الموضوع: سورة النساء.
عرض مشاركة واحدة
قديم 02-02-2014, 05:12 PM   #12
أبو عادل
عضو متألق ومشرح للأشراف على الأقسام الإسلامية
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
الدولة: المملكة المغربية
المشاركات: 2,446
معدل تقييم المستوى: 16
أبو عادل is on a distinguished road
افتراضي رد: سورة النساء.

ونرجع إلى مناقشة القرآن لأهل الكتاب: ماذا يطلبون؟ "يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة!! " . وهذه ليست مقترحات عقل يبحث عن الحقيقة ويسعى إلى اليقين! هذه مقترحات طبع غليظ وقلب متكبر ولذلك لما سئل موسى ما سئل، وفجر قومه على هذا النحو عوقبوا بصاعقة استأصلت شأفتهم. واليهود من أغلظ الناس طباعا وأقساهم قلوبا، ولذلك أخذ عليهم الميثاق بالتهديد!! رفع الجبل فوق رءوسهم، وأوشك أن ينقض عليهم ليكون فوقهم مقبرة جماعية..... ومع ذلك نقضوا الميثاق! قال تعالى "فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء بغير حق وقولهم قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا * وبكفرهم وقولهم على مريم بهتانا عظيما" . وما داموا يرون مريم بغيا فهم يسعون إلى قتل ابنها لا سيما وقد ادعى النبوة!! وقد نجى الله عيسى من مكايدهم، ولم ينجح سعيهم فى الخلاص منه فقال.. " وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا * بل رفعه الله إليه... " . ولكن مواريث الوهم التى تسيطر على العامة جعلت كثيرين يصدقون شائعة الصلب والفداء، ويجعلونها عقيدة ثابتة. والواقع أن السلبية السائدة تخدم ظنونا لا تعتمد على عقل ولا نقل، ولو اتسعت المعرفة وتحرر الفكر لتغير الموقف ولذلك يقول القرآن الكريم مؤكدا نجاة عيسى وعبوديته لله الواحد " لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة والمؤمنون بالله واليوم الآخر أولئك سنؤتيهم أجرا عظيما" . وتجىء خواتيم سورة النساء لتصدر أحكاما حاسمة على كل الطوائف التى سبق الحديث عنها، فالكافرون والمنافقون لهم سوء العقبى، لأنهم يجهلون ويتعصبون للجهل ويعملون على تجهيل الآخرين أى أنهم يكفرون ويمنعون الغير من الإيمان، ولذلك قال فيهم
ص _069
" إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله قد ضلوا ضلالا بعيدا * إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا..." الخ . والمتفرس فى ملامح الاستعمار الحديث يراه جامعا بين إلحاد الفكر وظلم الشعوب أو بين كراهية الإسلام وإذلال اتباعه! ثم يتجه إلى اليهود نداء يستحق التأمل " يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم فآمنوا خيرا لكم وإن تكفروا فإن لله ما في السماوات والأرض وكان الله عليما حكيما.. ". لقد نودى اليهود مجردين من كل انتساب علمى، لأنهم حملوا التوراة ثم لم يحملوها.! ولم يعتبروا أهل كتاب لأنهم شابهوا عبدة الأصنام فى الجهل والإنكار، بل زادوا عليهم الغلو فصح أن ينادوا بيا أيها الناس كما ينادى أهل مكة، ومن لا علاقة له بوحى قط..! وتلا ذلك نداء للنصارى الذين غلبتهم الحيرة، وأتاهتهم فى فجاج كثيرة، وسبب ذلك الغلو الشديد! إن الغلو يبعث على المبالغة، وينأى بأصحابه عن الجادة من أجل ذلك يقول الله لهم " يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا لكم إنما الله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد له ما في السماوات وما في الأرض وكفى بالله وكيلا" . والحق أن التنقيب فى الكون، والبحث الشاق فى السموات والأرض لا يسفر إلا عن إلهه واحد، أين الآخر؟ أين ما خلق ورزق؟ من الذى شارك الله فى خلق الذرة والمجرة؟ من الذى شاركه فى خلق النطفة والبويضة؟؟. من الذى يساعده فى تدبير الأمور؟، إن العالم الكبير لا تديره شركة من أى نوع! إنما الله إله واحد! الخضوع له حق، والامتثال له حق، والزلفى إليه واجبه، وعبادته فريضة على الكل. ولذلك قال تعالى: " لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعا" .

ص _070
وتختم سورة النساء بآية تشرح ميراث الكلالة - وهو من لا ولد له ولا والد. وهى بذلك الختم تكمل ما بدأت به السورة من حديث عن الأسرة وتكوينها وحراستها وتفصيل قضاياها "يبين الله لكم أن تضلوا والله بكل شيء عليم". وقد رأيت أن موضوع السورة عام يتناول المجتمع كله وأحوال الطوائف العديدة التى يتكون منها، فحديث النساء جزء من كل. أو كما عبرنا: الأسرة مجتمع صغير، والمجتمع أسرة كبيرة، وهداية الله تشمل الجميع لأنه بكل شيء عليم. وقصار النظر يحسبون السورة أجزاء مفككة، وهذا خطأ يحمى الله منه أهل التدبر والاعتبار.... أرفض خداع العناوين، إن أسماء السورة القرآنية شئ غير موضوعاتها، الموضوعات غالبا متشعبة مستفيضة أما الأسماء فذات دلالات جزئية. خذ مثلا سورة البقرة، إن قصة بنى إسرائيل مع البقرة التى أمروا بذبحها لا تستغرق نصف صفحة من صفحات السورة التى تزيد على الأربعين.... والسورة بعدئذ بحر متلاطم من التاريخ والتشريع والحكمة والأدب... وكذلك سورة النساء! إن شئون الأسرة فيها محدودة أما السورة نفسها ففيها التركيبة الاجتماعية التى تلحظ على العالم أجمع فى شتى أقطاره. ولقد ألف كبار العلماء كتبا حسنة شرحت ما فى هذه السورة من آداب اجتماعية عالية تتناول الأصدقاء والخصوم، والكبار والصغار، والأغنياء والفقراء.... خصوصا أتباع الأديان المختلفة وما ينشأ بينهم من أخذ ورد، وحرب وسلم، وأوضحت المنهاج الذى يلتزمه المسلم، ويثبت عليه ما دام الليل والنهار.

ص _071




مأخوذ من كتاب نحْوَ تفسير مَوْضوعيّ.

الشيخ محمد الغزالي.



__________________
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
بارك الله فيكم ونفعكم بكم، ووفقني وإياكم لما يحب ويرضى.
أبو عادل غير متواجد حالياً