عرض مشاركة واحدة
قديم 02-22-2011, 05:40 PM   #8
أبو عادل
عضو متألق ومشرح للأشراف على الأقسام الإسلامية
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
الدولة: المملكة المغربية
المشاركات: 2,446
معدل تقييم المستوى: 16
أبو عادل is on a distinguished road
افتراضي

إسلام خديجة بنت خويلد

وآمنت به خديجة بنت خويلد ، وصدقت بما جاءه من الله ووازرته على أمره وكانت أول من آمن بالله وبرسوله وصدق بما جاء منه فخفف الله بذلك عن نبيه صلى الله عليه وسلم لا يسمع شيئا مما يكرهه من رد عليه وتكذيب له فيحزنه ذلك إلا فرج الله عنه به إذا رجع إليها ، تثبته وتخفف عليه وتصدقه وتهون عليه أمر الناس رحمها الله تعالى
قال ابن إسحاق : وحدثني هشام بن عروة ، عن أبيه عروة بن الزبير ، عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرت أن أبشر خديجة ببيت من قصب لا صخب فيه ولا نصب
قال ابن هشام : القصب هاهنا : اللؤلؤ المجوف
قال ابن هشام : وحدثني من أثق به أن جبريل عليه السلام أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أقرئ خديجة السلام من ربها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا خديجة هذا جبريل يقرئك السلام من ربك فقالت خديجة الله السلام ومنه السلام وعلى جبريل السلام


حديث عبد الله بن جعفر وغيره عن خديجة


فصل وذكر حديث عبد الله بن جعفر بن أبي طالب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر أن يبشر خديجة ببيت من قصب لا صخب فيه ولا نصب . هذا حديث مرسل وقد رواه مسلم متصلا عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت ما غرت على أحد ما غرت على خديجة ولقد هلكت قبل أن يتزوجني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بثلاث سنين ولقد أمر أن يبشرها ببيت من قصب في الجنة
وفي حديث آخر أن عائشة قالت ما تذكر من عجوز حمراء الشدقين هلكت في الدهر قد أبدلك الله خيرا منها ، فغضب وقال " والله ما أبدلني الله خيرا منها ; آمنت بي حين كذبني الناس وواستني بمالها حين حرمني الناس ورزقت الولد منها ، وحرمته من غيرها
وروى يونس عن عبد الواحد بن أيمن المخزومي قال حدثنا أبو نجيح قال أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم جزور أو لحم فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عظما منها ، فناوله الرسول بيده فقال اذهب بهذا إلى فلانة فقالت عائشة لم غمرت يدك ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مغضبا : " إن خديجة أوصتني بها " ، فغارت عائشة وقالت لكأنه ليس في الأرض امرأة إلا خديجة فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مغضبا ، فلبث ما شاء الله ثم رجع فإذا أم رومان قالت يا رسول الله ما لك ولعائشة ؟ إنها حدثة وإنك أحق من تجاوز عنها ، فأخذ بشدق عائشة وقال ألست القائلة " كأنما ليس على الأرض امرأة إلا خديجة والله لقد آمنت بي إذ كفر قومك ، ورزقت مني الولد وحرمتموه وفي صحيح مسلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال خير نسائها : مريم بنت عمران وخير نسائها : خديجة والهاء في نسائها حين ذكر مريم عائدة على السماء والهاء في نسائها حين ذكر خديجة عائدة على الأرض وذلك أن هذا الحديث رواه وكيع وأبو أسامة وابن نمير في آخرين وأشار وكيع من بينهم حين حدث بالحديث بإصبعه إلى السماء عند ذكر مريم ، وإلى الأرض عند ذكر خديجة ، وهذه إشارة ليست من رأيه وإنما هي زيادة من حديثه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وزيادة العدل مقبولة ويحتمل أن يكون معنى إشارته إلى السماء والأرض عند ذكرهما ، أي هما خير نساء بين السماء والأرض وهذا أثبت عندي بظاهر الحديث . ولعلنا أن نذكر اختلاف العلماء في التفضيل بين مريم وخديجة وعائشة - رضي الله عنهن - وأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - وما نزع به كل فريق منهم .
حول ما بشرت به خديجة


وأما قوله ببيت من قصب فقد رواه الخطابي مفسرا ، وقال فيه قالت خديجة : يا رسول الله هل في الجنة قصب ؟ فقال " إنه قصب من لؤلؤ مجبى قال الخطابي : يجوز أن يكون معناه مجوبا من قولك : جبت الثوب إذا خرقته ، فيكون من المقلوب ويجوز أن يكون الأصل مجببا بباءين من الجب وهو القطع أي قطع داخله وقلبت الباء ياء كما قالوا : تظنيت من الظن وتقصيت أظفاري ، وتكلم أصحاب المعاني في هذا الحديث وقالوا : كيف لم يبشرها إلا ببيت وأدنى أهل الجنة منزلة من يعطى مسيرة ألف عام في الجنة كما في حديث ابن عمر خرجه الترمذي ، وكيف لم ينعت هذا البيت بشيء من أوصاف النعيم والبهجة أكثر من نفي الصخب وهو رفع الصوت فأما أبو بكر الإسكاف فقال في كتاب فوائد الأخبار له معنى الحديث أنه بشرت ببيت زائد على ما أعد الله لها مما هو ثواب لإيمانها وعملها ; ولذلك قال لا صخب فيه ولا نصب أي لم تنصب فيه ولم تصخب . أي إنما أعطيته زيادة على جميع العمل الذي نصبت فيه . قال المؤلف رحمه الله لا أدري ما هذا التأويل ولا يقتضيه ظاهر الحديث ولا يوجد شاهد يعضده وأما الخطابي ، فقال البيت هاهنا عبارة عن قصر وقد يقال لمنزل الرجل بيته والذي قاله صحيح يقال في القوم هم أهل بيت شرف وبيت عز وفي التنزيل غير بيت من المسلمين ولكن لذكر البيت هاهنا بهذا اللفظ ولقوله ببيت ولم يقل بقصر معنى لائق بصورة الحال وذلك أنها كانت ربة بيت إسلام لم يكن على الأرض بيت إسلام إلا بيتها حين آمنت وأيضا فإنها أول من بنى بيتا في الإسلام بتزويجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورغبتها فيه وجزاء الفعل يذكر بلفظ الفعل وإن كان أشرف منه لما جاء من كسا مسلما على عري كساه الله من حلل الجنة ومن سقى مسلما على ظمإ سقاه الله من الرحيق ومن هذا الباب قوله عليه السلام من بنى لله مسجدا بنى الله له مثله في الجنة لم يرد مثله في كونه مسجدا ، ولا في صفته ولكن قابل البنيان بالبنيان أي كما بنى يبنى له كما قابل الكسوة بالكسوة والسقيا بالسقيا ، فهاهنا وقعت المماثلة لا في ذات المبني أو المكسو وإذا ثبت هذا ، فمن هاهنا اقتضت الفصاحة أن يعبر لها عما بشرت به بلفظ البيت وإن كان فيه ما لا عين رأته ولا أذن سمعته ولا خطر على قلب بشر ومن تسمية الجزاء على الفعل بالفعل في عكس ما ذكرناه قوله تعالى : نسوا الله فنسيهم ومكروا ومكر الله
وأما قوله لا صخب فيه ولا نصب فإنه أيضا من باب ما كنا بسبيله لأنه - عليه السلام - دعاها إلى الإيمان فأجابته عفوا ، لم تحوجه إلى أن يصخب كما يصخب البعل إذا تعصت عليه حليلته ولا أن ينصب بل أزالت عنه كل نصب وآنسته من كل وحشة وهونت عليه كل مكروه وأراحته بما لها من كل كد ونصب فوصف منزلها الذي بشرت به بالصفة المقابلة لفعالها وصورته .
وأما قوله من قصب ولم يقل من لؤلؤ وإن كان المعنى واحدا ، ولكن في اختصاصه هذا اللفظ من المشاكلة المذكورة والمقابلة بلفظ الجزاء للفظ العمل أنها - رضي الله عنها - كانت قد أحرزت قصب السبق إلى الإيمان دون غيرها من الرجال والنسوان . والعرب تسمي السابق محرزا للقصب . قال الشاعر
مشى ابن الزبير القهقرى ، وتقدمت
أمية حتى أحرزوا القصبات </SPAN>

فاقتضت البلاغة أن يعبر بالعبارة المشاكلة لعملها في جميع ألفاظ الحديث فتأمله .


الموازنة بين خديجة وعائشة


فصل وذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لخديجة : " هذا جبريل يقرئك السلام من ربك الحديث يذكر عن أبي بكر بن داود أنه سئل أعائشة أفضل أم خديجة ؟ فقال " عائشة أقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم السلام من جبريل وخديجة أقرأها جبريل السلام من ربها على لسان محمد - صلى الله عليه وسلم - فهي أفضل " ، قيل له فمن أفضل أخديجة أم فاطمة ؟ فقال إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال إن فاطمة بضعة مني فلا أعدل ببضعة من رسول الله أحدا وهذا استقراء حسن ويشهد لصحة هذا الاستقراء أن أبا لبابة حين ارتبط نفسه وحلف ألا يحله إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاءت فاطمة لتحله فأبى من أجل قسمه فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " إنما فاطمة مضغة مني فحلته وسنذكر الحديث بإسناده في موضعه إن شاء الله تعالى ،
ويدل أيضا على تفضيل فاطمة قوله - عليه السلام - لها : أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة إلا مريم ؟ فدخل في هذا الحديث أمها وأخواتها ، وقد تكلم الناس في المعنى الذي سادت به فاطمة غيرها دون أخواتها ، فقيل إنها ولدت سيد هذه الأمة وهو الحسن الذي يقول فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - إن ابني هذا سيد وهو خليفة بعلها خليفة أيضا ، وأحسن من هذا القول قول من قال سادت أخواتها وأمها ، لأنهن متن في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - فكن في صحيفته ومات أبوها وهو سيد العالمين فكان رزؤه في صحيفتها وميزانها ، وقد روى البزار من طريق عائشة أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لفاطمة هي خير بناتي ، إنها أصيبت بي فحق لمن كانت هذه حاله أن يسود نساء أهل الجنة وهذا حسن والله أعلم . ومن سؤددها أيضا أن المهدي المبشر به آخر الزمان من ذريتها ، فهي مخصوصة بهذا كله والأحاديث الواردة في أمر المهدي كثيرة وقد جمعها أبو بكر بن أبي خيثمة فأكثر ومن أغربها إسنادا ما ذكره أبو بكر الإسكاف في فوائد الأخبار مسندا إلى مالك بن أنس عن محمد بن المنكدر عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كذب بالدجال فقد كفر ومن كذب بالمهدي فقد كفر وقال في طلوع الشمس من مغربها مثل ذلك فيما أحسب .


الله السلام


وقول خديجة : الله السلام ومنه السلام وعلى جبريل السلام علمت بفقهها أن الله سبحانه لا يرد عليه السلام كما يرد على المخلوق لأن السلام دعاء بالسلامة فكان معنى قولها : الله السلام فكيف أقول عليه السلام والسلام منه يسأل ومنه يأتي ؟ ولكن على جبريل السلام فالذي يحصل من هذا الكلام من الفقه أنه لا يليق بالله سبحانه إلا الثناء عليه فجعلت مكان رد التحية على الله ثناء عليه كما عملوا في التشهد حين قالوا : السلام على الله من عباده السلام على فلان فقيل لهم لا تقولوا هذا ، ولكن قولوا : التحيات لله وقد ذكرنا في غير هذا الكتاب فوائد جمة في معنى التحيات إلى آخر التشهد . وقولها : ومنه السلام إن كانت أرادت السلام التحية فهو خبر يراد به التشكر كما تقول هذه النعمة من الله وإن كانت أرادت السلام بالسلامة من سوء فهو خبر يراد به المسألة كما تقول منه يسأل الخير . وذهب أكثر أهل اللغة إلى أن السلام والسلامة بمعنى واحد كالرضاع والرضاعة ولو تأملوا كلام العرب وما تعطيه هاء التأنيث من التحديد لرأوا أن بينهما فرقانا عظيما ، وأن الجلال أعم من الجلالة بكثير وأن اللذاذ أبلغ من اللذاذة وأن الرضاعة تقع على الرضعة الواحدة والرضاع أكثر من ذلك فكذلك السلام والسلامة وقس على هذا : تمرة وتمرا ، ولقاة ولقى ، وضربة وضربا ، إلى غير ذلك وتسمى سبحانه بالسلام لما شمل جميع الخليقة ، وعمهم من السلامة من الاختلال والتفاوت إذ الكل جار على نظام الحكمة كذلك سلم الثقلان من جور وظلم أن يأتيهم من قبله سبحانه فإنما الكل مدبر بفضل أو عدل أما الكافر فلا يجري عليه إلا عدله وأما المؤمن فيغمره فضله فهو سبحانه في جميع أفعاله سلام لا حيف ولا ظلم ولا تفاوت ولا اختلال ومن زعم من المفسرين لهذا الاسم أنه تسمى به لسلامته من الآفات والعيوب فقد أتى بشنيع من القول إنما السلام من سلم منه والسالم من سلم من غيره
وانظر إلى قوله سبحانه كوني بردا وسلاما وإلى قوله سلام هي ولا يقال في الحائط : سالم من العمى ، ولا في الحجر أنه سالم من الزكام أو من السعال إنما يقال سالم فيمن تجوز عليه الآفة ويتوقعها ثم يسلم منها ، والقدوس سبحانه متعال عن توقع الآفات متنزه عن جواز النقائص ومن هذه صفته لا يقال سلم ولا يتسمى بسالم وهم قد جعلوا سلاما بمعنى سالم والذي ذكرناه أول هو معنى قول أكثر السلف والسلامة خصلة واحدة من خصال السلام .
__________________
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
بارك الله فيكم ونفعكم بكم، ووفقني وإياكم لما يحب ويرضى.
أبو عادل غير متواجد حالياً