03-30-2017, 08:30 AM | #1 |
كبير المراقبين
تاريخ التسجيل: Nov 2011
المشاركات: 270
معدل تقييم المستوى: 0 |
أهم الشخصيات *** ابن الرقيق القيرواني
د/ يوسف بن أحمد حواله
ألفيتني ـــ وأنا أتأهب لتحرير المقالة الشهرية للمنهل الأغر ــ أجيل النظر في مظان كتب التراجم والطبقات ، مقلباً صفحاتها ،بحثاً عن المؤثرين في سجلنا الحضاري من أبناء الجناح الغربي للدولة الإسلامية ؛ عنيت بلاديّ المغرب والأندلس ، فلم أجد عنتاً ولا نصباً - فالصيد كل الصيد في جوف الفراء – إذ سرعان ما وجدت اليراع يولي مداده نحو شخصية مغربية مؤثرة ، في عوالم الأدب والشعر والتاريخ ، تلكم هي شخصية الأديب الشاعر المؤرخ / إبراهيم بن القاسم المعروف بالرقيق أو ابن الرقيق القيرواني الكاتب ، المكنى بأبي إسحاق ، المعروف باسم الشهرة : الرقيق القيرواني ، وهو في ذات الوقت لقب له . ثم يمكننا القول بعد ذلك إننا لا نعلم شيئا عن ولادته ولا عن بقية نسبه ، وكل الذي نعلمه هو اسمه الأول ثم اسم والده ،كما أننا لا نعلم سبب تلقبه بالرقيق ــ إذ لم ترشدنا المصادر إلى شيء من ذلك ــ وكل الذي أرشدتنا إليه هو اسمه الأول ثم اسمه الثاني ولقب الرقيق هذا كما سلف القول ،وأحيانا تختلف المصادر، فتقدمه لنا تارة بالرقيق فحسب ، وتارة بابن الرقيق . وكيفما كان الأمر ،فإن إبراهيم الرقيق ، كان أحد الأدباء والشعراء والمؤرخين الذين ازدان بهم جيد العلم والثقافة في تونس في القرن الخامس الهجري ، وسطع نجمه وعلا صيته في هذا الإقليم من أقاليم الدولة الإسلامية الذي كانت تديره وقتذاك دولة ، عُرفت في التاريخ بالدولة الزيرية الصنهاجية - نسبة إلى قبيلة صنهاجة البربرية الكبرى – ولقد حكمت هذه الدولة تونس لردح من الزمن ، نيابة عن الخلفاء الفاطميين ، الذين كانوا يحكمون بلاد المغرب كله ، ثم انتقلوا إلى مصر ، وتركوا أمر تونس لأتباعهم الزيريين الصنهاجيين . وأعود إلى أبي إسحاق / إبراهيم بن القاسم ، المعروف بالرقيق القيرواني ، وهو القول الأشهر ، أو ابن الرقيق ، وإن كان قد ثبت لأحد الباحثين التونسيين المحدثين ، وهو الشاذلي بويحي ، في بحث علمي منشور له أن القول في تسميته بابن الرقيق القيرواني ، هو خطأ تاريخي ، ذلك أن الصحيح هو : إبراهيم الرقيق أو الرقيق القيرواني ، وهو نعت له وليس اسما لأبيه . وعلى أية حالة ، فإننا سنكتفي هنا في الحديث عنه باسم شهرته الواسعة ، أي الرقيق القيرواني . والرقيق القيرواني ، شخصية ، متعددة المواهب ، فهو ، أديب ناثر ، وهو شاعر مجوِّد ، ثم هو مؤرِّخ تمتع بذائقة تاريخية عالية ، أهَّلته هذه الأوصاف كلها إلى أن يتبوأ مكانةً عالية في عِداد أدباء وشعراء بلده تونس، المعروفين المشهورين، وقد استقطبه الأمير الزيري : المنصور بن بلكين بن زيري إلى بلاطه ، وعهد إليه بديوان الإنشاء أو ديوان الرسائل الرسمية المتبادلة بين الأمير ورجالات الدولة والأمراء . نعم تولى الرقيق القيرواني رئاسة ديوان الإنشاء أو الرسائل لهذا الأمير، ثم ظل يتولاه في عهدي ابن وحفيد هذا الأمير ، وهما : باديس بن المنصور، والمعز بن باديس بن المنصور . وقد ظل متولياً لهذا المنصب الرفيع مدة نصف قرن ، وكان يعرف خلالها بكاتب الحضرة ، أي الحضرة الصنهاجية . ولقد حمد معاصروه من المؤرخين والأدباء ، وكذلك من جاء بعدهم، مكانته في فن المكاتبات ، وأشادوا به . ومن المعلوم أن فن المكاتبات ، جانب أو لون أدبي كان له أهميته الكبرى في بلاطات ملوك العالم الإسلامي وقتذاك في المشرق والمغرب على السواء. ها نحن أُولاءِ نجد معاصره الأديب ابن رشيق القيرواني صاحب كتابي : العمدة في الأدب، وأنموذج الزمان في شعراء القيروان ، يقول عنه في هذا الكتاب (هو شاعر، سهل الكلام، محكمه، لطيف الطبع ، قويَّه، تلوح الكتابة على ألفاظه ، قليل صنعة الشعر ، غلب عليه رسم الكتابة، وعلم التاريخ ، وتأليف الأخبار ، وهو بذلك أحذق الناس، وهو كاتب الحضرة – أي الحضرة الزيرية الصنهاجية – منذ نيف وعشرين سنة إلى الآن) أي إلى عصر ابن رشيق ، وتحديداً إلى عام 425هـ وهو العام الذي ألَّف فيه ابن رشيق كتابه: الأنموذج . ومما يدل على مكانته في فن الكتابة الرسمية ، أن معظم من ترجم له من المؤرخين ، نعته ، أو وصفه بأهم صفتين رئيستين له وهما : أنه كان كاتباً، ومؤرخاً. ويعد الكاتب والمؤرخ والأديب الرقيق القيرواني ، أحد ألأدباء الذين أسهموا في تنشيط وإغداق الحركة الأدبية بمؤلفاتهم القيمة الممتعة ، فقد كان بحق أحد الذين فُتح لهم باب في التأليف ، سواء في التاريخ أو الأدب ، فمن مصنَّفاته التي خُلَّدت له ، كتاب : نظم السلوك في مسامرة الملوك ، وهو كتاب يقع في أربعة أجزاء ، أتى على نسق كتب الآداب السلطانية التي حفلت بها ساحة الأدب في الدولة الإسلامية وقتذاك . ومن كتبه – كذلك – كتاب : الأغاني ويقع في مجلد واحد ضخم ، وقد صنَّفه الرقيق القيرواني على نسق كتاب الأغاني المشهور لأبي الفرج الأصبهاني . ومن كتب الرقيق أيضاً ، كتاب : النساء ، ويتضمن أخبار النساء الشاعرات وغيرهن ، وكتاب قطب السرور، ويقع في جزئيـن ، الذي يقول عنه أحد أدباء تونس المعاصرين ، وهو حسن حسني عبد الوهاب في كتابه : ورقات عن الحضارة العربية بإفريقية التونسية ، إنه - أي كتاب قطب السرور – احتوى (في معظمه مختارات وطرائف ، من أمثال الحكماء ، ومنثور البلغاء ، ومنظوم الشعراء وأخبار الأدباء والظرفاء ، ما لا يستغني عنه شريف ولا يجوز أن يخلو منه ظريف). وإذ ما أردنا الوقوف عند شعر الرقيق القيرواني ، الذي وصفه ابن رشيق القيرواني بأنه شاعر ، سهل الكلام ، محكمه ، لطيف الطبع ، قويَّه ، لوجدنا أنه قد جاء في عدة فنون أو أغراض من أغراض الشعر المعروفة ، مثل المدح، والتَّشوق ، والغزل ، والرثاء ، والفخر ، وقد تتبع شعره أكثر من مؤلف ومنهم الأديب المؤرخ ياقوت الحموي في كتابه: معجم الأدباء .وليتك تعد عزيزي القارئ إلى ترجمته في كتاب:أنموذج الزمان في شعراء القيروان لابن رشيق القيرواني سابق الذكر، لتقف على شعره في الأغراض والفنون الشعرية التي ذكرناها آنفاً. وإذا ما وقفنا عند مكانته في التاريخ والدراسات التاريخية لقلنا دون تردد إن الرقيق القيرواني ، كان بلا منازع أشهر مؤرخي تونس حتى القرن الخامس الهجري وأبرزهم . والحق أن شهرته في علم التاريخ ، قد فاقت شهرته في الأدب والكتابة الرسمية . ولقد ركز على ذلك ابن رشيق في كتابه الأنموذج ، فقال (إنه بعلم التاريخ وتأليف الأخبار أحذق الناس) . أما ابن خلدون في عبره ، فيقول عن الرقيق القيرواني (هو مؤرخ إفريقية والدول التي كانت بالقيروان ــ عاصمة بلاد المغرب الأدنى ، الذي هو إفريقية الذي هو تونس الحالية مع أجزاء من ليبيا والجزائر كما لاخفاء ــ نعم يقول عنه(هو مؤرخ إفريقية والدول التي كانت بالقيروان، ولم يأت من بعده إلاَّ مقلد). ولقد ترك الرقيق القيرواني مجموعة من المصنَّفات التاريخية القيَّمة ، مثل كتاب، تاريخ إفريقية والمغرب ،ويقع في عشر مجلدات ،تناول فيه أحداث بلاد افريقية والمغرب حتى سنة سبع عشر وأربعمائة . وهذا الكتاب، من أجلِّ المصنفات التاريخية، وقد اعتمد عليه كثير من مؤرخي إفريقية وغيرهم في تأريخهم لأحداث المغرب العربي ،لما احتواه من تفصيلات تاريخية مهمة، خلت منها نقولات بعض المؤرخين المغاربة ،ولاعتماده كذلك على وثائق تاريخية ، أتيح له الإطلاع عليها بحكم عمله في ديوان الرسائل الزيري قريباً من نصف قرن ،ولذلك أتت معلوماته كثيفة غزيرة ولاسيما الأحداث التي عاصرها بوصفه شاهد عيان، عاصرها كما ذكرنا بل وشارك فيها. ولقد حقَّق أحد أبناء تونس المحدثين ، وهو المنجي الكعبي، قطعة عثر عليها من هذا الكتاب، ونشرت بجمهوريـــة تونس سنة سبع وستين وتسعمائة وألف للميلاد. ثم أعاد تحقيق القطعة ذاتها كلّ من الدكتورين بجامعة الملك سعود بالرياض: عبد الله العلي الزيدان، وعز الدين عمر موسى ،ونشرتها – أي القطعة – دار الغرب الإسلامي سنة تسعين وتسعمائة وألف للميلاد، الطبعة الأولى. وللرقيق القيرواني كتاب تاريخي آخر بعنوان أخبار بني زيري الصنهاجيين ، ويحتوي على معلومات وأخبار عن بعض أمراء هذه الدولة ،كما للرقيق القيرواني كتاب ثالث في التاريخ بعنوان ،الاختصار البارع للتاريخ الجامع، ويقع في عـدة مجلدات كما يقول الصفدي في كتابه، الوافي بالوفيــــات. لاقى أبو إسحاق / إبراهيم بن القاسم المعروف بالرقيق القيرواني وجه ربه الكريم، سنة خمس وعشرين وأربعمائة من الهجرة النبوية الشريفة . رحمه الله رحمة واسعة. |
إضافة رد |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
أهم الشخصيات *** طه حســـــين ( الأدب ) | NESR | شخصيات تاريخية | 1 | 02-03-2014 04:21 PM |
الصوت المصري الاصيل مع السعودي الناعم الرقيق ....ياتري يعملوا اية؟ | اسامة الجمال | التلاوات القرأنية | 3 | 11-12-2011 09:21 AM |
اهم الشخصيات تاريخ 3/ث | سمير المصرى | المواد المشتركة للمرحلتين | 1 | 09-11-2011 07:54 PM |
قطف الجنى الداني شرح مقدِّمة رسالة ابن أبي زيد القيرواني | مسلم التونسي | الكتب الالكترونية الاسلامية | 4 | 02-18-2011 07:45 PM |