك أحبتي في الله، وما هي إلا لحظات حتى يشاء الله - عز وجل - للعبد أن ينقضي موقفه، وتغيب عليه شمسه، ويأذن الله لأهل ذلك الموقف بالانصراف، وتأتي تلك الساعة العصيبة، والله إنها لمن أمر الساعات في الحج، وأعظم ساعة في الحج!! يتألم الإنسان فيها ساعة الانصراف من عرفة، لا يدري هل الله - عز وجل - قَبِلَ دعوته أم لم يقبلها؟! لا يدري هل أجاب الله سؤاله أم لم يجبه؟! لا يدري أمرحومًا أم محرومًا؟! لا يدري أيعطيه أم يحرمه؟! فلذلك يبلغ بالإنسان من الشجى والأسى ما لا يعلمه إلا الله، أأفيض ربي؟! فهل أنت راضٍ عني أم لست راضٍ عني؟! يناديه بقلب متقطع منفطر: ربَّاه إن لم ترضَ عني فارضَ عني قبل أن أفارق موقفي! يناديه بحسرة، يناديه بقلب متقطع شوقًا إلى رحمة الله، حتى لا يكون محرومًا من عفو الله وفضل الله، لذلك - أحبتي في الله – فهي ساعة مؤلمة، ساعة تهز وجدان المؤمن، حينما يتذكر أنه ينصرف من ذلك الموقف، ولذلك كان بعض السلف إذا حضرت ساعة النفر من عرفة والدفع منها يشتد بكاؤه، ويعظم تضرعه إلى الله تبارك وتعالى، وقال بعضهم: والله لو نادى منادي الله في أهل هذا الموقف: قد غفرت لهم إلا واحدًا، لعددت نفسي ذلك الرجل. حتى إذا سرت بين الشعاب، وسرت بين تلك الوهاد، فلا إله إلا الله! كم يسير عليها عبد كيوم ولدتْه أمه من ذنوبه! لا إله إلا الله، يدفعون من عرفات، دخلوها مثقلين، يخرجون منها من الذنوب والخطايا مغسولين، ما أعظمه من فضل لا إله إلا الله! يسيرون بين تلك الشعاب، يسيرون بين تلك الأودية كيوم ولدتهم أمهاتهم! ما نظر الله إلى سيئات مضتْ، ما نظر الله إلى ماضيهم، يسيرون بين تلك الشعاب، يسيرون وهم من الذنوب كيوم ولدتهم أمهاتهم؛ مغسولين مطهرين مرحومين، فيا لله كم دعوة كُتب لصاحبها سعادة لا يشقى بعدها أبدًا! ويا لله كم دعوة كُتب لصاحبها رحمة لا يُعذب بعدها أبدًا! يسيرون بين تلك الشِّعاب العزيزة عند الله، بقلوب مليئة بإجلال الله، لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك.



يحسون معناها، ويتلذذون حلاوتها، ويصيبون فضلها وبغيتها، ثم إلى المشعر، وعند المشعر يفيضون إليه بقلوب مغسولة، مليئة بالخشوع، مليئة بالإنابة والخضوع، قلوب تعظم الله تبارك وتعالى، كيف وقد حُطَّت الخطايا؟! كيف وقد غسلت الرزايا؟! يقفون بالمشعر حتى إذا شاء الله - عز وجل - لهم منسكهم، فصلُّوا فجْرَهم، ووقفوا موقفهم، فأنابوا وتضرعوا ورفعوا الأكف إلى الله: ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، يحسون بهيبة المشعر وجلال ذلك الموقف، يقفون وكلهم شوق إلى رحمة الله بعد أن أفاضوا وأنابوا إلى ربهم، ولرحمته أصابوا. ثم إلى مِنًى، ومن مِنًى إلى البيت العتيق؛ ليقضوا تفثهم، وليوفوا نذورهم، وليطوفوا بالبيت العتيق، ثم الأيام المباركات الأيام المعدودات، ذكر وشكر واستغفار وتعظيم للعظيم القهار، أيام مِنًى أيام الذاكرين، أيام الشاكرين، أحسوا بأن الله أصابهم برحمته، وأصابهم بعفوه ولطفه، فأخذت الألسن لا تفتر عن ذكره وشكره، وحق لها - والله - بعد أن أصابت رحمة الله أن تثني عليه، وكيف لا تثني عليه، وقد أعطاها عطاء هو العطاء في الدنيا؟! فليس هناك عطاء أعظم من أن يغفر الله ذنبك، وأن يضع عنك وزرك، وهي المنة التي امتنَّ الله بها على عباده، وذكرها منة على خير خَلْقه - صلوات الله وسلامه عليه إلى يوم الدين - وفي منى تلك الساعات الطيبات، تلقى فيها الوجوه مضيئة، تلقى فيها الوجوه مشرقة من آثار العبادة، تلقى فيها إخوانًا لك في الإسلام، تلقى إخوانًا لك في الدين، لم يجمعك بهم حسب ولا نسب، ولم تجمعك بهم قربى؛ بل لم ترهم عينك من قبل قط، ولكن ترى وجهه فتعلم أنه يشهد أن لا إله إلا الله؛ فتحبه وتسلِّم عليه، وتهنيه برحمة الله عليك وعليه! يا أحبتي في الله أيام مِنى أيام جمع للمسلمين، لا يليق بالمسلم وهو يسير أمام إخوانه إلا ومفشيًا للسلام ومحسنًا لهم بالإجلال والإكرام، إذا ضاعت أخوة الإسلام أيام منى، وأنت مع إخوانك الطيبين المباركين، الذين أصابهم الله برحمته، فأين توجد أخوة الإسلام؟!! لذلك أحبتي في الله إنها الأيام الطيبات، أيام تتلذذ فيها الأسماع بالتكبير والتحميد، أين المكبرون؟ أين الحامدون؟ أين المهللون؟ أين الذاكرون؟ لقد كان الحج منذ أعوام يسيرة، كنا إذا مضينا إلى الجمرات - والله ثم والله - لا يفتر سمعك عن ذكر الله! الله أكبر ترتج بها أسواق منى! وترتج منها خيام منى! فأين تلك الصفوة المباركة؟! ما بالنا قد نسينا شرعنا؟! ما بالنا نظرنا إلى هذا الحج وكأنه طقوس لا معنى لها؟! لذلك - أحبتي في الله - حق لمن وقف بها، وحق لمن نزل إليها أن يرفع لسانه بالتكبير إعظامًا للعلي الكبير، وشكرًا للعزيز الغفور بذلك.



أحبتي في الله، وبعد ذلك.. وما بعد ذلك؟ يصير العبد إلى آخر مرحلة من حجه، وهي طواف الوداع وهي اللحظة الأخيرة التي يودع فيها الإنسان بيت الله الحرام، يودع فيها دار السلام، يطوف بذلك البيت؛ لكي يكون آخر عهده بالبيت طوافًا، ولطواف الوداع حلاوة، ولطواف الوداع لذة وطلاوة، طواف الوداع يذكِّرك بفضل هذه المنازل، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث عائشة - رضي الله عنها وأرضاها - أنها قالت: "كان الناس يصدرون من فجاج مِنًى وعرفات". كان الناس يصدرون؛ يعني يخرجون إلى ديارهم، ويرجعون إلى أمصارهم من فجاج منى وعرفات، فأُمروا أن يجعلوا آخر عهدهم بالبيت طوافًا، فإذا طاف الإنسان طواف الوداع، طافت به أشجان وأحزان؛ لأن العبد الصالح، من أقسى ما يؤلمه، وأشد ما يجده في دينه، مفارقةُ الطاعة والعبادة، ولذلك كان بعض السلف إذا كانت آخر ليلة من رمضان جلس يبكي، ويقول: ألا ليت شعري مَن هو المحروم فنعزيه! ألا ليت شعري من هوالمقبول فنهنيه!

فالإنسان إذا قضى عبادته وانتهى من حجه، فإنه لا يدري أقَبِل الله حجته أم لم يقبلها؟! وإن كان الظن بالله حسنًا، فوالله لو عاملَنا الله بما نحن أهله، ما طمعنا في شيء؛ ولكن هو رحمته وهو حلمه، ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم -: ((لن يدخل أحدٌ منكم الجنةَ بعمله!)) قالوا: "ولا أنت يا رسول؟!"، قال: ((ولا أنا؛ إلا أن يتغمدني الله برحمته!)). فما هذه العبادة التي قمت بها؟ وما هذا الموقف الذي وقفته؟ وما هذه الجمرات التي رميت؟ وما هذه الليالي التي بت في جنب نِعَم الله، وفي جنب مِنَن الله، وفي جنب فضائل الله وإحسان الله بي؟، فتأتي تلك الساعة وهو يحتقر العبادة.



إياك ثم إياك أن يأتي عليك ذلك الطوافُ وأنت تدلي على الله بالعمل، إياك ثم إياك أن تحس من النفس غرورها، أو يلتهب في النفس شرورها؛ فتقول: أنت العبد الصالح، ها قد أديت فريضة الله، ها قد فعلت، وها قد فعلت؛ لا، إنها ساعة الفراق التي يمتلئ فيها القلب ذلة لله - عز وجل - وطمعًا أن يتقبل عمله، ولذلك لما حضرت الوفاة عبدالله بن عمر - كان عبدالله بن عمر صحابيًّا جليلاً، حتى ورد في بعض كتب السير كما في "الحلية" وغيرها

أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بشَّره بالجنة من صلاحه - رضي الله عنه وأرضاه - وكان إذا رأى عبدًا يصلي ويكثر الصلاة أعتقه لوجه الله، قالوا له: إنهم يخدعونك بكثرة الصلاة! قال: من خدعنا لله انخدعنا له - هذا الصحابي الجليل حضرته الوفاةُ، فجلس يبكي، فجاءه ابنه سالم وقال: يا أبتاه ألمْ تكن كذا وكذا وكذا، يذكره بما كان عليه من صحبة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأكثر عليه بذكر الفضائل التي فضله الله - عز وجل – بها، حتى أكثر عليه، فقال - رضي الله عنه -: أجلسوني! ثم قال: يا بني أتدري ممن يتقبل الله؟! {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: 27]. ما عدَّ نفسه شيئًا! إنما يتقبل الله من المتقين، إذا كان هذا عبدالله بن عمر، فكيف نطمع نحن بحسناتنا وصالح أقوالنا وأفعالنا؟! وما يدري العبد لعل ذنبًا أصابه أوجب عليه سخطًا لا رضا بعده! ولعل كبيرة أصابها، ولعل عبدًا من عباد الله ظلمه بمظلمة لم يُقبِل الله - عز وجل - عليه بعدها، والأمور مردها إلى الله - عز وجل - {إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [المائدة: 105] ما أحد يدري هل قَبِل الله العبادة أم لم يقبلها؟! لذلك فإن الإنسان في هذه اللحظات يوصَى باحتقار العمل، ولذلك قال العلماء: إن احتقار العمل من مظانِّ القبول، إذا جاءت هذه اللحظة وصدرت عن البيت، وكلُّك شوق ورحمة وحنين أن يرحمك الله؛ بقبول الحجة، وناديه وناجيه وقل: يارب اقبَل حجتي، واغفر ذنبي، وضعْ عني إصري، ادعه دعاء المضطر، ادعه دعاء المستغيث المستجير به - جل شأنه - حتى إذا انتهيت من ذلك فاجعل في نفسك طمعًا عند الله ألاَّ يجعله آخر العهد ببيته.



ذكر الحافظ ابن حجر - رحمه الله - عن بعض السلف أنه وقف بالمزدلفة بالمشعر، وقال: والله الذي لا إله إلا هو لي ثلاثون عامًا أسأل الله ألا يجعله آخر العهد بهذا الموضع، وقد استجاب الله دعوتي، وإني لأستحيي أن أسأله هذا العام، فرجع فقبضه الله، عز وجل. ولذلك مَن طمع في أن الله - عز وجل - لا يجعلها آخر حجة، فإن الله كريم قد لا يخيبه في طمعه، فاجعل في نفسك حنيًا ألا يجعلها آخر العهد ببيته، وألا يجعلها آخر العهد بطاعته، حتى إذا رجعت إلى الديار وأقبلت على الأمصار، عندها تذكر ما بينك وبين الله من العهود، تذكر ما بينك وبين الله من المواثيق، وقل بلسان الحال والمقال: توبة نصوح، لا ذنب بعدها إن شاء الله.

قال بعض العلماء: من علامة قبول الحج أن يكون العبد بعد الحج أصلح منه حالاً قبل الحج.



يا عبد الله إذا لبيت لله فاعلم أنك قد عاهدت الله على توحيده، فإياك أن ترجع - والعياذ بالله - بالله مشركًا، إياك بعد أن ناديته وتشرفت بالوقوف بين يديه وناجيته، أن تستغيث بأحدٍ سواه، أوتستجير بمن عداه، فقد وجدته حليمًا رحيمًا، ووجدته جوادًا كريمًا، فإلى أين تصد إلى؟! أين تعرض؟! فلذلك اجعله عهدًا بينك وبين الله: ألا معاذ ولا ملاذ ولا منجا ولا ملجأ من الله إلا إلى الله، اجعله عهدًا مؤكدًا، واجعله عهدًا موثقًا أن تكون على استدامة وطاعة واستقامة إلى لقاء الله تبارك وتعالى، إذا كنت بالمعاصي مبتلى؛ فخذها طريقًا إلى التوبة النصوح، خذها حجة تمنعك وتحجبك عن معاصي الله عز وجل؛ فقد حللت به ضيفًا، وضيف الله يستحيي من الله، فبعد أن أقدمك الله إلى هذه الديار، وتشرفت بذكر العظيم القهار، عندها ترجع عبدًا صالحًا تقيًّا ورعًا.



اللهم إنا نسألك أن تيسر لحجاج بيتك الحرام حجهم، اللهم يسر لهم حجهم، اللهم ارحم ضعفهم، اللهم ارحم غربتهم، اللهم ارحم فقرهم، اللهم ردهم إلى ديارهم سالمين غانمين رابحين، اللهم ردهم إلى ديارهم مردًّا جميلاً، اللهم ردهم إلى ديارهم مردًّا جميلاً، وهب لهم عملاً صالحًا مباركًا جليلاً برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى أن تؤمِّنهم في حجهم بأمنك، اللهم أمنهم في حجهم بأمنك، اللهم أمنهم في حجهم بأمنك، اللهم الطف بهم حضرًا وسفرًا، اللهم الطف بهم حضرًا وسفرًا، اللهم ادفع عنهم الوباء وأزل عنهم الشعث والعناء، اللهم أزل عنهم الوباء واجعلهم في صحة وعافية وبلغهم رضوانك يارب العلمين.

اللهم اغفر لنا ولآبائنا وأمهاتنا ولمن له حق علينا، ولجميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

انتهت المحاضرة.



والآن إلى الأسئلة،


الأسئلة



السؤال الأول:

س: ما حُكْم مَن حضر عرفة وجمرة العقبة، ثم سافر إلى بلده دون أن يؤدي باقي المناسك؟

الجواب: بسم الله، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه..أما بعد:

فاعلموا - رحمكم الله - أن المقصود من الحج أن يحقق الإنسان طاعة الله - عز وجل - ويترسم هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - بفعل المناسك على الوجه الذي يرضي الله، ومن ثَمَّ فإنه من الخطأ كل الخطأ التساهلُ في المناسك، والنظر إلى وجود جبرانها، ولذلك كان من الخطأ تركُ المبيت ورمي الجمار، فمَن فعل هذا فعليه دم؛ لتركه المبيت.

وهل ذلك لكل ليلة بحسبها؟ أم أن جميع الليالي تعتبر ليلة واحدة؟ وجهان للعلماء.



أما الأمر الثاني (رمي الجمار) فعليه دم أيضًا على ترك رمي الجمرة، لأن رمي الجمار في باقي أيام التشريق التي تلي يوم العيد واجبٌ ما عدا يوم النفر، الذي يُخيَّر الإنسان فيه بين التعجل والتأخر، وبِناءً على ذلك، فإنه يلزمه دم.

وهنا مسألة أحب أن أنبه عليها: بعض الناس يفعل المحظورات، فيقال له لا شيء عليك إلا أن تذبح دمًا.

لا، مَن ترك واجبًا من واجبات الحج عليه أمران؛ أحدهما: التوبة والندم والاستغفار، وهذا أمرٌ مهم جدًّا يُغفل كثيرًا في الفتاوى، أولاً الندم والاستغفار؛ لأنه ترك أمرًا أوجب الله عليه فِعْله، أما الأمر الثاني: ضمان ذلك الحق، وذلك بالدم الذي يسمى دم الجبران. فليس كون وجود الدم يعفي الإنسان من وصول الإثم عليه، ينبغي على الإنسان أن يتوب إلى الله، وأن يستغفر الله، وإذا قصَّر في واجب من واجبات الحج دون أي عذر، عليه أن ينيب إلى الله وأن يستغفر الله؛ لأنه نوع استخفاف بشعيرة من شعائر الله، والله – تعالى - أعلم.



س: هل يتكرر على الحاج الدم مع تكرر مُوجِبه ممن ترك واجبًا أو غيره؟

جواب: هذه المسألة فيها تفصيل: إذا كان الواجب أو المحظور، إذا ترك الإنسان شيئًا متحدًا من جنس واحد؛ مثلاً في محظورات الإحرام لو تطيب فإنه لا يخلو إما أن يكرر هذا الموجب مع اتحاد الجنس، أو يتعدد الموجب، فقولك وجوب الدم إذا ارتكب الإنسان محظورًا من جنس واحد وكرره، وجبت عليه فدية واحدة، مثلاً تطيب أربع مرات، تطيب المرة الأولى الساعة الثانية، المرة الثانية الساعة الثالثة، المرة الرابعة الساعة الخامسة، فإذا كان ما افتدى عن الطيب الأول؛ يفتدي بفدية واحدة عن الأربع؛ لأنها من جنس واحد، كما لوجامع في نهار رمضان أكثر من مرة في يوم واحد، فإن عليه كفارة واحدة، هذا بالنسبة إذا كان قد اتحد الموجب. وأما إذا كان اختلف النوع، ومن أمثلة ذلك: أن يكون مثلاً أصاب طيبًا وحَلَق شعرًا، وقلَّم أظفاره، فللشَّعر فدية، وللطيب فدية، ولتقليم الأظفار فدية؛ لأن كل نوع منها مستقل، أما إذا اتحدت الأسباب، وكانت من جنس واحد؛ فإنه ولو تعددت، فإنه تجب فدية واحدة، ويجب أيضًا دم واحد، والله – تعالى - أعلم.



س: سائل يقول أنا مِن سكان جدة، وذهبت للعمل في مكة يوم السابع من ذي الحجة، وفي صبيحة يوم عرفة أحرمتُ من مِنى بنية حج مفرد، فهل يصح ذلك؟

جواب: هذا فيه تفصيل؛ إذا كان الشخص قد خرج من جدة للعمل في مكة في أيام الحج، فلا يخلو حال خروجه من حالتين: إما أن يخرج وفي نيته أن يحج ذلك العام، فحينئذ يجب عليه أن يُحرِم من جدة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((فمن كان دون ذلك فإحرامه من حيث أنشأ))، فهذا أنشأ الحج من هذا الموضع؛ فوجب عليه الدم في هذا الموضع. وأما إذا كان قد خرج من جدة وهو على إحدى حالتين: الحالة الأولى أن يقول لا أريد أن أحج، وليس في نيته الحج. الحالة الثانية: متشكك كأن يكون لا يدري هل يسمح له أو لا يسمح؟ ففي هاتين الحالتين يجوز له الدخول، فإذا عقد العزم أحرم من موضعه الذي عزم فيه، ولا دم عليه. والله – تعالى - أعلم.



س: سائل يقول: هل للشيخ أن يخبرنا أو ينبئنا عن مواضع التكبير والتلبية والدعاء في الحج؟

جواب: أما بالنسبة للتلبية: فإنه يُسنُّ الإكثار منها ولذلك ورد في حديث ابن ماجه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما من مسلم يضحى لله – الضحى: أول النهار - ما من مسلم يضحى لله يلبي فتغيب عليه الشمس، إلا غابت بذنوبه؛ فرجع كيوم ولدته أمه))، يعني إذا استدام التلبية، وورد عنه - عليه الصلاة والسلام - أيضًا في حديث ابن ماجه أنه قال: ((ما من مسلم يلبي إلا لبى ما عن يمينه ويساره من حجر وشجر ومدر حتى تنقطع الأرض))، فكل شيء يحب ذكر الله - عز وجل - من الجمادات وغيرها من مخلوقات الله عز وجل، ولكن ما أقسى الثقلين! فلذلك يُسنُّ للإنسان أن يكثر التلبية على كل حال، أن يستديمها وأن يكثر منها وهي ذكر مشروع، والسنة أن يرفع صوته بها ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم -: ((الحج: العج والثج))، العج: رفع الصوت، وذلك بالتلبية والنسك، وأما الثج فهونحر الأضاحي، فهونحر الهدي، وذلك لمن كان متمتعًا أوقارنًا. فالمقصود أن الإنسان ينبغي أن يكثر من التلبية.



وأما التهليل والتكبير: فهو واسع للحاج؛ يجوز له أن يهلل يوم عرفة، كما ثبت في الصحيح من حديث أنس - رضي الله عنه وأرضاه - أنه قال: "غدونا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى عرفة فمِنَّا الملبي، ومنا المهلِّل، ومنا المكبِّر" فدل هذا على أنه يُسن أن يذكر بالتلبية، وأن يذكر بالتهليل، وأن يذكر بالتكبير، والله أعلم.

لكن بالنسبة للتكبير يكبر عند رمي الجمار، ويكبر مع كل حصاة؛ لأنها سُنة النبي - صلى الله عليه وسلم - ويكبِّر أيام مِنى، وذلك إحياء لذكر الله في ذلك الموضع المبارك، كما أمر الله – تعالى - بذلك في قوله:{وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 203]، فينبغي للحاج أن يشتغل بالذكر والتكبير في هذه الأيام، وهذه سُنة - كما قلنا - أضاعها والله كثيرٌ!


إذا مضيت في شوارع مِنى وفي أسواقها فارفع صوتك؛ فما جُعلت مِنى إلا لهذا الصوت، ما جعلت إلا لأجل هذا التكبير، تكبر الله، تحمد الله، تهلل الله، تجل الله - عز وجل - حق إجلاله، والله – تعالى - أعلم.



س: رجل يريد أن يحج من جدة؛ ولكنه قبل الحج يريد الذهاب إلى أبها؛ لزيارة بعض الأقارب في شهر ذي الحجة، ويعود إلى جدة ليحرم منها، هل هذا يصح، علمًا بأنه قد ارتبط مع جماعة للحج مِن هنا؛ فعليه أن يعود إلى جدة؟

جواب: مَن خرج إلى أبها، أو خرج إلى موضع غير جدة قاصدًا زيارة أو رحمًا أو غير ذلك، ثم قدم وفي نيته الحج؛ فإنه يجب عليه أن يحرم من ميقات يلملم، لماذا؟ لأنه يمر بالميقات ناويًا الحج بذلك السفر، صحيح أنه سيمر بجدة؛ ولكنه يمرها متوقفًا، وهذا السفر إلى جدة ليس أصالةً، والمقصود أصالة أن ينزع منها إلى مكة؛ فلذلك يجب عليه أن يحرم من ميقات أهل أبها، وذلك لما ثبت في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في المواقيت: ((هن لهن، ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة)). صحيح أنك من أهل جدة؛ ولكن لما مررت بميقات أبها وما جاورها وهو يلملم؛ فإنك أخذت حُكْم أهلها، والله – تعالى - أعلم.



س: سائل يقول: هل يجوز أن آتي بعمرة التمتع يوم الثامن من ذي الحجة؟

جواب: نعم، يجوز للإنسان أن يأتي بالعمرة في اليوم الثامن من ذي الحجة، وبعد ذلك يتحلَّل، ولو بتقصير شعره، فإن نزع ولبسَ ثيابه، يعود مرة ثانية ويلبس إزاره وردائه، ويمضي إلى مِنى؛ وإلا مضى إلى عرفات إن تأخر إلى يوم عرفة، والله – تعالى - أعلم.

س: رجل له بيت في مكة وبيت في جدة، وعمله في جدة، يمكث في جدة مع أهله أربعة أيام، وبقية أيام الأسبوع يقضيها في مكة أيضًا مع أهله، حيث يذهب بهم من جدة إلى مكة، فمن أين يُحرِم؟!

جواب: هذه المسألة يعتبرها العلماء - رحمهم الله - مسألة المكي الذي يأخذ حُكْم الأفاقي من وجه؛ يعني يُعَدُّ صاحب منزلين، يعد أفاقيًّا من وجه، ويعد مكيًّا من وجه آخر، ومثلوا لها بصاحب التجارة، بصاحب مزرعة، أو يكون له بيت مَثَلاً في غير مكة؛ كالمدينة مثلاً، يكون له بيت في المدينة وبيت في مكة؛ فيعطى حُكْم أهل مكة إن كان بمكة، ويعطى حُكْم أهل المدينة إن كان بالمدينة، ولذلك نقول: إذا أنشأتَ نية الحج، فإن كنتَ في جدة أخذت حكم أهل جدة، وإن كنتَ في مكة أحرمت من مكة، وأخذت حُكْم أهلها، فينظر إلى الحالة التي عقدتَ العزم فيها على الحج، فيجب عليك الإحرام من موضعك، والله – تعالى - أعلم.



س: سؤال يتكرر مثله كثيرًا، يقول: أريد أن أحج متمتعًا، هل تكفيني العمرة التي فعلتُها في رمضان؟

جواب: بالنسبة للمُتَمَتِّع لا يعد الإنسان متمتعًا إلا إذا أوقع العمرة في أشهر الحج، وأشهر الحج: شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة، وتوضيح ذلك أنك إذا أحرمتَ بالعمرة في رمضان، وتحللتَ منها في رمضان، ثم حججت في عامك ذلك دون أن تقرن مع حجك عمرة؛ فأنت مُفْرِد، ولست بمتمتع، هذا إذا وقعت العمرة بكاملها في رمضان، ولذلك أقول مَن أحرم في رمضان لا يخلو من حالتين:

الحالة الأولى: أن يوقع العمرة بكاملها في رمضان، وحكمه أنه مُفرِد، كما قلنا.

الحالة الثانية: أن يوقع بعض العمرة في رمضان وبعضها في شوال، مثال ذلك: شخص قبل غروب شمس آخر يوم في رمضان لبَّى بالعمرة ونوى، ولم يطُفْ ولم يسعَ؛ إلا صبيحة يوم العيد أو ليلة العيد؛ فهذه مسألة خلافية عند العلماء - رحمهم الله - فمذهب طائفة من العلماء أن العبرة بالإحرام بالنية، قالوا: إذا أتى الميقات، ونوى قبل غروب شمس آخر يوم؛ فهو مفرد، وإن نوى بعد غروب شمس ذلك اليوم؛ فهو متمتع، وهذا مذهب طائفة، ومنهم الظاهرية.

القول الثاني يقول: العبرة بدخوله لمكة، وهو مذهب بعض السلف، ومنهم عطاء، فإن دخلها قبل غروب الشمس؛ كان مفردًا، وإن دخلها بعد الغروب كان متمتعًا.

والقول الثالث: العبرة بطوافه، فإن كان قد ابتدأ الطواف قبل غروب الشمس؛ فهو مفرد، وإن ابتدأ الطواف بعد غروب الشمس؛ فهو متمتع.

والقول الأخير قول الحنفية: أن العبرة بأكثر الطواف، وقول المالكية: أن العبرة بالتحلل، وهذه قرابة خمسة أقوال في المسألة، أصحها - والعلم عند الله - أن العبرة ببداية الطواف، فإن ابتدأت الطواف في ليلة العيد، بعد مغيب شمس آخر يوم من أيام رمضان؛ فأنت متمتع، وإن كان قد وقع بداية طوافك قبل الغروب؛ فأنت مفرد، والله – تعالى - أعلم.



س: [وماذا عليه] إذا خرج من مكة بعد العمرة؟

[فالجواب]: إذا خرج من مكة، بالنسبة للمتمتع يشترط فيه ألا يرجع إلى بلده بعد العمرة؛ لأن حقيقة التمتع أن يجمع بين النسكين في سفر واحد، فإذا كان رجع وسافر للعمرة بسفر مستقل، وللحج بسفر مستقل؛ فما تمتع؛ هذا يُعدُّ مفرِدًا. ومن هنا أهل جده لو نزلوا للعمرة، ثم رجعوا بعد العمرة وأقاموا بجدة، ثم حجوا من عامهم؛ فهم مفردون لا متمتعون، ولا دم عليهم، والله – تعالى - أعلم.



س: سائل يقول: هل أوتر الرسول - صلى الله عليه وسلم - ليلة مزدلفة؟

جواب: هذه المسألة للعلماء فيها وجهان: بعضهم يقول: إنه لم ينقل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أوتر ليلة العيد، وهي ليلة النحر؛ فلذلك نقول بأنه لا يُسَنُّ فعل الوتر ليلة العيد، وقالوا إنه ما دام قد سكت النقل؛ فإن هذا يدل على أنه لا يسن فعل الوتر. وطائفة من العلماء، وهم الجمهور، على أنه يسن للإنسان أن يوتر ليلة العيد؛ وذلك لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أوتروا يا أهل القرآن))، ولم يقل إلا ليلة النحر، وقد قال - عليه الصلاة والسلام -: ((أوتروا قبل أن تصبحوا))، وقال: ((صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الفجر؛ فليوتر بواحدة))، ولم يقل إلا ليلة النحر، قالوا: فهذه نصوص تأمر بالوتر، وتحث عليه؛ كما في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: ((إن الله أمركم بصلاة، هي خير لكم من حمر النَّعم، وهي الوتر))، فلذلك قالوا: هذه النصوص ليس فيها تخصيص، وسكوت الصحابي عن الرواية لا يدل على الإسقاط؛ إذ قد يكون الصحابي سكت عنه للعلم به، وعدم اطلاع الصحابي لا يدل على النفي أيضًا، ثم أكدوا ذلك بأمرٍ ثانٍ، قالوا: لو أن إنسانًا قال: لا يشرع للإنسان أن يصلي رغيبة الفجر صبيحة يوم العيد، هل يكون مصيبًا أم مخطئًا؟ قالوا لا؛ نقول في الوتر فقط، قالوا: إنه لم ينقل لنا في رغيبة الفجر أنه صلاها أيضًا صبيحة العيد.

فالذي يظهر - والعلم عند الله - أن يأخذ الإنسان بالأحوط، وإن أخذ بالقول الثاني، فلا حرج عليه، والأمر على السعة؛ مَن ترك يتأول السُّنة كُتِب له الأجر، ومَن فعل يتأول السُّنة كُتِب له الأجر، والله – تعالى - أعلم.



س: سؤال يتكرر كثيرًا، يقول: هل يجوز للحاج رجلاً أو امرأة أن يمشط شعره؟

وإن تساقط شعر من رأسه، فهل عليه دم؟

جواب: يجوز للإنسان أن يمشط شعره؛ لكن على سبيل لا يوجب سقوط الشعر، ومن العلماء مَن منع ذلك؛ لأنه عدَّه نوع ترفُّهٍ، وليس هناك نص يدل على المنع؛ ولكن الأَوْلى والأسلم أن يحتاط الإنسان ولا يمشطه؛ لأنه نوع من الترفه، فلو تركه كان أولى؛ لكن الحُكْم بحرمة ذلك وتحريمه يحتاج إلى دليل، وقالوا إنه ليس هناك دليل يدل على منعه من ذلك، والأصل الإباحة، والله – تعالى - أعلم.



س: سائل يقول: هل يجوز لي القصر في الصلاة في مِنى، حيث إنني لا أريد الحج؛ ولكن جئت للبيع والشراء، وأيضًا في صلاة الجمعة هل أصليها قصرًا، وهل السنن واجبة؟

جواب: أما بالنسبة للقصر للصلاة في منى ففيه تفصيل: إن كنت من أهل السفر؛ كأن تكون قدمت مثلاً من المدينة للتجارة في الحج؛ تقصر، ولا يشترط أن تكون من الحجاج؛ فالقصر رخصة للمسافر مطلقًا، وأما بالنسبة لقولك صلاة الجمعة هل أصليها قصرًا؟ لا أعرف جمعة تقصر! الجمعة ركعتان، هذا مذهب جديد، تصلي ركعة واحدة!! ما نحفظ هذا القصر!

على العموم تصلي الجمعة، إن صليت مع المجمعين فأنت مجمع إن كنت مسافرًا، وإن كنت غير مسافر تصلي الجمعة بناء على الأصل، والله – تعالى - أعلم.



س: سائل يقول: هل يجوز أن يخرج الحاج من مِنى قبل الظهر، ويطوف طواف الوداع، ثم يعود إلى منى ويرمي، ثم يخرج إلى بلده؟

جواب: بسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه.. أما بعد؛

فإن السُّنة المطلوبة التي أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها بطواف الوداع، أن يكون آخر عهدك بالبيت طوافًا، فإذا طاف الإنسان طواف الوداع، ورجع إلى منى؛ لم يكن آخر عهده بالبيت طوافًا، ومِن ثَمَّ فإن الإنسان ينبغي له أن يؤخر الطواف إلى ما بعد الرمي، وهذا قد يرخص فيه بعض من المتأخرين؛ ولكن لا أحفظ دليلاً يدل عليه، فالظاهر حديث عائشة في الصحيح وغيره، أنها قالت: "كان الناس يصدرون من فجاج مِنى وعرفات، فأُمروا أن يجعلوا آخر عهدهم بالبيت طوافًا" يدل على تعين المسير إلى البيت، ولو أنه بقى في رميه للجمار، والله - تعالى - أعلم.



س: سائل يقول: هل يصح لأهل جدة أن يؤخروا طواف الوداع إلى بعد النزول من الحج بيوم أويومين؟ حيث يقول: إنني سمعت بعض العلماء يقول: يصح لأهل جدة أن يؤخروا طواف الوداع؛ أي قبل نهاية شهر ذي الحجة؟

جواب: طواف الوداع يُشَرَع للحاج إذا صَدَرَ عن البيت، فلو صَدَرَ بعد اليوم واليومين - كما ورد في السؤال - فلا حرج عليه، سواء كان من أهل جدة أو من غيرهم؛ بل لو أنه تأخر صدوره إلى آخر شهر ذي الحجة؛ فإنه يطوف طواف الوداع عند صدوره، والله – تعالى - أعلم.



س: هل يصح لأهل جدة أن يؤخروا طواف الوداع إلى بعد النزول من الحج - يقصد النزول إلى جدة - بيوم أويومين؟.

[فالجواب]: نقول فيه تفصيل؛ إن كان نزولهم إلى مكة، يبقون حتى يعقدوا العزم على الذهاب إلى بلدهم وهو جدة، فيطوف إذا صدر. وأما إذا كان نزولهم إلى جدة، ورجوعهم بعد ذلك إلى مكة لطواف الوداع، فهذا محل نظر؛ لأن النص عام شامل لمن جاور البيت، ومن كان بعيدًا عن البيت، وتخصيصُه بالاجتهاد محلُّ نظر، ولذلك الذي يظهر من ظاهر النص أنه يطوف عند صدره من حجه، وانتهائه من حجه، لا يؤخر ذلك إلى نزلة أخرى أو ذهاب آخر، والله – تعالى - أعلم.



س: ما معنى كلمة التشريق المذكورة في أيام التشريق؟

جواب: هذا من تشريق اللحم، لكن الثلاجات أضاعت التشريق، كانوا يشرقون اللحم؛ يقطعونه ويعرضونه على الشمس.

س: سائل يقول: إنني رجل عليَّ ديون كثيرة لا أستطيع سدادها، حيث إنني أملك سيارة كبيرة، وأرغب في الحج، والعمل في السيارة، فهل يصح لي الحج وأنا مديون؟

جواب: أما بالنسبة للشخص المديون فإن الأصل فيه أن يقضي دَيْنه، ولا يجب الحج على المديون، حتى يؤدي دينه؛ لأنه مطالب بقضاء حقوق عباد الله، وبعد أداء الحقوق يتوجه إليه الخطاب بالحج، فإذا كانت عليه ديون، فإنه غير مستطيع للحج، فلا يجب عليك الحج؛ لكن لو استئذنت صاحب الدين، فأَذِنَ لك، فحججت، صحَّ حجُّك وأجزأك، ولا حرج عليك؛ لأنك استأذنت، وأما إذا كان الإنسان لم يستأذن، فإن حجه أيضًا صحيح، ومسألتك التي ذكرتها من كونك ذاهبًا إلى مكة من أجل التجارة فيها، وجه للترخيص؛ لأن ذهابك من أجل التجارة معونةٌ على قضاء الدَّيْن، وليس المقصود الحج بأصله، فلذلك لما كان ذهابك متعينًا، وأردت أن تصيب الأمرين: الحج والحاجة، فلا حرج عليك، وقد ورد الشرع بالإذن في ذلك قال – تعالى -: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: 198]، ولذلك ورد في الحديث: أنها نزلت في قوم يحجون بنية التجارة؛ أي يجمعون بين نية الحج والتجارة، على أن الحج أصل، والتجارة تبع، والله – تعالى - أعلم.



السؤال الرابع عشر:

س: هل غطاء الرأس بالنسبة للمرأة يكون عليها طول الوقت؛ حتى في الخيمة، وهي بعيدة عن الرجال؟ وإذا أزالت الغطاء هل يفسد الإحرام؟

جواب: المرأة يشرع لها أن تغطي رأسها إذا رأتِ الأجانب، أو كان هناك أجانب، أو كانت بين الأجانب؛ لحديث أسماء الصحيح - رضي الله عنها وأرضاها - أنها قالت: "فإذا مر بنا الرَّكْب سدلتْ إحدانا خمارها"، فدل هذا على مشروعية سدل المرأة لخمارها عند مرور الرجال الأجانب، وأما إذا كانت بين محارمها، أوكانت في خيمتها، أوكانت بمعزل عن رؤية غير محارمها لها؛ فإنه يجب عليها كشف وجهها؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرها بذلك ضمنًا؛ كما في حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - في "صحيح البخاري" أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا تنتقب المرأة، ولا تلبس القفازين))، فنهاها عن سترها لوجهها، وأما بالنسبة لقولك: هل تكشف؟ نعم، القاعدة تقول: إن ما أبيح للحاجة يقدر بقدرها، فهي في الأصل يمنع عليها السدل؛ لكن لمكان الحاجة، شُرِع لها السدل، والقاعدة أن ما شُرِع لحاجة يبطل بزوالها. فإذا لم يوجد الأجانب، فإنه قد زالت الحاجة، فيجب عليها الرجوع إلى الأصل، والله – تعالى - أعلم.



س: كأنها يا شيخ تقصد غطاء الرأس.

جواب: الشَّعر ما فيه حرج.. الشعر لا حرج عليها في تغطيته.. المرأة تغطي شعرها وجوبًا إذا كانت بين الرجال الأجانب، وأما بالنسبة لمحارمها فإنه يجوز لهم النظر إلى شعرها؛ ولكن كَرِهَ علماء من السلف ذلك، وقال: أخشى على محرمها الفتنة، ولذلك من ناحية الأصل، لا يجب عليها كشف شعرها، شعر الرأس لا يجب كشفه في الإحرام، الإحرام للمرأة في الوجه والكفين، لحديث ابن عمر الذي سبقت الإشارة إليه، وأما الرأس فإنها تغطيه، وهذا مما يختلف في الرجل والمرأة، والله – تعالى - أعلم.

س: سائل يقول: مَن كانت له أضحية فهربت يوم العيد أو ماتت، هل يجب عليه أن يشتري أخرى أم هذا يكفي ويجزئ؟ وهلاَّ حدثتنا عن الأضحية؟

جواب: إذا كانت الأضحية تلفت أو ماتت أو فرَّت، ولم يستطع الإنسان إليها سبيلاً، فإنه في هذه الحالة لا يخلو من حالتين: إما أن يستطيع شراء غيرها، وإما لا، فإن كان لا يستطيع فهو عفو، وسقط عنه ذلك، وأما إذا كان يستطيع فإنه يضحي بغيرها، وعظم الله أجره فيما فَقَدَ.

وأما بالنسبة للأضحية، الشاة تذبح يوم الأضحى، وقيل سميت بذلك لأنه يُسنُّ ذبحها في أضحى يوم العيد، لأن بداية الذبح تكون في أضحى يوم العيد، هي سُنة عن النبي المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وينبغي للمسلم أن يراعي فيها أمورًا:

أولاً: لا تصح الأضحية إلا من بهيمة الأنعام، وهي: الإبل والبقر والغنم، سواء كانت الإبل عرابًا أو بختية، وسواء كانت الغنم من الماعز، أوكانت من الضأن، فهذه الأصناف هي التي يجوز التضحية بها.

وأما بالنسبة للأمر الثاني، فينبغي أن تتوافر فيها الشروط المعتبرة؛ منها ما يرجع إلى السِّنِّ، فلا يجوز التضحية إلا بالثَّنِي من الماعز والإبل والبقر، أما بالنسبة للماعز فهو ما أتمَّ سَنةً، وأما بالنسبة للبقر فما أتم سنتين ودخل في الثالثة، وأما بالنسة للإبل فما أتم الرابعة ودخل في الخامسة، هذا بالنسبة للثني؛ لقوله - عليه الصلاة والسلام -: ((لا تذبحوا إلا مُسِنَّة))، فإذا أراد أن يضحي بالضأن، الذي يسمى بلغة العوام (الطلي)، هذا يجوز التضحية بالجذع منه، وهو ما أتم نصف العام ستة أشهر، وقال بعض العلماء: ما قارب السنة؛ ولكن هذا يختلف باختلاف المرعى وحال الشاة، فلذلك يضحي بالضأن إذا كان جذعًا؛ فإن الجذع يوفي مما يوفي منه الثني؛ لقوله - عليه الصلاة والسلام -: ((لا تذبحوا إلا مسنة؛ إلا أن يعسر عليكم، فتذبحوا جَذَعَة من الضأن))، فأجاز التضحية بالجذع من الضأن خاصة، دون غيره من بهيمة الأنعام.



أما بالنسبة للشرط الثالث: فإنه ينبغي براءتها وسلامتها من العيوب؛ فلا تجزئ العوراء البيِّن عورُها، ولا العرجاء البيِّن ظلعها، ولا الكبيرة التي لا مخ فيها، ولا الهزيلة، كل هذه الأصناف لا تجزئ في الأضحية؛ لقوله - عليه الصلاة والسلام -: ((أربع لا تجوز في الضحايا: العوراء البين عورها، والعرجاء البين ظلعها، والكبيرة التي لا تنقي، والمريضة البين مرضها))، فإذا كانت الشاة مريضة لمرعاها، أو لتخمة في مرعاها، أو غير ذلك، فإنه لا يضحي بها خشية تلفها.

أما بالنسبة للشرط الآخر، الذي ينبغي توافره، فهو شرط الوقت، فينبغي للإنسان ألا يضحي إلا بعد الصلاة، لقوله - عليه الصلاة والسلام -: ((مَن ذبح قبل الصلاة فليذبح أخرى مكانها، ومَن لم يذبح فليذبح باسم الله))، فدلَّ هذا على أن شرط الصحة أن تقع بعد الصلاة، فإذا ذبح قبل الصلاة فشاتُه شاةُ لحم، وأهل البادية إذا كانوا لا يصلُّون العيد لتفرقهم لمنازلهم، فإنهم يحسبون الوقت بقدر ما تصلى صلاة العيد، ثم يضحُّون بعد ذلك، وأما بالنسبة لأهل المدن والأمصار فإنهم يؤدُّون الصلاة، ويضحُّون بعد صلاة إمامهم، لأن الصحابة ربطوا بصلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - وينبغي للإنسان أن يبحث عن طيبها؛ فإن أعزها عند الله، وأعظمها أجرًا هو أغلاها ثمنًا، وأنفسها عند أهلها، ويجوز التضحية بالخصي منها إذا كان سمينًا طيبًا؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ضحَّى بكبشين أملحين أقرنين موجوءين؛ يعني خصيين، فدل هذا على أن الخصي لا يؤثر ولا يعدُّ عيبًا؛ لأنه قد يقال نقص في الخلقة، فالمقصود أن هذا مما ينبغي على الإنسان أن يفعله، فإذا ذبح فالسُّنة أن يلي ذبحها بنفسه، حتى يكون ذلك أبلغ في طاعتة لربه، وهو مأجور على ذلك، ويُفضَّل له أن يترك الأضحية في البيت إذا كان حاجًّا؛ حتى تبقى في نفوس الأبناء وتبقى الشعيرة باقية؛ لأنه هذا مقصود الشرع.



والتضحية في غير البلاد؛ كأن يدفع مالها إلى مكان آخر من البلدان يضحى فيه عنه، هذا شيء طيب؛ ولكن لعل الأَوْلى والأفضل أن يضحي في بلده؛ لأنه إذا ضحى في مكان آخر، خلا بيتُه عن هذه السُّنة، وخلوُّ بيوت المسلمين عن السُّنة يوم النحر فيه إضاعةٌ لشعيرة من شعائر الإسلام، لا ينبغي فعله ما أمكن.

وأما الأمر الأخير: ما الذي يفعله بالأضحية؟ قيل يقسمها أثلاثًا لقوله – تعالى -: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج: 36]، فقال: كلوا منها وأطعموا القانع - هذا الغني – والمعتر، السائل الذي يعتورك، فقالوا تقسم أثلاثًا، واحتجوا بقوله - عليه الصلاة والسلام -: ((كلوا وتصدقوا وادخروا أو واهدوا))، فدلَّ هذا على تقسيمها أثلاثًا واستحباب تقسيمها ثلثًا ثلثًا ثلثًا، ثلث له، وثلث لجيرانه وأهل مودته من الأغنياء، وثلث للفقراء والضعفة والمساكين.



ومِن العلماء مَن قال باستحباب تقسيمها قسمين، نصف له، ونصف لأهله؛ لقوله – تعالى -: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج: 28]، والذي يظهر أنه إذا ضحى أو أعطى الثلث للفقراء والمساكين أجزأ، وأن النصف ليس بمتعين، ويجوز له أن يدخر من لحوم الأضاحي، ولو إلى بعد أيام العيد؛ لما ثبت عنه - عليه الصلاة والسلام - أنه قال: ((كنت قد نهيتكم عن الادخار، فادخروا فادخروا)). والله – تعالى - أعلم.



س: هل يجوز الجمع بين طواف الإفاضة وطواف الوداع؟ وكيف تكون الصفة في ذلك؟

جواب: نعم، إذا أخر الحاج طواف الإفاضة، أوكانت المرأة عليها عذر، فلم تطُفْ طواف الإفاضة، وطهرت ثم أرادت أن تجمع بين طواف الوداع والإفاضة، جاز لها؛ لأن المقصود من طواف الوداع أن يكون آخر عهده بالبيت طوافًا، وهذا يتحقق بطواف الإفاضة، فينوي طواف الإفاضة أصلاً، وطواف الوداع اندراجًا، ينويه تحت طواف الإفاضة، فإذا نوى ذلك أجزأه، وسقط عنه طواف الوداع، والله – تعالى - أعلم.



س: سائل يقول: لو تحدثت يا شيخ عن العشر الأوائل من هذا الشهر، وعن فضلها والعمل فيها، وعن صيام يوم عرفة، وجزاكم الله خيرًا!

جواب: أما العشر الأوائل من ذي الحجة، فقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح أنه قال: ((ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله مِن عشر ذي الحجة))، قالوا: "ولا الجهاد في سبيل الله؟!"، قال: ((ولا الجهاد في سبيل الله؛ إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع بشيء من ذلك))، فدل هذا على فضل هذه الأيام المباركات، يغتنمها الإنسان في ذكر الله وطاعة الله، ويستكثر فيها من خصال الخير، وإن صامها فحسن صيامها، ولا حرج عليه في ذلك؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما من أيام العمل الصالح))، والعمل الصالح يشمل الصيام؛ بل إن الصيام من أفضل الأعمال الصالحة، وأحبها إلى الله - تبارك وتعالى - لما فيه من عبادة الصبر، ولما فيه أيضًا من كسر شهوة النفس، إلى غير ذلك من فضائله.



وأما أحكام هذه العشر، فيُسَنُّ فيها التكبير {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} [الحج: 28]، قالوا: هي عشر من ذي الحجة، وهو التكبير المطلق، يكبر الإنسان سواءً كان تكبيره شفعًا أو وترًا: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر ولله الحمد، وإن شفع فلا حرج عليه، يكبر ويحيي التكبير، وقد كان السلف الصالح يفعلون ذلك، كان عبدالله ابن عمر - رضي الله عنهما - يغدو إلى السوق وليس له حاجة في السوق، فيكبرُ، فيكبرُ أهلُ السوق بتكبيره، إحياءً لهذه السُّنة، فينبغي للإنسان أن يحرص على إحيائها، وأن يرفع صوته إحياءً لهذه الشعيرة؛ علَّ الله أن يرفعه، فما رفع عبدٌ شعيرةً إلا رفعه الله – عز وجل – بها، ومَن أحيا سُنةً أحياه الله؛ كما أحياها، فلذلك ينبغي إحياء هذه السُّنة، والحرص عليها، والدَّلالة عليها، وقد كان الناس إلى عهد قريب يُكثرون من ذكر الله في هذه العشر لفضلها، قال بعض العلماء في قوله – تعالى -: {وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [الفجر: 1 – 2]، قالوا: هي عشر من ذي الحجة؛ لأن الله أقسم بها للدَّلالة على فضلها وشرفها، وهذا يدل على فضلها.

أما أحكامها: فإن الإنسان إذا نوى الأضحية في عشر من ذي الحجة، فإنه لا يمس شعره، ولا يقلم ظفره؛ لقوله - عليه الصلاة والسلام -: ((إذا دخل العشر، وأراد أحدكم أن يضحي، فلا يمسن شيئًا من شعره)). والله – تعالى - أعلم.



س: ما المراد بالحج الأكبر الوارد في كتاب الله، ولماذا سمي بالحج؟

جواب: قيل: هو يوم عرفة، وقيل: يوم النحر، وقول بعض العلماء الأخير: إنه يوم النحر، وقالوا: إنه أكبر؛ لأنه يجتمع فيه طواف الإفاضة، وكذلك تجتمع فيه الشعائر؛ من رمي الجمار، وحلق الرأس، والتحلل. وأما يوم عرفة؛ فلأن عرفة هي الحج؛ ولكن القول الثاني قواه بعض العلماء؛ لاجتماع الفضائل التي لا توجد في غيره، والله – تعالى - أعلم.



وماذا عن صيام عرفة؟

أما صيام عرفة فقد سئل عنه مَن هو أفضل منا - صلوات الله وسلامه عليه – فقال: ((أحتسب عند الله أن يكفر السنة الماضية والباقية))، فصيام يوم عرفة مَسنونٌ، وله فضل؛ لكن لغير الحاج، أما الحاج فيُسنُّ له أن يفطر؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم – أفطر، وقد جاء بها حنيفية سمحة، لا حرج فيها ولا مشقة ولا عنت، فأفطر - صلوات الله وسلامه عليه - لأن الفطر يقوي على الذِّكْر، الذي هوالمقصود من يوم عرفة، والصيام منفك، فتُقدَّم العبادة المتصلة على العبادة المنفصلة، ولذلك لم يشرع للمقاتل - إذا كان في وجه العدو - أن يكون صائمًا؛ لأنه بالصيام يضعف عن البلاء المقصود من قتاله، فهكذا بالنسبة لمن وقف في يوم عرفة، فإن مقصوده ذِكْر الله، فينبغي أن يتقوى، وأن يأخذ بالأسباب التي تقويه على ذلك، والله – تعالى - أعلم.



وماذا عن موافقته ليوم الجمعة؟

أما بالنسبة لموافقته يوم الجمعة، فالذي يظهر، والذي يستحب للإنسان أن يصوم الخميس والجمعة، وأما السبت فيوم عيد ولا يصام، وقد اجتمع فيه النهي عنه على الانفراد، وكذلك أيضًا كونه يوم عيد، فلذلك يُسنُّ أن يصوم الإنسان الخميس والجمعة، والله – تعالى - أعلم.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. انتهى.




__________________
اُشهد اللهٌ إني اُحبكم فى الله
وأسال الله أن يرزقنا الإخلاص في القول و العمل
و أن يستعملنا في ما يحب و يرضى .. آمين .. آمين .. آمين





انى احبكم فى الله غير متواجد حالياً  
قديم 09-26-2015, 08:58 PM   #2
ابو نضال
عضو متألق
 
تاريخ التسجيل: Sep 2015
المشاركات: 2,255
معدل تقييم المستوى: 11
ابو نضال is on a distinguished road
افتراضي رد: دمعة في الحج د. محمد بن محمد الأمين المختار الشنقيطي



بسم الله الرحمن الرحيم



بارك الله بك على هذا الطرح القيم
كان موضوعك رائعا بمضمونه

لك مني احلى واجمل باقة ورد




وجزاك الله خيرا وغفر لك ولوالديك وللمسلمين جميعا



لا اله الا الله محمد رسول الله


ابو نضال غير متواجد حالياً  
إضافة رد

أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
المصحف المرتل للقارئ محمد يحي اليدالي الشنقيطي hasom المصاحف الكاملة 3 10-05-2012 10:37 PM
المصحف المرتل برواية قالون للقارئ الأمين محمد قنيوة برابط واحد مباشر مسلم التونسي مكتبة المصاحف الكامله بصيغه mp3 برابط واحد خاص بشبكة الكعبة الاسلامية 0 10-01-2012 04:19 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة للمسلمين بشرط الإشارة لشبكة الكعبة الإسلامية
جميع الحقوق محفوظة لـ شبكة الكعبة الإسلامية © 2018