عرض مشاركة واحدة
قديم 07-11-2013, 12:06 PM   #1
صابر السلفي
عضو نشط
 
تاريخ التسجيل: Jun 2013
المشاركات: 78
معدل تقييم المستوى: 11
صابر السلفي is on a distinguished road
افتراضي الإعلام في شرح نواقض الإسلام



الحمد لله أحمده حقّ حمده، وأصلي وأسلم على نبيه وعبده، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فألزم الله سلوك شريعته واتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فهي الصراط التي لا تميل به الآراء، وهي ضياء البصائر من عماها، ولذّة النفوس، وحياة القلوب، من تمسك بها نجى، ومن زاغ عنها هلك.
وقد حُرم المُعارضون لها استنارة البصائر وحياة القلوب، فتمسكوا بأعجاز لا صدور لها، وقنعوا بآراء إذا زال أصحابها فهي من جملة الأموات، وزهدوا في نصوص الشريعة الباقية ما بقيت الأرض والسموات.
وبعد: فأصل هذا الكتاب دروس أمليتها في شرح نواقض الإسلام للإمام محمد بن عبد الوهاب، فرغب بعض الإخوان في نشرها رجاء النفع والفائدة، فقُدِّم فيها وأُخِّر، وزيد فيها ونُقص، لتتميم الفائدة.
وهذه الأصول التي تضمنها هذا الكتاب هي أساس الدين والملة، ولبيانها بعث الله الرسل إلى الثقلين، وأنزل الوحيين، وقسّم الناس إلى فريقين، وأمر الله بإقامتها باللسان والسنان، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِْنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} الذّاريَات56، قال ابن عباس رضي الله عنهما: "إلا ليقروا بعبادتي طوعاً أو كرهاً" رواه ابن جرير في تفسيره.
وفي زمننا هذا سعى كثير ممن لا خلاق له في الدارين، في هدم هذه الأصول، تصريحاً وتلميحاً، في فتن تموج يرقق بعضها بعضاً، صاحَبَها إحجامٌ كثير ممن ينتسب إلى العلم عن بيان الحق طلباً للسلامة، حتى لُبِّس على العامة دينهم، ففي المحن والشدائد يطلب الكثير منهج السلامة، بينما يطلب الصفوة سلامة المنهج، وبهذه الصفوة يُحفظ الدين وتُنصر الملة.
وشريعة الله ظاهرة، ودينه محفوظ، فمن سخّر جاهه وملكه لحفظ دينه، حفظ الله له جاهه وملكه، وبقي له دينه، ومن سخّر دينه لحفظ ملكه وجاهه، ضيع الله عليه ملكه وجاهة، وما بقي له دينه، وهذا مقتضى قوله صلى الله عليه وسلم: "احفظ الله يحفظك" والجزاء من جنس العمل.
والله المؤيد والمسدد، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
قال المصنف رحمه الله:
( بسم الله الرحمن الرحيم: اعلم أن نواقض الإسلام عشرة نواقض ):
ابتداءُ المؤلف بالبسملة اقتداء بالكتاب العزيز، وبما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، من التسمية في كثير من أحواله كالمكاتبات وغيرها، وقد جاء عنه الأمر بالتسمية إلا أنه لا يثبت، فقد رواه الخطيب في «جامعه» من حديث مبشر بن إسماعيل عن الأوزاعي عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعاً: "كل أمرٍ ذي بالٍ لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أقطع". وهو خبر منكر، أعله الحفاظ، والصحيح فيه الإرسال وبغير لفظ البسملة وهو منكر أيضاً، وهم فيه مبشر بن إسماعيل فرواه بلفظ البسملة وقد رواه جماعة كالوليد بن مسلم وبقية وخارجة بن مصعب وشعيب بن إسحاق ومحمد بن كثير والمعافى بن عمران وعبد القدوس وغيرهم عن الأوزاعي بلفظ: "كل أمرٍ ذي بالٍ لا يبدأ بالحمد لله .." ووهم من عزاه بلفظ البسملة للسنن كالزيلعي والعراقي والسيوطي وغيرهم، وتساهل بعض المتأخرين فحسّنه.
إذاً فالأمر بالبسملة في الخبر السابق لا يثبت، إلا أنه ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم في المكاتبات وغيرها، فقد أخرج الشيخان البخاري ومسلم من حديث عبدالله بن عباس عن أبي سفيان عليهما رضوان الله تعالى أنه قال: كتب النبي إلى هرقل: "بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم .." .
والنواقض: جمع ناقض، وهو المبطل والمفسد، متى طرأ على الشيء أبطله، وأفسده، قال تعالى: {كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا} النّحـل: 92، أي: أفسدته وأبطلته، وذلك كنواقض الوضوء التي من فعلها بطل وضوءه ولزمه إعادته، ومثله نواقض الإسلام إذا فعلها العبد فسد وبطل إسلامه، وهي ما جمعها المصنِّف في هذا الكتاب.
ونواقض الإسلام التي ذكرها المؤلف عشرة نواقض، والنواقض أكثر من ذلك، فقد ذكر العلماء في أبواب الردة وحكم المرتد أنواعاً كثيرة مما قد يرتد به المسلم عن دينه ويحل دمه وماله، وقد ذكر المؤلف أخطرها وأعظمها وأكثرها وقوعاً، وما اتفق العلماء عليه.
فالعلماء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة يبوِّبون في كتب الفقه باباً يسمونه: باب حكم المرتد، ويذكرون فيه من صور الكفر وأنواعه الاعتقادية والقولية والفعلية، التي يكفر متلبِّسها بعد إسلامه، فينبغي للمُستزيد النظر فيها، ومن أوسع من كتب فيه، وأطنب في ذكر الصور والأنواع من الأئمة هم الحنفية فقد ذكروا في هذا الباب صوراً كثيرة.
وما يجب معرفته هنا أنه إذا دل الدليل على شيء أنه ناقض، فلا مدخل للاستحلال في لزومه، وإلا لقيل ذلك في فعل الزنا، وشرب الخمر، والسرقة، وقتل النفس بغير الحق، وغيرها، لأن لها حالين: أن يستحل فيكفر، وأن لا يستحل فلا يكفر .
ولأن استحلال هذه الأمور كفر ولو لم يرتكبها، وارتكاب النواقض كفر ولو لم يستحلها، فلا معنى لتسمية هذه الأمور نواقض، بل الناقض استحلالها، كسائر المحرمات .
وهذا مقيَّد بانتفاء الجهل وقيام الحجة في ضوابط وقيود ليس هذا محلها.

الناقض الأول:
(الشرك في عبادة الله قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} النّـِسـَـاء48،{إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} المـَـائدة: 72، ومنه الذبح لغير الله كمن يذبح للجن أو للقبر):
والشرك هو: جعل شريك لله تعالى في ربوبيته وإلهيته، والذي يغلب الإشراك فيه الألوهية.
والشرك أعظم ذنب عُصي به الله تعالى وهو أشد نواقض الإسلام جُرماً، وقد أخذ الله على نفسه أن لا يغفر للمشرك شركه إلا أن يتوب، فلا يكفِّر الشرك شيء من أنواع المكفرات المعروفة إلا أن يتوب المشرك من شركه، ولذا قال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} النّـِسـَـاء48.
وهو الظلم العظيم، قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَْمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} الأنعـَـام: 82.
روى أحمد والبخاري ومسلم عن سليمان عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال: لما نزلت هذه الآية {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} الأنعـَـام82، شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: أينا لم يظلم نفسه ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس كما تظنون إنما هو كما قال لقمان لابنه: {يَابُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} لقـمَان 13.
روى الإمام أحمد والشيخان من حديث منصور عن أبي وائل عن عمرو بن شرحبيل عن عبد الله قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الذنب أعظم عند الله؟ قال: "أن تجعل لله نداً وهو خلقك. قلت: إن ذلك لعظيم، .. "الحديث
كيف لا يكون أعظم الذنب وأظلم الظلم وأكبر الكبائر، وهو تشبيه للخالق بالمخلوق، وذنب لا يُغفر، وتنقص نزَّه الله جل شأنه نفسه عنه، فمن أشرك مع الله غيره فقد حادّ وعاند وشاقّ الله وأثبت له ما نزه نفسه عنه، قال تعالى عن حال المشركين مع معبوديهم يوم القيامة: {تاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ *إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} الشُّعَـرَاء 97-98.
وصاحب الشرك محرم عليه الجنة: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} المـَـائدة: 72.
ومحبط جميع عمله: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} الأنعـَـام: 88 وقال: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} الزُّمـَـر: 65.
والعمل في الآية يشمل جميع عمل العبد، ولا يحبط جميع العمل الصالح ذنب سوى الشرك الأكبر.
والمشرك حلال الدم والمال إلا ما استثناه الشرع كأهل الذمة والعهد: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ} التّوبـَـة: 5.
والشرك بالله ينقسم إلى نوعين:
1- الشرك الأكبر.
2- الشرك الأصغر.
فالنوع الأول: الشرك الأكبر: مخرج من الملة، مخلد صاحبه في النار، إن لقي الله غير تائب من شركه، وهو صرف شيء من أنواع العبادة لغير الخالق سبحانه وتعالى، كالذبح لغير الله، لأهل القبور من الأولياء والصالحين أو الجن والشياطين، رغبة إليهم أو رهبة منهم، والخوف من أهل القبور والجن والشياطين أن يؤذوه ويضروه، ورجاء غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله من كشف الضر، وجلب النفع، وهذا ما يفعله كثير من الناس عند قبور الصالحين في هذا الوقت.
قال تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاَءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَْرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ*} يُونس: 18.
وهذا تسوية للمخلوق بالخالق قال تعالى عنهم في النار إذ يختصمون: {تاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ *إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ *}الشُّعَـرَاء: 97-98، فهو تسوية للمخلوق بالخالق في التعظيم، والمحبة التي هي روح العبادة.
وللشرك الأكبر أقسام أربعة :
الأول : شرك الدعوة - أي الدعاء - :
وهو أن يدعو العبد غير الله كدعاء الله عبادة ومسألةً، فمن دعا غير الله كدعاء الله فقد أشرك بالله، قال تعالى عن هذا النوع من الشرك {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ *} العَنكبوت: 65 يشركون في الدعاء.
فمن كان مراده بالدعاء طلب نفع أو دفع ضر فهذا دعاء المسألة.
ومن كان مراده الخضوع والانكسار والذل بين يدي الله جل شأنه فهذا دعاء عبادة .
والدعاء بنوعيه دعاء المسألة ودعاء العبادة لا يجوز التوجه به لغير الله، فالدعاء من أعظم العبادات وأفضل القربات وأجل الطاعات قال تعالى : {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} البَقـَـرَة: 186، وقال آمراً بدعائه وسؤاله: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ *}غـَـافر: 60 و {وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ}النّـِسـَـاء: 32.
وروى الإمام أحمد وأهل السنن عن ذر عن يُسَيْعٍ عن النعمان بن بشير: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الدعاء هو العبادة" ثم قرأ: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي} غـَـافر: 60.
ولهذا فمن دعا غير الله فيما لا يقدر عليه إلا هو كان مشركاً قال تعالى: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلـهًا آخَرَ لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ *}المؤمنون: 117.
الثاني: شرك النية والإرادة والقصد:
وهو أن يقصد ويُريد وينوي بعمله أصلاً غير الله جل شأنه، قال تعالى في هذا النوع من الشرك {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ *أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآْخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ *}هـُـود: 15-16، فالأصل عند ورود إحباط العمل في القرآن أن سببه الشرك والكفر.
فمن قصد بعمله الدنيا لا غير، عجل الله له ما أراده، وأعطاه من الدنيا مقصده، لكن عمله عند الله حابط، وليس له في الآخرة إلا النار.
وأما ورود بعض النيات السيئة على نية العبد وقصده في شيء من أعماله، فهذا داخل في باب الشرك الأصغر الذي لا يخرج صاحبه من الملة، لكنه يقلّل ثوابه، وينقص أجره، وربما أفسد عمل العبد الذي دخل عليه من غير أن يخرجه من ملة الإسلام.
الثالث: شرك الطاعة:
وهو مساواة غير الله بالله في التشريع والحكم، فالتشريع والحكم حق جعله الله لنفسه قال تعالى : {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ} يُوسُف: 40.
وقال سبحانه في هذا النوع من الشرك: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} الشّـورى: 21.
فمن ادعى أن لأحدٍ من الناس سواءً - علماء أو حكاماً أو غيرهم - حق التشريع من دون الله أو مع الله فقد أشرك مع الله إلهاً آخر في حق الله وحده، وكفر بما أنزل من عند الله قال تعالى : {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلـهًا وَاحِدًا لاَ إِلـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ *}التّوبـَـة: 31.
ويروى في معنى وتفسير هذا ما أخرجه الترمذي وابن جرير والطبراني وغيرهم من حديث عبد السلام بن حرب عن غطيف بن أعين عن مصعب بن سعد عن عدي بن حاتم قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وسمعته يقرأ في سورة براءة: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ}التّوبـَـة: 31. قال: "أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئاً استحلوه وإذا حرموا عليهم شيئاً حرموه".وهو حديث ضعيف ضعفه الدارقطني وغيره، وغطيف قال الترمذي: ليس بمعروف بالحديث.
وروى ابن جرير في «تفسيره» من طريق أبي البختري عن حذيفة في قوله تعالى : {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ}التّوبـَـة: 31 قال: لم يعبدوهم ولكنهم أطاعوهم في المعاصي.
ومن هذا الطريق قال: كانوا إذا أحلوا لهم شيئاً استحلوه وإذا حرموا عليهم شيئاً حرموه.
وأبو البختري سعيد بن فيروز لم يسمع من حذيفة.
قال تعالى : {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا *} النّـِسـَـاء: 60، فسمى الله جل شأنه من يحكم بغير ما أنزل الله على نبيه طاغوتاً.
والتابع والطائع لمن أحل ما حرم الله وحرم ما أحل الله لا يخلو من حالين:
الحالة الأولى: أن يطيعوهم في ذلك مع علمهم بتبديلهم لحكم الله ومخالفتهم للرسل، فيعتقدون مع ذلك تحريم ما أحل الله وتحليل ما حرم الله اتباعاً لرؤوسهم، فهذه الحالة كفر مخرج عن الملة.
الحالة الثانية: أن يطيعوهم في ذلك مع اعتقادهم تحريم ما حرم الله وتحليل ما أحل الله، ولكن طاعتهم كانت عن هوى وعصيان كما يصنعه كثير من أهل الفسق حينما يؤذن لهم بشرب الخمر فلا يعاقبون عليه، وحينما يؤذن لهم بأكل الربا أضعافاً مضاعفة كذلك، فيشربون الخمر رغبة في المتعة، ويأكلون الربا طمعاً في المال مع اعترافهم بذنوبهم كما هو حال كثير من المسلمين في هذا الوقت، فهؤلاء حكمهم حكم أمثالهم من أهل الذنوب والمعاصي.
وهذا القسم من الشرك ـ شرك الطاعة ـ ربما يقع من العالم الذي لم ينفعه علمه، فيتبع هواه، فيطيع غيره من حاكمٍ أو والٍ أو صاحب جاه في تحليل ما حرّم الله أو تحريم ما أحل الله طمعاً في جاهٍ أو متاعٍ أو سلطان ورئاسةٍ.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في «المجموع»: (35 / 372، 373):
(ومتى ترك العالم ما علمه من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم واتبع حكم الحاكم المخالف لحكم الله ورسوله كان مرتداً كافراً يستحق العقوبة في الدنيا والآخرة قال تعالى: {المص *كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ *اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ *}الأعـرَاف: 1-3.
ولو ضرب وحبس وأوذي بأنواع الأذى ليدع ما علمه من شرع الله ورسوله الذي يجب اتباعه واتبع حكم غيره كان مستحقاً لعذاب الله بل عليه أن يصبر وإن أوذي في الله فهذه سنة الله في الأنبياء وأتباعهم، قال تعالى: {الم *أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ *وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ *} العَنكبوت: 1-3 .. الخ) انتهى.
الرابع: شرك المحبة :
وهو أن يحب مع الله غيره كمحبته لله أو أشد من ذلك، قال تعالى مبيناً حال المشركين في هذا الباب : {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} البَقـَـرَة: 165.فسماهم أنداداً من دون الله.
ومن أهل الشرك من يجعل لله تعالى مساوياً ومثيلاً يحبه كمحبته لله، وربما يزيد على ذلك، ويختلف المشركون في قدر محبتهم لمعبودهم من دون الله، ولكن المؤمنون يحبون الله أشد من محبة أهل الشرك لله ولما يعبدونه من دون الله.
فإذا كان من أحب غير الله فوق محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيه صلى الله عليه وسلم كما في «المسند» و«الصحيحين» من حديث أنس رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين" .
فنفى عنه الإيمان، فكيف بمن أحب غير الله فوق محبة الله.
وحقيقة المحبة أن يُحَب الشيء وما يحبه ويكره ما يكرهه، فالمشرك يُحب آلهته من صنمٍ ووثنٍ أو قبرٍ وضريحٍ، فيغضب إذا امتهنت وأُهينت أشد من غضبه لله، ويُسر لها أشد من سروره لله، وذلك لأنه يُحب غير الله أشد من حبه لله.
والمحبة تقتضي عدم مخالفة المحبوب، فبقدر ورود المخالفة للمحبوب يكون نقص المحبة له، قال الله تعالى : {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ}آل عِـمرَان: 31.
قال ابن القيم رحمه الله في أقسام المحبة كما في «الجواب الكافي»: (1/134).
(هنا أربعة أنواع من الحب، يجب التفريق بينها، وإنما ضل من ضل بعدم التمييز بينها :
أحدها: محبة الله، ولا تكفي وحدها في النجاة من عذابه والفوز بثوابه فإن المشركين وعباد الصليب واليهود وغيرهم يحبون الله.
الثاني: محبة ما يحبه الله، وهذه هي التي تدخله في الإسلام وتخرجه من الكفر وأحب الناس إلى الله أقومهم بهذه المحبة وأشدهم فيها.
الثالث: الحب لله وفيه، وهي من لوازم محبة ما يحب الله ولا يستقيم محبة ما يحب الله إلا بالحب فيه وله.
الرابع: المحبة مع الله، وهى المحبة الشركية وكل من أحب شيئا مع الله لا لله ولا من أجله ولا فيه فقد اتخذه نداً من دون الله وهذه محبة المشركين) انتهى كلامه.
وقال رحمه الله تعالى في «كتاب الروح»: (1/254) :
(والفرق بين الحب في الله والحب مع الله وهذا من أهم الفروق وكل أحد محتاج بل مضطر إلى الفرق بين هذا وهذا فالحب في الله هو من كمال الإيمان والحب مع الله هو عين الشرك) انتهى كلامه.
ومن صور الشرك الأكبر التي ذكرها المصنِّف الذبح لغير الله: والذبح والنحر من أعظم العبادات والقربات، فوجب أن لا تُصرف إلا لله خالصة له من غير شركٍ، قال تعالى: {فَصَلِّ لِرَّبِكَ وَانْحَرْ *} الكَوثَـر: 2، وقال جل شأنه: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ *}الأنعـَـام: 162.
ومن صرفها لغير الله فقد صرف عبادة لغير الله وأشرك مع الله غيره ولم يكن من المسلمين.
فمن ذبح لغير الله تعالى كمن ذبح للصنم أو للجن أو للقبر أو للكعبة أو لشجرٍ أو حجرٍ أو مكانٍ، فهذا شرك وكفر بالله العظيم، وذبيحته حرام لا تحل سواء كان الذابح مسلماً أو يهودياًً أو نصرانياً، وإن كان الذابح مسلماً قبل ذلك صار بالذبح مرتداً عن الإسلام، لأنه صرف عبادةً من أعظم العبادات لغير الله كمن سجد لغير الله.
وصور الشرك الأكبر كثيرة، كالاستعانة والاستغاثة بغير الله تعالى مما لا يقدر عليه إلا الله، فمن استغاث واستعان بغير الله كالأموات من الصالحين وغيرهم، وسألهم قضاء الحاجات وتفريج الكربات فقد كفر بالله، وكالنذر لغير الله، وما يصنعه كثير ممن ينتسب للإسلام في كثير من البلدان الإسلامية من النذر لغير الله كمن نذر لوليٍ صالحٍ أو شجرٍ أو حجرٍ فقد أشرك بالله وانسلخ من الإسلام، حتى وإن زعم فاعله أنه على الإسلام، فقد وقع فيما وقع فيه كفّار قريش قال تعالى: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}الزُّمـَـر: 3.
وأما سؤال الناس ما يستطيعونه فليس من هذا الباب، قال شيخ الاسلام ابن تيميه:
(وأما ما يقدر عليه في حياته فهذا جائز سواء سُمي استغاثة أو استعاذة أو غير ذلك) انتهى .
النوع الثاني : الشرك الأصغر:
وهو ما ورد في الشرع أنه شرك ولم يصل الشرك الأكبر، ولا يخرج مرتكبه من الإسلام لكنه ينقص توحيده وهو وسيلة إلى الشرك الأكبر.
وعَدّه ابن القيم في «إعلام الموقعين» فوق رتبة الكبائر جُرماً وتعظيماً.
وهو داخل على الصحيح في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} النّـِسـَـاء: 48، لعموم الآية.
قال ابن تيمية:
(وقد يقال: الشرك لا يغفر منه شيء لا أكبر ولا أصغر على مقتضى القرآن، وإن كان صاحب الشرك ـ يعني الأصغر - يموت مسلماً، لكن شركه لا يغفر له، بل يعاقب عليه، وإن دخل بعد ذلك الجنة) انتهى.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله في بعض «رسائله» في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}النّـِسـَـاء: 48:
(ومن لحظ إلى عموم الآية وأنه لم يخص شركاً دون شرك، أدخل فيها الشرك الأصغر، وقال: إنه لا يغفر، بل لا بد أن يعذب صاحبه، لأن من لم يغفر له لا بد أن يعاقب، ولكن القائلين بهذا لا يحكمون بكفره، ولا بخلوده في النار، وإنما يقولون يعذب عذاباً بقدر شركه، ثم بعد ذلك مآله إلى الجنة.
وأما من قال: إن الشرك الأصغر لا يدخل في الشرك المذكور في هذه الآية، وإنما هو تحت المشيئة فإنهم يحتجون بقوله تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ}المـَـائدة: 72، فيقولون: كما أنه بإجماع الأئمة أن الشرك الأصغر لا يدخل في تلك الآية، وكذلك لا يدخل في قوله تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ}الزُّمـَـر: 65، لأن العمل هنا مفرد مضاف ويشمل الأعمال كلها، ولا يحبط الأعمال الصالحة كلها إلا الشرك الأكبر.
ويؤيد قولهم أن الموازنة بين الحسنات والسيئات التي هي دون الشرك الأكبر، لأن الشرك الأكبر لا موازنة بينه وبين غيره، فإنه لا يبقى معه عمل ينفع) انتهى.
_ وللشرك الأصغر دلائل وعلامات يعرف بها من نصوص الشرع :
- كتحديده بالنص بالأصغر كما ورد في «المسند» من حديث يزيد يعنى بن الهاد عن عمرو عن محمود بن لبيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر، قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: الرياء".
- ومنها: أن يأتي لفظ الشرك منكّراً من غير تعريف بـ (الـ) ومن هذا ما رواه أحمد في «المسند» وأبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث سلمة بن كهيل عن عيسى بن يونس عن زر بن حبيش عن عبد الله بن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الطيرة شرك، ثلاثاً، وما منا إلا ولكن الله يذهبه بالتوكل".
- ومنها: فهم الصحابة له بأنه شرك أصغر لا أكبر مخرج من الملة.
- ومنها: ما يُعرف عند جمع النصوص ومقارنتها.
والشرك الأصغر على نوعين:
النوع الأول: الشرك الظاهر:
وهو ما يقع في الأقوال والأفعال، فشرك الألفاظ كالحلف بغير الله تعالى، لما روى أحمد وأبو داود والترمذي وغيرهم من حديث سعد بن عبيدة قال: سمع ابن عمر رجلاً يحلف لا والكعبة فقال له ابن عمر: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من حلف بغير الله فقد أشرك".
وكقول: (ما شاء الله وشئت) لما روى الإمام أحمد وابن ماجه والنسائي في «الكبرى» من حديث يزيد الأصم عن ابن عباس : أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فكلمه فقال: ما شاء الله يعني وشئت، فقال: "ويلك اجعلتني والله عِدلاً، قل: ما شاء الله وحده".
والحق أن يقال: ما شاء الله وحده أو ما شاء الله ثم شئت، ومثله لولا الله ثم فلان، فتكون مشيئة العبد تابعة لمشيئة الله قال تعالى: {وَمَا تَشَاؤُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ *} التّـكويـر: 29. والأصل في هذا الشرك أنه شرك أصغر، وقد يصل إلى الشرك الأكبر بحسب نية قائله وقصده، فإن قصد تعظيم غير الله كتعظيم الله فقد أشرك شركاً أكبر.
وأما شرك الأفعال كلبس الحلقة والخيط لرفع البلاءِ أو دفعه، وكتعليق التمائم خوفاً من العين، لما روى أحمد من حديث دخين عن عقبة مرفوعاً: "من تعلق تميمة فقد أشرك".
فمن اعتقد أن هذه أسباب لرفع البلاءِ ودفعه فهو شرك أصغر، وأما إن اعتقد أنها تدفع البلاء بنفسها فهذا شرك أكبر.
النوع الثاني: الشرك الخفي:
وهو الشرك في النيات والمقاصد والإرادات كالرياءِ والسمعة كمن يعمل عملاً مما يتقرب به إلى الله فيُحسن عمله من صلاةٍ أو قراءةٍ لأجل أن يمدح ويثنى عليه، لما روي في «المسند» من حديث يزيد بن الهاد عن عمرو عن محمود بن لبيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر»، قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: الرياء".
وهذا النوع من الشرك لا يكاد يسلم منه أحد، قال ابن القيم رحمه الله :
(فذلك البحر الذي لا ساحل له، وقلَّ من ينجو منه، فمن أراد بعمله غير وجه الله ونوى شيئاً غير التقرب إليه وطلب الجزاء منه فقد أشرك في نيَّته وإرادته) أ. هـ.
قال بعض أهل المعرفة في هذا الباب:
(هو من أضر غوائل النفس وبواطن مكائدها، يبتلى به العلماء والعباد والمشمرون عن ساق الجد لسلوك طريق الآخرة، فإنهم مهما قهروا أنفسهم وفطموها عن الشهوات، وصانوها عن الشبهات، عجزت نفوسهم عن الطمع في المعاصي الظاهرة، وطلبت الاستراحة إلى إظهار العلم والعمل، فوجدت مخلصاً من مشقة المجاهدة إلى لذة القبول عند الخلق، ولم تقنع باطلاع الخالق، وفرحت بحمد الناس، ولم تقنع بحمد الله وحده، فأحبت مدحهم وتبركهم بمشاهدته وخدمته وإكرامه وتقديمه في المحافل، فأصابت النفس بذلك أعظم اللذات وأعظم الشهوات، وهو يظن أن حياته بالله وبعبادته، وإنما حياته هذه الشهوة الخفية التي تعمى عن دركها العقول النافذة، وقد أثبت اسمه عند الله من المنافقين وهو يظن أنه عند الله من عباده المقربين) انتهى.
وهذا النوع نوع دقيق جداً، وللشيطان فيه من المسلم نصيب عظيم القدر، حتى من أهل الزهادة والعبادة، وضل فيه أكثر الناس، بين مُسرفٍ علَّق قلبه بمدح الناس أو ذمهم فلم يكن له في الآخرة من عمله نصيب، وبين تاركٍ للعبادة خشية الرياء والسمعة.
وقد تمادى أصحاب هذا المسلك حتى قصدوا ذمّ الناس ولومهم، ففعلوا ما يلامون عليه، وسموا بـ(الملامية)، أرادوا بذلك مقابلة أهل الرياء والسمعة، والحق بين ذلك، الأمر بالإخلاص في الطاعة، والحث على الإكثار من العمل الصالح، فالإخلاص هو حقيقة الدين ومفتاح دعوة الرسل قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} البَيّنـَـة: 5.
_ والعمل الذي يرد عليه الرياء لا يخلوا من حالات ذكرها الحافظ ابن رجب في «جامع العلوم والحكم» ومُلخّصها :
الأولى: أن ينشيء العامل العبادة من أصلها لغير الله، فلا يريد بها إلا متاع الدنيا المحض، فهذا العمل عمل المنافقين، ولا يُتصور وقوعه من مؤمن، بل هو من صفات المنافقين الخُلّص قال تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاَةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً *}النّـِسـَـاء: 142.
ولا يكاد يصدر عن مؤمن في فرض الصلاة والصيام وقد يصدر في الصدقة الواجبة والحج وغيرهما من الأعمال الظاهرة التي يتعدى نفعها فإن الإخلاص فيها عزيز وهذا العمل لا يشك مسلم أنه حابط وأن صاحبه يستحق المقت من الله والعقوبة.
الثانية: يكون العمل لله ويشاركه الرياء من أصله فالنصوص الصحيحة تدل على بطلانه أيضاً وحبوطه وفي «صحيح مسلم» عن العلاءِ بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يقول الله تبارك وتعالى: "أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه" .
العمل إذا خالطه شيء من الرياء كان باطلاً، ولا نعرف عن السلف في هذا خلافاً وإن كان فيه خلاف عن بعض المتأخرين.
الثالثة: أن يكون أصل العمل لله ثم طرأت عليه نية الرياء، فإن كان خاطراً ودفعه لا يؤثر بغير خلاف، فإن استرسل معه فهل يحبط عمله أم لا؟ ويجازى على أصل نيته؟ في ذلك اختلاف بين العلماء من السلف قد حكاه الإمام أحمد وابن جرير الطبري وأرجو أن عمله لا يبطل بذلك وأنه يجازى بنيته الأولى.
_خ وروي نحو هذا التقسيم عن سهل بن عبد الله التستري رحمه الله قال :
الرياء على ثلاثة وجوه:
أحدها: أن يعقد في أصل فعله لغير الله ويريد به أن يعرف أنه لله فهذا صنف من النفاق وتشكك في الإيمان.
الثاني: دخل في الشئ لله فإذا اطلع عليه غير الله نشط فهذا إذا تاب يزيد أن يعيد جميع ما عمل.
والثالث: دخل في العمل بالإخلاص وخرج به لله، فعرف بذلك ومدح عليه وسكن إلى مدحهم فهذا الرياء الذي نهى الله عنه. انتهى.
_خ مسألة :
وقد يكون الامتناع من عمل الخير خشية الرياء رياء، روى البيهقي في «شعب الإيمان» من حديث محمد بن عبدويه قال سمعت الفضيل بن عياض يقول:
(ترك العمل لأجل الناس رياء، والعمل من أجل الناس شرك، والإخلاص أن يعافيك الله منهما) انتهى.
قال النووي رحمه الله:
(ومعنى كلامه أن من عزم على عبادة وتركها مخافة أن يراه الناس، فهو مراءٍ، لأنه ترك العمل لأجل الناس، أما لو تركها ليصليها في الخلوة فهذا مستحب، إلا أن تكون فريضة، أو زكاة واجبة، أو يكون عالماً يقتدى به، فالجهر بالعبادة أفضل ...) انتهى.


الناقض الثاني: (من جعل بينه وبين الله وسائط، يدعوهم ويسألهم الشفاعة، ويتوكل عليهم، كفر إجماعاً):
وهذا الناقض هو الذي وقع فيه مشركوا قريش، حيث جعلوا مع الله وسائط تقربهم إلى الله زلفى، مع إيمانهم بربوبية الله، قال تعالى حاكياً عنهم : [الزُّمـَـر: 3]{مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}قال تعالى : [يُونس: 18]{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاَءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ}
والشرك في الربوبية باعتبار خالقين متماثلين في الأفعال والصفات ممتنع.
وما ذهب إليه بعض المشركين إلى أن معبوداتهم تملك بعض التصرف في الكون، وزين لهم الشيطان سوء أعمالهم، وتلاعب بعقولهم كل قوم بحسب عقلهم، فطائفة أشركوا بتعظيمهم للموتى وأهل القبور، وطائفة بالنجوم والكواكب، وطائفة صوروا الأصنام على هيئة معبوديهم التي استقرت في نفوسهم، كالصالحين، والكواكب وغيرها، وسوّل لهم الشيطان أنها وسائط وشفعاء يشفعون لهم عند الله في قضاء حوائجهم وكشف الملمات وتفريج الكربات.
وهذا الناقض وقع فيه كثير ممن ينتسب للإسلام في هذا العصر، جعلوا بينهم وبين الله وسائط، وهو الشرك الذي وقع فيه كفار قريش، إلاَّ أن هؤلاءِ زعموا تصديقهم واتباعهم لنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وهم أبعد عن هدي الرسل، وقد أنكر نبي هذه الأمة هذا الشرك على كفار قريش وبين أنهم يعبدون من دون الله آلهة أخرى، لا تملك لهم ضراً ولا نفعاً وسماهم كفاراً ومشركين.
قال تعالى : [سـَـبَإ: 22-23]{قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لاَ يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَْرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ *وَلاَ تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ *}.
قال تعالى : [الزُّمـَـر: 38]{قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ}
وقال تعالى : [مَريـَـم: 81-82]{وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا *كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا *}
مع إقرارهم بأن الله هو الخالق، ولا يقدر على الخلق والرزق والإحياء والإماته إلا الله، ومع هذا لم يصيروا مسلمين موحدين بل كانوا مشركين.
وتبع المشركين على هذا كثير ممن يتسمى بالإسلام فعظّموا الأضرحة والمزارات وتقربوا إليها بالذبح والنذر وسألوها قضاء الحوائج، وجعلوها وسائط من دون الله كما فعل كفار قريش وهو إشراك بالله تعالى.
وكان سبب ذلك تشبيههم للخالق بالمخلوق، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في «المجموع» : (1/126) :
(وإن أثبتم وسائط بين الله وبين خلقه كالحجاب الذين بين الملك ورعيته بحيث يكونون هم يرفعون إلى الله حوائج خلقه، فالله إنما يهدي عباده ويرزقهم بتوسطهم، فالخلق يسألونهم، وهم يسألون الله، كما أن الوسائط عند الملوك يسألون الملوك الحوائج للناس، لقربهم منهم والناس يسألونهم، أدباً منهم أن يباشروا سؤال الملك، أو لأن طلبهم من الوسائط أنفع لهم من طلبهم من الملك، لكونهم أقرب إلى الملك من الطالب للحوائج.
فمن أثبتهم وسائط على هذا الوجه فهو كافر مشرك، يجب أن يستتاب، فإن تاب وإلا قتل.
وهؤلاء مشبهون لله، شبهوا المخلوق بالخالق وجعلوا لله أنداداً) انتهى.
وتعلَّق المشركون الذين جعلوا بينهم وبين الله وسائط بالشفاعة التي يرجونها من وسطائهم قال تعالى مبيناً حجتهم في شركهم : [الزُّمـَـر: 3]{مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} وقال : [يُونس: 18]{وَيَقُولُونَ هَؤُلاَءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ}.
وهذه الشفاعة التي يرجونها شفاعة باطلة منفية، قال الله تعالى : [الأنعـَـام: 51]{وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ} وقال تعالى : [البَقـَـرَة: 254]{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ *}
وأخبر الله تعالى أن ما يرجونه من شفاعة من هؤلاء يوم القيامة تنتفي عنهم يوم القيامة وتكون حسرة وندامة عليهم ويقولون: [الشُّعَـرَاء: 100-101]{فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ *وَلاَ صَدِيقٍ حَمِيمٍ *}.
_خ والشفاعة في كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم تنقسم إلى قسمين:
الأولى: شفاعة منفية: وهي التي تطلب من غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله، ونفاها الله وأبطلها كما سبق في الآيات.
الثانية: شفاعة مثبته: وهي التي أذن الله فيها وهي التي تطلب من الله وحده، وهي لأهل الإيمان والتوحيد خاصة، وأثبتها الله بشرطين اثنين:
الأول: إذن الله تعالى للشافع أن يشفع قال تعالى: [البَقـَـرَة: 255]{مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ}
الثاني: رضا الله عن المشفوع له، قال تعالى: [الأنبيـَـاء: 28]{وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى}
وقال تعالى مبيناً هذين الشرطين: [النّجْـم: 26]{وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لاَ تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى *}.
الناقض الثالث: (من لم يُكفِّر المُشركين أو شك في كفرهم أو صحح مذهبهم كفر):
ومن حكم الله بكفره من أهل الكتاب والمشركين وأهل الإلحاد وأهل الردة وغيرهم يجب القطع بكفرهم وهذا من لوازم التوحيد، فالتوحيد لا بد فيه من أمرين :
الأول: الكفر بالطاغوت.
الثاني: الإيمان بالله.
وهذا هو معنى كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) فمعناها : لا معبود بحق إلا الله.
فقولنا (لا إله) نفي لأحد يستحق العبادة، وكفر بالطاغوت، وقولنا (إلا الله) إيمان بالله واستثناء لعبوديته وحده.
قال تعالى مبيناً هذين الأمرين: [البَقـَـرَة: 256]{فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لاَ انْفِصَامَ لَهَا}
فمن لم يكفِّر المشركين أو أهل الكتاب أو توقف في كفرهم مع وضوح حالهم فهو كافر بالله وبكتابه وبرسوله محمد صلى الله عليه وسلم مُكذّب لعُموم رسالته للناس أجمعين، مرتكب ناقضاً من نواقض الإسلام، بإجماع المسلمين، فلا بد للمسلم من الجزم واعتقاد كفرهم.
قال القاضي عياض في «الشفا»: (2/1071) :
(ولهذا نكفِّر من دان بغير ملة المسلمين من الملل، أو وقف فيهم، أو شك، أو صحح مذهبهم، وإن أظهر مع ذلك الإسلام، واعتقد إبطال كل مذهب سواه، فهو كافر بإظهاره ما أظهر من خلاف ذلك) انتهى.
ومن باب أولى كُفر من قال أن أهل الكتاب اليهود والنصارى أصحاب شريعة سماوية مجتهدون فيما هم عليه، فهم على حق، فهذا كافر بالله.
ومثله من قال : من أحب أن يتدين باليهودية أو النصرانية أو بالإسلام فهو مُخيّر في ذلك فكلهم على حق.
وهذه القول معروف عند بعض الملاحدة السابقين كابن سبعين وابن هود والتلمساني وغيرهم الذين يقولون: أنه يسوغ للرجل أن يتمسك بالنصرانية واليهودية كما يتمسك بالإسلام، ويجعلون هذا التمسك كتمسك أصحاب المذاهب الأربعة بمذاهبهم، ويقولون : كلها مسالك توصل إلى الله.
وهذا الناقض قد عمت به البلوى وطَمَّت، ونادى به كثير ممن طمس الله بصيرته، فنادوا بِحُرية الأديان ووحدتها والتقريب بينها، وزعموا أن كلها على حق، وأن لا عداوة مُطلقاً بين أهل الإسلام وغيرهم من الملل الكفرية، وجعلوا تبيين هذا الناقض للناس وتوضيحه عنصرية وغُلوّاً وتشدداً، وإحياءً للعداوة والبغضاء بين الأمم والشعوب، وبقولهم هذا يُهدم الإسلام ويُثلم، وهو ردّة ظاهرة وكفر صريح.
وهي دعوة مناقضة للتوحيد مباينة لدعوة الرسل، وتنوعت عباراتهم في عدم تكفير المشركين وأهل الكتاب أو التشكيك في كفرهم بزعم جمع كلمة الناس، ونبذ الكراهية من قلوب الشعوب.
وصاحب هذه الدعوى وهذه المزاعم قد جمع مع هذا الناقض المخرج من الملة، اتهام شريعة الله المُنزّهة بإفساد الشعوب وخلق الفتن والكراهية بين الناس التي لا ثمرة لها، ومصلحة المسلمين في غير ذلك، فهذا وإن لم يقل هذا القول بلسان مقاله فإنه يقوله بلسان حاله.
ودعوة وحدة الأديان وحريتها والتقريب بينها تتكيء على نِحلة عصرية الاسم قديمة المذهب والمشرب، كفرية إلحادية وهي العَلمانية، ومع كون هذه النِحلة تنكر الأديان، وتعتمد على المادية التي لا موجه لها، إلا أنها تسعى لإماتةِ الدين في النفوس بواسطة دعوى حرية الدين والتقريب بين العقائد ونبذ الخلاف.
وهؤلاء لم يعرفوا قدر الحياة التي دعا إليها الإسلام، ولا تعدو نظرتهم لها أن تكون نظرة بهيمية بل هم أضل سبيلاً، وذلك أنهم لم يعملوا لمصيرهم، والبهائم لا مصير لها ينتظرها، ولا عقل لها تفكِّر به بخلاف أولئك المُلْحدين .
قال تعالى: [المـُمتَحنـَـة: 4]{قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ}
وهذه هي الحنيفية ملّة إبراهيم: [البَقـَـرَة: 130]{وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ}
فلا بد للمرء أن يجرد توحيد ربه تبارك وتعالى فلا يدع معه غيره ولا يشرك به طرفة عين ويتبرأ من كل معبود سواه.
روى مسلم في «صحيحه» من طريق مروان الفزاري عن أبي مالك عن أبيه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من قال لا إله إلا الله، وكفر بما يعبد من دون الله، حرم ماله ودمه وحسابه على الله".
فلا بد مع الإيمان بالله الكفر بما يعبد من دون الله، ولا تتحقق عصمة دم المرء وماله حتى يجمع مع الإيمان بالله الكفر بما يعبد من دونه.
وخلاصه هذا الناقض :
أن الكافر بالله تعالى لا يخلو من حالين :
الأولى: أن يكون كافراً أصلياً كاليهودي والنصراني والبوذي وغيرهم، فهذا كفره ظاهر جلي، ومن لم يكفِّره أو شك في كفره أو صحح مذهبه فقد كفر وخرج من ملَّة الإسلام بذلك، وهو داخل فيما ذكرناه فيما سبق.
الثانية: أن يكون مسلماً فارتكب ناقضاً يخرجه من الإسلام، مع زعمه ببقاءه على إسلامه، فإن كان ما ارتكبه من النواقض صريحاً ومحل إجماع عند أئمة الإسلام كمن استهزأ بالنبي صلى الله عليه وسلم أو سبَّه أو جحد شيئاً معلوماً من دين الإسلام بالضرورة فلا يخلو الممتنع من تكفيره من حالين :
الأولى: أن ينكر أن يكون ما وقع فيه ناقضاً من نواقض الإسلام، فهذا حكمه حكمه، بعد قيام الحجة عليه.
الثانية: أن يُقرَّ بكون ما وقع فيها ناقضاً من نواقض الإسلام، لكنه احترز من تكفيره، لاحتمال ورود العُذر عليه، فهذا لا يَكفر.
وإن كان ما ارتكبه من النواقض محل خلاف عند أئمة الإسلام كترك الصلاة أو الزكاة أو الصيام أو الحج، فهذا لا يكفَّر أيضاً، والله أعلم.
الناقض الرابع: (من اعتقد أن هدي غير النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من هديه، أو أن حكم غيره أحسن من حكمه، وكالذي يفضل حكم الطواغيت على حكمه) .
يجب أن يعتقد المسلم أن قول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله وتقريره وحي من الله تعالى، فالسنة قسيمة للقرآن بالوحي، قال تعالى : [النّجْـم: 3-4]{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى *إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى *}.
فكل ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من قولٍ أو فعلٍ أو تقريرٍ فالأصل به أنه وحي من ربه بواسطة جبريل، وإن لم يُسنِده عنه في كل حال.
روى الخطيب في «الكفاية»: (ص 20) عن أحمد بن زيد بن هارون قال: إنما هو صالح عن صالح وصالح عن تابع وتابع عن صاحب وصاحب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله عن جبرائيل وجبرئيل عن الله عز وجل.
وهذا هو إسناد شريعة محمّـد عليه الصلاة والسلام، فلا يقول شيئاً في التشريع من تلقاء نفسه.
ولذا يسمي السلف القرآن والسنة (الوحيين) وهذا مُسلَّم لدى المسلمين، وقد ترجم البخاري في كتاب التوحيد من «صحيحه»: (باب ذكر النبي وروايته عن ربه)
وفي هذا روى الدارمي وأبوداود في «المراسيل» والخطيب في «الكفاية» و«الفقيه والمتفقه» وابن عبد البر في «الجامع» والمروزي في «السنة» عن الأوزاعي عن حسان بن عطية قال: كان جبريل ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم بالسنة كما ينزل عليه بالقرآن.
فالسنة وحي، وهذا متقرر عند أئمة الإسلام عامة من السلف والخلف.
قال الشافعي رحمه الله :
(السنة وحي يتلى) انتهى.
ونحوه قال ابن حزم في «الإحكام»: (4/505).
والسنة موصوفة بالإنزال كالقرآن.
قال الخطيب البغدادي في مقدِّمة «الكفاية»: (ص 2) : (وخلَّص الورى من زخارف الضلالة، بالكتاب الناطق والوحي الصادق، المنزلين على سيد الورى ..).
وقال العراقي في «طرح التثريب»: (1/15، ط. الأزهرية) :
(ووصف السنة بالإنزال صحيح فقد كان الوحي ينزل بها كما ينزل بالقرآن ..) انتهى
إذا عُلِم هذا عُلم أن من ردّ أو جحد السنة أو شيئاً منها، فقد ردّ أو جحد القرآن أو شيئاً منه.
ومعارض السنة معارض القرآن، فكلاهما من وحي الله، وسنّة النبي صلى الله عليه وسلم خير هدي كما جاء في «صحيح مسلم» من حديث جابر مرفوعاً : "خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد".
والوحيان ناسخان لكل شريعة سابقة، وهما أصلح شريعة يهتدى ويقتدى بها، فقد روى أحمد في «مسنده» من حديث محمد بن إسحاق عن داود بن الحصين عن عكرمة عن بن عباس قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الأديان أحب إلى الله؟ قال: "الحنيفية السمحة".
وسنده جيّد .
وشريعة محمد صلى الله عليه وسلم كاملة لا نقص فيها: [المـَـائدة: 3]{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِْسْلاَمَ دِينًا} {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِْسْلاَمَ دِينًا}
وألزم الله بلزومها: [آل عِـمرَان: 85]{وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِْسْلاَمِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآْخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ *}.
فمن اعتقد أن شيئاً من هدي الشرائع الأخرى سواءً كانت شرائع سماوية كاليهودية والنصرانية المحرّفة، أو التشريعات التي يضعها الناس ويقنِّنونها من دون الله خير من هدي محمّد صلى الله عليه وسلم وأنفع للناس، وأصلح لاستقامة حياتهم وأمنهم ومعيشتهم، فهو كافر خارج من الملة بإجماع المسلمين وإن حكم بما أنزل الله.
وقد أمر الله بالتحاكم إلى شريعته، ولزوم حُكم نبيه صلى الله عليه وسلم، فمن فضّل حُكماً على حُكمه فهو كافر بالله العظيم.
فمن مقتضى الإيمان بالله ورسوله الخضوع لحكمه، والنزول عند شرعه، والرضا بأمره، ولزوم قضاءه في العقائد والأقوال والأفعال، والرجوع إلى كتاب الله وسنته عند الاختلاف في الخصومات والدماء والأموال وسائر الحقوق، فلا ينازع الله في حُكمه [الأنعـَـام: 57]{إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ}.
فيجب على الحُكَّام الحكم بحكم الله وشرعه، وعلى المحكومين التحاكم إلى ما أنزل الله في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم قال تعالى: [النّـِسـَـاء: 60]{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا *}
فقوله: (يزعمون) دل على كذب دعواهم الإيمان بما أنزل الله لمخالفتهم لموجبها وعملهم بما ينافيها.
ثم بين وأقسم سبحانه وتعالى أنه لا يجتمع الإيمان مع التحاكم إلى غير ما أنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم فقال : [النّـِسـَـاء: 65]{فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا *}
فنفى الله الإيمان مؤكداً ذلك بالقسم عمن لم يتحاكم إلى ما أنزل الله ويرضى بحكمه ويسلم له.
ونفي الإيمان هنا يدل على أن تحكيم ما أنزل الله بين الناس إيمان، وقُربة يتقرب بها إلى الله، فيجب مع التحكيم اعتقاد ذلك ديناً وتعبداً، لا أنه أصلح للناس فحسب.
وتحكيم شرع الله واجب في جميع ما يقع بين العباد من خصومات، وفي كل شئون الحياة، ولذا قال تعالى: [النّـِسـَـاء: 65]{فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ}، فاسم الموصول {ما} مع صلته من صيغ العموم، فالحكم عام في الدماء والأموال والأعراض وسائر الحقوق.
ومن بدّل شريعة الله بغيرها من القوانين فهذا كفر، فقد حكم الله بكفر الذين لا يحكمون بما أنزل الله فقال تعالى : [المـَـائدة: 44]{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} انتهى
وقد روى المروزي في «تعظيم قدر الصلاة» وابن جرير في «تفسيره» وعبد الرزاق في «المصنف» من حديث معمر عن ابن طاووس عن أبيه قال: سئل ابن عباس عن قوله: [المـَـائدة: 44]{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} قال: هي به كفر.
وأخرجه ابن أبي حاتم والحاكم في «المستدرك» والبيهقي في «السنن» والمروزي في «تعظيم قدر الصلاة» وابن عبد البر في «التمهيد» عن هشام بن حجير عن طاووس عن ابن عباس في قوله تعالى: [المـَـائدة: 44]{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} قال: كفر دون كفر.
وهشام بن حجير ضعفه أحمد وضعفه ابن معين جداً وقال ابن عيينة: لم نكن نأخذ عن هشام بن حجير ما لا نجده عند غيره، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه، وذكره العقيلي في الضعفاء، ووثقه العجلي وابن سعد.
والأول أشبه.
وروي معنى اللفظ الثاني موقوفاً على طاووس بسند صحيح، وروي معناه عن عبد الله بن عباس رواه عنه علي بن أبي طلحة، ورواية علي أمثل من رواية ابن حجير؛ لأن روايته صحيفة عن ابن عباس.
قال الشيخ محمد بن إبراهيم _ح في رسالة «تحكيم القوانين»:
(إن من الكـفر الأكفر المستبين تنزيل القانون اللعين، منزلة ما نزل به الروح الأمين، على قلب محمد صلى الله عليه وسلم، ليكون من المنذرين بلسان عربي مبين) انتهى.
وقد نصب كثير ممن ينتسب للإسلام قوانين وضعية فأمروا من ولاهم الله أمره بالتحاكم إليها وعاقبوا من خالفهم إلى حكم الله، ومع هذا يدّعون الإقرار بالشهادتين ووجوب الحكم بشريعة الله، فهذا العمل يدل على عدم إقرارهم بذلك باطناً ولو أقروا به ظاهراً.
ومن منع عقوبة الزنا إذا تراضيا أو بدّل حكم السرقة من القطع إلى التعزير بالبدن أو المال أو حكم بحرية الاعتقاد فلا يُقتل مرتد ولا يُستتاب، فكل ذلك من الكفر والضلال المبين.
وتنحية الشريعة الإسلامية وعدم التحاكم إليها عند الخصومات وغيرها في شئون الحياة من أخطر وأوضح مظاهر الضلال والانحراف في هذا الوقت في مجتمعات المسلمين.
والتحاكم إلى آراء المخلوقين من دون حكم الله ضلال وفتنة في الدين والدنيا.
قال سليمان بن سحمان : (إذا عرفت أن التحاكم إلى الطاغوت كفر، فقد ذكر الله في كتابه: أن الكفر أكبر من القتل، قال تعالى: [البَقـَـرَة: 217]{وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ} وقال: [البَقـَـرَة: 191]{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ * وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ} والفتنة هي الكفر فلو اقتتلت البادية والحاضرة، حتى يذهبوا لكان أهون من أن ينصبوا في الأرض طاغوتاً يحكم بخلاف شريعة الإسلام، التي بعث بها رسول الله صلى الله عليه وسلم) انتهى.
وحُكم الله أصلح للأمة بلا ريب، ويجب التحاكم إليه ولا بُد، فالمشرِّع هو الله، وهو أعلم بما يُصلِح حياة المخلوقين من أنفسهم، وأعلم بتغيُّر الحال، وتبدل الزمان، وأعلم بما كان وما سيكون وما لم يكن لو كان كيف يكون.
وقد زعم بعض العقلانيين من معتزلة العصر كالعلمانيين والليبراليين أن تحكيم الشريعة إقرار للاستبداد السياسي، والإرهاب الفكري، وأن حكم الله وتشريعه جمود وعدم مواكبة للحياة المدنية المتجددة، وهذا كله مع كونه مروقاً من الإسلام، ففيه تنقُّص لعلم الله فيما يُصلح العباد مع تغير حياتهم وتبَدُّل أزمانهم.
وأما من جعل حكم الله حكماً له يفصل به ويقضي بموجبه، مع إيمانه بوجوب تحكيمه، وأنه أصلح للأمة من أي حكم وضعي، لكنه وقع منه الحكم في واقعة ما لغلبة هواه، ولطمع من الدنيا من مالٍ أو جاهٍ، مع علمه بتحريم حكمه هذا، فهذا كفره كفر لا يخرجه من الملة، لكنه مرتكب ظلماً وجوراً.
الناقض الخامس: (من أبغض شيئاً مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ولو عمل به كفر).
ومن كره وأبغض شيئاً مما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من هدي وحُكم فقد كفر بالله تعالى، وهو من صفات المنافقين النفاق الاعتقادي الأكبر الذي يخرج صاحبه من الإسلام وصاحبه في الدرك الأسفل من النار.
وهؤلاء المنافقون النفاق الاعتقادي موجودون في كل زمان، خاصة عند ظهور الإسلام وقوّته على خصومه.
فمن كره شيئاً من شريعة الله وهدي محمد صلى الله عليه وسلم وحكمه سواءً كان أمراً أو نهياً مما جاء به من العقائد والشرائع فقد أسرف على نفسه وعَرّضها لما لا طاقة له به.
كما يصنعه كثير من منافقي العصر من العلمانيين والليبراليين ومن حذا حذوهم ممن اغتر بما عليه الغرب، فكرهوا الحكم بما أنزل الله كحد السرقة وجلد شارب الخمر وقتل القاتل العمد ودية المرأة نصف دية الرجل فهؤلاء مبغضون لما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند الله كفار خارجون من ملة الإسلام.
ولو عمل أحدهم بما أبغضه من شريعة الله لم ينفعه ذلك، كمن كره تعدد الزوجات مطلقاً وأبغض هذا التشريع فهو كافر بالله وإن عدد وتزوج أكثر من واحدة.
ومثله من كره حكم الله وقضاءه في أن شهادة المرأتين بشهادة الرجل الواحد أو كره ما جاءت به بعض النصوص الثابتة من أخبار مغيبة بزعم أنها لا تتوافق مع العقل أو مع الواقع.
قال الله تعالى : [محـَـمَّد: 8-9]{وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ *ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ *} فسماهم الله كفاراً بقوله (الذين كفروا) بسبب أنهم (كرهوا ما أنزل الله) ولكون الكفر لا يبقى معه من عمل الخير شيء فإنه يحبطه بالكلية قال (فأحبط أعمالهم).
وقد تجرأ كثير ممن يتسمى بالإسلام على كثير من أحكام الله، وهدي نبيه، تصريحاً أو تلميحاً بالكراهية لها، فتنوعت أهوائهم بردها، تارةً بأنها ليست مُلزمة، وتارةً بأنها خاصة بزمان ولّى وانقضى، وكل هذا من محادّة الله ورسوله.
ومن وقع في شيء من المعاصي مقراً بذنبه كشارب الخمر ومقترف الزنا وآكل الربا مع اعتقاده حرمتها فهو كسائر العصاة المذنبين الذين هم تحت مشيئة الله إن شاء عذبهم وإن شاء عاقبهم.
ولا يلزم من ارتكاب الحرام بغض تحريمه، ولا من ترك الواجب بغض إيجابه، ومن ألزم بذلك فقد سلك مسلك الخوراج في تكفير مرتكب الكبيرة وتخليده في النار.
والآيات والأحاديث والآثار في بيان أن مرتكب الكبيرة باقٍ على إسلامه لا يلزم من ارتكابه بغضه للتشريع أكثر وأشهر من أن تذكر، ومن ذلك ما رواه البخاري في «صحيحه» من طريق زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب أن رجلا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان اسمه عبد الله وكان يلقب حماراً وكان يضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد جلده في الشراب فأتى به يوماً فأمر به فجلد فقال رجل من القوم: اللهم العنه ما أكثر ما يؤتى به فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تلعنوه فوالله ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله".
فقد منع من لعنه فضلاً عن إلزامه بكره وبغض تحريم الخمر.
_خ مسألة:
والكره الذي لا يقع على ذات التشريع، مما جاء به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ككره الزوجة أن يُعدِّد عليها زوجها، وككره المؤمنين للقتال لما فيه من فقد النفس والمال قال تعالى: [البَقـَـرَة: 216]{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ}.
ونحوه كره المتوضئ الوضوء في اليوم البارد، قال عليه الصلاة والسلام: "وإسباغ الوضوء على المكاره".
وهذا أمر فطري لا يملكه العبد، فالزوجة لم يقع كرهها على ذات التشريع، والحكم العام في الإسلام، وإنما كرهت أن يتزوج زوجها زوجة أخرى، تكون قسيمة وضرة لها.
والمقاتل إنما كره القتال لما جبلت عليه النفس من حب الحياة وكراهية الموت لكنه مقر بفضل القتال في الإسلام، وقوله تعالى: ُ )+ ، أي شديد عليكم ومشقة، فإن المجاهد إما أن يقتل أو يجرح مع مشقة السفر ومجالدة الأعداء.



الناقض السادس
(الاستهزاء بشيء من دين الرسول صلى الله عليه وسلم أو ثوابه أو عقابه كفر، والدليل قول الله تعالى : [التّوبـَـة: 65-66]{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ *لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ *}) ...
قد توعد الله من اتخذ آياته هزواً ولعباً بالعذاب المهين، فقال: [الجـَـاثيـَـة: 9]{وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ *}.
وإعداد العذاب المهين في القرآن لم يأتي إلا في حق الكفرة والمشركين.
وآيات الله دلائله وحججه وأمره ونهيه.
قال ابن حزم في «الفصل»: (3/299):
(صح بالنص أن كل من استهزأ بالله تعالى، أو بملك من الملائكة، أو بنبي من الأنبياء عليهم السلام، أو بآية من القرآن، أو بفريضة من فرائض الدين، فهي كلها آيات الله تعالى، بعد بلوغ الحجة إليه فهو كافر) انتهى.
فالاستهزاء بالدين ردّة عن الإسلام، وخروج من ملّة خير الأنام، وإن كان المستهزيء مازحاً أو هازلاً، وقول الله تعالى: [التّوبـَـة: 65-66]{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ *لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ *} دال على أن الاستهزاء بالله كفر، وأن الاستهزاء بالرسول كفر، وأن الاستهزاء بشيء من دين محمد صلى الله عليه وسلم وشريعته كفر، فمن استهزأ بواحد منها مستهزيء بها كلها جميعها.
ونزلت الآية السابقة في قوم منافقين استهزأوا برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فحكم الله بكفرهم، فقد روى ابن جرير وغيره من حديث هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عبد الله بن عمر قال: قال رجل في غزوة تبوك في مجلسٍ: مارأيت مثل قرائنا هؤلاء، أرغب بطوناً، ولا أكذب ألسناً، ولا أجبن عند اللقاء، فقال رجل في المسجد: كذبت ولكنك منافق لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل القرآن فقال عبد الله بن عمر: أنا رأيته متعلقاً بحقب ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم تنكبه الحجارة وهو يقول: يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: [التّوبـَـة: 65-66]{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ *لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ *}
وقد حكم الله بكفرهم، وقطع بعدم عذرهم مع قولهم معتذرين: [التّوبـَـة: 65]{إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} فقال الله تعالى لهم : [التّوبـَـة: 66]{لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ}، أي كفرتم بعد كونكم مؤمنين بالله، والإيمان لا يجعل صاحبه يستهزيء برسول الله أو دينه، ولكن لمّا كان إيمانهم ضعيفاً قالوا الكفر لاعبين هازلين.
والاستهزاء بدين الله من علامات الكفّار قال تعالى : [الفـُـرقان: 41-42]{وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً *إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلاَ أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً *}.
ومن علامات المنافقين خاصة قال تعالى : [المطفّفِـين: 29-33]{إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ *وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ *وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ *وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاَءِ لَضَآلُّونَ *وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ *} الآيات.
والمُستهزيء بالله أو آياته أو رسوله أو شيءٍ من دينه وشريعته، كافر بالله حتى وإن زعم عدم قصده لحقيقة ما قال، وإن صلى وصام، فهو بذلك القول مرتد سواء اعتقده بقلبه أو اعتقد الإيمان بقلبه، ولذا هؤلاء المنافقون في الآية لم يكونوا يعلمون بكفرهم، وظنّوا أنهم معذورون، ومع هذا لم يقبل منهم ذلك، ولم يمنعهم من الردّة، وهذا حُكم الله يحكم ما يشاء لا مُعقّب لحكمه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في قوله تعالى [آل عِـمرَان: 106]{أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} في «المجموع»: (7/273) :
(دل على أنهم لم يكونوا عند أنفسهم قد أتوا كفراً، بل ظنوا أن ذلك ليس بكفر، فبين أن الاستهزاء بالله ورسوله يكفر به صاحبه بعد إيمانه، فدل على أنه كان عندهم إيمان ضعيف، ففعلوا هذا المحرم الذي عرفوا أنه محرم ولكن لم يظنوه كفراً وكان كفراً كفروا به، فإنهم لم يعتقدوا جوازه) انتهى.
والاستهزاء على نوعين :
أحدهما: الاستهزاء الصريح كمن نزلت فيهم الآية من المنافقين، وسبق ذكرهم وقولهم: ( ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً ولا أكذب ألسناً ولا أجبن عند اللقاء) وكقول بعضهم عن الدين: هذا دين خامس أو دين أخرق، والأمثلة في هذا النوع لا تحصى.
النوع الثاني: الاستهزاء غير الصريح كالغمز باليد وإخراج اللسان عند تلاوة كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، أو عند شعائر الله، وكرفع الصوت بالكلام عند قراءة القرآن أو عند سماع قول النبي صلى الله عليه وسلم استخفافاً بهما، فالاستخفاف والاستهزاء شيء واحد، وغير ذلك، وهذا النوع بحر لا ساحل له.
ولعظيم خطر الاستهزاء بالدين حذر الله من الجلوس مع المستهزئين فقال تعالى : [النّـِسـَـاء: 140]{وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَىءُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا *}
قال ابن كثير في «تفسيره»: (1/567) :
(أي إنكم إذا ارتكبتم النهي بعد وصوله إليكم، ورضيتم الجلوس معهم في المكان الذي يكفر فيه بآيات الله ويستهزأ بها، وأقررتموهم على ذلك فقد شاركتموهم في الذي هم فيه) انتهى.
ومن سبَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كفر بإجماع المسلمين نقل الإجماع على ذلك جماعة من الأعلام كإسحاق بن راهوية ومحمد بن سحنون وابن عبد البر وأبو بكر الفارسي والقاضي عياض والسبكي وابن تيمية وغيرهم.
قال القاضي عياض حاكياً إجماع الأمة على ذلك في كتاب «الشفا» : (2/932):
(اعلم وفقنا الله وإياك أن جميع من سبَّ النبي صلى الله عليه وسلم أو عابه أو ألحق به نقصاً في نفسه، أو نسبه، أو دينه، أو خصلة من خصاله، أو عرَّض به، أو شبهه بشيء على طريق السب له، أو الإزراء عليه، أو التصغير لشأنه، أو الغض منه، والعيب له، فهو ساب له، والحكم فيه حكم الساب، وكذلك من لعنه، أو دعا عليه، أو تمنى مضرة له، أو نسب إليه ما لا يليق على طريق الذم، أو عبث في جهته العزيزة بسخف من الكلام وهجر، ومنكر من القول وزوراً، أو عيَّره بشيء مما جرى من البلاء والمحنة عليه، أو غمصه ببعض العوارض البشرية الجائزة والمعهودة لدية، وهذا كله إجماع من الصحابة وأئمة الفتوى من لدن الصحابة رضوان الله عليهم إلى هلم جرا ... لا نعلم خلافاً في استباحة دمه بين علماءِ الأمصار وسلف الأمة وقد ذكر غير واحد الإجماع على قتله وتكفيره) انتهى.
* والاستهزاء وسب الصحابة له صور :
- منها: ما هو كفر وردة بالإجماع، كالاستهزاء بهم عامَّة أو سبهم بالجملة أو اتهامهم بالنفاق أو الردة، وتعميم ذلك عليهم إلا نزراً يسيراً، وقد حكى الإجماع على كفر من يفعل هذا جماعة من العلماء كابن حزم الأندلسي، والقاضي أبي يعلى، والسمعاني وابن تيمية وابن كثير وغيرهم.
لأن فاعل هذا لا يريد بسبِّه واستهزائه أشخاصهم ولكنه يريد دينهم وصحبتهم، حيث عمَّم ذلك عليهم، وهم متفاوتون في الخُلُق والخَلق.
وقد يكفر من وقع في واحد منهم كمن سبَّه أو استهزأ به لأجل دينه وصحبته لا لأجل شخصه وخُلقه وخَلقه.
- ومنها: ما ليس بكفر، ولكن صاحبها يستحق التفسيق والتعزير والزجر، كالاستهزاء بقِلَّة منهم واتهام بعضهم بالجبن، أو البخل أو قلة العلم ونحو ذلك.
_خ وأما الاستهزاء بأهل العلم والصلاح فعلى نوعين:
النوع الأول: السخرية والاستهزاء بأشخاصهم، كالاستهزاء بصفتهم الخَلقية أو الخُلقية، فهذا النوع محرَّم لقوله تعالى : [الحـُجرَات: 11]{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلاَ نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلاَ تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُوا بِالأَْلْقَابِ}
النوع الثاني: السخرية والاستهزاء بأهل الصلاح لأجل صلاحهم، وبأهل العلم لأجل علمهم، فهذا النوع كفر وردَّة عن الملَّة، لأن المقصود منه استهزاء بدين الله الذي يحملونه، فلم يقع الاستهزاء على أشخاصهم، وإنما وقع على استقامتهم وعلمهم.
وقد جعل الله هذا النوع من الاستهزاء بالإسلام فقال تعالى : [التّوبـَـة: 65-66]{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ *لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ *}
وسبب نزول هذه الآية ما تقدم ذكره وهو ما رواه ابن جرير الطبري في «تفسيره»: (10/172) عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عبد الله بن عمر قال: قال رجل في غزوة تبوك في مجلسٍ: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً ولا أكذب ألسناً ولا أجبن عند اللقاء.
فقال رجل في المسجد: كذبت، ولكنك منافق، لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزل القرآن فقال عبد الله بن عمر: أنا رأيته متعلقا بحقب ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم تنكبه الحجارة وهو يقول: يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : [التّوبـَـة: 65-66]{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ *لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ *}
· وعدّ الله السخرية بالمؤمنين سبباً في دخول النار فقال: [المؤمنون: 108-110]{قَالَ اخْسَأُوا فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ *إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ *فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ *}.

الناقض السابع
(السحـر، ومنه الصرف والعطف، فمن فعله أو رضي به كفر، والدليل قول الله تعالى : [البَقـَـرَة: 102]{وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ} )
والسحر في لغة العرب ما خفي ولطف سببه، ومنه يسمّى السَحَر لآخر الليل، لخفاء الأفعال فيه والسحْر الرئة وهي محل الغذاء وسميت بذلك لخفائها ولطف مجاريها إلى أجزاء البدن كما قال أبو جهل يوم بدر لعتبة: انتفخ سحره، أي انتفخت رئته من الخوف.
وهو عزائم ورقى، قراءات وطلاسم يتوصل بها إلى استخدام الشياطين لإلحاق الضرر بالمسحور، وله حقيقة، فمنه ما يؤثر في قلب المسحور وعقله وإرادته، فينصرف عن شيءٍ ويميل لآخر، ولهذا يُسمى الصرف والعطف أي صرف الرجل عما يهواه كصرفه عن زوجته ونحو ذلك، والعطف بعكس ذلك.
وقد اختلف حدُّ العلماء للسحر، وذلك راجع لكثرة أنواعه وصوره المختلفة الداخلة فيه، ولذا قال الشنقيطي في «أضواء البيان»: (4/444) :
(السحر في الاصطلاح لا يمكن حده بحدٍّ جامع مانع لكثرة الأنواع المختلفة الداخلة تحته، ولا يتحقق قدر مشترك بينهما، يكون جامعاً لها مانعاً لغيرها، ومن هنا اختلفت عبارات العلماء في حدِّه اختلافاً متبايناً) انتهى.
وللسحر حقيقة عند جماهير أهل العلم وهو مذهب أهل السنة والجماعة:
قال ابن هبيرة _ح في كتابه «الإشراف على مذاهب الأشراف»:

(أجمعوا على أن السحر له حقيقة إلا أبا حنيفة فانه قال: لاحقيقة له عنده) انتهى.
وقال المعتزلة كذلك لا حقيقة له واستدلوا بقوله تعالى : [طـه: 66]{يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} فقال (يخيل).
والحق أن للسحر حقيقة، والآثار في ذلك عن الصحابة والتابعين وسلف الأمة كثيرة جداً.
ومن السحر ما هو تخييل لا حقيقة له.
وكثير من السحر لا يتوصل إليه إلا بالشرك والتقرب إلى الأرواح الخبيثة من دون الله، وقد جعله النبي صلى الله عليه وسلم من الموبقات وقرنه بالشرك فقال كما في «الصحيحين» : "اجتنبوا السبع الموبقات"، قالوا: وما هي؟ قال: "الإشراك بالله والسحر.." الحديث).
_خ والسحر يدخل في الشرك من جهتين :
الجهة الأولى: ما فيه من استخدام الجن والشياطين، والتقرب إليهم من دون الله بما يريدونه، ليوصلوا الساحر إلى مبتغاه، والسحر من تعليم الشياطين كما قال تعالى : [البَقـَـرَة: 102]{وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ}
الجهة الثانية: ما فيه من ادعاء علم الغيب، ومنازعة الله في خصوصياته، [النَّـمل: 65]{قُلْ لاَ يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَْرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ} ودعوى مشاركة الله في ذلك كفر وضلال.
والأصل في السحر أنه كفر وشرك، وقد يكون منه ما هو دون الكفر.
والسحر في هذا الباب على قسمين :
القسم الأول: شرك، وهو الذي يكون بواسطة الشياطين، فيُتقرب إليهم ببذل القرابين والعبادة لهم من دون الله.
القسم الثاني: ظلم وعدوان، وهو ما يكون بواسطة العقاقير والأدوية لأذية الخلق وصدهم عما يريدون.
* وأما السحر الرياضي الذي يرجع إلى سرعة الحركة وقوّة الجسد وخفّة اليد والسحر بالتمويه، وهو ما يكون بقلب الحقائق وإظهارها على غير حقيقتها، فهذان من التدليس والخداع والغش، وإنما أدخل هذه الأنواع المذكورة في السحر للطافة مداركها وخفائها؛ لأن السحر في اللغة عبارة عما لطف وخفى سببه ولهذا جاء في الحديث: «إن من البيان لسحراً».
* وحكم الساحر يظهر مما سبق من تقسيم على الصحيح، وقد اختلف العلماء فيه على قولين :
فمنهم من أطلق الكفر، كما هو ظاهر صنيع المصنِّف الإمام محمد بن عبد الوهاب وهو قول جمهور العلماء لقوله تعالى: [البَقـَـرَة: 102]{وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ}
ومنهم من نص على التقسيم الذي ذكرناه وهو الأظهر، ومن أطلق الكفر فظاهره أنه يقصد القسم الأول.
وقتل الساحر اختلف فيه العلماء بناءً على اختلافهم في حكم الساحر، فإن كان سحره كفراً قتل مرتَداً.
وإن كان سحره دون الكفر، قتل دفعاً لأذاه وشرّه وكفاً لفساده، وهذا يرجع للمصلحة المترتبة على بقائه.
قال ابن هبيرة _ح في كتابه «الإشراف على مذاهب الأشراف» :
(وهل يقتل بمجرد فعله واستعماله :
- فقال مالك وأحمد: نعم.
وقال الشافعي وأبو حنيفة: لا.
فأما إن قتل بسحره إنساناً فإنه يقتل عند مالك والشافعي وأحمد.
وقال أبو حنيفة: لا يقتل حتى يتكرر منه ذلك أو يقر بذلك في حق شخص معيَّن.
- وإذا قتل فإنه يقتل حداً عندهم إلا الشافعي فإنه قال يقتل والحالة هذه قصاصاً) انتهى.
_خ مسألة:
ولا يصح في الأمر بقتل الساحر خبر مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأما ما رواه الترمذي في «سننه»: (4/60) والطبراني في «الكبير»: (2/161) والدارقطني: (3/114) وغيرهم من حديث إسماعيل بن مسلم المكي عن الحسن البصري عن جندب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "حد الساحر ضربة بالسيف".
فهو خبر لا يصح رفعه، فإسماعيل اضطرب فيه، فتارة يرسله وتارة يصله، وإسماعيل يُضَعَّف.
وتابعه خالد العبدي عند الطبراني في «معجمه الكبير» وخالد واهٍ.
وصوَّب الترمذي وقفه.
قال الترمذي في «علله»:
(سألت محمداً عن هذا الحديث فقال: هذا لا شيء) انتهى.
لكن صح هذا عن جماعة من الصحابة: منهم عمر بن الخطاب كما رواه أحمد في «المسند»: (1/190) وأبو داود في «سننه»: (3043) والبيهقي في «الكبرى»: (8/136) عن بجالة بن عبدة قال: كتب عمر بن الخطاب: أن اقتلوا كل ساحر وساحرة، قال: فقتلنا ثلاث سواحر.
وحفصة كما رواه البيهقي في «سننه»: (8/136) من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن حفصة بنت عمر رضي الله عنهما أن جارية لها سحرتها فأقرت بالسحر، وأخرجته، فقتلتها، فبلغ ذلك عثمان رضي الله عنه فغضب، فأتاه ابن عمر رضي الله عنه فقال: جاريتها سحرتها أقرت بالسحر وأخرجته، قال: فكف عثمان رضي الله عنه، قال: وكأنه إنما كان غضبه لقتلها إياها بغير أمره.
وجندب كما رواه البيهقي في «سننه»: (8/136) من طريق خالد الحذاء عن أبي عثمان النهدي عن جندب في قصة.
وخالد الحذاء لم يسمع من أبي عثمان النهدي، قاله أحمد، وحديثه عنه مخرج في «الصحيحين».
وأخرجه من وجه آخر البخاري في «التاريخ»: (2/222) من طريق عاصم الأحول عن أبي عثمان النهدي عن جندب بنحوه.
قال الإمام أحمد بن حنبل:
(صح عن ثلاثة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في قتل الساحر) انتهى.
_خ مسألة:
وإن تاب الساحر قُبلت توبته على الصحيح من أقوال العلماء، وقد اختلفوا في ذلك :
قال ابن هبيرة :
(وهل إذا تاب الساحر تقبل توبته؟ :
- فقال مالك وأبو حنيفة وأحمد في المشهور عنهم لا تقبل.
وقال الشافعي وأحمد في الرواية الأخرى تقبل.
وأما ساحر أهل الكتاب فعند أبي حنيفة أنه يقتل كما يقتل الساحر المسلم.
وقال مالك وأحمد والشافعي لا يقتل يعني لقصة لبيد بن الأعصم.
- واختلفوا في المسلمة الساحرة فعند أبي حنيفة أنها لا تقتل ولكن تحبس.
- وقال الثلاثة حكمها حكم الرجل والله أعلم) انتهى.

الناقض الثامن
(مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين والدليل قوله تعالى : [المـَـائدة: 51]{وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} ).
ومن ظاهر المشركين وناصرهم على المسلمين فقد تعرض لتهديد الله ووعيده، وخان الله ورسوله والمؤمنين، واستحق سخط الله وعذابه قال تعالى : [المـَـائدة: 80-81]{تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ *وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ *}.
وجعل الله ذلك من خصال المنافقين فقال تعالى : [النّـِسـَـاء: 138-139]{بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا *الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَولِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا *}
وجعل حكم من يتولى المشركين كحكمهم فقال: [المـَـائدة: 51]{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}
وجعل موالاتهم سراً أو علانية ووعدهم بالمناصرة صدقاً أو كذباً في النهي سواء، فقال تعالى: [الحـَـشـر: 11]{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلاَ نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ *}
وقطع سائر الأعذار لتوليهم كحظوظ الدنيا أو الخوف منهم أو مداراتهم أو مداهنتهم أو خشية الدوائر أو عصمة النفس والمال فقال : [المـَـائدة: 52]{فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ} وقال : [النّحـل: 107]{ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآْخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ *}.
وعمَّم النهي في موالاة الكافرين عامة ذوي أرحام أو أجانب، كتابيين أو مشركين أو مرتدين وغيرهم من ملل الكفر فقال: [المـَـائدة: 57]{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ *}.
وقال: [المجـَـادلة: 22]{لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ اللَّهُ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ}
وتوعد من اتخذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين إن هو لم يرتدع عن موالاته وينجر عن مخالته أن يلحقه بأهل ولايته من المنافقين فيستحق ما استحقوه بأوضح حجه وأقوى برهان فقال: [النّـِسـَـاء: 144]{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينِ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا *}
وتبرأ ممن يتولاهم فقال: [آل عِـمرَان: 28]{لاَ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ}
وقطع بردتهم فقال: [محـَـمَّد: 25-26]{إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ *ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأَْمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ *} إلى غير ذلك من الآيات.
والنصوص في الكتاب والسنة في هذا الباب أكثر من أن تحصر، وقد حرص الشارع على بيان هذا الأصل العظيم من الدين أشد بيان، فتواترت به النصوص من الكتاب والسنة، وتظافرت فيه الأدلة، وذلك لأنه من أعظم أصول الملة، فبموالاة الكافرين ومعاداة المؤمنين تهدم الشريعة ويثلم الدين.
قال الشيخ حمد بن عتيق في «سبيل النجاة»: (ص31) :
(فأما معاداة الكفار والمشركين فاعلم أن الله سبحانه وتعالى قد أوجب ذلك، وأكد إيجابه، وحرم موالاتهم وشدد فيها، حتى أنه ليس في كتاب الله تعالى حكم فيه من الأدلة أكثر ولا أبين من هذا الحكم بعد وجوب التوحيد وتحريم ضده) انتهى.
وقد وقع الجهل في هذا الباب، والتسامح فيه، فأصبح اتِّباع الأهواء وملذات الدنيا وحب الرئاسة عذراً في موالاة الكافرين ومعاداة المؤمنين، فأصبح هذا الباب فتنة لكثير من الأولين وبلاء للآخرين.
فتحرم موالاة الكافرين على المؤمنين بالمال والنفس والرأي، وإن لم يقع في القلب حبهم، وتفضيل دينهم على دين المؤمنين، وقد حذر الله من ذلك أشد تحذير، كما تقدم في الآيات قال تعالى : [المـَـائدة: 51]{وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} وهذا يجري على ظاهره أنه في حكمهم.
قال ابن القيم في «أحكام أهل الذمة»: (1/67) :
(قد حكم ـ الله ـ ولا أحسن من حكمه أن من تولى اليهود والنصارى فهو منهم [المـَـائدة: 51]{وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} فإذا كان أولياءهم منهم بنص القرآن كان لهم حكمهم) انتهى.
وقال القرطبي في «تفسيره»: (6/217):
ُ س ش ] ِ أي يعضدهم على المسلمين ُ ء _ ِ بين تعالى أن حكمه كحكمهم، وهو يمنع إثبات الميراث للمسلم من المرتد، وكان الذي تولاهم ابن أبي، ثم هذا الحكم باق إلى يوم القيامة في قطع الموالاة) انتهى.
وقال ابن حزم في «المحلى»: (11/ 35) :
(وصح أن قول الله تعالى [المـَـائدة: 51]{وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} إنما هو على ظاهره بأنه كافر من جملة الكفار فقط، وهذا حق لا يختلف فيه اثنان من المسلمين) انتهى.
قال الشيخ سليمان بن عبد الله في «الدلائل في حكم موالاة أهل الإشراك»: (52) :
(قال تعالى : [الحـَـشـر: 11]{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلاَ نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ *} فإذا كان وَعْد المشركين في السر ـ بالدخول معهم ونصرتهم والخروج معهم إن جَلَوا- نفاقاً وكفراً وإن كان كذباً، فكيف بمن أظهر لهم ذلك صادقاً، وقدم عليهم، ودخل في طاعتهم، ودعا إليها، ونصرهم وانقاد لهم، وصار من جملتهم، وأعانهم بالمال والرأي.
هذا مع أن المنافقين لم يفعلوا ذلك إلا خوفاً من الدوائر كما قال تعالى : [المـَـائدة: 52]{فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ}) انتهى.
ومن تبرأ من أعداءِ الله وأعداءِ وليه ودينه، عليه موالاة أولياء الله، قال تعالى : [المـَـائدة: 55]{إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا}.
ولا يُعذر مسلم بتوليه الكافرين، ومناصرته لهم على المؤمنين، فمصلحة التوحيد أعظم مصلحة ترجى للأمة، ومفسدة الشرك أعظم مفسدة تُدرأ عنها، فلا يحل مظاهرة الكافرين على المؤمنين لأجل طمع في الدنيا يرجى، من عصمة مال أو رياسة وغيرها، بل ولا عصمة الدم، حيث عُلم أن مظاهرة الكافرين كفر وردة عن الدين، وقد أجمع أهل العلم على أن من ظاهر الكفار من أهل الكتاب وغيرهم من الملل الكفرية على المسلمين وساعدهم بأي نوع من المساعدة فهو كافر مثلهم قال الله جل وعلا: [المـَـائدة: 51]{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}
قال الشيخ سليمان بن عبد الله آل الشيخ رحمه الله كما في مقدمة كتاب «الدلائل» :
(اعلم رحمك الله أن الإنسان إذا أظهر للمشركين الموافقة على دينهم خوفاً منهم، ومداراة لهم، ومداهنة لدفع شرهم، فإنه كافر مثلهم، وإن كان يكره دينهم ويبغضهم ويحب الإسلام والمسلمين، هذا إذا لم يقع منه إلا ذلك، فكيف إذا كان في دار منعة واستدعى بهم ودخل في طاعتهم وأظهر الموافقة على دينهم الباطل وأعانهم عليه بالنصرة والمال ووالاهم وقطع الموالاة بينه وبين المسلمين، وصار من جنود القباب والشرك وأهلها بعد ما كان من جنود الإخلاص والتوحيد وأهله فإن هذا لا يشك مسلم أنه كافر من أشد الناس عداوة لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يستثنى من ذلك إلا المكره وهو: الذي يستولي عليه المشركون فيقولون له: اكفر أو افعل كذا وإلا فعلنا بك وقتلناك، أو يأخذونه فيعذبونه حتى يوافقهم فيجوز له الموافقة باللسان مع طمأنينة القلب بالإيمان.
وقد أجمع العلماء على أن من تكلم بالكفر هازلاً أنه يكفر، فكيف بمن أظهر الكفر خوفاً وطمعاً في الدنيا) انتهى.
* ولأجل هذا شرع الله الهجرة من بلد الكفر إلى بلد الإيمان، لما تتضمنه الإقامة بين ظهرانيهم في الغالب من المودة لهم وطلب رضاهم بمدح ما هم عليه، وعيب المسلمين.
قال ابن حزم الأندلسي في «المحلى»: (11/199، 200) :
(وقد علمنا أن من خرج عن دار الإسلام إلى دار الحرب فقد أبق عن الله تعالى، وعن إمام المسلمين وجماعتهم ويبين هذا حديثه صلى الله عليه وسلم أنه بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين، وهو عليه السلام لا يبرأ إلا من كافر، قال الله تعالى: [التّوبـَـة: 71]{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}.
قال أبو محمد رحمه الله:
فصح بهذا أن من لحق بدار الكفر والحرب مختاراً محارباً لمن يليه من المسلمين فهو بهذا الفعل مرتد له أحكام المرتد كلها من وجوب القتل عليه متى قدر عليه ومن إباحة ماله وانفساخ نكاحه وغير ذلك لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبرأ من مسلم.
وأما من فر إلى أرض الحرب لظلم خافه ولم يحارب المسلمين ولا أعانهم عليهم، ولم يجد في المسلمين من يجيره فهذا لا شيء عليه لأنه مضطر مكره) انتهى كلام ابن حزم.
* والموالاة والمعاداة أوثق عرى الإيمان، ولأجل حماية هذا الأصل العظيم حرَّم الله التشبه بالكفار في الهدي الظاهر حتى وإن لم يصاحبه حب في الباطن، فقد روى أحمد وأبو داود من حديث حسان بن عطية عن أبي منيب الجرشي عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ومن تشبه بقوم فهو منهم».
ويخرج من هذا من كان من المسلمين في دار كفر، وخشي الضرر بالمخالفة لهم في الزي الظاهر، فيجوز له موافقتهم في هديهم الظاهر، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بمخالفة المشركين حال ضعف المُعِيْن له، وقلة الناصر، بل أمر بذلك بعد ظهور الإسلام وقوَّة أهله.
ومن أعظم موالاة أهل الكفر التي تناقض الإيمان إقامة المنظمات والملتقيات والمؤتمرات من أجل تقرير وحدة الأديان، وإزالة الفوارق العقدية، ومحو الخلاف فيما بينها، وهذا الأمر يتكئ على فكرة خبيثة عرفت قديماً عند ملاحدة المتصوفة كالتلمساني وابن سبعين وابن هود، وعرفت حديثاً عند دعاة العلمانية والليبرالية الذين يتفقون مع سابقيهم في الإلحاد، ونبذ الإسلام وتنحيته عن شئون الحياة.
مسألة في الاستعانة بالكفار في القتال:
وأما الاستعانة بالكفار في قتال كفار آخرين، فهي مما وقع في جوازها الخلاف بين أهل المعرفة، فمنهم من منع مطلقاً، ومنهم من أجاز بقيود وشروطٍ، كمسيسِ الحاجة إليهم، وأمن مكرهم وخيانتهم بالمؤمنين.
وأما الاستعانة بالكفار على قتال بغاة مسلمين، فقد منع منه أكثر العلماء وجماهيرهم، فإن كان قتال هؤلاء البغاة مما يقوِّي شوكة الكفار على المسلمين، ويظهرهم عليهم، ونفع أهل الكفر بهذا القتال أكثر من نفع أهل الإسلام، فهذا داخل في قوله جل وعلا : [المـَـائدة: 51]{وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} بلا ريب.
ومن الاستعانة بهم في القتال ما هو دون ذلك في الحكم فلا يصل إلى الكفر والردة، والخروج من الملة.
قال ابن حزم الأندلسي _ح في «المحلى»: (11/200، 201) :
(وأما من حملته الحمية من أهل الثغر من المسلمين فاستعان بالمشركين الحربيين وأطلق أيديهم على قتل من خالفه من المسلمين، أو على أخذ أموالهم أو سبيهم، فإن كانت يده هي الغالبة وكان الكفار له كأتباع فهو هالك في غاية الفسوق، ولا يكون بذلك كافراً، لأنه لم يأت شيئا أوجب به عليه كفراً قرآن أو إجماع.
وإن كان حكم الكفار جارياً عليه فهو بذلك كافر، على ما ذكرنا، فإن كانا متساويين لا يجري حكم أحدهما على الآخر فما نراه بذلك كافراً. والله أعلم) انتهى.

الناقض التاسع
(من اعتقد أن بعض الناس يسعه الخروج عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلَّم كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى عليه السلام، فهو كافر).
وهذا الناقض يتضمن ما ذكره المؤلف في الناقض الثالث وهو قوله: (من لم يُكفِّر المُشركين أو شك في كفرهم أو صحح مذهبهم)، فمن اعتقد أن أحداً من الناس يسعه الخروج عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلَّم، كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى عليه السلام، فهو لم يُكفر ما دان به من دين غير الإسلام، ولكن هذا الناقض أوسع.
وهذا الناقض يتضمن إنكاراً لنصوص الكتاب والسنة التي تبين عموم الرسالة التي أرسل بها نبي الأمة صلى الله عليه وسلم، وإبطالاً لها، فقد أرسله الله للناس كافه.
قال تعالى : [سـَـبَإ: 28]{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} أي إلا إلى جميع المكلفين من الخلق.
وقال تعالى : [الأعـرَاف: 158]{قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا}.
وقال تعالى : [الفـُـرقان: 1]{تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا *}.
بشيراً ونذيراً أي تبشر من أطاعك وأمتثل أمرك بالجنة وتنذر من عصاك بالنار.
قال تعالى : [آل عِـمرَان: 19]{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِْسْلاَمُ} أي لا دين عند الله يقبله سوى الإسلام، وهو اتباع الرسل فيما بعثهم الله به في كل حين حتى ختموا بنبي هذه الأمة محمد صلى الله عليه وسلم الذي سد جميع الطرق إلى الله إلا من جهته فمن لقي الله بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم بدين غير شريعته فليس بمتقبل منه ذلك كما قال تعالى: [آل عِـمرَان: 85]{وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِْسْلاَمِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} وقال جل وعلا مبيناً انحصار الدين المتقبل عنده في الإسلام: ُ د آ ء ؤ أ ِ .
قد ثبت في «الصحيح» عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "فضلت على الأنبياء بست، أعطيت جوامع الكلم ونصرت بالرعب وأحلت لي الغنائم وجعلت لي الأرض طهوراً ومسجداً وأرسلت إلى الخلق كافة وختم بي النبيون".
وفي «الصحيح» أيضاً من حديث جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بعثت إلى الأسود والأحمر".
وروى أحمد في «مسنده» من حديث مجالد عن الشعبي عن جابر بن عبد الله أن عمر بن الخطاب أتى النبي صلى الله عليه وسلم بكتابٍ أصابه من بعض أهل الكتب، فقرأه النبي صلى الله عليه وسلم فغضب فقال: "أمتهوكون فيها يا بن الخطاب!، والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية، لا تسألوهم عن شيءٍ فيخبروكم بحق فتكذبوا به أو بباطل فتصدقوا به، والذي نفسي بيده لو أن موسى صلى الله عليه وسلم كان حياً ما وسعه إلا أن يتبعني" .
ومن رد وأنكر شيئاً من الأحكام في القرآن أو السنة الثابتة المعلومة بالضرورة ولو نصاً واحداً فقد كفر، فكيف بمن رد رسالة محمد صلى الله عليه وسلم بالجملة.
ومن آمن بشريعة محمد فيلزمه الإيمان بعموم رسالته، وآوامره ونواهيه، وإلا لم ينفعه إيمانه ذلك.
وقد قال صلى الله عليه وسلم كما في «الصحيح» من حديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار".
وهل يدخل النار من يسوغه الخروج عن شريعته ؟!.
قال ابن حزم الأندلسي في «الإحكام»: (5/109) :
(إنما أوجب النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان به على من سمع بأمره صلى الله عليه وسلم فكل من كان في أقاصي الجنوب والشمال والمشرق وجزائر البحور والمغرب وأغفال الأرض من أهل الشرك فسمع بذكره صلى الله عليه وسلم ففرض عليه البحث عن حاله وإعلامه والإيمان به) انتهى المقصود منه.
وقد ثبت بالتواتر بالوقائع المتعددة أنه صلى الله عليه وسلم بعث كتبه ورسله يدعو ملوك الآفاق والبلدان وطوائف بني آدم من عربهم وعجمهم كتابيهم وأميهم إلى شريعته التي نسخت سائر الشرائع، امتثالاً لأمر الله له بذلك.


الناقض العاشر:
(الإعراض عن دين الله تعالى لا يتعلمه ولا يعمل به والدليل قوله تعالى: [السَّجـدَة: 22]{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ *}).
وقد تقدم قوله صلى الله عليه وسلم كما في «الصحيح» من حديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار".
والإعراض عن دين الله الذي يكفر به صاحبه هو الإعراض عن تعلم أصل هذا الدين، فالإعراض عن دين الله والترك والرفض له، بأن يعرض عن دين الله لا يتعلمه ولا يعمل به، فيكفر بهذا الإعراض والترك، قال الله تعالى: [الأحقاف: 3]{وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ}.
وقال تعالى: [آل عِـمرَان: 32]{قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ *}.
وقد نفى الله الإيمان عمن لم يأت بالعمل وإن كان قد أتى بالقول، قال تعالى : [النـُّـور: 47]{وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ *}.
وقال تعالى : [الليـْـل: 14-16]{فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى *لاَ يَصْلاَهَا إِلاَّ الأَْشْقَى *الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى *}.
والتولى والإعراض ليس هو التكذيب قال تعالى : [القِـيَامَة: 31-32]{فَلاَ صَدَّقَ وَلاَ صَلَّى *وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى *}، فجعل التولي مقابلاً للعمل لا مقابلاً للتصديق، فالتولي والإعراض هو التولي عن الطاعة والإعراض عنها.
وكما أن الكفر يكون بالاعتقاد ويكون بالجحود ويكون بالفعل ويكون بالقول فكذلك يكون بالإعراض والترك والرفض.
والإعراض عن دين الله، لا يتعلمه، ولا يعمل به، ولا يبالي بما ترك من المأمورات، و ما يقترف من المحرمات، ولا بما يجهل من أحكام، يلزم منه لزوماً ظاهراً ويدل دلالة ظاهرة على عدم الإقرار بالشهادتين باطناً ولو أقر بهما ظاهراً.
والمكلف لا يخرج من ناقض الإعراض المستلزم لعدم إقراره بالشهادتين بفعل أي خصلة من خصال البر، وشعب الإيمان، فإن من هذه الخصال ما يشترك الناس في فعله كافرهم و مؤمنهم، كالإحسان إلى الجار، وإكرام الضيف، وإماطة الأذى عن الطريق، وكف الأذى، والصدقة، وبر الوالدين، وأداء الأمانة.
وإنما يتحقق عدم الإعراض عن دين الله، و السلامة من هذا الناقض بفعل شيء من الواجبات التي تختص بها شريعة الإسلام التي جاء بها الرسول صلى الله عليه و سلم كالصلاة و الزكاة و الصيام و الحج، إذا فعل شيئاً من ذلك إيماناً واحتساباً سلم من الإعراض المخرج له عن دين الله.
قال شيخ الإسلام بن تيمية في «المجموع»: (7 / 621):
(فلا يكون الرجل مؤمناً بالله ورسوله مع عدم شيء من الواجبات التي يختص بإيجابها محمد صلى الله عليه و سلم) انتهى.
والإعراض عن دين الله تعالى إعراض مخرج من الملة وإعراض لا يخرج من الملة :
فالإعراض المخرج من الملة : هو ما قصده العلامة محمد بن الوهاب هنا، وقد تقدم بيانه.
والإعراض الذي لا يخرج من الملة : هو أن يكون مع المرء أصل الإيمان، لكنه يعرض عن فعل واجب من الواجبات.
* والمعرض عن دين الله لا يتعلمه ولا يعمل به، لا يعذر بجهله الذي يستطيع رفعه، وإلا لكان الجهل خيراً من العلم.
قال ابن القيم في «مفتاح دار السعادة» : (1 /43) :
(كل من أعرض عن الاهتداء بالوحي الذي هو ذكر الله فلا بد أن يقول يوم القيامة [الزّخـرُف: 38]{يَالَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ}.
فإن قيل: فهل لهذا عذر في ضلاله إذا كان يحسب أنه على هدى، كما قال تعالى : [الأعـرَاف: 30]{وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ}؟
قيل: لا عذر لهذا وأمثاله من أهل الضلال الذين منشأ ضلالهم الإعراض عن الوحي الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، ولو ظن أنه مهتد، فإنه مفرِّط بإعراضه عن اتباع داعي الهدى، فإذا ضل فإنما أُتي من تفريطه وإعراضه، وهذا بخلاف من كان ضلاله لعدم بلوغ الرسالة وعجزه عن الوصول إليها، فذاك له حكم آخر.
والوعيد في القرآن إنما يتناول الأول، وأما الثاني فإن الله لا يعذب أحداً إلا بعد إقامة الحجة عليه) انتهى.


_* ثم ختم المؤلف هذه النواقض بقولـه رحمه الله : (ولا فرق في جميع هذه النواقض بين الهازل والجاد والخائف إلا المكره ) انتهى.
وقد تقدم الكلام في الهازل في الناقض السادس، وأنه لا يعذر بكفره وقد حكم الله بكفر المستهزئين الذين قالوا: [التّوبـَـة: 65]{إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} فقال [التّوبـَـة: 66]{لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} فإذا كان هذا حكم الهازل فالجاد أولى وأولى، وهذا محل إجماع.
قال ابن نجيم في «البحر الرئق»: (5/134):
(من تكلم بكلمة الكفر هازلاً، أو لاعباً كفر عند الكل، ولا اعتبار باعتقاده) انتهى.
والخائف لا عذر له بالكفر مالم يكن مكرهاً إكراهاً ملجئاً كأن يوضع السيف على عنقه فيطلب منه قول الكفر كسب الرسول صلى الله عليه وسلم أو فعله كالسجود للصنم، بشرط أن يكون قلبه مطمئناً بالإيمان قال تعالى : [النّحـل: 106]{مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِْيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ *}
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما في «الصارم المسلول» :
(وبالجملة فمن قال أو فعل ما هو كفر كفَرَ بذلك، وإن لم يقصد أن يكون كافراً، إذ لا يقصد الكفر أحد إلا ما شاء الله ..) انتهى المراد منه. فصل
والكفر حكم شرعي، والكافر هو من حكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بكفره، فليس الكفر من حق أحد من الناس، بل هو من حقوق الله تعالى.
والجهل بدين الله أصل كل بلية وشر، فهو سبب الذنوب والمعاصي كبيرها وصغيرها، والمعاصي سبب كل شر في الدنيا ومادته، فعاد كل شر فيها إلى الجهل، فهو إليه منتسب وعنه متفرع.
وكل صفة مدح فهي ثمرة العلم ونتيجته، وكل صفة ذم فهي ثمرة الجهل ونتيجته، وكما قيل: «خير المواهب العقل، وشر المصائب الجهل».
والجهل دركات، وأصحابه متفاوتون فيما بينهم على أبعد مما بين السماء والأرض، وما كل جاهل معذور.
والجهل بأصول الدين والملِّة، وكليات الأمور الاعتقادية، لا يُعْتبر عذراً، فإفراد الله بالعبادة ونبذ ما سواه من المعبودات الباطلة هو المقصود من الشهادتين، ولب دين الإسلام، فالشارع قد شدد في عقائد أصول الدين تشديداً عظيماً، والأصل في أصول الدين وأحكامه الظاهرة الجليَّة عدم العذر بالجهل، ولو عذر الجاهل لأجل جهله لكان الجهل خيراً من العلم، كما قال الشافعي _ح.
فلا تقبل دعوى الجهل فيما يفعله المشركون عند القبور والأضرحة والمزارات من دعاء الأموات، والذبح لهم، والاستعانة بهم، وسؤالهم المغفرة، وطلب الشفاء، فكل هذا مما هو معلوم من دين الإسلام بالضرورة أنه شرك أكبر، قال تعالى: [الأنعـَـام: 162-163]{قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ *لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ *} وقال [المؤمنون: 117]{وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلـهًا آخَرَ لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ *}.
ومثل هذا سب الشريعة، والاستهزاء بالدين والطعن فيه، فهذا لا يعذر صاحبه بجهله، إلا من كان حديث عهد بكفر، أو نشأ ببادية بعيدة، أو كان يسكن بين كفار؛ وتعذر عليه رفع الجهل عن نفسه.
وكذلك أركان الإسلام والمحرمات الظاهرة كالزنا واللواط وشرب الخمر، لا يعذر من هو بين المسلمين بجهلها ولا يقبل منه ذلك.
ويعذر الجاهل بترك شيء من الواجبات كالصلاة والزكاة، وفعل شيء من المحرمات كشرب الخمر ونحوه إذا كان حديث عهد بكفر، أو نشأ ببادية بعيدة، أو يعيش في بلد بعيد عن بلاد المسلمين كبعض بلاد أفريقية التي يتعذر فيها العلم والاحتراز من الجهل، وقد قرر هذا الأئمة في مواضع كثيرة.
قال الإمام القرافي في «الإعلام بقواطع الإسلام»: (76) (واعلم أن الجهل نوعان:
النوع الأول: جهل تسامح صاحب الشرع عنه فعفا عن مرتكبه، وضابطه أن كل ما يتعذر الاحتراز عنه عادة فهو معفو عنه.
النوع الثاني: جهل لم يتسامح صاحب الشرع عنه فلم يعف عن مرتكبه، وضابطه أن كل ما لا يتعذر الاحتراز عنه ولا يشق لم يعف عنه، وهذا النوع يطرد في أصول الدين وأصول الفقه وبعض أنواع الفروع، وأما أصول الدين؛ فلأن صاحب الشرع لما شدد في جميع الاعتقادات تشديداً عظيماً بحيث أن الإنسان لو بذل جهده واستفرغ وسعه لرفع الجهل عنه في صفة من صفات الله أو في شيء يجب اعتقاده من أصول الدين ولم يرتفع ذلك الجهل لكان بترك ذلك الاعتقاد آثماً كافراً يخلد في النيران على المشهور من المذاهب».
وقال ابن رجب في «جامع العلوم والحكم»: (83) (وفي الجملة فما ترك الله وسول الله صلى الله عليه وسلم حلالاً إلا مبيَّناً ولا حراماً إلا مبيَّناً لكن بعضه كان أظهر من بعض، فما ظهر بيانه واشتَهَر وعُلِم من الدين بالضرورة من ذلك، ولم يبق فيه شكٌ ولا يعذر أحد فيه بجهله في بلد يظهر فيها الإسلام، وما كان بيانه دون ذلك، فمنه ما يشتهر بين حملة الشريعة خاصة، فأجمع العلماء على حِلِّهِ أو حرمته، وقد يخفى على بعض من ليس منهم، ومنه ما لم يشتهر بين حملة الشريعة أيضاً، فاختلفوا في تحليله وتحريمه).
وقال ابن تيمية في أثناء كلام له في ذم أهل الكلام من «مجموع الفتاوى»: (4/54):
(وهذا إذا كان في المقالات الخفية فقد يقال: إنه فيها مخطئ ضال، لم تقم عليه الحجة التي يكفر صاحبها، لكن ذلك يقع في طوائف منهم في الأمور الظاهرة التي تعلم العامة والخاصة من المسلمين أنها من دين المسلمين، بل اليهود والنصارى يعلمون أن محمداً صلى الله عليه وسلم بعث بها وكفَّر مخالفها مثل: أمره بعبادة الله وحده لا شريك له، ونهيه عن عبادة أحد سوى الله، من الملائكة، والنبيين، والشمس، والقمر، والكواكب، والأصنام، وغير ذلك، فإن هذا أظهر شعائر الإسلام، ومثل أمره بالصلوات الخمس، ومثل معاداته لليهود، والنصارى، والمشركين، والصابئين، والمجوس؛ ومثل تحريم الفواحش، والربا، والخمر، والميسر، ونحو ذلك؛ ثم نجد كثيراً من رؤسائهم وقعوا في هذه الأمور فكانوا مرتدين).
قال الشيخ سليمان بن سحمان النجدي:
(أما قوله نقول بأنَّ القول كفر ولا نحكم بكفر القائل، فإطلاق هذا جهل صرف، لأن العبارة لا تنطبق إلا على المعين، ومسألة تكفير المعين مسألة معروفة، إذا قال قولاً يكون القول به كفراً فيقال من قال بهذا القول فهو كافر لكن الشخص المعين إذا قال ذلك لا يحكم بكفره حتى تقوم عليه الحجة التي يكفر تاركها، وهذا في المسائل الخفية التي قد يخفى دليلها على بعض الناس كما في مسائل القدر والإرجاء ونحو ذلك مما قاله أهل الأهواء، فإن بعض أقوالهم تتضمن أموراً كفرية من رد أدلة الكتاب والسنة المتواترة، فيكون القول المتضمن لرد بعض النصوص كفراً، ولا يحكم على قائله بالكفر لاحتمال وجود مانع كالجهل، وعدم العلم بنفس النص أو بدلالة السنة، فإن الشرائع لا تلزم إلا بعد بلوغها كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية قدَّس الله روحه في كثير من كتبه. وذكر أيضاً بكفر أناسمن أعيان المكلفين بعد أن قرر المسألة، قال: وهذا إذا كان في المسائل الخفية فقد يقال بعدم التكفير وأما ما يقع منهم في المسائل الظاهرة الجلية أو ما يعلم من الدين بالضرورة فهذا لا يتوقف في كفر قائله).
ومن يَعْذر أو لا يَعْذر بالجهالة مطلقاً بالتماثل على كل المسائل، فقد خالف مقاصد الشريعة وظواهر الأدلة من الكتاب والسنة وما عليه الأئمة.
ومن كان من أهل العذر بالجهل أو غيره فلا يلزم من وقوعه في فعل المكفِّر أن يكفر بعينه بل لا بد من توفر شروط تكفير المعيَّن وانتفاء موانعه، قال تعالى : [الإسـرَاء: 15]{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً}.
قال ابن تيميه في الفتاوى (12/ 487) :
(التكفير له شروط وموانع قد تنتفي في حق المعين، وأن تكفير المطلق لا يستلزم تكفير المعين، إلا إذا وجدت الشروط، وانتفت الموانع، يعين هذا أن الإمام أحمد وعامة الأئمة الذين أطلقوا هذه العمومات لم يكفروا أكثر من تكلم بهذا الكلام بعينه..) انتهى.
وقال (12/ 498) :
(وأما الحكم على المعين بأنه كافر، أو مشهود له بالنار، فهذا يقف على الدليل المعين، فإن الحكم يقف على ثبوت شروطه، وانتفاء موانعه).
وقال ابن عبد الوهاب كما في «الدرر السنية»: (8/244) :
(ومسألة تكفير المعيّن مسألة معروفة إذا قال قولاً يكون القول به كفراً، فيقال : من قال بهذا القول فهو كافر، لكن الشخص المعيّن إذا قال ذلك لا يحكم بكفره، حتى تقوم عليه الحجة التي يكفر تاركها).
وقال ابن القيَّم في «طريق الهجرتين»: (414):
(إن قـيـام الحـجـة يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والأشخاص، فقد تقوم حجة الله على الكفار في زمان دون زمان، وفي بقعة وناحية دون أخرى،كما أنها تقوم على شخص دون آخـر، إما لعدم عقله وتمييزه كالصغير والمجنون، وإما لعدم فهمه كالذي لا يفهم الخطاب، ولم يحضر ترجمان يترجم له)
ومن بلغته الحجة من القرآن أو من السنة على وجه يفهمها لو أراد ذلك، ثم لم يلتفت إليها ولم يعمل بها فهذا لا يعذر بالجهل ولا بعدم فهمه لأنه مفرط ومعرض، قال الله تعالى [الأحقاف: 3]{وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ}.


مسألة:
_* والأصل عدم قبول تأويل متأول لارتكابه أحد نواقض الإسلام، فليس أحد يتجرأ على هذه النواقض من شرك أو تعد على الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم من غير تأويل، ومن غير شبهة تنقدح في قلبه، ومن غير دعوى، حتى عبَّاد الأصنام، ولذا حكى الله عز وجل قول الكفرة لنبي الله صلى الله عليه وسلم: [النّـِسـَـاء: 62]{إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا}.
قال تعالى: [النّـِسـَـاء: 60-63]{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا *وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا *فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا *أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغًا *}


*عبدالعزيز بن مرزوق الطريفي
__________________
كل خير في إتباع من سلف و كل شر في إبتداع من خلف
و مالم يكن يومئذ دينا فلن يكون اليوم دين
فالكتاب و السنة بفهم السلف طريق الحق و سفينة النجاة
http://egysalafi.blogspot.com/

https://www.facebook.com/saberalsalafi?fref=nf
https://twitter.com/alsalafih2012
صابر السلفي غير متواجد حالياً