عرض مشاركة واحدة
قديم 03-17-2011, 09:57 PM   #2
المصريه25
عضو متألق
 
تاريخ التسجيل: Feb 2011
المشاركات: 226
معدل تقييم المستوى: 14
المصريه25 will become famous soon enough
إرسال رسالة عبر Skype إلى المصريه25
افتراضي




- عن أبي عبد الله الواقدي القاضي، قال: جاءتني جارتي يوم عرفة، فقالت لي: ما عندنا من آلة العيد شيء. فمضيتُ إلى صديق لي من التُّجَّار فعَرَّفْتُهُ حاجتي إلى القرض، فأخرج إليَّ كيسًا مختومًا فيه ألفٌ ومائتا درهم، فانصرفتُ به إلى المنزل، فما استقررت جالسًا حتى استأذن عليَّ رجل من بني هاشم، فذَكَرَ تخلُّفَ غَلَّتُه واختلالَ حاله، وحاجتَهُ إلى القرض، فدخلتُ إلى امرأتي فعجبتها من ذلك، فقالت: فما عزمك؟ قلتُ: أشاطره الكيس. فقالت: والله ما أنصفتَ، لقيتَ رجلاً سوقة فأعطاك شيئًا، وجاءك رجل له من رسول اللهرَحِمٌ فتعطيه نصف ما أعطاك السوقة. فأخرجتُ الكيس بخاتمه فدفعتُه إليه، ومضى صديقي التاجر يلتمس منه القرض، فأخرج إليه الكيس بخاتمه، فلما رآه عَرَفَهُ فجاءني به، ثم وافاني رسولُ يحيى بن خالد يقول: إن الوزير شُغل عنك بحاجاتِ أمير المؤمنين وهو يطلُبُكَ. فرَكِبْتُ إليه، وحدَّثْتُه حديث الكيس وانتقاله، فقال: يا غلام، هات الدنانير. فجاء بعشرة آلاف دينار، فقال: خذ أنت ألفين، وأعطِ الهاشمي ألفين، وصديقك التاجر ألفين، وامرأتك أربعة آلاف دينار، فإنها أكرمكم[19].

- لما وَلَّى المنصورُ مَعْنَ بنَ زائدةَ أَذْرَبِيجَانَ قصده قوم من أهل الكوفة، فلمَّا صاروا ببابه استأذنوا عليه، فدخل الآذن، فقال: أصلح الله الأمير، بالباب وفدٌ من أهل العراق. قال: من أي العراق؟ قال: من الكوفة. قال: ائذن لهم. فدخلوا عليه فنظر إليهم معنٌ في هيئة زرية، فوثب على أريكته، وأنشأ يقول:
إذا نوبةٌ نابَتْ صديقَكَ فاغْتَنِمْ *** مرمتَهَا فالدهْرُ بالناس قُلَّبُ
فأحسنُ ثوبيكَ الذي هو لابسٌ *** وَأَفْرَهُ مُهْرَيْكَ الذي هو يركبُ
وبادِرْ بمعروفٍ إذا كنْتَ قادرًا *** زوال اقْتِدَارٍ أو غنًى عنك يُعقِبُ[20]

قال: فوثب إليه رجل من القوم، وقال: أصلح الله الأمير، ألا أُنْشِدُك أحسن من هذا؟ قال: لمن؟ قال: لابن عمك ابن هَرْمَة. قال: هات. فأنشأ يقول:
وللنَّفْسِ تاراتٌ تحلُّ بها العُرَى *** وتسخو عن المال النفوس الشحائحُ
إذا المرءُ لم ينفعك حيًّا فنفعه *** أقلُّ إذا ضُمَّتْ عليه الصفائحُ
لأيَّة حالٍ يمنعُ المرء ماله *** غدًا فغدًا والموت غادٍ ورائحُ[21]

قال معن: أَحْسَنَ والله، وإن كان الشعر لغيرك، يا غلامُ، أعطهم أربعة آلاف يستعينوا بها على أمورهم إلى أن يتهيَّأ لنا فيهم ما نريد. فقال الغلام: يا سيدي، أجعلها دنانير أم دراهم. فقال معن: والله لا تكون همَّتُك أرفع من همتي، صفِّرها لهم[22].

- قال الهيثم بن عدي: امترى ثلاثة في الأجواد، فقال رجل: أسخى الناس عبد الله بن جعفر بن أبي طالب. وقال آخر: أسخى الناس في عصرنا هذا قيس بن سعد بن عبادة. وقال الثالث: أسخى الناس عرابة الأوسي. فتلاحَوْا، وأفرطوا، وكثُر ضجيجهم في ذلك بفناء الكعبة، فقال لهم رجل: قد أكثرتم، فلا عليكم، يمضي كل واحد منكم إلى صاحبه يسأله حتى ينظر ما يعطيه، ونحكم على العيان. فقام صاحب عبد الله بن جعفر فصادفه، وقد وضع رجله في غرز راحلته يريد ضيعة له، فقال له: يابن عمِّ رسول الله. قال: قُلْ ما تشاء. قال: ابن سبيل ومنقَطِعٌ به. قال: فأخرج رجله من الغرز، وقال: ضع رجلك واستوِ على الناقة، وخذ ما في الحقيبة، ولا تحد عن السيف؛ فإنه من سيوف علي بن أبي طالب، وامض لشأنك. قال: فجاء بالناقة والحقيبة فيها مطارف خزٍّ، وفيها أربعة آلاف دينار، وأعظمُها وأجلُّها خطرًا السيف.

ومضى صاحب قيس بن سعد بن عبادة، فلم يصادفه، وعاد، فقالت له الجارية: هو نائم، فما حاجتك إليه. قال: ابن سبيل ومنقطع به. قالت: فحاجتك أيسر من إيقاظه، هذا كيس فيه سبعمائة دينار، ما في دار قيس مال في هذا اليوم غيره، وامضِ إلى معاطن[23] الإبل إلى مولانا بغلامينا، فخذ راحلة مرحلة وما يصلحها وعبدًا، وامض لشأنك. فقيل إن قيسًا انتبه من رقدته، فخبرته المولاة بما صنعتْ، فأعتقها، وقال لها: ألا أنبهتني، فكنتُ أَزِيده من عُرُوض[24] ما في منزلنا، فلعلَّ ما أعطيتِه لم يقع بحيث ما أراد.

ومضى صاحب عَرَابَة الأوسي إليه، فألفاه وقد خرج من منزله يريد الصلاة وهو متوكئ على عبدين، وقد كُفَّ بصره، فقال: يا عرابة. قال: قُلْ ما تشاء. قال: ابن سبيل، ومنقطع به. قال: فخلَّى عن العبدين، ثم صفَّق بيده اليمنى على اليسرى، ثم قال: أوه أوه، والله ما أصبحت ولا أمسي وقد تَرَكَتِ الحقوقُ لعرابة من مال، ولكن خذهما. يعني العبدين، قال: ما كنت بالذي أفعل، أقصُّ جناحيك!! قال: إن لم تأخذهما فهما حُرَّان، وإن شئت فأعتق، وإن شئت فخذ. وأقبل يلتمس الحائط بيده، قال: فأخذهما وجاء بهما. قال: فحكم الناس على ابن جعفر قد جاد بمال عظيم، وإن ذلك ليس بمستنكر له، إلاَّ أن السيف أجلُّها، وأن قيسًا أحد الأجواد حكَّم مملوكة في ماله بغير علمه، واستحسانه ما فعلته، وعتقه لها، وما تكلم به، وأجمعوا على أن أسخى الثلاثة عرابة الأوسي؛ لأنه جهد من مقلٍّ[25].

- قال رجل لحاتم: هل في العرب أجود منك؟ قال: كل العرب أجود مني. ثم أنشأ يحدث، قال: نزلت على غلام من العرب يتيم ذات ليلة، وكانت له مائة من الغنم، فذبح لي منها شاة، وأتاني بها، فلما قرب إلي دماغها، قلت: ما أطيب هذا الدماغ! قال: فذهب فلم يزل يأتيني منه، حتى قلت: قد اكتفيت. قال: فلما أصبحنا فإذا هو قد ذبح المائة شاة، وأبقى لا شيء له. قال الرجل: فقلت له: ما صنعتَ به؟ قال: ومتى أبلغ شكره، ولو صنعت به كل شيء؟ قال: على ذاك. قال: أعطيته مائة ناقة من خيار إبلي[26].
[1] الغزالي: إحياء علوم الدين، باب السخاء 10/1780.

[2] مدينة بينها وبين الفرات ثلاثة فراسخ، وبينها وبين حلب عشرة فراسخ، والفرسخ = 1809 أمتار. انظر: ياقوت الحموي: معجم البلدان 5/205.

[3] الظئر: المرضعة. والمقصود هنا زوج المرضعة التي أرضعته. انظر: ابن منظور: اللسان 4/514.

[4] الأباعر: جمع الجمع للبعير. انظر: ابن منظور: اللسان 4/71.

[5] المِيرة بلا همز: جَلْب القَوْم الطّعامَ، وهم يَمْتارونَ لأَنْفُسِهِمْ، ويَمِيرُونَ غَيْرَهم ميرًا. انظر: ابن منظور: اللسان 5/188.

[6] الجفنة: وعاء كالقصعة يوضع فيه الطعام. انظر: ابن منظور: اللسان 13/89.

[7] المربد: المكان المخصص لحفظ التمر. انظر: ابن منظور: اللسان 3/170.

[8] أوقرها: أي حمل عليها من التمر ما أتعبها، وهو دليل على كرم المُضيف.

[9] ابن أبي الدنيا: مكارم الأخلاق ص131.

[10] والبَدْرُ، وبالهاءِ: جِلْدَةُ السَّخْلَةِ، جمعها: بُدُورٌ وبِدَرٌ، وكيسٌ فيه ألْفٌ أو عَشَرَةُ آلافِ دِرْهَمٍ، أو سَبْعَةُ آلافِ دينارٍ. انظر: ابن منظور: اللسان 4/48.

[11] الغزالي: إحياء علوم الدين 10/1783.

[12] المصدر السابق 10/1783.

[13] البيت من الطويل.

[14] الغزالي: إحياء علوم الدين 10/1783، 1784.

[15] البيت من الكامل لهمام التميمي. انظر: القشيري: الرسالة القشيرية، باب الجود والسخاء.

[16] القشيري: الرسالة القشيرية، باب الجود والسخاء.

[17] ابن الجوزي: أخبار الظراف والمتماجنين ص122.

[18] المصدر السابق ص153.

[19] المعافى بن زكريا: الجليس الصالح والأنيس الناصح ص43.

[20] الأبيات من الطويل.

[21] الأبيات من الطويل، لإبراهيم بن هرمة.

[22] المعافى بن زكريا: الجليس الصالح والأنيس الناصح ص47.

[23] معاطن الإبل: مباركها على الماء. انظر: ابن منظور: اللسان 13/286.

[24] أمتعة لا يدخلها وزن ولا كيل واحدها عرض. انظر: ابن منظور: اللسان 7/165.

[25] ابن عساكر: تاريخ دمشق 49/419، 420.
[26] ابن أبي الدنيا: قرى الضيف ص26.

المصريه25 غير متواجد حالياً