الموضوع: سورة آل عمران.
عرض مشاركة واحدة
قديم 02-02-2014, 09:46 AM   #6
أبو عادل
عضو متألق ومشرح للأشراف على الأقسام الإسلامية
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
الدولة: المملكة المغربية
المشاركات: 2,446
معدل تقييم المستوى: 16
أبو عادل is on a distinguished road
افتراضي رد: سورة آل عمران.

" لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور" . ويبلغ اليهود فى كفرهم حدا من الإسفاف يحنق الحليم! فالقرآن يطالب المؤمنين بالإنفاق فى سبيل الله، سواء كان هذا الإنفاق دفاعا عن الحق أو كان إسعافا للفقراء والمساكين. وهو يفرض ذلك فى أسلوب عالي يغرى بالبذل، فى أشرف صور البيان " من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون " . فماذا يقول اليهود عندما يسمعون ذلك؟ يقولون: إن الله فقير يقترض من العباد!! ويقولون: إنه ينهى عن الربا ويتعامل به!! " لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق " . والواقع أن هذا تعليق قوم ليس فى أفئدتهم إيمان ولا تقى، يعيشون بمواريثهم عيشة خسيسة! ويستقبلون الإيمان الغض بأحقاد بالية وسخائم محقورة.. ولا يستغرب فى مجتمعهم أن يعبد المال وحده، وأن تطلب الدنيا وتنسى الآخرة!! وأن يعاملوا غيرهم من البشر وهم صرعى هذا الدنايا.. اليهود يرون أنفسهم شعب الله المختار! فهل هذا الاختيار تعليم للأمم وإحسان إليها، أم هو الاستعلاء عليها ثم استغلالها واستنزافها؟. إن التاريخ اليهودى ليس تاريخ عطاء بقدر ما هو تاريخ صلف وغصب!! وليس عرب اليوم هم الذين يقولون ذلك، بل تقوله شعوب أوروبا وأمريكا التى عانت قديما وسوف تعانى مستقبلا.. وفى هذه السورة تلخيص لسيرة اليهود " وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون * لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم".
ص _044
وتنقلنا سورة آل عمران إلى جو آخر بعيد عن الماضى وذكرياته الحلوة والمرة... إننى إنسان أعيش فى هذا العالم، وأعرف قواه ونواميسه وخيراته ودلالاته! ألا يقودنى هذا إلى الله والتسبيح بحمده، والإقرار بمجده. لأترك جانبا الخلاف بين الأديان وأتباعها، ولأعول على عقلى الذى سأحاسب به! ولأفكر فى مصيرى بعد هذه الدنيا! لماذا أنسى ربى وأبتعد عن صراطه المستقيم؟ يجب أن أنعطف إليه وألوذ به! وها قد ظهر إنسان يصيح بأهل الأرض أن يثوبوا إلى رشدهم ويؤمنوا بربهم. لماذا الصد عنه؟. ألا يستحق هذا الداعى المتجرد أن أصيح إليه، وأتدبر دعوته " ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار " . إن الله يجيب هذا الدعاء بأنه لا يضيع عمل عامل من الإنس أو الجن، من السود أو البيض، لا يهم العنصر أو النسب، المهم العمل الصالح. ماذا يتعاظم الناس عن الإيمان بإنسان يدعو إلى الصلاح على ضوء من الخشوع لله والاستعداد للقائه؟ ماذا فى دعوته يؤلب القلوب ضده، أو يحرض الأحزاب على قتاله؟. لكن العميان من عبدة الأصنام والمتعصبين من أهل الكتاب تألبوا عليه، وقاتلوه.. واضطروا أتباعه إلى هجرة وطنهم وتحمل أنواع الأذى فى سبيل معتقدهم، فليكن جزاؤهم كما وصف الله " فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار.. " . إن الكفار قد تعلو رايتهم، وتنتصر جيوشهم، ليكن، فذلك إلى حين " لا يغرنك تقلب الذين
كفروا في البلاد * متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد " . وقد غلب المشركون يوما فى أحد، فماذا كان؟ توقف سيل الحق قليلا، ثم مضى تياره من بعد عاصفا لا يقفه شئ، والعاقبة للتقوى..! وختمت سورة آل عمران بعد هذا العرض المفصل بآيتين، أولاهما تتحدث عن أهل الكتاب،

ص _045
وما ينبغى منهم بإزاء النبى الخاتم " وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا أولئك لهم أجرهم عند ربهم " . والآية تتضمن إلى آخر الدهر دعاء إلى أهل الكتاب من يهود ونصارى أن يستمعوا إلى النبى الخاتم، ويؤمنوا بما جاء به. أما الآية الأخرى فهى قوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون " . هذا توجيه للمسلمين الذين اتبعوا محمدا أن يصبروا على تعاليم الحق الذى شرفهم الله به، وأن يكونوا أصبر من غيرهم فى هذا المجال، وأن يكونوا فى رباط دائم حول ثغورهم وأراضيهم حتى لا تدخل عليهم من أقطارهما كما فعل الاستعمار الأخير! هذا نداء لنا، فهل نلبى النداء؟.
ص _047



مأخوذ من كتاب نحْوَ تفسير مَوْضوعيّ.

الشيخ محمد الغزالي.



__________________
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
بارك الله فيكم ونفعكم بكم، ووفقني وإياكم لما يحب ويرضى.
أبو عادل غير متواجد حالياً