تسجيل الدخول


العودة   منتديات الكعبة الإسلامية > القسم الشرعى > منتدى الفقه وأصوله

منتدى الفقه وأصوله الفقه و أصوله - الدراسات الفقهية - أحكام فقهية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 02-08-2014, 03:01 PM   #1
سمير المصرى

مؤسس شبكة الكعبة والمشرف العام

 
تاريخ التسجيل: Sep 2010
المشاركات: 4,570
معدل تقييم المستوى: 10
سمير المصرى is on a distinguished road
افتراضي فتنة التكفير وخطورتها ..أسباب ظهورها وحلول لمواجهتها ومنعها

فتنة التكفير وخطورتها
عبد السلام حمود غالب



الحمد لله رب العالمين، وصلاة وسلاما على أشرف الأنبياء والمرسلين.
فلخطورة هذا الموضوع، وما يتسرب إلى الأذهان حول هذا المنهج، ومساهمة منا لتوضيح بعض ما يمكن، وتسليط الضوء باختصار ونشره بين الناس للعلم، والفائدة، أعدت هذا البحث وجمعته من مصادره المذكورة، نهاية البحث باختصار وإضافة، وقد تم ذكر المواضيع التالية:
*خطورة هذا المسلك.
*مفهوم التكفير وما قيل عنه.
* أسباب ظهور هذه الفتنه قديما وحديثا.
* موانع التكفير التي ذكرها العلماء.
* خطورة هذه الفتنه على الفرد والمجتمع المسلم.
* التوصيات والنتائج.
المراجع.

خطورة هذا المسلك وما ذكره العلماء:
نسمع ونرى اليوم الكثير يتوسع ويطلق عنان التكفير للمخالف سواء في الفكر، أو المنهج، أو الجماعة، أو الحزب، لمجرد المخالفة فيصدر عليه الحكم بالكفر والردة، أو لارتكابه المعاصي الصغائر أو الكبائر فيرميه بالكفر وينصرف، ويجرده من الإسلام ويخرجه من دائرة الإسلام.
ولخطورة التكفير والولوج في هذا المسلك وهذا الطريق والتوسع فيها حذر منه الرسول -صلى الله عليه وسلم- وكذلك السلف الصالح وعلماء وفقهاء المسلمين فقد ورد في الحديث فيقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: ((من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما)).
وتورع فيه الكثير وابتعد عنه الكثير ولم يخض في هذا لخطورته، حتى عند الاقتتال بين المسلمين فلم يكفر بعضهم البعض كما حصل بين الصحابة، وخاصة القتال الدائر بين أمير المؤمنين علي ومعاوية، فلم يكفر أحدهما الآخر، وسطر التاريخ كلمات أمير المؤمنين على بن أبي طالب حيث قال: "إخواننا بغوا علينا" ولم يرمهم بالكفر وينسل.
ولقد أدرك الكثير من علماء الإسلام فداحة القول بكفر المسلم، فأطبقوا على منع التكفير إلا بدليل ساطع، لا مدافع له، ولا شبهه ولا تأويل ولا صارف للحكم.
إذ الشهادة بالكفر على الموحد من أعظم الزور والظلم والبهتان، قال الشوكاني في السيل الجرار: "اعلم أن الحكم على الرجل المسلم بخروجه من دين الإسلام ودخوله في الكفر لا ينبغي لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يُقدم عليه إلا ببرهان أوضح من شمس النهار".
ويقول ابن تيمية: " فليس لأحد أن يكفر أحداً من المسلمين، وإن أخطأ وغلط حتى تقام عليه الحجة، وتبين له المحجة، ومن ثبت إيمانه بيقين لم يزُل ذلك عنه بالشك، بل لا يزال إلا بعد إقامة الحجة، وإزالة الشبهة".
ويروي ابن نجيم عن الطحاوي وغيره من علماء الحنفية: قولهم بأن المسلم لا يخرج من الإسلام إلا بأمر يتيقن كفر صاحبه: "ما تيقن أنه ردة يحكم بها، وما يشك أنه ردة لا يحكم بها، إذ الإسلام الثابت لا يزول بشك، مع أن الإسلام يعلو، وينبغي للعالم إذا رفع إليه هذا أن لا يبادر بتكفير أهل الإسلام".
ونقل صاحب التكفير وضوابطه نقولا عن كثير من العلماء حول خطورة التكفير والابتعاد قدر الإمكان عن هذا المسلك والتوسع فيه: قال الغزالي: "والذي ينبغي أن يميل المحصل إليه الاحتراز من التكفير ما وجد إليه سبيلاً، فإن استباحة الدماء والأموال من المصلين إلى القبلة المصرحين بقول: "لا إله إلا الله، محمد رسول الله" خطأ، والخطأ في ترك ألف كافر في الحياة أهون من الخطأِ في سفك محجمة من دم مسلم.
* وينقل المليباري اتفاق العلماء قديماً وحديثاً على الاحتياط والتريث في هذه المسألة: "ينبغي للمفتي أن يحتاط في التكفير ما أمكنه لعظم خطره وغلبة عدم قصده سيما من العوام، وما زال أئمتنا على ذلك قديماً وحديثاً.
* وينقل ابن نجيم عن أهل العلم حرصهم على إعذار المسلم، وتوقفهم عن المبادرة إلى تكفيره مهما وهنت شبهته التي دفعت به إلى ارتكاب المكفِّر، فيقول: "وفي الفتاوى الصغرى: الكفر شيء عظيم، فلا أجعل المؤمن كافراً متى وجدت رواية أنه لا يكفر.
* ويقول ابن نجيم: "وفي الخلاصة وغيرها: إذا كان في المسالة وجوه توجب التكفير، ووجه واحد يمنع التكفير، فعلى المفتي أن يميل إلى الوجه الذي يمنع التكفير، تحسيناً للظن بالمسلم".
ثم يقرر - رحمه الله - خلاصة رأيه فيقول: "والذي تحرر أنه لا يفتى بتكفير مسلم أمكن حمل كلامه على محمل حسن أو كان في كفره اختلاف، ولو رواية ضعيفة، فعلى هذا فأكثر ألفاظ التكفير المذكورة لا يفتى بالتكفير بها، ولقد ألزمت نفسي أن لا أفتي بشيء منها".
فأين نحن اليوم مما سبق وحذر منه العلماء القدماء -رحمهم الله- أما اليوم فنرى ممن لا يحسن معرفة سنن الوضوء والتيمم ناهيك عن الشروط والواجبات، فتراه يتوسع في تكفير الآخرين بحق أو بدونه تقليدا أو تعصبا أو انتقاما.
ويذكر الألباني حول خطورة التكفير: فإن مسألة التكفير -عموما - لا للحكام فقط، بل وللمحكومين أيضا - هي فتنة عظيمة قديمة تبنتها فرقة من الفرق الإسلامية القديمة وهي المعروفة ب "الخوارج" ومع الأسف الشديد فإن البعض من الدعاة أو المتحمسين قد يقع في الخروج عن الكتاب والسنة زاعما اتباعه لهما، بل وينتصر لهما بكل ما أوتي من قوه والسبب في هذا يعود إلى أمرين اثنين:
أحدهما هو: ضحالة العلم وقلته وعدم المعرفة بأبسط فنون العلم الشرعي ناهيك عن عظائمه وغوائره المترامية والأمر الآخر - وهو مهم جدا -: أنهم لم يتفقهوا بالقواعد الشرعية والتي هي أساس الدعوة الإسلامية الصحيحة وكذلك المقاصد الشرعية وما يتماشي مع روح الشريعة الإسلامية الغراء وما جاء به رسول الهدي فترى الكثير يبتعد عن ذلك وعن سبيل المؤمنين وقد حذر الله من ذلك في قوله -عز وجل-: (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا) [(115 النساء)].
فإن لأمر واضح عند أهل العلم حيث لم يقتصر على قوله: (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى نوله ما تولى) وإنما أضاف إلى مشاقة الرسول اتباع غير سبيل المؤمنين، فقال: (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا)[115)النساء].
فاتباع سبيل المؤمنين أو عدم اتباع سبيلهم أمر هام جدا إيجابا وسلبا فمن اتبع سبيل المؤمنين: فهو الناجي عند رب العالمين ومن خالف سبيل المؤمنين: فحسبه جهنم وبئس المصير من هنا ضلت طوائف كثيرة جدا - قديما وحديثا -؛ لأنهم لم يكتفوا بعدم التزام سبيل المؤمنين فحسب ولكن ركبوا عقولهم واتبعوا أهواءهم في تفسير الكتاب والسنة ثم بنوا على ذلك نتائج خطيرة جدا خرجوا بها عما كان عليه سلفنا الصالح رضوان الله -تعالى- عليهم جميعا مبتغين بذلك نصرة الدين وخدمته والنيات يعلمها الله ولا نطعن في نية احد ولكن ننوه إلى السبيل والمنهج المتبع هل هو وفق ما جاء به الرسول وما سار عليه سلف آلامه وما أحوجنا اليوم إلى اتباع لا ابتداع في المنهج وخاصة وقد ظهر هذه الأيام من الفرق والجماعات وكلها تدعي حسب زعمها الدفاع عن الدين وأهله والعمل على ذلك بكل السبل والوسائل سواء وافقة الهدي النبوي واتباع سبيل المؤمنين من عدمه تحت مبررات واهية أو آراء منفرده وغير مقبولة عند السواد الأعظم من علماء المسلمين وفقهائهم قديما وحديثا.
ويذكر الألباني حول ما سبق من ضرورة اتباع الهدي النبوي وسلف هذه الأمة حيث يقول عن بعض الفرق والجماعات أنهم: قد يكونون في دواخل أنفسهم صالحين ومخلصين، ولكن هذا وحده غير كاف ليكون صاحبه عند الله -عز وجل- من الناجين المفلحين، إذ لابد للمسلم أن يجمع بين أمرين اثنين:
الأول: صدق الإخلاص في النية لله -عز وجل- وابتغاء مرضاته.
الثاني: حسن الاتباع لما كان عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- والعمل بما جاء وشرع دون مخالفه أو زيادة أو نقص، فالإخلاص والمتابعة هما ركنان أساسيان في قبول الأعمال فلا يكفي أن يكون المسلم مخلصا وجادا فيما هو في صدده من العمل بالكتاب والسنة والدعوة إليهما، بل لا بد -بالإضافة إلى ذلك- من أن يكون منهجه منهجا سويا سليما وصحيحا مستقيما على هدي الرسول الأعظم والسلف الصالح، واتباع سبيل المؤمنين ولخطورة الموضوع والابتعاد عن هدي الرسول واتباع سبيل المؤمنين يقود الإنسان إلى الغي والظلال ومجانبة الصواب، ولذلك كله فقد حذر الرسول من ذلك وبين المخرج والحل وطريق النجاة عند تعدد الفرق واختلافها وإعجاب كل فريق بقوله وفرح كل حزب بما لديه لي أعناق النصوص متجاهلا روح الشريعة الغراء، وما دلت عليه حيث يقول الرسول عند افترق الأمم إلى فرق وذكر افتراق أمته إلى ثلاث وسبعين فرقه كلها في النار إلا واحدة، ثم حدد صفاتها ومنهجها القويم الذي قادها إلى النجاة وأوصلها إلى بر الأمان، في رواية ((منهم يا رسول الله قال الجماعة)).
إشارة إلي اتباع سبيل المؤمنين والرواية الثانية توضح أكثر المنهج وتبينه، فقال: ((هم ما أنا عليه وأصحابي)) أي يتبعون منهج الرسول في كل شيء، وكذلك صحابته الذين أمر الرسول بالاقتداء بهم، فقال عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي.
مفهوم الكفر وأنواعه: الكَفر: بالفتح: الستر والتغطية، يقال: كَفَر الزارع البذر في الأرض: إذا غطَّاه بالتُّراب. وبالضم: ضِدُّ الإيمان، وكفر نعمة الله وبها كُفُوراً وكفراناً: جحدها، وسترها، وكافره حقه: جحده، والمكفَّرُ كَمُعَظَّم: المجحُودُ النِّعمةِ مع إحسانِهِ، وكافرٌ جاحدٌ لأنْعُمِ الله -تعالى-.
فالكفر: هو الستر وجحود الحق وإنكاره، والكافر: ضدّ المسلم، والمرتدُّ: هو الذي كفر بعد إسلامه؛ بقولٍ، أو فعلٍ، أو اعتقادٍ، أو شكٍّ، وحدّ الكفر: هو جحد ما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم-، أو جحد بعضه، كما أن الإيمان: اعتقاد ما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم- والتزامه، والعمل به جملة وتفصيلاً.
والكفر هو: أول ما ذُكِرَ من المعاصي في القرآن الكريم، قال الله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ)[سورة البقرة: 6].
وهو أكبر الكبائر على الإطلاق، فلا كبيرة فوق الكفر ويقسم العلماء الكفر إلى:
أ- كُفرٌ يُخرِج من الملَّة، وهو (الكفر الأكبر) وهو خمسة أنواع نذكرها لاحقا.
ب- كفر لا يُخرج من الملة، وهو (الكفر الأصغر)، أو كفر دون كفر.
ويمكن إضافة التفصيل في الأنواع كالتالي: أنواع الكفر الأكبر المخرج من الملة:
النوع الأول: كفر التكذيب، والدليل قول الله -تعالى-: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى الله كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكَافِرِينَ) [العنكبوت: 68].
النوع الثاني: كفر الإباء والاستكبار مع التصديق، والدليل قوله -تعالى-: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ) [البقرة: 34].
النوع الثالث: كفر الشكّ، وهو كفر الظنّ، والدليل قوله -تعالى-: (وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً * وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْهَا مُنْقَلَباً * قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً * لَكِنَّا هُوَ الله رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً) [الكهف: 35-38].
النوع الرابع: كفر الإعراض، والدليل قوله -تعالى-: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ) [الأحقاف: 3].
لنوع الخامس: كفر النفاق، والدليل قوله -تعالى-: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ) [المنافقين: 3].
النوع الثاني: كفر أصغر لا يُخرج من الملة وهو كفر النعمة: والدليل قوله -تعالى-: (وَضَرَبَ الله مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ الله فَأَذَاقَهَا الله لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) [النحل: 112].
ومما يدلّ من السنة على الكفر الذي لا يُخرج من الملة، قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((سباب المسلم فسوق وقتاله كفر)). وقوله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما)). وقوله -صلى الله عليه وسلم-: ((من أتى حائضاً أو امرأة في دبرها.. فقد كفر بما أنزل على محمد)).
ونظائر ذلك كثيرة من أسباب ظهور الخوارج وظهور منهج التكفير ابتداء: هناك أساب كثيرة أدت لظهور الخوارج والنهج منهج التكفير قديما وحديثا سنذكرها للفائدة وتداركها والعمل على تلافيها ومعالجتها قدر الاستطاعة ومن أهم أسباب ظهور الخوارج ابتداء من عهد عثمان -رضي الله عنه- وعلي ابن أبي طالب يمكن ذكر ما يلي:
1- النزاع حول الخلافة: وربما يكون هذا هو أقوى الأسباب في خروجهم، فالخوارج لهم نظرة خاصة في الإمام معقدة وشديدة، والحكام القائمون في نظرهم لا يستحقون الخلافة، لعدم توفر شروط الخوارج القاسية فيهم، أضف إلى هذا عدم الاستقرار السياسي الذي شجعهم على الخروج، وإلى الحسد الذي كان كامناً في نفوسهم ضد قريش.
إضافة إلى أنهم فسروا الخلاف بين علي ومعاوية -رضي الله عنهما- بأنه نزاع حول الخلافة، ومن هنا استسهلوا الخروج على عليّ ومعاوية من بعده.
2- قضية التحكيم: فقد أجبروا الإمام عليّ على قبول التحكيم، وحينما تم ذلك طلبوا منه أن يرجع عنه بل ويعلن إسلامه، فرد عليهم رداً عنيفاً.
وهناك من يقلل من شأن هذه القضية كعامل في ظهور الخوارج، ولا شك أن هذا خطأ، فقد كان التحكيم من الأسباب القوية في ظهورهم وورد أيضا نقاش وحوار العباس معهم ورجوع البعض منهم.
3- جور الحكام وظهور المنكرات: هكذا كان الخوارج يرددون في خطبهم ومقالاتهم، أن الحكام ظلمة والمنكرات فاشية، والواقع أنهم حينما خرجوا فعلوا أضعاف ما كان موجودا من المظالم والمنكرات، حينما رأوا أن قتال المخالفين لهم قربة إلى الله -تعالى-، وأن الأئمة ابتداءً بالإمام علي -مع عدله وفضله- ثم بحكام الأمويين والعباسيين-كلهم ظلمة في نظرهم دون تحرٍّ أو تحقيق، مع أن إقامة العدل والنهي عن المنكرات يتم بغير تلك الطريقة التي ساروا عليها في استحلال دماء مخالفيهم حكاماً ومحكومين.
4- العصبية القبلية: التي ماتت في زمن الرسول -صلى الله عليه وسلم- وزمن أبي بكر عمر رضوان الله عليهما.
ثم قامت في عهد عثمان وما بعده قوية شرسة، وكانت قبل الإسلام بين ربيعة- وأكثر الخوارج منهم- وبين مضر قوية، وقد قال المأمون في إجابته لرجل من أهل الشام طلب منه الرفق بالخوارج: ((وأما ربيعة فساخطة على الله منذ بعث نبيه من مضر، ولم يخرج اثنان إلا خرج أحدهما شارياً)).
وهناك أسباب أخرى مثل العوامل الاقتصادية؛ كقصة ذي الخويصرة مع الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وثورتهم الممقوتة على عثمان -رضي الله عنه-؛ حيث نهبوا بيت المال بعد قتله مباشرة، ونقمتهم على عليّ في معركة الجمل، ومنها كذلك الحماس الديني الذي مدحهم به بعض المستشرقون كجولد زيهر حينما ذكر أن تمسك الخوارج الشديد بالقرآن أدى بهم إلى الخروج على المجتمع، والمغالطة في قوله هذا واضحة، فإن التمسك بالقرآن لا يؤدي إلى الخروج على المجتمع و سفك دماء الأبرياء. وننتقل لذكر بعض أسباب ظهور هذا الفكر والمنهج المتبع لدى البعض في العصر الحديث نذكر منها، أسباب ظاهرة التكفير في العصر الحديث:
- إن أسباب ظهور ظاهرة التكفير في العصر الحديث وانتشاره يكمن في الأتي:
1- الجهل وقلة العلم بهذه المسألة المهمة، ومعرفة الكفر من موارده من الوحيين وعلى فهم السلف الصالح واتباع سبيل المؤمنين في ذلك والفرق بين الكفرين: الأكبر والأصغر، وحال أصحابهما من جهة اجتماع الشروط وانتفاء الموانع، والفرق بين الكفر المطلق والكفر المعيّن، والكفر الدنيوي والحكم لصاحبه بالخلود الأخروي بالنار.
2- اتباع الهوى، والأغراض النفسية والحزبية في التكفير للمخالف وذمه والقدح في عرضه بالكفر دون تبصّر بالعلم، وتورّع كلا حسب مصلحته أو ما يراه حسب علمه القاصر وحماسته المفرطة.
3- اتباع المذاهب البدعية، والأقوال الشاذة، وتقليد الأصاغر في العلم والدين في إطلاق الكفر على الدول والمجتمعات والأفراد.
4- الاستهانة بمحارم الله وأحكام شرعه، وعدم الأخذ على يد المكابر والمعلن بمقالة الكفر، وأطره على الحق أطراً بقوة البرهان والسلطان!.
إلى غير ذلك من الأسباب، مع الأخذ في الاعتبار أن كل سبب من هذه الأسباب يحتاج إلى بسط في العرض والتحليل وضرب الأمثلة والتدليل.. إلخ.
5. انتشار الكفر والردة الحقيقية جهارا نهارا في مجتمعاتنا الإسلامية، واستطالة أصحابها وتبجحهم بباطلهم، واستخدامهم أجهزة الإعلام وغيرها لنشر كفرياتهم على جماهير المسلمين دون أن يجدوا من يزجرهم أو يردهم عن ضلالهم وغيهم.
6. تساهل بعض العلماء وتقصيرهم في توضيح وتبيين هذا المسلك وتعليم الناس والقيام بالواجب على أكمل وجه وكذلك أيضا إلجام بعض العلماء وتكميم الأفواه للبعض وظهور إنصاف الدعاة والعلماء ليتصدروا الموقف.
7. اضطهاد حملة الفكر الإسلامي السليم، والدعوة الإسلامية الملتزمة بالقرآن والسنة، والتضييق عليهم في أنفسهم ودعوتهم.
والاضطهاد والتضييق لأصحاب الفكر الحر، لا يولد إلا اتجاهات منحرفة، تعمل تحت الأرض، في جو مغلق بعيدا عن النور والحوار المفتوح.
8. قلة بضاعة هؤلاء الشبان الغيورين من فقه الإسلام وأصوله، وعدم تعمقهم في العلوم الإسلامية واللغوية ومعرفة الفقه وأصوله وقواعده وكذلك المصالح والمفاسد والمضار والمنافع وأيهما يقدم حسب ما ضمنته الشريعة الغراء وكما ورد عن الرسول الكريم وكيف تعامل من بعده من الصحابة والتابعين وكذلك من سار على هدي سبيل المؤمنين حذى حذوهم.
الأمر الذي جعلهم يأخذون ببعض النصوص دون بعض، أو يأخذون بالمتشابهات، وينسون المحكمات، أو يأخذون بالجزئيات ويغفلون القواعد الكلية، أو يفهمون بعض النصوص فهما سطحيا سريعا، إلى غير ذلك من الأمور اللازمة لمن يتصدر للفتوى في هذه الأمور الخطيرة، دون أهلية كافية. فالإخلاص وحده لا يكفي، ما لم يسنده فقه عميق لشريعة الله وأحكامه، وإلا وقع صاحبه فيما وقع فيه الخوارج من قبل، الذين صحت الأحاديث في ذمهم من عشرة أوجه، كما قال الإمام أحمد. هذا مع شدة حرصهم على العقيدة والتنسك.
ولهذا كان أئمة السلف يوصون بطلب العلم قبل التعبد والجهاد، حتى لا ينحرف عن طريق الله من حيث لا يدري.
وقد قال الحسن البصري: العامل على غير علم كالسالك على غير طريق، والعامل على غير علم، ما يفسد أكثر مما يصلح، فاطلبوا العلم طلبا لا يضر بالعبادة، واطلبوا العبادة طلبا لا يضر بالعلم، فإن قوما طلبوا العبادة وتركوا العلم، حتى خرجوا بأسيافهم على أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- ولو طلبوا العلم لم يدلهم على ما فعلوا.
كلام في منتهى الروعة وغالية الجمال سطره ابن القيم لأهمية العلم في العبادة والجهاد وكذلك العمل فبغيره يضل الطريق ويضيع في منزلقات الفرق والضلال.
من أسباب الوقوع في مزالق التكفير: إن أسباب نشأة ظاهرة التكفير وفشوها وانتشارها في القديم والحديث يرجع إلى مجموعة من الأسباب المتشابكة، والمتداخلة مع بعضها البعض فنذكر ما سطره العلماء والفقهاء استنادا إلى الكتاب والسنة وما سار عليه سلف الأمة والسواد الأعظم السائر على اتباع سبيل المؤمنين فنذكر منها:
1- الجهل وقلة العلم والفهم بهذه المسألة المهمة، التي هي من المسائل الدقيقة التي لا يحسنها إلا العلماء، الذين لهم دراية في فهم أدلة الوحي، والتمييز بين صحيحها وضعيفها، كما يفرقون - بما آتاهم الله من علم - بين المتشابهات لفظاً، والمختلفات حكماً، كالتفريق بين الكفرين: الأكبر والأصغر، وحال أصحابهما حين اجتماع الشروط وانتفاء الموانع، والفرق بين الكفر المطلق والكفر المعين، وهو ما لا يحسنه الجهلة ولا يطيقونه، فيقعون في تكفير المسلمين " والتكفير والاتهام بالردة للآخرين دون مبرر واضح ودليل بين ساطع لا لبس فيه ولا شبهة فيه ولا تأويل فيصدر ذلك التسرع والتوسع في التكفير ممن قل علمه وفشا جهله في ابسط ما هو معلوم من الدين بالضرورة.
ولعل الجهل بأحكام الشريعة من أهم صفات الخوارج الذين كانوا أول من تولى وزر التكفير في هذه الأمة، حين كفروا أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- وعلى رأسهم عثمان بن عفان وكذلك علي ابن أبي طالب وكانت تهمته: قولهم بأنه حكم الرجال والحكم كما ورد في الآية الكريمة: (إن الحكم إلا لله). وتهمة عثمان توليته لبني أمية بعض الإمارات وإعطائهم بعض العطايا فكفروه واستباحوا دمه وقتلوه صائما تاليا للقران الكريم وبالمثل تم التعامل مع أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب، فتم قتله وهو مصليا راكعا وساجدا بين يدي الله –تعالى-، بل قبل ذلك اتهم أحدهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالظلم والجور في القسمة وهكذا.
فالجهل بالشريعة وأحكامها ومقاصدها والمصالح والمفاسد والمضار والمنافع تقود الكثير إلى المضي في هذا الطريق والتوسع فيه وهذا الجهل والغلو ينطبق على أضرابهم الذين يأتون في آخر الزمان، يقول عنهم النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((يأتي في آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن قتلهم أجر لمن قتلهم يوم القيامة)).
2- اتباع الهوى، وجعل التكفير وسيلة في الانتقام من المخالفين، والحكم عليهم انتصارا للمذهب والجماعة والحزب وترويج الفكرة وإظهارها أنها ناصعة البياض وما دونها ممتلئ دنسا وأدرانا واتباع الهوى من الجهل ودليل على رقَّة الدين وضعفه.
وقد استخدم هذا الكثير من الفرق والجماعات يقول ابن تيمية: "ومن البدع المنكرة تكفير الطائفة غيرها من طوائف المسلمين واستحلال دمائهم وأموالهم... وهذا حال عامة أهل البدع الذين يكفر بعضهم بعضاً... وهؤلاء من الذين قال الله –تعالى- فيهم: (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء) [الأنعام: 159)]".
ويقول -رحمه الله-: "من ادعى دعوى وأطلق فيها عنان الجهل مخالفاً فيها لجميع أهل العلم، ثم مع مخالفتهم يريد أن يكفر ويضلل من لم يوافقه، فهذا من أعظم ما يفعله كل جهول مغياق ومما سبق فان اتباع الهوى يقود صاحبه إلى الابتعاد عن سبيل المؤمنين والسواد الأعظم من الأمة والمؤمنين الصادقين الصابرين والمتمسكين بدينهم وقيمهم وهدي نبيهم.
3 - ولعل من أهم أسباب انتشار التكفير وقوع كثير من المسلمين في المكفرات، من سباب لله ورسوله أو لمز أو طعن في الدين في وسائل الإعلام وغيرها.
وظهور المخالفات الجسيمة والطعن في الدين وتشريعاته وكذلك التغريب الذي أصيب به أبناء المسلمين، وأمام هذه الموبقات والمنكرات والكبائر التي يرتكبها البعض بقصد أو بدونه تثور حمية الشباب المسلم الذي يتقد حماساً وغَيْرة على دين الله وسنة رسوله ولكن مع هذا الحماس وهذه الغيرة لا يغير المنكر؛ كما ورد عن الرسول وكما بين فقهاء الإسلام ولقلة العلم في ذلك فما يجد وسيلة إلا إطلاق العنان لطريق الردة والتكفير والتوسع في ذلك ظانا منه الدفاع عن الدين وتقديم ما استطاع وكل على نيته ولا يعلمها إلا الله - سبحانه -.
4 - قلة العلماء المعتبرين بسبب موتهم أو تقييد حرية البعض مما يؤدي إلى تنامي ظاهرة أنصاف العلماء الذين ليس لهم كبير دراية في فهم النصوص وتنزيل النصوص الشرعية والقواعد العلمية على واقعٍ ما، فتحقيق المناط في الأحكام أمر لا يحسنه كل أحد، وهو الميدان الذي يتمايز فيه العلماء عن الأدعياء، وهؤلاء الأصاغر يفتون في مسائل وقف عندها الأكابر من أهل العلم، ولم يتجرؤا على القول فيها فمنهم من يكثر بالقول الله اعلم تورعا وتنزها من القول بغير علم ولكن نرى من يهرف بما لا يعرف ويتصدر المجلس وينطلق بالفتوى في كل فن وفي كل جانب بعلم وبغير علم ومن علامات الساعة: ((إن من أشراط الساعة أن يلتمس العلم عند الأصاغر)).
يقول ابن قتيبة: "لا يزال الناس بخير ما كان علماؤهم المشايخ، ولم يكن علماؤهم الأحداث، لأن الشيخ قد زالت عنه حِدَّة الشباب ومتعته وعجلته، واستصحب التجربة في أموره، فلا تدخل عليه في علمه الشُّبه، ولا يستميله الهوى، ولا يستزله الشيطان، والحَدَثُ قد تدخل عليه هذه الأمور التي أمنت على الشيخ، فإذا دخلت عليه، وأفتى هلك وأهلك".
وهكذا مع فساد الزمان وتلاحق الأيام يتحقق في المسلمين ما أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم- حين قال: ((إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً، فسئلوا، فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا)).
وصدق الخليفة الراشد عمر بن الخطاب، وهو يحذر من هؤلاء الأغرار: " ما أخاف على هذه الأمة من مؤمن ينهاه إيمانه، ولا من فاسقٍ بين فسقه، ولكني أخاف عليها رجلاً قد قرأ القرآن حتى أذلقه بلسانه، ثم تأوله على غير تأويله.
5- والمتأمل لظاهرة الافتراق لا يغيب عن ناظريه أثر الغلو في ظهور الغلو المقابل، فالخوارج كانوا سبباً في ظهور المرجئة، وأخطاء الجبرية أدت إلى تنامي تيار القدرية، وهذا ما ينطبق على عموم الفرق الإسلامية.
إذ جنوح البعض إفراطاً أو تفريطاً يؤدي إلى تيار عكسي قد يجنح إلى الحقيقة فيقف عندها، وقد يفارقها إلى الطرف الآخر.
لذا كان من أهم الأسباب التي غذّت فكر التكفير في واقعنا المعاصر ما نلقاه من توقف الكثيرين عن تكفير من لا يسع مسلماً إلا تكفيره، إذ وصل الأمر ببعضهم إلى التوقف في إطلاق الكفر على اليهود والنصارى الذين تكاثرت الآيات على تكفيرهم وخلودهم بالنار، فمثل هذا التفريط يمهد الطريق لظهور المخالف الذي يكفر النصارى ومن وافقهم في أعيادهم ومناسباتهم، إلى غير ذلك من الصور.
فمثل هذه الصور يوجد النقيض، وهو المبالغة في التكفير، وشهره سيفاً على المخالفين.
6 - انتشار هذه الظاهرة بين من عرف صلاحه واستقامة سلوكه سبب آخر يغرر بالكثيرين من الذين يعرفون الحق بالرجال، لا الدليل، فيغتر الناس بصلاح هؤلاء، على قلة علمهم، فيرددون ما قالوا من تكفير المسلمين واستباحة دمائهم إحساناً للظن بهم وبحسن عبادتهم، وقد حذر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أمثالهم الذين: ((يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية)).
ويقول علي - رضي الله عنه - عن الخوارج: "قوم أصابتهم فتنة، فعموا وصموا".
وقال ابن عمر - رضي الله عنهما -: "هم شرار الخلق" وقال: "انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار، فجعلوها على المؤمنين".
فهذه جملة ما يوقع الناس في التكفير وما يؤدي إلى انتشار وبائه، والعاقل إذا عرف الداء أصاب الدواء، وتوخى موارد الزلل والهلاك بمزيد من الوقاية والحذر، حيطة لدينه وطلباً لسلامة آخرته. وبعد ذكر المزالق التي تقود إلى التكفير وذكرنا جلها وسرنا على ما سار عليه الباحثين والمحققين في ذلك وذكر المصادر والمراجع للتوثيق والتثبت ولمزيدا من التأكد والاطلاع الرجوع إلى المنبع الصافي والمنهل الوافي من موروثنا الفقهي الذي نقله لنا العلماء والباحثين.
ونقف أيضا وقفات لنبين موانع التكفير التي تصرف الحكم على المحكوم عليه الكفر لقول أو فعل أو غيره إذ أنه لا بد من العلم بها لمن سلك هذا المسلك وانتهج هذا المنهج والتوسع فيه وتتبع ما ورد فيه من أحكام أو موانع لذلك موانع التكفير الحكم بالكفر:
إن التكفير له موانع لا بد من فهمها، ومعرفتها حق المعرفة حتى لا يتم التسرع في الحكم على الناس بالكفر أو التوسع في ذلك ومنها الموانع الآتية:
1- الجهل وعدم العلم، ولكن العذر بالجهل له حالات؛ لأنه يختلف باختلاف الأزمنة، والأمكنة، والأشخاص: فمنهم من قامت عليه الحجَّة، ومنهم من لم تقم عليه، باعتباره - مثلاً -: حديث عهد بإسلام، أو نشأ ببادية بعيدة، وكذلك الجهل يختلف إن كان جهلاً بما هو معلوم من الدين بالضرورة أو ما دون ذلك. ولا يعني أن الجهل عذر مقبول لكل من ادّعاه؛ فإن من العلم ما لا يسع المسلم البالغ غير المغلوب على عقله جهله مثل: الصلوات الخمس، وأن لله على الناس صوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً، وزكاةً في أموالهم، وأن الله حرّم عليهم الزنا والقتل، والسرقة والخمر، وما كان في هذا المعنى، والمقصود أن العذر بالجهل يحتاج إلى تفصيل وعناية وفهم دقيق.
2 - الخطأ، قال الله -تعالى-: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ).
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)). 3 - الإكراه، للحديث السابق؛ ولقوله -تعالى-: (مَنْ كَفَرَ بِالله مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَّنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ الله وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ).
والإكراه له أنواع وشروط وضوابط يعرفها العلماء، ومنها:
- أنْ يكون المُكْرِهُ قادراً على إيقاع ما يهدد به، والمُكْرَهُ عاجزٌ عن الدفع ولو بالفرار.
- أنْ يغلب على ظن المُكْرَهِ أنه إذا امتنع أُوقِع به ما يُهدَّدُ به.
- أنْ لا يظهر على المُكْرَهِ ما يدُّل على تماديه، بأن يعمل أو يتكلم زيادة على ما يمكن أنْ يدفع به البلاء.
- أنْ يُظهِّر إسلامه متى ما زال عنه الإكراه.
- أنْ يكون ما يُهدَّدُ به مما لا طاقة لا به، ويعبر عنه عند الأصوليين بـ(الإكراه الملجئ) كأن يُقطع منه عضوٌ.
- التأويل، المقصود به هنا: التلبس والوقوع في الكفر من غير قصد لذلك، وسببه القصور في فهم الأدلة الشرعية دون تعمّدٍ للمخالفة، بل يعتقد أنه على حق. قال ابن تيمية في الفتاوى - رحمه الله -: "والتكفير من الوعيد؛ فإنه وإن كان القول تكذيباً لَمَا قاله الرسول -صلى الله عليه وسلم-، لكن قد يكون الرجل حديث عهد بإسلام، أو نشأ ببادية بعيدة، ومثل هذا لا يكفر بجحد ما يجحده حتى تقوم عليه الحجة، وقد يكون الرجل لم يسمع تلك النصوص، أو سمعها ولم تثبت عنده، أو عارضها عنده معارض آخر أوجب تأويلها، وإن كان مخطئاً".
ولكن التأويل الذي يعذر صاحبه له حدود وشروط وضوابط يمكن ذكر بعضها، والتأويل المانع: هو التأويل السائغ، وهو الذي له مُسوِّغٌ في الشرع أو في اللغة، مثاله: تأويل المتكلمين لليد بالقدرة.
وأما التأويل غير السائغ: فهو التأويل الذي ليس له مُسوِّغٌ في الشرع أو في اللغة، ويكون صادراً عن محض رأي وهوى.
مثاله: تأويل الرافضة لقوله -تعالى-: ((بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَان)) بالحسن والحسين.
5 - التقليد، قال ابن تيمية في الفتاوى - رحمه الله تعالى -: ((والذي عليه جماهير الأمة: أن الاجتهاد جائز في الجملة، والتقليد جائز في الجملة، لا يوجبون الاجتهاد على كل أحد، ويُحرِّمون التقليد، ولا يوجبون التقليد على كل أحد، ويُحرِّمون الاجتهاد، )).
ويظهر من كلام الإمام ابن تيمية - رحمه الله -: أنه يُعذر من وقع في الكفر تقليداً إن كان جاهلاً لا بصيرة له ولا فقه، فهو معذور حتى تقوم عليه الحجة ويظهر له الحق وتزال عنه الشبهة، وقال الإمام ابن القيم في الطرق الحكمية - رحمه الله -: ((وأمَّا أهل البدع الموافقون لأهل الإسلام، ولكنهم مخالفون في بعض الأصول فهؤلاء أقسام: ((أحدها: الجاهل المقلّد الذي لا بصيرة له، فهذا لا يُكفَّر، ولا يُفَسَّق، ولا تُردُّ شهادته إذا لم يكن قادراً على تعلم الهدى، وحُكْمُهُ حكم المستضعفين من الرجال والنساء والوِلْدَان الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوّاً غفوراً)).
أخطار التكفير على الفرد والمجتمع المسلم:
أولا: أخطار التكفير على الأفراد:
1- من أخطار التكفير على الفرد أنه لا يحل لزوجته البقاء معه، ويجب أن يفرق بينها وبينه، لأن المسلمة لا يصح أن تكون زوجة لكافر بالإجماع المتيقن.
2- إن أولاده لا يجوز أن يبقوا تحت سلطانه؛ لأنه لا يؤتمن عليهم ويخشى أن يؤثر عليهم بكفره، وبخاصة أن عودهم طري، وهم أمانة في عنق المجتمع الإسلامي كله.
3- إنه فقد حق الولاية والنصرة على المجتمع الإسلامي، بعد أن مرق منه وخرج عليه بالكفر الصريح، والردة البواح، ولهذا يجب أن يقاطع، ويفرض عليه حصار أدبي من المجتمع حتى يفيق لنفسه، ويثوب إلى رشده.
4- إنه يجب أن يحاكم أمام القضاء الإسلامي، لينفذ فيه حكم المرتد، بعد أن يستتيبه ويزيل من ذهنه الشبهات، ويقيم عليه الحجة.
5- إنه إذا مات لا تجرى عليه أحكام المسلمين، فلا يغسل ولا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين، ولا يورث، كما أنه لا يرث إذا مات مورث له.
6- إنه إذا مات على حاله من الكفر يستوجب لعنة الله وطرده من رحمته، والخلود الأبدي في نار جهنم. وهذه الأحكام الخطيرة توجب على من يتصدى للحكم بتكفير خلق الله أن يتريث مرات ومرات قبل أن يقول ما يقول وذلك لما يترتب عليه من أفعال ثانيا:
أخطار التكفير على المسلمين:
- مما لا شك فيه أن خطر التكفير يتعدى الأفراد إلى أن يصل خطره إلى المسلمين جميعا فمن هذه الأخطار على المسلمين:
1- أن التكفير يعتبر تقنيط للمسلمين من رحمة الله - تعالى- بل يعتبر هذا التكفير تشجيع لهم على الوقوع في الكفر الحقيقي بمعنى أن الذي تصدر ضده مثل هذه الفتوى من فتاوى التكفير قد يؤزه الشيطان إلى القول: " أنا الغريق فما خوفي من البلل".
2- يعتبر التكفير بغير وجه حق إهدار للدم المعصوم و من المعلوم أنه من مقاصد الإسلام العليا صيانة النفوس من إهدار دمها.
3- كذلك من أخطار التكفير التي تجري على الفرد و المجتمع إبطال قواعد الزواج و التوارث و الترحم على موتى المسلمين و لا يخفى على كل ذي عقل ما هي النتائج الوخيمة التي سوف تترتب على إبطال و إلغاء مثل هذه القواعد العظيمة في حياة الأمة المسلمة.
ثالثا: أخطار التكفير على الإسلام والمسلمين:
* من أخطار ظاهرة التكفير على الإسلام و المسلمين فشو الجهل وخفاء العلم بالدين: عقيدة وشريعة، وتشويه سماحة الإسلام وعالميته.
* وكذلك اختلال الأمن العام للمسلمين وغيرهم: الأمن العقدي والفكري و الأمن الديني، والأمن الاجتماعي، والأمن السياسي، والعسكري، والأمن الأسري، والأمن النفسي، ولا سيما على العقل والدين والعرض والنفس والمال، وهي الضرورات الخمس التي أجمعت على حفظها شرائع الله قاطبة. والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه)).
وفي حجة الوداع في يوم عرفة قال: ((إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا))[متفق عليه].
* ولقد عانى كثير من المسلمين من ويلات هذه النهج الخاطئ فروع الآمنون واستحلت دمائهم وأموالهم بحجة إلصاق الكفر بهم فلا حرمة له ولا لماله.
* وعم الاضطراب حتى شملت غير المسلمين، فتشوهت صورة الإسلام الصحيح في نظر غير المسلمين بدعوى اقتتال المسلمين فيما بينهم واستحلال الدماء والأموال، واستغل هذا الأمر أعداء الإسلام حيث صوروا لغير المسلمين أن دين الإسلام دين إرهاب وقتل وسرق ونهب فيما بينهم مستغلين هذا المسلك والواقع الذي يعيشه المسلمين اليوم وكيف أصبح بائسهم بينهم شديد، وقد بلغ ببعض أفراد تلك الطائفة إن استحلت الأموال العامة بحجة كفر الحكومات والقائمين عليها وسعت إلى إتلاف ما أمكن إتلافه ومصادرة ما أمكن ومحاولة زعزعة الأمن وإخافة الآمنين وإيذائهم وذلك كله بسبب التكفير واستباحة الدماء والأموال وكل ما يتعلق بمن صدر فيه الحكم فما اشد خطر هذا النهج إذا لم يضبط ويبين فيه الحق من الباطل دون إفراط أو تفريط وتساهل أو مجامله ومحابها.
أبرز التوصيات والنتائج الممكن طرحها كخلاصه لما سبق وعلاج:
1- أنه لا يثبت التكفير على قول إلا بدليل شرعي؛ لأن الكافر هو من كفره الله ورسوله وما بينه العلماء والفقهاء وفق ما سار عليه سلف الأمة والسواد الأعظم منها المتمسكين بالمنهج الرباني.
2- أنه لا يحكم في التكفير إلا العالم بالأدلة الشرعية ومكنونات الشريعة ومقاصدها المعتبرة.
3- أنه لابد من تعلم أحكامه والتفقه فيه؛ لأنه حكم شرعي؛ ولأن له أهمية كبيرة لارتباطه بكثيرٍ من الأحكام الشرعية، وتطبيقها بين الناس وواجب العلماء التوضيح والتبيين لهذا المنهج.
4- أنه لا يصح ولا يجوز مجاوزة الحدِّ الشرعي فيه، لا بالإفراط ولا بالتفريط والتوسط في ذلك وإبراز الحق وما سار عليه سلف الأمة واتباع سبيل المؤمنين في ذلك.
5- السعي من الجميع علماء ودعاه وشباب وحكومات لوضع العلاج الناجع لهذا المنهج المنتشر وذلك من خلال:
* بنشر العلم الصحيح الموروث عن الله وعن رسوله -صلى الله عليه وسلم- واتباع السلف الصالح من لدن الصحابة والتابعين، فعلماء الأمة الفحول والسير على خطى سبيل المؤمنين، ومحاولة القضاء على الجهل أو محاصرته، وهو بيئة التكفير التي يترعرع فيها.
* وبمعالجة الظواهر الفردية بالحكمة والبصيرة اللائقة بها زماناً وواقعاً وحالاً، ويتأتى هذا بالعلماء الراسخين، والحكماء ذوي العقل والفطنة ومساعدة المجتمع والحكومات والصادقين في ذلك.
* قيام العاِلم الشرعي، والقائد الرباني، والمربي الواعي، كلٌ منهم بواجبه المناط به، ديانة وأداءً للأمانة الواجبة، وإبراءً للذمة ونصحاً للأمة. اعذاراً وانذاراً.
* الرفق واللين والتوجيه والتربية وحسن البيان لمن اشتبه عليه الأمر أو أدلهمت عليه الشبهات.. ولا يتأتى هذا إلا على يد ذوي العلم والغيرة الراسخين.
* أسلوب مقارعة الحجة ودفع الشبهة، والتأديب والتعزير اللائقين في المعاند والمكابر، ومن على شاكلة هؤلاء، وهذا مناط بالقضاة والعلماء.
والنصح لهم ودعوتهم، ثم الإنكار عليهم قولهم بالأسلوب اللائق، وكل مقال يتفوه به كل منهم. *استخدام التوعية الإعلامية بجميع الوسائل المتاحة للتوجيه والإرشاد والبيان للناس والتوضيح دون تحامل على أحد أو انتصار على فئة وليكن الحق هو الهدف وإظهاره أمام الناس لتقام الحجة ويظهر الحق جليا واضحا للعيان.
* القضاء على المظاهر المخالفة للشريعة وما يقوم به البعض ممن أصيب بالتغريب من الطعن في الدين والاستهزاء بقيم الدين ومبادئه.
وحسبنا الله ونعم الوكيل وعلية الثكلان، فهو نعم المولى ونعم النصير سبحانه.
__________________________________________________ _________
من المراجع:
- التكفير وضوابطه لمنقذ السقار.
- فتنة التكفير للألباني.
- قضية التكفير بين أهل السنة وفرق الضلال في ضوء الكتاب والسُّنَّة المؤلف: د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني الناشر: مطبعة سفير، الرياض.

- التكفير مفهومه وأخطاره وضوابطه، لأحمد محمد بوقرين.

- التكفير حكمه وضوابطه والغلو فيه، لفهد عبد الله.
- ضوابط التكفير عند أهل السنة والجماعة، عبد الله بن محمد القرني.


__________________
أكبر موقع لتلاوات القرأن الكريم شاركوها لتشاركوا الثواب
أكثر من 100 ألف تلاوة
https://bit.ly/2YoKF1P
اتلاوات الشيخ عبد الباسط عبد الصمد
https://bit.ly/3dKub8s
تلاوات الشيخ محمد صديق المنشاوى
https://bit.ly/2CES9Vw
تلاوات الشيخ الحصرى
https://bit.ly/3eEgiK7
تلاوات الشيخ محمود على البنا
https://bit.ly/3g4vCA1
تلاوات الشيخ مصطفى اسماعيل
https://bit.ly/2CMrfv8
تلاوات الشيخ محمد رفعت
https://bit.ly/31mPZV2
تلاوات الشيخ الطبلاوى
https://bit.ly/2Nz6JQD
تلاوات الشيخ ماهر المعيقلى
https://bit.ly/2A8k5jM
تلاوات الشسيخ السديس
https://bit.ly/2Ze29ge
تلاوات الشيخ الشريم
https://bit.ly/31l8dWL
تلاوات الشيخ هزاع البلوشى
https://bit.ly/2NxZnwG
تلاوات الشيخ أحمد العجمى
https://bit.ly/3ihVlHc
تلاوات الشيخ حجاج الهنداوى
https://bit.ly/31hRJ1M
باقى القراء ستجد مئات القراء والاف التلاوات
https://bit.ly/31z1cSD
سمير المصرى غير متواجد حالياً  
قديم 09-23-2015, 06:25 AM   #2
ابو نضال
عضو متألق
 
تاريخ التسجيل: Sep 2015
المشاركات: 2,255
معدل تقييم المستوى: 11
ابو نضال is on a distinguished road
افتراضي رد: فتنة التكفير وخطورتها ..أسباب ظهورها وحلول لمواجهتها ومنعها


بسم الله الرحمن الرحيم



بارك الله بك على هذا الطرح القيم
كان موضوعك رائعا بمضمونه

لك مني احلى واجمل باقة ورد




وجزاك الله خيرا وغفر لك ولوالديك وللمسلمين جميعا



لا اله الا الله محمد رسول الله


ابو نضال غير متواجد حالياً  
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
سئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين عن فتنة الدجال؟ عبد الحكيم.. قسم فتاوى العلماء 0 10-02-2013 04:55 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة للمسلمين بشرط الإشارة لشبكة الكعبة الإسلامية
جميع الحقوق محفوظة لـ شبكة الكعبة الإسلامية © 2018