أحكام الأضحية (2/2)
الدكتور حسام الدين عفانه
4. وأما استدلالهم بالحديث من وجد سعة فلم يضح فلا يقربنَّ مُصلانا ) .
فالجواب بأن الحديث حسن ، ولكن الصواب أنه موقوف ، قال الحافظ ابن حجر :[ رواه أحمد وابن ماجة وصححه الحاكم ، ورجح الأئمة غيره وقفه ] (4) .
قال البيهقي :[ بلغني عن أبي عيسى الترمذي أنه قال : الصحيح عن أبي هريرة أنه موقوف
قال: ورواه جعفر بن ربيعة وغيره عن عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة موقوفاً ] (1) .
وقال الحافظ ابن حجر أيضاً :[ أخرجه ابن ماجة وأحمد ورجاله ثقات ، لكن اختلف في رفعه ووقفه ، والموقوف أشبه بالصواب قاله الطحاوي وغيره . ومع ذلك ليس صريحاً في الإيجاب ] (2) .
ونقل الزيلعي المحدّث عن صاحب التنقيح أن الأشبه بالصواب أن الحديث موقوف (3) .
وقال ابن الجوزي :[ … ثم إنه لا يدل على الوجوب كما قال من أكل الثوم فلا يقرب مصلانا ) ] (4) .
وقال ابن عبد البر :[ … الأغلب عندي في هذا الحديث أنه موقوف على أبي هريرة ] (5)
وقال الحافظ ابن عبد البر أيضاً :[ ليس في اللفظ تصريح بإيجابها لو كان مرفوعاً فكيف والأكثر يجعلونه من قول أبي هريرة ] (6) .
5. وأما استدلالهم بحديث أبي رملة عن مخنف بن سليم وفيه ( … إن على كل أهل بيت في كل عام أضحية وعتيرة ) .
فالجواب : إن الحديث ضعيف ، لأن في سنده عامر بن أبي رملة .
قال الخطابي :[ … هذا الحديث ضعيف المخرج وأبو رملة مجهول ] (7) .
وقال الزيلعي المحدّث :[ وقال عبد الحق : إسناده ضعيف . قال ابن القطان : وعلته الجهل بحال أبي رملة واسمه عامر ، فإنه لا يعرف إلا بهذا يرويه عنه ابن عون ] (8) .
وقال الحافظ ابن حجر :[ عامر أبو رملة شيخ لابن عون لا يعرف ] (9) .
وقال البيهقي بعد أن ذكره :[ وهذا إن صح فالمراد به على طريق الاستحباب فقد جمع بينها وبين العتيرة ، والعتيرة غير واجبة بالإجماع ] (1) .
وقال الزيلعي المحدّث :[ وجهل من استشهد بحديث مخنف بن سليم المتقدم ] (2) .
والحديث حسَّنه الترمذي كما سبق حيث قال :[ هذا حديث حسن غريب … ] مع أن صاحب المشكاة ذكر عن الترمذي أنه قال بعد أن ساق الحديث :
[ وقال الترمذي : هذا حديث غريب ضعيف الإسناد ] (3) .
وبهذا يظهر لنا أن الحديث ضعيف من حيث الإسناد . وأما من حيث المتن فإنه منسوخ كما قال أبو داود صاحب السنن بعد أن ساقه:[ العتيرة منسوخة هذا خبر منسوخ ] (4).
وقال صاحب عون المعبود :[ قد ذهب جماعة من أهل العلم إلى أنه منسوخ بالأحاديث الآتية في العتيرة وادعى القاضي عياض أن جماهير العلماء على ذلك ] (5) .
6. وأما الاستدلال على وجوب الأضحية بما ورد في الحديث عن علي أن النبي صلّى الله عليه وسلّم
قال أيها الناس ضحوا واحتسبوا بدمائها … ) .
فالجواب : إن الحديث ضعيف جداً لا يصلح للاستدلال ، وقد بيَّن المحدثون علته :
فقال الهيثمي بعد أن ذكره :[ رواه الطبراني في الأوسط وفيه عمرو بن الحصين العقيلي وهو متروك الحديث ] (6) وكذا قال الحافظ ابن حجر (7).
وعمرو بن الحصين هذا كذاب كما قال الخطيب وغيره (8) .
وقد حكم الشيخ الألباني على هذا الحديث بأنه موضوع (9) .
7. وأما الاستدلال بما روي عن معاذ رضي الله عنه قال كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يأمر أن نضحي … )
فلا يتم الاستدلال به لأنه حديث ضعيف .
قال ابن حزم : وأما حديث معاذ ففيه ابن لهيعة وابن أنعم - وكلاهما في غاية السقوط (1) فالحديث ضعيف (2) .
8. وأما الاستدلال بحديث عائشة قالت يا رسول الله : أستدين وأضحي؟ قال: نعم . )
فالجواب : إن هذا الحديث رواه الدارقطني وقال :[ هذا إسناد ضعيف وهرير هو ابن
عبد الرحمن بن رافع بن خديج ولم يسمع من عائشة ولم يدركها ] (3) .
فلا يصلح دليلاً . ونقل البيهقي تضعيفه عن الحافظ الدارقطني (4) .
9. وأما قولهم إن مواظبة الرسول صلّى الله عليه وسلّم على الأضحية في كل عام تدل على الوجوب ، فغير مسلَّم لأن مواظبة النبي صلّى الله عليه وسلّم بذاتها على فعل معين لا تدل على وجوبه ، وإن قال بعض الحنفية إن المواظبة تدل على الوجوب ، كما استدل صاحب الهداية الحنفي على وجوب صلاة العيدين بالمواظبة من غير ترك .
ولكن الشيخ عبد العلي محمد الأنصاري شارح مسلم الثبوت ،لم يرتض ذلك فلا يرى أن المواظبة على الفعل مع عدم الترك دليل الوجوب عند الحنفية ونقض ذلك بما هو معلوم عند الحنفية من سنة صلاة الجماعة مع أنه - صلّى الله عليه وسلّم -لم يتركها أصلاً ، وكذا الأذان والإقامة وصلاة الكسوف والخطبة الثانية في الجمعة والاعتكاف والترتيب والمولاة في الوضوء ، وكذا المضمضة والاستنشاق ، وغير ذلك مما ثبت فيه المواظبة من غير ترك مع أنها سنة .
وقد استدل صاحب الهداية نفسه على سنية أكثرها بالمواظبة مع عدم تبيين تركها ، بل ثبت عدم الترك ، فتدبر أحسن التدبر فتعلم أن المواظبة ليست دليل الوجوب عندهم (5) .
10. وأما احتجاجهم بأن الإضافة ليوم الأضحى مؤذنة بالوجوب … الخ .
فالجواب ما قاله الشيخ محمد الأمين الشنقيطي :[ واستدلال بعض الحنفية على وجوبها بالإضافة في قولهم يوم الأضحى قائلاً : إن الإضافة إلى الوقت لا تحقق إلا إذا كانت موجودة فيه بلا شك ولا تكون موجودة فيه بيقين إلا إذا كانت واجبة ، لا يخفى سقوطه لأن الإضافة تقع بأدنى ملابسة فلا تقتضي الوجوب على التحقيق كما لا يخفى ] (1) .
وبعد هذه المناقشة لأدلة القائلين بوجوب الأضحية يظهر لنا أنها قاصرة عن إثبات الوجوب لأن هذه الأدلة لم تسلم من المعارضة .
وأما أدلة الجمهور على أن الأضحية سنة ، فهي في مجملها قوية ويثبت بها المراد .
ولعل من أقوى تلك الأدلة على إثبات سنِّية الأضحية حديث أم سلمة رضي الله عنها حيث جعل النبي صلّى الله عليه وسلّم أمر الأضحية راجعاً لإرادة المسلم ورغبته .
ومع كل ما سبق أرى أن الأضحية سنة مؤكدة ، لا ينبغي لمسلم قادر عليها أن يتركها إبراءً للذمة ، وخروجاً من الخلاف .
فقد روى الإمام البخاري في صحيحه عن ابن عمر تعليقاً :[ وقال ابن عمر : هي سنة ومعروف ] .
قال الحافظ ابن حجر :[ وصله حماد بن سلمة في مصنفه بسند جيد إلى ابن عمر ] (2) .
وقد روى الترمذي بإسناده عن جبلة بن سحيم : أن رجلاً سأل ابن عمر عن الأضحية أواجبة هي ؟ فقال : ضحى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والمسلمون .
فأعادها عليه . فقال : أتعقل ضحى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والمسلمون .
قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح ، والعمل على هذا عند أهل العلم ، أن الأضحية ليست بواجبة ولكنها سنة من سنن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يستحب أن يعمل بها (3) .
وقال الحافظ ابن حجر معلقاً على كلام الإمام الترمذي :[ وكأنه - أي الترمذي - فهم من كون ابن عمر لم يقل في الجواب نعم ، أنه لا يقول بالوجوب فإن الفعل المجرد لا يدل على ذلك . وكأنه أشار بقوله : والمسلمون إلى أنها ليست من الخصائص ] (1) .
وقال الإمام الشافعي :[ الضحايا سنة لا أحب تركها ] (2) .
وقال البيهقي :[ باب الأضحية سنة نحب لزومها ونكره تركها ] (3) .
وقال الحافظ ابن عبد البر :[ تحصيل مذهب مالك أنها من السنن التي يؤمر الناس بها ويندبون إليها ، ولا يرخص في تركها إلا للحاج بمنى … ] (4) .
وقال الحافظ ابن عبد البر أيضاً :[ ضحى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم طول عمره ، ولم يأت عنه أنه ترك الأضحى ، وندب إليها فلا ينبغي لمؤمن موسرٍ تركها وبالله التوفيق ] (5) .
ونقل الحافظ ابن عبد البر أقوالاً عن الصحابة في أن الأضحية ليست بحتم ، وذكر قول عكرمة :[ كان ابن عباس يبعثني يوم الأضحى بدرهمين أشتري له لحماً ويقول : من لقيت فقل هذه أضحية ابن عباس ] .
ثم قال الحافظ ابن عبد البر :[ وهذا أيضاً محمله عند أهل العلم لئلا يعتقد فيها للمواظبة عليها أنها واجبة فرضاً . وكانوا أئمة يقتدي بهم من بعدهم ممن ينظر في دينه إليهم . لأنهم الواسطة بين النبي صلّى الله عليه وسلّم وبين أمته فساغ لهم الاجتهاد في ذلك ، ما لا يسوغ اليوم لغيرهم .
والأصل في هذا الباب أن الضحية سنة مؤكدة ، لأن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فعلها وواظب عليها وندب أمته إليها .
وحسبك أن من فقهاء المسلمين من يراها فرضاً ، لأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المضحي قبل وقتها بإعادتها وقد بيَّنا ما في ذلك والحمد لله ] (6) .
من كتاب المفصل في أحكام الأضحية
تأليف الدكتور حسام الدين عفانه
الأستاذ المشارك في الفقه والأصول
كلية الدعوة وأصول الدين
جامعة القدس
_______________
(1) انظر المجموع 8/385 ، المغني 9/435 ، الحاوي الكبير 15/71 ، شرح الخرشي 3/33 ، شرح الآبي على صحيح مسلم 5/290 ، تفسير القرطبي 15/108 ، بلغة السالك 1/286 ، بدائع الصنائع 4/192-193 ، الهداية مع تكملة شرح فتح القدير 8/425 ، تبيين الحقائق 6/2 ، مغني المحتاج 6/123 ، سنن الترمذي مع شرحه تحفة الأحوذي 5/79 المحلى 6/3 .
(2)المجموع 8/385 ، الحاوي الكبير 15/71 ، المغني 9/435 ، الذخيرة 4/140 ، بداية المجتهد 1/348 .
(3)الهداية مع تكملة شرح فتح القدير 8/425 ، تبيين الحقائق 6/2 ، بدائع الصنائع 4/193 ، ملتقى الأبحر 2/222 ، عقود الجواهر المنيفة 2/70 ، مجموع فتاوى شيخ الإسلام 23/162 .
(1)صحيح مسلم بشرح النووي 5/116 .
(2)صحيح البخاري مع الفتح 12/101 ، صحيح مسلم مع شرح النووي 5/100 .
(3)انظر بداية المجتهد 1/348 .
(4)سبق تخريجه .
(5)مختصر المزني مع الأم 8/283 ، الحاوي 15/67 ، المجموع 8/386 .
(6)الفتح الرباني 22/41 ، سنن البيهقي 9/264 .
(1)المجموع 8/386 .
(2)التلخيص الحبير 2/18 .
(3)التلخيص الحبير 3/118 .
(4)المستدرك 4/255 ، الفتح الرباني 13/63-64 ، سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود 8/3 ، سنن الترمذي مع شرحه التحفة 5/94 ، سنن ابن ماجة 2/1043 ، سنن البيهقي 9/264 ، إرواء الغليل 4/349-350 .
(5)المنتقى مع شرحه نيل الأوطار 5/125 .
(6)الفتح الرباني 13/61 .
(1)نيل الأوطار 5/125 .
(2)التلخيص الحبير 4/143 .
(3)مجمع الزوائد 4/22 .
(4)إرواء الغليل 4/352 .
(5)نيل الأوطار 5/126 .
(6)مختصر المزني مع الأم 8/283 .
(7)سنن البيهقي 9/265 .
(8)المجموع 8/383 .
(9)مجمع الزوائد 4/18 .
(10)إرواء الغليل 4/355 .
(1)مختصر المزني مع الأم 8/284 .
(2)سنن البيهقي 9/265 .
(3)المصدر السابق 9/265 .
(4)التلخيص الحبير 4/145 .
(5)إرواء الغليل 4/355 .
(6)المجموع 8/386 .
(7)الحاوي 15/72 .
(1)بدائع الصنائع 4/193 ، وانظر تحفة الفقهاء 3/81 ، الاختيار 5/16-17 ، اللباب في الجمع بين السنة والكتاب 2/641 .
(2)إعلاء السنن 17/241-240 .
(1) مجموع فتاوى شيخ الإسلام 23/162 .
(2) صحيح البخاري مع الفتح 12/108 ،صحيح مسلم بشرح النووي 5/98 – 99 .
(3) إعلاء السنن 17/246 .
(4)بدائع الصنائع 4/194 .
(1)المستدرك 4/258 ، الفتح الرباني 13/58 ، سنن ابن ماجه 2/1044 ، سنن البيهقي 9/ 260 ، سنن الدار قطني 4/276.
(2)بدائع الصنائع 4/194 .
(3)الفتح الرباني 13/58 ، سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود 7/340 ، سنن الترمذي مع شرحه التحفة 5/92 ، سنن النسائي 7/167 ، سنن ابن ماجه 2/1045 .
(4)سنن الترمذي مع شرحه التحفة 5/92 .
(5)انظر بدائع الصنائع 4/194 .
(6)مجمع الزوائد 4/17
(7)إعلاء السنن 17/245 .
(8)المصدر السابق 17/239 .
(1)سنن البيهقي 9/262 ، سنن الدار قطني 4/283 ، اللباب في الجمع بين السنة والكتاب 2/642 .
(2)إعلاء السنن 17/244 .
(3)تبيين الحقائق 6/3 ، وانظر الهداية 8/427-430 .
(1)معرفة السنن والآثار 14/18-20 ، تفسير القرطبي 20/218-220 .
(2)نيل الأوطار 5/127 .
(3)انظر سبل السلام 4/170 .
(1) مختصر المزني مع شرحه الحاوي 15/67 ، وانظر أيضاً معرفة السنن والآثار 14/14-15 .
(2) فتح الباري 12/114 .
(3) فتح الباري 12/99 .
(4)فتح الباري 12/112 .
(1)سنن ابن ماجه 2/1045 .
(2)سنن البيهقي 9/261 .
(3)سلسلة الأحاديث الضعيفة 2/14 حديث 527 .
(4)بلوغ المرام ص 281 .
(1)سنن البيهقي 9/260 .
(2) فتح الباري 12/98 .
(3)نصب الراية 4/207 .
(4)التحقيق في أحاديث الخلاف 2/161 .
(5)فتح المالك 7/17 .
(6)الاستذكار 15/160 .
(7)معالم السنن 2/195 .
(8) نصب الراية 4/211 .
(9)تقريب التهذيب ص162 .
(1) معرفة السنن والآثار 14/17 .
(2)نصب الراية 4/211 .
(3)مشكاة المصابيح 1/465 .
(4)سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود 7/341 .
(5)عون المعبود 7/341 .
(6) مجمع الزوائد 4/17 .
(7)تقريب التهذيب ص258 .
(8)انظر سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة 1/57-58 .
(9)سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة 2/16 .
(1) المحلى 6/8 .
(2)المجلى في تحقيق أحاديث المحلى ص427 .
(3)سنن الدار قطني 4/283 .
(4)سنن البيهقي 9/262 .
(5)فواتح الرحموت بشرح مسلَّم الثبوت 2/181 بتصرف يسير .
(1) أضواء البيان 5/420 .
(2) صحيح البخاري مع الفتح 12/98 .
(3) سنن الترمذي مع شرحه تحفة الأحوذي 5/78-79 .
(1)فتح الباري 12/99 .
(2) الأم 2/221 .
(3) سنن البيهقي 9/262 .
(4) الاستذكار 15/156 .
(5) المصدر السابق 15/163-164 .
(6) فتح المالك بتبويب التمهيد لابن عبد البر على موطأ مالك 7/19 .