عرض مشاركة واحدة
قديم 12-28-2010, 04:07 PM   #40
حسام99
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
الدولة: فلسطين
المشاركات: 700
معدل تقييم المستوى: 14
حسام99 is on a distinguished road
افتراضي

الحلقة الثامنة والثلاثون : خلقه صلى الله عليه وسلم ( 8 )

تمثل خلق الرضا في رسول الله صلى الله عليه و سلم
أولاً: أقواله صلى الله عليه و سلم في الرضا


أ- أقواله صلى الله عليه و سلم في الرضا عن الله تعالى أثناء دعوته مع ما كان يواجهه به المشركون من الصد و الإعراض و شدة الإيذاء و من أمثلة ذلك :


لما أوذي في الطائف و أغروا به سفهاءهم و صبيانهم فرموه حتى أدموا عقبه الشريف فلم يزد على أن قال : " اللهم إليك أشكو ضعف قوتي و قلة حيلتي و هواني على الناس أنت ارحم الراحمين و رب المستضعفين و أنت ربي إلى من تكلني إلى بعيد يتجهمني أم إلى عدو ملكته أمري إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي غير أن عافيتك أوسع لي أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات و صلح عليه أمر الدنيا و الآخرة من أن تنزل بي غضبك أو يحل علي سخطك لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك" (أخرجه ابن إسحاق)
و عندئذ بعث الله تعالى ملك الجبال و قال له: "قد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك فما شئت ؟ إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين (هما جبلا مكة المعروفان بأبي قبيس و فعيقعان المعروف الآن بجبل هندي وهما يكتنفان أصل مكة من الجنوب و الشمال) فقال له النبي الكريم صلى الله عليه و سلم : "بل أرجو أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً"


ولما اشتد الإيذاء على أصحابه الكرام من كفار قريش ليفتنوهم عن دينهم جاءه خباب بن الأرت رضي الله عنه فقال له : “يا رسول الله، ألا تستنصر لنا ألا تدعو لنا؟” فقال: "قد كان قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها، ثم يؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه ما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون”.(أخرجه البخاري)
هكذا كان صلى الله عليه و سلم راضيا عن الله تعالى رغم ما يعانيه من شدائد في الدعوة إلى سبيله إجلالا لله تعالى و توقيرا و تعظيما له لأنه يعلم أن تلك هي سنته تعالى في الداعين إليه ليمحصهم و يرفع درجاتهم و قد أنزل الله تعالى عليه قوله جل شأنه : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ) – سورة البقرة آية 214

ب - أقواله صلى الله عليه و سلم في الرضا عن الله تعالى فيما يجري به القدر في شؤون الحياة عامة و أمثله هذا النوع من الرضا كثيرة و منها:

1- رضاه صلى الله عليه و سلم فيما يبتليه به في الحياة من متاعب في النفس و المال و البنين و الأقارب فكان صلى الله عليه و سلم راضيا رضاء كاملاً رغم ما ناله من إيذاء الذي بلغ محاولة قتله
2- رضاه صلى الله عليه و سلم بما كان عليه من قلة المال حيث بلغ رضاه حد ان جعل يدعو الله تعالى و يقول "اللهم اجعل رزق آل محمد قوتاً" (أخرجه البخاري)
3- تحمل صلى الله عليه و سلم وفاة أعز أهله فزوجته خديجة رضي الله عنها ثم عمه أبو طالب و ابنتيه رقيه و أم كلثوم عليهما سلام و أولاده الذكور من قبل عليهم السلم ثم وفاة ابنه إبراهيم عليه سلام و الذي رزق به على كبر و إذ به يعلن رضاه بذلك فيقول فيما رواه عنه أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه : "إن العين تدمع و القلب يحزن و لا نقول إلا ما يرضي ربنا و إنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون" (أخرجه البخاري)
4- صبر النبي صلى الله عليه و سلم على قتل أقاربه دفاعا عن دين الله فلم يتبرم حتى عندما قتل عمه أسد الله و رسوله حمزة بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنه الذي استشهد بأحد و مثل به أيما تمثيل فلم ينل هذا من رضاه صلى الله عليه و سلم


ثانياً: دعاؤه صلى الله عليه و سلم أن يرزقه الله تعالى الرضا


و مع ما كان عليه النبي صلى الله عليه و سلم من كمال الرضا عن الله تعالى فقد كان صلى الله عليه و سلم دائم الدعاء أن يرزقه الله تعالى الرضا و الثبات فكان من دعائه صلى الله عليه و سلم : "... وأسألك الرضا بعد القضاء وأسألك بَرْدَ العيش بعد الموت، وأسألك لذة النظر إلى وجهك، وأسألك الشوق إلى لقائك، من غير ضراء مُضرة، ولا فتنة مضلة، اللهم زَيِّنا بزينة الإيمان. واجعلنا هداة مهتدين"

ثالثاً: تنويهه صلى الله عليه و سلم بخلق الرضا و حث الأمة عليه :

كان النبي صلى الله عليه و سلم حريصاً كل الحرص على توضيح و تأكيد ما للرضا من جزاء عظيم ليحض أمته عليه و من أمثلة ذلك :
1- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال : "من قال حين يسمع المؤذن وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله رضيت بالله ربا وبمحمد رسولا وبالإسلام دينا غفر له ذنبه"
2- و قوله صلى الله عليه و سلم :"ذاق طعم الإيمان من رضي الله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا"
3- و قوله صلى الله عليه و سلم :"من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا وجبت له الجنة "

رابعاً: فضل الله تعالى على نبيه صلى الله عليه و سلم بغاية الرضوان

و إذا كان النبي صلى الله عليه و سلم على هذا النحو من الرضا عن الله تعالى في أقواله و أفعاله فلا ريب انه سيد الراضين عن ربه جل و علا و سيجازيه الله تعالى برضوان أكبر من رضوانه عنه و أكبر من رضوانه عن أي بشر من خلقه الراضين عنه لعظم رضاه عنه و منزلته عنده

و قد جاءت الإشارة إلى ذلك في الكتاب العزيز فقال سبحانه و تعالى : (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى) – سورة الضحى آيه 5 قال الحافظ ابن كثير في تفسير الآية : " أي في الدار الآخرة يعطيه حتى يرضيه في أمته و فيما اعد له من الكرامة و من جملته نهر الكوثر الذي حافتاه قباب اللؤلؤ المجوف و طينه مسك أذفر"

ثم روي عن ابن عباس عن أبيه – رضي الله عنهما – قوله : "عرض على رسول الله صلى الله عليه و سلم ما هو مفتوح على أمته من بعده كنزا كنزا فسر بذلك فأنزل الله تعالى " (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى) فأعطاه في الجنة ألف ألف قصر في كل قصر ما ينبغي له من الأزواج و الخدم ثم عزا ذلك إلى ابن جرير و ابن أبى حاتم و قال : "وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس و مثل هذا ما يقال إلا عن توقيف" (تفسير القرآن العظيم 4/522)

و ذلك رضوانه سبحانه و تعالى عليه صلى الله عليه و سلم في الجنة و هي دار رضوانه عن عباده

أما في الدنيا فقد جعل الله تعالى رضاه عن خلقه مقترنا برضا رسول الله صلى الله عليه و سلم عنهم حيث أتبع رضا نبيه لرضاه سبحانه و تعالى مباشرة كما دل عليه قوله تعالى : (مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا) – سورة النساء آية 80 و قوله تعالى : (يَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُواْ مُؤْمِنِينَ) – سورة التوبة أية 61 فقد وحد الله تعالى الضمير في يرضوه مع أن الظاهر بعد العطف بالواو التثنيه لأن إرضاء الرسول صلى الله عليه و سلم لا ينفك عن إرضاء الله تعالى فتلازمهما جعلا كشيء واحد فعاد إليهما الضمير المفرد

و إرضاء الرسول صلى الله عليه و سلم يكون بطاعته و موافقة أوامره و إيفاء حقوقه عليه الصلاة و السلام في باب الإجلال و الإعظام حضورا و غيبة

و إذا كان الله تعالى قد جعل إرضاء رسوله صلى الله عليه و سلم إرضاء له و طاعته طاعة له فذلك دليل على كمال رضاه عنه في الدنيا قبل الآخرة

و لذلك ينص المولى جل جلاله على أن إرضاء أحد من أنبيائه و رسله هو إرضاء له تعالى و إن كان إرضاء له في الحقيقة بمقتضى تبليغهم عنه و اصطفائهم برسالاته و ذلك لتكون هذه مزية خاصة بعبده و نبيه المصطفى محمد بن عبد الله صلى الله عليه و سلم و على سائر الأنبياء و المرسلين




صفة مزاح النبى صلى الله عليه وسلم


إن الإسلام دين واقعى لا يحلق فى أجواء الخيال والمثالية الواهمة، ولكنه يقف مع الإنسان على أرض الحقيقة والواقع .. ولا يعامل الناس كأنهم ملائكة، ولكنه يعاملهم كبشر يأكلون الطعام ويمشون فى الأسواق.

لذلك لم يفرض الإسلام على الناس أن يكون كل كلامهم ذكراً، وكل سماعهم قراناً، وكل فراغهم فى المسجد، وإنما اعترف بهم وبفطرتهم وغرائزهم التى خلقهم الله عليها، وقد خلقهم – سبحانه – يفرحون ويمرحون ويضحكون ويلعبون، ولقد كانت حياة النبى صلى الله عليه وسلم مثالاً رائعاً للحياة الإنسانية المتكاملة، فهو فى خلوته يصلى ويطيل الخشوع والبكاء، ويقوم حتى تتورم قدماه، وهو فى الحق لا يبالى بأحد فى جنب الله، ولكنه مع الحياة والناس بشر سوى، يحب الطيبات ويبش ويبتسم ويداعب ويمزح ولا يقول إلا حقاً

ولذا فلا عجب أنه صلى الله عليه وسلم كان يتفكه حيناً ويطرف للفكاهة والمزاح – الذى لا يحمل إثماً – أحياناً، فلم يكن النبى صلى الله عليه وسلم فى حياته جافاً ولا قاسياً ولا فظاً ولا غليظاً، وإننا عند استعراض سيرته وحياته صلى الله عليه وسلم نجدها قد تخللها نوع من الدعابة والمزاح.

وهذا ما سوف نذكره – إن شاء الله – فى هذا الفصل.


كان صلى الله عليه وسلم يمزح ولا يقول إلا حقاً
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمزح ولا يقول فى مزاحه إلا الحق، ووردت لنا أحاديث كثيرة فى ذلك منها:


1- ما جاء عن أبى هريرة – رضى الله عنه – قال: قالوا (أى الصحابة): "يا رسول الله إنك تداعبنا ! قال صلى الله عليه وسلم: لا أقول إلا حقاً"، وفى رواية: "إنى وإن داعبتكم فلا أقول إلا حقاً".

وفى رواية ابن عمر – رضى الله عنهما – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنى لأمزح ولا أقول إلا حقاً".

ويطيب لنا أن نذكر بعض آراء علماء المسلمين فى هذه المسألة: فنجد أن الإمام الغزالى – رحمة الله – قد تكلم فى هذه المسألة، وهى صفة مزاحه صلى الله عليه وسلم ويشرحها بقوله: "فإن قلت: قد نقل المزاح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فكيف ينهى عنه؟ فأقول: إن قدرت على ما قدر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وهو أن تمزح ولا تقول إلا حقاً، ولا تؤذى قلباً، ولا تفرط فيه، وتقتصر أحياناً على الندور فلا حرج عليك، ولكن من الغلط العظيم أن يتخذ الإنسان المزاح حرفة يواظب عليه ويفرط فيه، ثم يتمسك بفعل الرسول صلى الله عليه وسلم فلا ينبغى أن يغفل عن هذا ...".

وقال الإمام ابن حجر الهيثمى: "إن المداعبة لا تنافى الكمال؛ بل هى من توابعه ومتمماته إذا كانت جارية على القانون الشرعى، بأن تكون على وفق الصدق والحق، ويقصد – بها – تأليف قلوب الضعفاء وجبرهم، وإدخال السرور عليهم والرفق بهم، ومزاحه صلى الله عليه وسلم سالم من جميع هذه الأمور، يقع على جهة الندرة لمصلحة تامة، من مؤانسة بعض أصحابه، فهو بهذا القصد سنة، وما قيل: إن الأظهر أنه مباح لا غير فضعيف، إذ الأصل من أفعاله صلى الله عليه وسلم وجوب أو ندب للتأسى به فيها إلا لدليل يمنع من ذلك ولا دليل هنا يمنع منه، فتعين الندب كما هو مقتضى كلام الفقهاء والأصوليين".

وكان صلى الله عليه وسلم يعرف بذلك ويقر به ويبيح المزاح بحضرته صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك أنه كان عائشة – رضى الله عنها – تمزح، والنبى صلى الله عليه وسلم جالس ولا ينكر ما تقوله، بل كان يوافقها.

فعن ابن أبى مليكة قال: "مزحت عائشة – رضى الله عنها – عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت أمها: يا رسول الله! بعض دعابات هذا الحى من كنانة"، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: بل بعض مزاحنا هذا الحى".


صور من مزاح النبى صلى الله عليه وسلم

1- مزاحه صلى الله عليه وسلم بالأفعال:
كان النبى صلى الله عليه وسلم يمازح صحابته بأفعاله وأقواله، فمن نماذج مزاحه بأفعاله:


مزاح النبى صلى الله عليه وسلم وزاهر بن حرام – رضى الله عنه -:

تحكى كتب السنة لنا ما دار بين النبى صلى الله عليه وسلم وزاهر بن حرام، وكان من الصحابة الذين يبعثون الهدايا للنبى صلى الله عليه وسلم، ولندع أنساً – رضى الله عنه – يروى لنا هذه الدعابة:

عن أنس – رضى الله عنه - : "أن رجلاً من أهل البادية كان اسمه زاهر بن حرام وكان يهدى للنبى صلى الله عليه وسلم الهدية من البادية، وكان النبى صلى الله عليه وسلم يحبه وكان دميماً فأتاه النبى صلى الله عليه وسلم يوماً وهو يبيع متاعه فاحتضنه من خلفه وهو لا يبصره، فقال: أرسلنى من هذا؟ فالتفت، فعرف النبى صلى الله عليه وسلم فجعل لا يألو ما ألزق ظهره بصدر النبى صلى الله عليه وسلم حين عرفه، وجعل النبى صلى الله عليه وسلم يقول: من يشترى العبد؟ فقال: يا رسول الله إذاً والله تجدنى كاسداً، فقال النبى صلى الله عليه وسلم لكن عند الله لست بكاسد أنت غال، وفى رواية: أنت عند الله رابح".

مع عائشة – رضى الله عنها - :

كان صلى الله عليه وسلم يقطع ملل الحياة الزوجية ببعض المزاح لترفيه عن أهله، فقد ورد أنه صلى الله عليه وسلم كان يسابق بعض زوجاته:

فعن عائشة – رضى الله عنها - : "أنها كانت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سفر، وهى جارية، فقال لأصحابه: تقدموا، ثم قال: تعالى أسابقك، فسابقته، فسبقته على رجلى، فلما كان بعد، خرجت معه فى سفر، فقال لأصحابه: تقدموا، ثم قال: تعالى أسابقك، ونسيت الذى كان وقد حملت اللحم، فقلت: كيف أسابقك يا رسول الله، وأنا على هذه الحال؟ فقال: لتفعلن، فسابقته فسبقنى، فقال: هذه بتلك السبقة".

مع الأطفال:

حتى الأطفال كان صلى الله عليه وسلم يمازحهم ويشاركهم لعبهم:


فروى عن عبد الله بن الحارث قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصف عبدالله وعبيد الله وكثير بن العباس ثم يقول: "من سبق إلى فله كذا وكذا، قال: فيستبقون إليه فيقعون على ظهره وصدره فيقبلهم ويلتزمهم".

مع رجل من الأنصار:

كان الأنصار – رضى الله عنهم – يتمازحون ويتضاحكون، ويحكى لنا أسيد بن حضير ما حدث بين النبى صلى الله عليه وسلم ورجل منهم:

يقول أسيد: "بينما رجل من الأنصار يحدث القوم وكان فيه مزاح بيننا يضحكهم، فطعنه النبى صلى الله عليه وسلم فى خاصرته بعود، فقال: أصبرنى، فقال: أصطبر، قال: إن عليك قميصاً وليس على قميص، فرفع النبى صلى الله عليه وسلم عن قميصه فاحتضنه وجعل الرجل يقبل كشحه، قال: إنما أردت هذا يا رسول الله".

2- مزاحه صلى الله عليه وسلم بحيلة لغوية:


كان صلى الله عليه وسلم يستخدم الحيل اللغوية فى دعابته، وذلك بأن يأتى بالكلام الذى يحتمل معنيين: معنى قريب متبادر إلى الذهن، ومعنى بعيد لا يفهمه إلا الخواص، ويقصد المعنى البعيد، وهو ما يسمى فى البلاغة بالتورية، وحدث ذلك منه صلى الله عليه وسلم فى أكثر من موقف منها:

مع عجوز من الأنصار:

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم متواضعاً منبسطاً مع عامة المسلمين على اختلاف منازلهم، فتحكى السيدة عائشة – رضى الله عنها – ممازحته لعجوز من الأنصار فتقول:

"أتت عجوز إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله ادع الله أن يدخلنى الجنة، فقال لها: يا أم فلان إن الجنة لا يدخلها عجوز، قال: فولت – المرأة – تبكى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أخبروها أنها لا تدخلها وهى عجوز، إن الله يقول: "إنا أنشاناهن إنشاء، فجعلناهن أبكاراً، عربا أتراباً" (الواقعة: 35-37).

مع الأعرابى الذى سأله جملاً:

يحكى لنا أنس – رضى الله عنه – مداعبة النبى صلى الله عليه وسلم للأعرابى الذى طلب منه ناقة يحمل عليه متاعه فى سفره:

يقول أنس – رضى الله عنه - : استحمل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: "إنى حاملك على ولد ناقة، فقال الرجل: يا رسول الله، وما أصنع بولد الناقة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وهل تلد الإبل إلا النوق ..".

3- دعابته صلى الله عليه وسلم بحيلة لغوية ورد الصحابى عليه بالمثل:


قد يكون من يكلمه صلى الله عليه وسلم متنبهاً فلا يقع فى خطأ، ولكن يستطيع أن يرد عليه متخلصاً من سؤاله أو كلامه، وهذا ما حدث مع صهيب وهو ما يسمى بالتشتيت اللغوى، إذ كان الصحابى الجليل صهيب – رضى الله عنه – مريض وكان النبى صلى الله عليه وسلم يمازحه ويخفف عنه، وهذا ما جاء فى هذه الرواية وإليك نصها:

عن صهيب – رضى الله عنه – قال : "أنه كان يأكل التمر وبه رمد، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أتأكل وأنت أرمد؟"، فقال: أنا آكل بالشق الآخر، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفى رواية أخرى قال صهيب: "قدمت على النبى صلى الله عليه وسلم وبين يديه خبز وتمر، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: ادن فكل، فأخذت آكل من التمر، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: تأكل تمراً وبك رمد؟ قال: فقلت: إنى أمضغ من ناحية أخرى، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم".

4- نوادر ادعاء الغفلة معه صلي الله عليه وسلم


كان بعض الصحابة يمازح النبي صلي الله عليه وسلم بتغافله بأن يقول قولاً لايصدر إلا من غافل ساه لكنه غير ذلك، ومن ذلك:

عوف بن مالك معه صلي الله عليه وسلم:

كان صلي الله عليه وسلم يداعب عوف بن مالك عندما يدخل عليه صلي الله عليه وسلم وهو ما توضحه هذه الرواية :

عن عوف الأشجعي قال : "أتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم في غزوة تبوك و هو في قبة من أدم، فسلمت فرد وقال : أدخل، فقلت : أكلي يارسول الله؟ قال: كلك، فدخلت". قال عثمان بن أبي العاتكة : " إنما قال : أدخل كلي من صغر القبة". وقد يكون مزاحاً بين الصحابي والرسول صلي الله عليه وسلم، إذ كيف يدخل بعض الإنسان أو يستأذن لبعضه، فلو أستأذن لرأس لكان إذناً له كله.

5 – تعريضه صلي الله عليه وسلم في الكلام:


وقد يعرض النبي صلي الله عليه وسلم في تعليقه على موقف رآه فيعرض فيه بالشبه و غيره بما قد يفهم غير مراده :

مع سفينة مولى رسول الله صاى الله عليه و سلم
قال : ثقل علي القوم متاعهم ، فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: " أبسط كساءك" ، فجعلوا فيه متاعهم، فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: " أحمل فإنما أنت سفينة، قال : فلو حملت من يومئذ وقر بعير أو بعيرين أو ثلاثة، حتي بلغ سبعة ما ثقل علي ".

مع بريده – رضي الله عنه -:

عن أبي طيبة عبد الله بن مسلم، عن ابن بريدة، عن أبيه قال: " كنت مع النبي صلي الله عليه وسلم في سفر فثقل علي القوم بعض متاعهم، فجعلوا يطرحونه علي، فمر بي النبي صلي الله عليه وسلم، فقال: انت زاملة".

قوله صلي الله عليه وسلم لرجل: أنت أبو الورد:
روي ان النبي صلي الله عليه وسلم رأي رجلاً ذو بشرة مشوبة بحمرة فداعبه مداعبة لطيفة وهذا كما توضحه هذه الرواية:

عن حميد الطويل، عن ابن أبي الورد، عن أبيه قال: " رآني النبي صلي الله عليه وسلم، فرآني رجلاً أحمر، فقال : أنت أبو الورد، فقال جبارة: يعني يمازحه".

6 – تعريض خاص به صلي الله عليه وسلم:


وذلك بأن يقول كلاماً يفهم منه شئ وهو يريد شيئاً لايعرفة إلا هو وهو خاص به وحده، ومنه مما روي عن ابن حبان في صحيحه أن النبي صلي الله عليه وسلم رأي جارية يتيمة في بيت أم سليم فمازحها النبي صلي الله عليه وسلم:

وفي ذلك يقول أنس بن مالك- رضي الله عنه- : " رأي نبي الله صلي الله عليه وسلم جارية يتيمة عند أم سليم، وهي أم أنس بن مالك، فقال لها النبي يا رسول الله علي يتيمتي أن لا يشب الله قرنها، فو الله لا يشب أبداً، فقال النبي: يا أم سليم، أو ما علمت أني اتخذت عند ربي عهداً، أيما أحد من أمتي دعوت عليه ليس من أهلها أن يجعلها له طهور أو قربة يقربه بها يوم القيامة.

أي ان هذا الذى ورد خاص به صلي الله عليه وسلم، ولايجوز أن يدعوا إنسان علي غيره في أهلة أو ماله، إذا كان غير مستحق ان يدعي عليه بحجة فعله صلي الله عليه وسلم، فهذا شئ خاص به.

7 – ذكره صلي الله عليه وسلم حقيقة واقعة:


مع أنس بن مالك – رضي الله عنه :
وكان صلي الله عليه وسلم يلاطف أنساً ويداعبة، وفي ذلك يقول عاصم الأحول : حدثني أنس – رضي الله عنه – أن النبي صلي الله عليه وسلم قال : "يا ذا الأذنين، قال أبو أسامة : يعني مازحه ".

8 – تذكيره صلي الله عليه وسلم بحوادث طريفة سابقة:
وكان من كريم اخلاقة صلي الله عليه وسلم ورحمته بالأطفال انه كان يمازحهم ويداعبهم، وفي ذلك يقول انس بن مالك رضي الله عنه

كان رسول الله صلى الله عليه و سلم أحسن الناس خلقاً و كان لي أخ يقال له : أبو عمير فكان اذا جاء النبي صلى الله عليه و سلم فرآه قال : يا أبا عمير ما فعل النغير ؟

و في رواية : " دخل علي أبي طلحة رضي الله عنه فرأي ابنا له يكني ابا عمير حزيناً، قال أنس: وكان النبي صلي الله عليه وسلم إذا راه مازحه". فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم : " مالي أري أبا عمير حزيناً؟ قالوا : يارسول الله ، مات نغره الذى كان يلعب به ".

قال انس : فجعل رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول :" يا أبا عمير ما فعل النغير".

حسام99 غير متواجد حالياً