منتديات الكعبة الإسلامية

منتديات الكعبة الإسلامية (http://forum.alkabbah.com/index.php)
-   منتدى العقيدة الإسلامية (http://forum.alkabbah.com/forumdisplay.php?f=23)
-   -   مجمل في الولاء و البراء (http://forum.alkabbah.com/showthread.php?t=22130)

صابر السلفي 10-17-2013 03:54 AM

مجمل في الولاء و البراء
 
من خصائص المجتمع المسلم أنه مجتمع يقوم على عقيدة الولاء والبراء، الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين، والبراء من كل من حادّ الله ورسوله واتبع غير سبيل المؤمنين .
وهاتان الخاصيَّتان للمجتمع المسلم هما من أهم الروابط التي تجعل من ذلك المجتمع مجتمعا مترابطاً متماسكاً، تسوده روابط المحبة والنصرة، وتحفظه من التحلل والذوبان في الهويات والمجتمعات الأخرى، بل تجعل منه وحدة واحدة تسعى لتحقيق رسالة الإسلام في الأرض، تلك الرسالة التي تقوم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ودعوة الناس إلى الحق وإلى طريق مستقيم .
أهمية عقيدة الولاء والبراء :
تنبع أهمية هذه العقيدة الإسلامية الأصيلة من كونها فريضة ربانية، ومن كونها كذلك سياج الحماية لهوية الأمة الثقافية والسياسية، ولا أدلَّ على أهمية هذه العقيدة من اعتناء القرآن بتقريرها، فمرة يذكرها على اعتبار أنها الرابطة الإيمانية التي تجمع المؤمنين فتحثهم على فعل الصالحات، قال تعالى:} والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم { (التوبة:71 )، ومرة يذكرها محذرا من الانسياق وراء تحالفات تضع المسلم جنبا لجنب مع الكافر في معاداة إخوانه المسلمين، قال تعالى:} لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير { (آل عمران:28)، ومرة يذكر عقيدة الولاء والبراء على أنها الصبغة التي تصبغ المؤمنين ولا يمكن أن يتصفوا بما يناقضها، قال تعالى:} لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادّون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون { (المجادلة:22). إلى غير ذلك من الآيات.
وفي بيان أهمية هذه العقيدة يقول العلامة أبو الوفاء بن عقيل :" إذا أردت أن تعلم محل الإسلام من أهل الزمان، فلا تنظر إلى زحامهم في أبواب الجوامع، ولا ضجيجهم في الموقف بلبيك، وإنما انظر إلى مواطأتهم أعداء الشريعة، عاش ابن الراوندي والمعري - عليهما لعائن الله - ينظمون وينثرون كفراً .. وعاشوا سنين، وعظمت قبورهم، واشتريت تصانيفهم، وهذا يدل على برودة الدين في القلب "
ويقول الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب رحمه الله:" فهل يتم الدين أو يقام علم الجهاد، أو علم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا بالحب في الله والبغض في الله.. ولو كان الناس متفقين على طريقة واحدة ومحبة من غير عداوة ولا بغضاء، لم يكن فرقاناً بين الحق والباطل، ولا بين المؤمنين والكفار، ولا بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان".
وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يبايع أصحابه على تحقيق هذا الأصل العظيم، فكان يقول لبعضهم: ( أبايعك على أن تعبد الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتناصح المسلمين، وتفارق المشركين ) رواه النسائي وأحمد .
ولولاء المؤمن لأخيه صور متعددة نذكر منها:
1. ولاء الود والمحبة: وهذا يعني أن يحمل المسلم لأخيه المسلم كل حب وتقدير، فلا يكيد له ولا يعتدي عليه ولا يمكر به. بل يمنعه من كل ما يمنع منه نفسه، ويدفع عنه كل سوء يراد له، ويحب له من الخير ما يحب لنفسه، قال صلى الله عليه وسلم : ( مثل المؤمنين في توادهم، وتراحمهم، وتعاطفهم، مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ) رواه مسلم .
2. ولاء النصرة والتأييد: وذلك في حال ما إذا وقع على المسلم ظلم أو حيف، فإن فريضة الولاء تقتضي من المسلم أن يقف إلى جانب أخيه المسلم، يدفع عنه الظلم، ويزيل عنه الطغيان، فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( انصر أخاك ظالما أو مظلوما. قالوا يا رسول الله: هذا ننصره مظلوما، فكيف ننصره ظالما ؟ قال : تأخذ فوق يديه ) أي تمنعه من الظلم. رواه البخاري ، فبهذا الولاء يورث الله عز وجل المجتمع المسلم حماية ذاتية، تحول دون نشوب العداوات بين أفراده، وتدفعهم جميعا للدفاع عن حرماتهم ، وعوراتهم.
3. النصح لهم والشفقة عليهم: فعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: " بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم " متفق عليه .
هذا من جهة علاقة الأمة بعضها ببعض والذي يحددها واجب الولاء . أما من جهة علاقة الأمة أو المجتمع المسلم بغيره من المجتمعات الكافرة والتي يحددها واجب البراء، فقد أوجب الله عز وجل على الأمة البراء من الكفر وأهله، وذلك صيانة لوحدة الأمة الثقافية والسياسية والاجتماعية، وجعل سبحانه مطلق موالاة الكفار خروجا عن الملة وإعراضاً عن سبيل المؤمنين، قال تعالى: { لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير }(آل عمران:28) فكأنه بموالاته للكافرين يكون قد قطع كل الأواصر والعلائق بينه وبين الله، فليس من الله في شيء.
وتحريم الإسلام لكل أشكال التبعية للكافرين, لا يعني حرمة الاستفادة من خبراتهم وتجاربهم، كلا ، فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أولى الناس بها، ولكن المقصود والمطلوب أن تبقى للمسلم استقلاليته التامة، فلا يخضع لكافر، ولا يكون ولاؤه إلا لله ولرسوله وللمؤمنين.
ومن أخطر صور الموالاة التي يحرمها الإسلام ويقضي على صاحبها بالردة والكفر ما يلي:
1- ولاء الود والمحبة للكافرين: فقد نفى الله عز وجل وجود الإيمان عن كل من وادَّ الكافرين ووالاهم، قال تعالى : { لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادّون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون { (المجادلة:22) ، إلا أن هذه المفاصلة والمفارقة لا تمنع من البر بالكافرين والإحسان إليهم - ما لم يكونوا لنا محاربين – قال تعالى:{ لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين }(الممتحنة:8 ) .
2- ولاء النصرة والتأييد للكافرين على المسلمين: ذلك أن الإسلام لا يقبل أن يقف المسلم في خندق واحد مع الكافر ضد إخوانه المسلمين، قال تعالى :} يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا { (النساء:144)، وقال أيضاً : } ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيرا منهم فاسقون { (المائدة:81 ) يقول ابن تيمية عن هذه الآية : " فذكر جملة شرطية تقتضي أن إذا وجد الشرط وجد المشروط بحرف لو التي تقتضي مع الشرط انتفاء المشروط فقال: { ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء } فدلّ ذلك على أن الإيمان المذكور ينفي اتخاذهم أولياء ويضاده، لا يجتمع الإيمان واتخاذهم أولياء في القلب، ودلَّ ذلك على أن من اتخذهم أولياء، ما فعل الإيمان الواجب من الإيمان بالله والنبي، وما أنزل إليه .. ".
وهناك صور للولاء المحرم ولكنها لا تصل بصاحبها إلى حد الكفر، منها:
1- تنصيب الكافرين أولياء أو حكاما أو متسلطين بأي نوع من التسلط على المسلمين، قال تعالى: { ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا }(النساء:141)، ولأن أبا موسى الأشعري قدم على عمر رضي الله عنه ومعه كاتب نصراني فانتهره عمر وقال : " لا تأمنوهم وقد خونهم الله، ولا تدنوهم وقد أبعدهم الله، ولا تعزوهم وقد أذلهم الله " ويقول النووي فيما نقله صاحب الكفاية: " لأن الله تعالى قد فسّقهم فمن ائتمنهم فقد خالف الله ورسوله وقد وثق بمن خونه الله تعالى ".
2- اتخاذهم أصدقاء وأصفياء: قال تعالى:{ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون }(آل عمران:118) قال الإمام الطبري في تفسير هذه الآية: " لا تتخذوا أولياء وأصدقاء لأنفسكم من دونكم، يقول: من دون أهل دينكم وملتكم، يعني من غير المؤمنين .. فنهى الله المؤمنين به أن يتخذوا من الكفار به أخلاء وأصفياء، ثم عرفهم ما هم منطوون عليه من الغش والخيانة، وبغيهم إياهم الغوائل، فحذرهم بذلك منهم ومن مخالتهم".
3- البقاء في ديار الكفر دون عذر مع عدم القدرة على إقامة شعائر الإسلام، قال تعالى: { إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا * إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا } (النساء:97-98).
4- التشبه بهم في هديهم الظاهر ومشاركتهم أعيادهم، قال صلى الله عليه وسلم : ( من تشبه بقوم فهو منهم ) رواه أبو داود .
أمور لا تقدح في البراء من الكافرين :
ربما ظن البعض أن معاداة الكافرين تقتضي أن يقطع المسلم كل صلة بهم، وهذا خطأ، فالكافر غير المحارب إن كان يعيش بيننا أو سافرنا نحن لبلاده لغرض مشروع فالاتصال به ومعاملته يوشك أن يكون ضرورة لا بد منها، فالقطيعة المطلقة سبب للحرج العظيم بلا شك، ثم هي قطع لمصلحة دعوتهم وعرض الإسلام عليهم قولا وعملا، لذلك أباح الشرع صنوفا من المعاملات معهم منها:
1. إباحة التعامل معهم بالبيع والشراء، واستثنى العلماء بيع آلة الحرب وما يتقووا به علينا، ولا يخفى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحابته كانوا يبيعون ويشترون من اليهود، بل ومات عليه السلام ودرعه مرهونة عند يهودي على ثلاثين صاعا من شعير كما روى ذلك أحمد وغيره .
2. إباحة الزواج من أهل الكتاب وأكل ذبائحهم بشروطه، قال تعالى: { اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم }(المائدة: 5).
3. اللين في معاملتهم ولا سيما عند عرض الدعوة عليهم، قال تعالى: { ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن }(النحل:125)، وهكذا أمر الله نبيه موسى – عليه السلام - أن يصنع مع فرعون، قال تعالى:{ فقولا له قولا لينا }(طه:44).
4. العدل معهم وعدم ظلمهم في أنفسهم وأموالهم وأعراضهم، قال تعالى: { لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين }( الممتحنة: 8) وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاما ) رواه البخاري .
5. الإهداء لهم وقبول الهدية منهم: فقد قبل النبي صلى الله عليه وسلم هدية المقوقس، كما عند الطبراني بسند رجاله ثقات كما قال الهيثمي في المجمع، وأهدى عمر - رضي الله عنه –حلته لأخ له مشرك كما في صحيح البخاري .
6. عيادة مرضاهم إذا كان في ذلك مصلحة: فعن أنس رضي الله عنه قال: " كان غلام يهودي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمرض فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده فقعد عند رأسه. فقال له: أسلم، فنظر إلى أبيه وهو عنده. فقال له: أطع أبا القاسم صلى الله عليه وسلم. فأسلم. فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: ( الحمد لله الذي أنقذه من النار ) رواه البخاري .
7. التصدق عليهم والإحسان إليهم: قال تعالى: { وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا }(لقمان:15)، وعن أسماء رضي الله عنها قالت: قدمت أمي وهي مشركة .. فاستفتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: إن أمي قدمت وهي راغبة أفأصل أمي، قال: ( نعم صلي أمك ) رواه البخاري .
8. الدعاء لهم بالهداية إلى الإسلام، فقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم لطوائف من المشركين منهم دوس، فقال صلى الله عليه وسلم: ( اللهم اهد دوسا وأت بهم ) رواه البخاري .
من ثمرات إحياء عقيدة الولاء والبراء في الأمة :
1. ظهور العقيدة الصحيحة وبيانها وعدم التباسها بغيرها وتحقيق المفاصلة بين أهل الكفر وأهل الإسلام، قال تعالى: { قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده }(الممتحنة:4).
2. حماية المسلمين سياسيا، وذلك أن ما يوجبه الإسلام من مبدأ الولاء والبراء يمنع من الانجرار وراء الأعداء، وما تسلط الكفار على المسلمين وتدخلوا في شؤونهم إلا نتيجة إخلالهم بهذا الأصل العظيم .
3. تحقيق التقوى والبعد عن مساخط الله سبحانه، قال تعالى: { ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون }(المائدة :80)، وقال تعالى:{ ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار }(هود:113) .
إن عقيدة الولاء والبراء هي عقيدة صيانة الأمة وحمايتها من أعدائها، كما أنها سبب للألفة والإخاء بين أفرادها، وهي ليست عقيدة نظرية تدرس وتحفظ في الذهن مجردة عن العمل؛ بل هي عقيدة عمل ومفاصلة، ودعوة ومحبة في الله، وكره من أجله وجهاد في سبيله؛ فهي تقتضي كل هذه الأعمال، وبدونها تصبح عقيدةً نظرية سرعان ما تزول، وتضمحل عند أدنى موقف أو محك .




فإن الولاء والبراء ركن من أركان العقيدة ، وشرط من شروط الإيمان ، تغافل عنه كثير من الناس وأهمله البعض فاختلطت الأمور وكثر المفرطون .
ومعنى الولاء : هو حُب الله ورسوله والصحابة والمؤمنين الموحدين ونصرتهم .
والبراء : هو بُغض من خالف الله ورسوله والصحابة والمؤمنين الموحدين ، من الكافرين والمشركين والمنافقين والمبتدعين والفساق .
فكل مؤمن موحد ملتزم للأوامر والنواهي الشرعية ، تجب محبته وموالاته ونصرته . وكل من كان خلاف ذلك وجب التقرب إلى الله تعالى ببغضه ومعاداته وجهاده بالقلب واللسان بحسب القدرة والإمكان ، قال تعالى : ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ) .

والولاء والبراء أوثق عرى الإيمان وهو من أعمال القلوب لكن تظهر مقتضياته على اللسان والجوارح ، قال - عليه الصلاة والسلام - في الحديث الصحيح : ( م أحب لله وأبغض لله ، وأعطى لله ومنع لله ، فقد استكمل الإيمان ) [ أخرجه أبو داود ] .



ومنزلة عقيدة الولاء والبراء من الشرع عظيمة ومنها :
أولاً : أنها جزء من معنى الشهادة ، وهي قول : ( لا إله ) من ( لا إله إلا الله ) فإن معناها البراء من كل ما يُعبد من دون الله .
ثانيًا : أنها شرط في الإيمان ، كما قال تعالى : ( ترى كثيرًا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه اتخذوهم أولياء ولكن كثيرًا منهم فاسقون ) .
ثالثًا : أن هذه العقيدة أوثق عرى الإيمان ، لما روى أحمد في مسنده عن البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله ) .
يقول الشيخ سليمان بن عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب - رحمهم الله - : ( فهل يتم الدين أو يُقام عَلَم الجهاد أو علم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا بالحب في الله والبغض في الله ، والمعاداة في الله ، والموالاة في الله ، ولو كان الناس متفقين على طريقة واحدة ، ومحبة من غير عداوة ولا بغضاء ، لم يكن فرقانًا بين الحق والباطل ، ولا بين المؤمنين والكفار ، ولا بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ) .
رابعًا : أنها سبب لتذوق حلاوة الإيمان ولذة اليقين ، لما جاء عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ( ثلاث من وجدهن وجد حلاوة الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله ، وأن يكره أن يرجع إلى الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار ) [ متفق عليه ] .
خامسًا : أنها الصلة التي يقوم على أساسها المجتمع المسلم ( إنما المؤمنون إخوة ) .
سادسًا : أنه بتحقيق هذه العقيدة تنال ولاية الله ، لما روى ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : ( من أحب في الله وأبغض في الله ، ووالى في الله وعادى في الله ، فإنما تنال ولاية الله بذلك ) .
سابعًا : أن عدم تحقيق هذه العقيدة قد يدخل في الكفر ، قال تعالى : ( ومن يتولهم منكم فإنه منهم ) .
ثامنًا : أن كثرة ورودها في الكتاب والسنة يدل على أهميتها .
يقول الشيخ حمد بن عتيق - رحمه الله - : ( فأما معاداة الكفار والمشركين فاعلم أن الله سبحانه وتعالى قد أوجب ذلك ، وأكد إيجابه ، وحرم موالاتهم وشدد فيها ، حتى أنه ليس في كتاب الله تعالى حكم فيه من الأدلة أكثر ولا أبين من هذا الحكم بعد وجوب التوحيد وتحريم ضده ) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( إن تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله يقتضي أن لا يحب إلا لله ، ولا يبغض إلا لله ، ولا يواد إلا لله ، ولا يُعادي إلا لله ، وأن يحب ما أحبه الله ، ويبغض ما أبغضه الله ) .
ومن صور موالاة الكفار أمور شتى ، منها :
1- التشبه بهم في اللباس والكلام .
2- الإقامة في بلادهم ، وعدم الانتقال منها إلا بلاد المسلمين لأجل الفرار بالدين .
3- السفر إلى بلادهم لغرض النزهة ومتعة النفس .
4- اتخاذهم بطانة ومستشارين .
5- التأريخ بتاريخهم خصوصًا التاريخ الذي يعبر عن طقوسهم وأعيادهم كالتاريخ الميلادي .
6- التسمي بأسمائهم .
7- مشاركتهم في أعيادهم أو مساعدتهم في إقامتها أو تهنئتهم بمناسبتها أو حضور إقامتها .
8- مدحهم والإشادة بما هم عليه من المدنية والحضارة ، والإعجاب بأخلاقهم ومهاراتهم دون النظر إلى عقائدهم الباطلة ودينهم الفاسد .
9- الاستغفار لهم والترحم عليهم .
قال أبو الوفاء بن عقيل : ( إذا أردت أن تعلم محل الإسلام من أهل الزمان ، فلا تنظر إلى زحامهم في أبواب الجوامع ، ولا ضجيجهم في الموقف بلبيك ، وإنما انظر إلى مواطأتهم أعداء الشريعة ، عاش بان الراوندي والمعري - عليمها لعائن الله - ينظمون وينثرون كفرًا ، وعاشوا سنين ، وعُظمت قبورهم ، واشتُريت تصانيفهم ، وهذا يدل على برودة الدين في القلب ) .
وعلى المسلم أن يحذر من أصحاب البدع والأهواء الذين امتلأت بهم الأرض ، ولْيتجنَّب الكفار وما يبثون من شبه وشهوات ، وليعتصم بحبل الله المتين وسنة نبيه الكريم . وعلى المسلم أن يفطِن إلى الفرق بين حسن التعامل والإحسان إلى أهل الذمة وبين بُغضهم وعدم محبتهم . ويتعيَّن علينا أن نبرهم بكل أمر لا يكون ظاهره يدل على مودات القلوب ، ولا تعظيم شعائر الكفر . ومن برهم لتُقبل دعوتنا : الرفق بضعيفهم ، وإطعام جائعهم ، وكسوة عاريهم ، ولين القول لهم على سبيل اللطف معهم والرحمة لا على سبيل الخوف والذلة ، والدعاء لهم بالهداية ، وينبغي أن نستحضر في قلوبنا ما جُبلوا عليه من بغضنا ، وتكذيب نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - .
اللهم وفقنا للعمل بكتابك وسنة نبيك - صلى الله عليه وسلم - والسير على هداهما ، وحب الله ورسوله والمؤمنين وموالاتهم وبغض الكفار والمشركين ومعاداتهم .





س: ما معنى الولاء؟
ج : الولاء لغةً: الوَلْيُ في اللغة هو القُرْب، ويأتي بمعنى الحُب والنُّصْرة في الولاء.
والولاء شرعًا :
حُبُّ الله تعالى ورسوله ودين الإسلام وأتباعِه المسلمين، ونُصْرةُ الله تعالى ورسولِه ودينِ الإسلام وأتباعِه المسلمين.
س: ما معنى البراء؟
البراء لغةً : البَرَاءُ : مصدر بَرِئتُ، وهو من الفعل بَرِئ؛ وله معنيان أصليان.
(1) بَرِئ بمعنى : تَنَزَّهَ وتباعَدَ مع البغض والعداوة.
(2) بمعنى الخَلْقُ ، ومنه اسمه تعالى (البارئ).
والبراء شرعًا :
بُغْضُ الطواغيت التي تُعبَدُ من دون الله تعالى (من الأصنام الماديّة والمعنويّة: كالأهواء والآراء)، وبُغْضُ الكفر (بجميع ملله) وأتباعِه الكافرين، ومعاداة ذلك كُلِّه.
س: اذكر أدلة الولاء من القرآن؟
ج : كثيرة ومنها قوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ . وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ﴾(المائدة 55-56).
وقال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (التوبة: 71) .
س: اذكر أدلة الولاء من السنة؟
ج: قوله صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحُمِهم وتعاطُفهم مَثَلُ الجسد، إذا اشتكى منه عضو ، تَدَاعى له سائر الجسد بالسهر والحُمّى» متفق عليه.
وقال صلى الله عليه وسلم: « المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بَعْضُه بعضًا» متفق عليه.
وقال صلى الله عليه وسلم: « المسلم أخو المسلم: لا يظلمه، ولا يُسْلِمُه» متفق عليه.
وقال صلى الله عليه وسلم: « والذي نفسي بيده ، لا تدخلون الجنّةَ حتى تؤمنوا ، ولا تؤمنوا حتى تحابّوا، أَوَلَاَ أدلّكم على شيءٍ إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلامَ بينكم» أخرجه مسلم.

س: اذكر أدلة البراء من القرآن؟
ج: قال تعالى: ﴿ لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ﴾ (آل عمران 28).
قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ . إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ. وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} سورة الزخرف.
وقال تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} سورة الممتحنة.
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ }(الممتحنة : 1).
قال الله تعالى:{ لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}(المجادلة: 22).
وغير ذلك كثير.

س : ما منزلة الولاء والبراء في الإسلام؟
ج: يبين ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ أَوْسَطَ عُرَى الْإِيمَانِ أَنْ تُحِبَّ فِي اللَّهِ وَتُبْغِضَ فِي اللَّهِ" أخرجه أحمد (18524).
وعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم- قَالَ: « ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ مَنْ كَانَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ لِلَّهِ وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِى الْكُفْرِ بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ مِنْهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِى النَّارِ »
متفق عليه.
وقوله صلى الله عليه وسلم: " سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ ، وذكر منهم: وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ "متفق عليه.
فالولاء والبراء من لوازم " لا إله إلا الله" وأدلة ذلك كثيرة من الكتاب والسنة.
أما الكتاب فمن ذلك قوله تعالى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ} ( البقرة: 256).
وقال تعالى: {لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ} ( آل عمران: 28).
ويقول تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ . قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ فإن تَوَلَّوْاْ فإن اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} ( آل عمران: 31-32).
ويقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ} ( المائدة: 54).
وروى الإمام أحمد عن جرير بن عبد الله البجلي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بايعه على أن " تَنْصَحُ لِلْمُسْلِمِ ، وَتَبْرَأُ مِنَ الْكَافِرِ ".
وفي صحيح مسلم قوله صلى الله عليه وسلم : "من قال: لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله، حرم ماله ودمه وحسابه على الله".

س : ما مظاهر موالاة المؤمنين؟
ج:
مظاهر مولاة المؤمنين كثيرة ومن ذلك :
(1) الهجرة إلى بلاد المسلمين، وهجر بلاد الكفار.
(2) مناصرة المؤمنين ومعاونتهم بالنفس و المال و اللسان والقلم ، وبكل ما يحتاجون إليه . قال تعالى : { وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ }(الأنفال :72).
(3) التألم لألمهم، و السرور لسرورهم. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِى تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى » متفق عليه.
(4) النصح لهم ومحبة الخير لهم ، وعدم غشهم؛ قال صلى الله عليه وسلم قَالَ: « لاَ تَبَاغَضُوا وَلاَ تَحَاسَدُوا وَلاَ تَدَابَرُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا وَلاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثٍ » متفق عليه من حديث أنس رضي الله عنه.
(5) احترامهم وتوقيرهم وعدم تنقصهم؛ قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ } .. الآية
(6) زيارتهم، ومحبة الالتقاء بهم، والاجتماع معهم، ففي الحديث القدسي: " وجبت محبتي للمتزاورين فيَّ".
(7) أن يكون معهم في حال يسرهم وعسرهم، ومنشطهم ومكرههم، واحترام حقوقهم، والاستغفار لذنوبهم؛ قال تعالى:{وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ }(محمد:19).

س : ما مظاهر موالاة الكافرين؟
ج:
قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله ما ملخصه:
(1) من مظاهر موالاة الكفار التشبه بهم في الملبس والكلام وغيرهما ، قال النبيّ -صلى الله عليه وسلم- "من تشبه بقوم فهو منهم" . فيحرم التشبه بالكفار فيما هو من خصائصهم ومن عاداتهم وعباداتهم وسمعتهم وأخلاقهم كحلق اللحى وإطالة الشوارب والرطانة بلغتهم إلاّ عند الحاجة .
(2) من مظاهر موالاة الكفار الإقامة في بلادهم قال تعالى ﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا . إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا . فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا ﴾(النساء :97 -99).
فلم يعذر الله في الإقامة في بلاد الكفار إلاّ المستضعفين الذين لا يستطيعون الهجرة؛ وكذا من كان في إقامته مصلحة دينية كالدعوة إلى الله ونشر الإسلام في بلادهم.
(3) ومن مظاهر موالاة الكفار إعانتهم ومناصرتهم على المسلمين ومدحهم والذب عنهم، وهذا من نواقض الإسلام وأسباب الردة نعوذ بالله من ذلك.
(4) ومن مظاهر موالاة الكفار الاستعانة بهم والثقة بهم وتوليتهم المناصب التي فيها أسرار المسلمين واتخاذهم بطانة ومستشارين ، قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ . هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ . إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا ﴾ ( آل عمران : 118 - 120).
روى الإمام أحمد عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : قلت لعمر رضي الله عنه: لي كاتب نصراني . قال: مالك قاتلك الله. أما سمعت الله يقول {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} ألا اتخذت حنيفًا ، قال : قلت يا أمير المؤمنين لي كتابته وله دينه . قال:لا أكرمهم إذ أهانهم الله ، ولا أعزهم إذ أذلهم الله ، ولا أدنيهم وقد أقصاهم الله .
وروى الإمام أحمد ومسلم أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- خرج إلى بدر فتبعه رجل من المشركين فلحقه عند الحرة فقال : إني أردت أن أتبعك وأصيب معك ، قال: "تؤمن بالله ورسوله" ؟ قال لا - قال: "ارجع فلن أستعين بمشرك".
(5) ومن مظاهر موالاة الكفار التأريخ بتاريخهم - خصوصاً التاريخ الذي يعبر عن طقوسهم وأعيادهم كالتاريخ الميلادي والذي هو عبارة عن ذكرى مولد المسيح عليه السلام، والذي ابتدعوه من أنفسهم وليس هو من دين المسيح عليه السلام فاستعمال هذا التاريخ فيه مشاركة في إحياء شعارهم وعيدهم ، ولتجنب هذا لما أراد الصحابة رضي الله عنهم وضع تاريخ للمسلمين في عهد عمر رضي الله عنه عدلوا عن تواريخ الكفار وأرخوا بهجرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- مما يدل على وجوب مخالفة الكفار في هذا وفي غيره مما هو من خصائصهم - والله المستعان.
(6) ومن مظاهر موالاة الكفار مشاركتهم في أعيادهم أو مساعدتهم في إقامتها أو تهنئتهم بمناسبتها أو حضور إقامتها - وقد فسر قوله سبحانه وتعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ } أي ومن صفات عباد الرحمن أنهم لا يحضرون أعياد الكفار.
(7) ومن مظاهر موالاة الكفار مدحهم والإشادة بما هم عليه من المدنية والحضارة والإعجاب بأخلاقهم ومهاراتهم دون نظر إلى عقائدهم الباطلة ودينهم الفاسد قال تعالى: {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى} وليس معنى ذلك أن المسلمين لا يتخذون أسباب القوة من تعلم الصناعات ومقومات الاقتصاد المباح والأساليب العسكرية ، بل ذلك مطلوب قال تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} وهذه المنافع والأسرار الكونية هي في الأصل للمسلمين قال تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ} وقال تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ}، وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا}فالواجب أن يكون المسلمون سباقين إلى استغلال هذه المنافع وهذه الطاقات ولا يستجدون الكفار في الحصول عليها ، يجب أن يكون لهم مصانع وتقنيات.
(8) ومن مظاهر موالاة الكفار التسمي بأسمائهم - بحيث يسمون أبناءهم وبناتهم بأسماء أجنبية ويتركون أسماء آبائهم وأمهاتهم وأجدادهم وجداتهم والأسماء المعروفة في مجتمعهم وقد قال النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن". وبسبب تغيير الأسماء فقد وجد جيل يحمل أسماء غربية ، مما يسبب الانفصال بين هذا الجيل والأجيال السابقة ويقطع التعارف بين الأسر التي كانت تعرف بأسمائها الخاصة .
(9) من مظاهر موالاة الكفار الاستغفار لهم والترحم عليهم وقد حرم الله ذلك بقوله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} لأن هذا يتضمن حبهم وتصحيح ما هم عليه([1]). انتهى
(10) "محبة الكفار وتعظيمهم ونصرتهم على حرب أولياء الله، وتنحية شريعة الله عن الحكم في الأرض ورميها بالقصور والجمود وعدم مسايرة العصر ومواكبة التقدم الحضاري.
(11) ومنها: استيراد القوانين الكافرة - شرقية كانت أم غربية - وإحلالها محل شريعة الله الغراء وغمز كل مسلم يطالب بشرع الله بـ : التعصب والرجعية والتخلف!
(12) ومنها: التشكيك في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والطعن في دواوينها الكريمة والحط من قدر أولئك الرجال الأعلام الذين خدموا هذه السنة حتى وصلت إلينا.
(13) قيام دعوات جاهلية جديدة تعتبر جديدة في حياة المسلمين، ذلك مثل دعوة القومية الطورانية والقومية العربية والقومية الهندية و.. و... الخ"

[الولاء والبراء في الإسلام للقحطاني ص9 ].

س: ما حكم موالاة الكفار؟
ج: قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
موالاة الكفار بالموادة والمناصرة واتخاذهم بطانة: حرام منهي عنها بنص القرآن الكريم، قال الله تعالى: {لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله}، وقال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ }، وقال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}، وقال تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا }.
وأخبر أنه إذا لم يكن المؤمنون بعضهم أولياء بعض، والذين كفروا بعضهم أولياء بعض ويتميز هؤلاء عن هؤلاء، فإنها تكون فتنة في الأرض وفساد كبير.
ولا ينبغي أبداً أن يثق المؤمن بغير المؤمن مهما أظهر من المودة وأبدى من النصح فإن الله تعالى يقول عنهم:{ وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً }، ويقول سبحانه لنبيه :{ وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ }، والواجب على المؤمن أن يعتمد على الله في تنفيذ شرعه، وألا تأخذه فيه لومة لائم، وألا يخاف من أعدائه فقد قال الله تعالى: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}، وقال تعالى:{فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين}، وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }، والله الموفق.

س: ما هي أنواع موالاة الكفار؟
ج: موالاة صغرى وموالاة كبرى.
الموالاة الصغرى لا تخرج عن الإسلام، والموالاة الكبرى تخرج عن الإسلام والعياذ بالله.

س: ما هي الموالاة الصغرى وما صورها؟
ج:
الموالاة الصغرى التي لا تخرج صاحبها من الملة، وهي محرمة؛ ومن صورها التعصب للكافر لأنه من أبناء الوطن؛ أو الحزب أو لشراكة في مال أو تجارة؛ يعني من أجل مصلحةٍ دنيوية، وموالاته في تلك المصلحة، مع بغضه ديانةً؛ قال ابن تيمية في الفتاوى(7/ 523): قد تحصل للرجل موادتهم لرحم أو حاجة فتكون ذنباً ينقص به إيمانه، ولا يكون به كافراً. ا هـ.

س: ما هي الموالاة الكبرى وما صورها؟
ج: موالاةٌ كفرية، وهي مودة الكفار من أجل دينهم، ومحبتهم بالقلب ديانةً، وقد يتمنى نصرتهم على المسلمين، قال سبحانه وتعالى-: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ﴾( المائدة: 51).

س: هل تجوز الموالاة في بعض المواضع للكفار؟
ج: تجوز عند الضرورة والإكراه؛ وهي إظهار الموالاة باللسان عند الضرورة وعند خوف الفتنة من الكفار؛ كما قال الله –سبحانه وتعالى-: {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً}(آل عمران: 28) ؛ ولقوله سبحانه وتعالى-: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ }(النحل: 106). وسبب ذلك قصة عمار، عندما أرغمه الكفار على النيل من النبي صلى الله عليه وسلم؛ فنال منه تحت التهديد وتحت الخطر؛ فجاء يبكي وخشي على نفسه الردة؛ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "إن عادوا فعُدْ".

س: ما حكم التجسس للكفار على المسلمين؟
ج: التجسس على المسلمين لمصلحة الكفار حرام: فهو خيانة للدّين، ومحاربة للمسلمين، ومعاونة لأهل الشرك والكفر عليهم، وكلها كبائر عظيمة، وتصل للردّة إذا صدرت من المسلم ، قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } (الأنفال : 27).
وهي من نواقض العهود والمواثيق إذا صدرت من المعاهدين وأهل الذمة ، قال تعالى:{إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ }(التوبة : 4).
وقد حذر الله من ألئك؛ فقال -تعالى:{لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ}(التوبة : 47).
قال مجاهد في قوله -تعالى-: {وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ} وفيكم مخبرون لهم يؤدون إليهم ما يسمعون منكم وهو الجواسيس. [ تفسير البغوي: 10 / 298 ].
وقد تحدث الفقهاء عن عقوبة الجاسوس مسلماً كان أو كافرا، فقالت المالكية والحنابلة وغيرهم: يقتل الجاسوس المسلم إذا تجسس للعدو على المسلمين.
وذهب أبو حنيفة والشافعي إلى عدم قتله، وإنما يعاقب تعزيراً، إلا إن تظاهر على الإسلام فيقتل، أو ترتب على جاسوسيته قتل ، ومثله الذمي.
و‏إن كان كافراً يقتل في حال الحرب، وكذلك في حال السلم إن كان هناك عهد لأنّه نقض للعهد.
وقد ورد في السنة النبوية: ما يدل على قتل الجاسوس مطلقا، فعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: " أُتي النبي صلى الله عليه وسلم عينٌ من المشركين وهو في سفر فجلس عند أصحابه، ثم انسل، فقال صلى الله عليه وسلم: "اطلبوه فاقتلوه" قال: فسبقتهم إليه فقتلته، وأخذت سلبه، فنفلني إياه" رواه البخاري وأبو داود.

س: هل هناك أمور مشروعة يظن أنها من الموالاة وليست كذلك؟
ج: ما يُظنَّ أنه موالاة وليس بموالاة؛ كالتعامل مع الكفار بتجارةٍ أو إجارةٍ أو عاريةٍ أو رهنٍ أو بيعٍ أو شراءٍ أو نحو ذلك.
أو حتى تخلق بالأخلاق الطيبة معهم لعل الله أن يهديهم للدين أو بذل الهدية لهم فإن عمر –رضي الله عنه- أهدى لأخ له قبل أن يُسلِمْ ثوبًا أهداه له النبي صلى الله عليه وسلم، وابن عمر –رضي الله عنه- كانوا إذا وُجِدَ عندهم لحمٌ أو ذبيحةٌ قال: "أأطعمتم جارنا اليهودي؟" ونحو ذلك ، وكذلك قبول هديةٍ منهم؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم قَبِلَ ماريةً –رضي الله عنها- هديةً من المقوقس عظيم الأقباط، ولا يعدُ هذا موالاة، ورهن درعه عند يهودي في صاعٍ من شعير، وعلي رضي الله عنه- أجَّرَ نفسه ليهوديةٍ فنتح لها ستة عشر دلوًا، كل دلوٍ بتمرة، والنبي صلى الله عليه وسلم قد عاقد اليهود وعاهدهم على أن يشاركوا مع المسلمين في قتال بقية الكفار والمشركين، وعقد معهم عهدًا، وعقد عهدًا مع خُزَاعة، وأحيانًا عقد عهودًا فيها حيفٌ على المسلمين في الظاهر؛ ولكن العاقبة للمتقين، كما حدث في صلح الحديبية، ولم يقل أحدٌ أن هذا التعامل نوعٌ من المودة والموالاة.
والنبي صلى الله عليه وسلم قال: "والله لا يدعونني لشيء فيه تعظيمٌ لحرمات الله إلا وأجبتهم عليه".
كذلك في مسألة الوفاء بالعهد؛ حذيفة –رضي الله عنه- أسره المشركون هو وأبوه –مشركو قريش - ، فطلبوا منهم أن يخلُّوا سبيلهم، قالوا بشرط: أن تذهبوا إلى المدينة – أو إلى يثرب كما يقولون- ولا تذهبوا إلى محمد وأصحابه في بدر، صلى الله عليه وسلم، فأعطوهم العهد على أن يذهبوا إلى المدينة ولا يذهبوا إلى بدرٍ إلى القتال، فجاء حذيفةُ وأبوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبروه الخبر، مع حاجة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المقاتلين، مع كثرة عدد الكفار، وقلَّةِ عدد المسلمين؛ فقال لحذيفة وأبيه: "اذهبوا إلى المدينة، نفي لهم بعهدهم، ونستعين الله عليهم".
والنبي صلى الله عليه وسلم مرض جاره اليهودي، غلامٌ من جيرانه من اليهود، فذهب النبي صلى الله عليه وسلم يعوده، يزوره؛ فقال له: "قل أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله" فنظر اليهودي الغلام إلى أبيه، فقال له: "أطع أبا القاسم". فقال: "أشهد أنْ لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله"؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الحمد لله الذي أنقذه بي من النار".
والنبي صلى الله عليه وسلم أذِنَ لأسماء بنت أبي بكر أن تصل أمها لما جاءتها، وأمرنا الله ببر الوالدين ولو كانا كافرين أو مشركين، كما تعلمون في سورة لقمان.

س: ما معنى " البر" في قوله تعالى: { لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ }(الممتحنة: 8).
ج: قال العلامة السعدي في تفسيره: أي: لا ينهاكم الله عن البر والصلة، والمكافأة بالمعروف، والقسط للمشركين، من أقاربكم وغيرهم، حيث كانوا بحال لم ينتصبوا لقتالكم في الدين والإخراج من دياركم، فليس عليكم جناح أن تصلوهم، فإن صلتهم في هذه الحالة، لا محذور فيها ولا مفسدة ؛ كما قال تعالى عن الأبوين المشركين إذا كان ولدهما مسلما: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} انتهى. [تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان: ص 856].

س: ما حكم اتخاذ الكافر صَدِيقًا؟
ج: نهى الله تعالى ذكره عن اتخاذ الكافرين بطانة وأصدقاء وأولياء؛ فقال تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ . هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ . إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ }(آل عمران: 118 -120).
وقال تعالى: { لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ }(آل عمران: 28).
قال ابن كثير في تفسيره (2 /441): ينهى تعالى عباده المؤمنين عن اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين، يعني مصاحبتهم ومصادقتهم ومناصحتهم وإسرار المودة إليهم، وإفشاء أحوال المؤمنين الباطنة إليهم. انتهى

س: ما حكم السفر لبلاد الكفر؟
ج: الأصل في السفر الإباحة، ومنع السفر لبلاد الكفر للمفاسد المترتبة على ذلك، وأبيح في حالات محدودة كالسفر للدعوة إلى الله، قال الشيخ العلامة صالح الفوزان: السفر إلى بلاد الكفر لا يجوز؛ لأن فيه مخاطر على العقيدة والأخلاق ومخالطة للكفار وإقامة بين أظهرهم ، لكن إذا دعت حاجة ضرورية وغرض صحيح للسفر لبلادهم كالسفر لعلاج مرض لا يتوفر إلا ببلادهم، أو السفر لدراسة لا يمكن الحصول عليها في بلاد المسلمين، أو السفر لتجارة، فهذه أغراض صحيحة يجوز السفر من أجلها لبلاد الكفار بشرط المحافظة على شعائر الإسلام ، والتمكن من إقامة الدين في بلادهم، وأن يكون ذلك بقدر الحاجة فقط ثم يعود إلى بلاد المسلمين .‏
أما السفر للسياحة فإنه لا يجوز؛ لأن المسلم ليس بحاجة إلى ذلك ، ولا يعود عليه منه مصلحة تعادل أو ترجح على ما فيه من مضرة وخطر على الدين والعقيدة. انتهى
ويقول فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين
رحمه الله تعالى:
"لا يجوز للإنسان أن يسافر إلى بلاد الكفر إلا بشروط ثلاث:
الشرط الأول
: أن يكون عنده علم يدفع به الشبهات.
الشرط الثاني :
أن يكون عنده دين يمنعه من الشهوات.
الشرط الثالث :
أن يكون محتاجًا إلى ذلك مثل أن يكون مريضًا أو يكون محتاجًا إلى علم لا يوجد في بلاد الإسلام تخصص فيه فيذهب إلى هناك, أو يكون الإنسان محتاجا إلى تجارة , يذهب ويتجر ويرجع . المهم أن يكون هناك حاجة, ولهذا أرى أن الذين يسافرون ألى بلد الكفر من أجل السياحة فقط أرى أنهم آثمون, وأن كل قرش يصرفونه لهذا السفر فإنه حرام عليهم وإضاعة لمالهم وسيحاسبون عنه يوم القيامة حين لا يجدون مكانًا يتفسحون فيه أو يتنزهون فيه " [ شرح رياض الصالحين المجلد الأول].
س: ما حكم الإقامة في بلاد الكفر؟
ج: حرام لا يجوز إلا لضرورة؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من جامع المشرك وسكن معه فإنه مثله"[أبو داود وصححه الألباني].
وقال: "لا تساكنوا المشركين ولا تجامعوهم فمن ساكنهم أو جامعهم فليس منا" [أخرجه الحاكم في المستدرك (2/141) وقال صحيح على شرط البخاري ووافقه الذهبي].
وأخرج أبو داود والترمذي والحاكم وصححه وحسّنه الشيخ الألباني في الصحيحة من حديث سمرة بن جندب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «مَن جامع المُشرك وسَكَن معه فإنَّه مثله».
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «أنا بريءٌ مِن كل مسلمٍ يقيمُ بين أظْهُر المشركين»، قالوا: يا رسول الله، ولِم؟ قال: «لا تراءَى نَارَاهُما» أخرجه أبو داود والترمذي وحسّنه الألباني في الصحيحة (2/227/ح 636).
وأخرج النسائي حسّنه الشيخ الألباني في صحيح الجامع(7748) عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: « لا يقبل الله - عز وجل - من مشرك بعدما أسلم عملاً أو يفارق المشركين إلى المسلمين».
وأخرج النسائي وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع عن جرير قال: «بايعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم، وعلى فراق المشرك».
وفي صحيح مسلم عن بريدة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا بعث أميراً على سرية أو جيشاً أوصاه بأمور؛ فذكرها، ومنها «ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين».
وقال العلامة ابن باز : قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركينوقد أخبر الله سبحانه عمن لم يهاجر من بلاد الشرك إلى بلاد الإسلام بأنه قد ظلم نفسه، وتوعده بعذاب جهنم في قوله سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا إِلا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا}( النساء: 97 – 99).

س: ما حكم التجنس بجنسية دولة من دول الكفر؟
ج: الأصل في التجنس بجنسية دول الكفار التحريم، لأدلة تحريم السفر لبلاد الكفر والإقامة بين المشركين، وأجيز لأمور منها:
أ - أن يترك المسلم بلده بسبب الاضطرار والاضطهاد ويلجأ لهذه الدولة؛ فهو جائز بشرط الاضطرار الحقيقي للجوء، وأن يتحقق الأمن للمسلم وأهله في بلاد الكفر، وأن يستطيع إقامة دينه هناك، وأن ينوي الرجوع لبلاد الإسلام متى تيسر ذلك، وأن ينكر المنكر ولو بقلبه، مع عدم الذوبان في مجتمعات الكفر.
ب - التجنس لمصلحة الإسلام والمسلمين ونشر الدعوة، وهو جائز.
واشترط لجواز ذلك:
(1) انسداد أبواب العالم الإسلامي في وجه لجوئه إليهم.
(2) أن يضمر النية على العودة متى تيسَّر ذلك.
(3) أن يختار البلد التي يمارس فيها دينه بحرية.
قال الشيخ ابن جبرين رحمه الله : " من اضطر إلى طلب جنسية دولة كافرة كمطارَد من بلده ولم يجد مأوى ، فيجوز له ذلك بشرط أن يظهر دينه ، ويكون متمكنا من أداء الشعائر الدينية ، وأما الحصول على الجنسية من أجل مصلحة دنيوية محضة فلا أرى جوازه " انتهى .

س: ما حكم الاستعانة بالكفار في القتال؟
ج: اختلف العلماء رحمهم الله في حكم الاستعانة بالكفار في قتال الكفار على قولين:
أحدهما : المنع من ذلك .
واستدلوا بما رواه مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها أن رجلا من المشركين كان معروفا بالجرأة والنجدة أدرك النبي صلى الله عليه وسلم في مسيره إلى بدر في حرة الوبرة فقال: جئت لأتبعك وأصيب معك؛ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "تؤمن بالله ورسوله"قال: لا ؛ قال "ارجع فلن أستعين بمشرك"قالت: ثم مضى حتى إذا كنا في الشجرة أدركه الرجل فقال: له كما قال له أول مرة فقال : "تؤمن بالله ورسوله"قال: لا؛ قال : "ارجع فلن أستعين بمشرك"؛ ثم لحقه في البيداء فقال مثل قوله؛ فقال له: "تؤمن بالله ورسوله"قال: نعم؛ قال"فانطلق" ا . هـ .
وروى إسحاق بن راهويه في مسنده أخبرنا الفضل بن موسى عن محمد بن عمرو بن علقمة عن سعيد بن المنذر عن أبي حميد الساعدي قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد حتى إذا خلف ثنية الوداع نظر وراءه فإذا كتيبة حسناء فقال: "من هؤلاء"؟ قالوا هذا عبد الله بن أبي بن سلول ومواليه من اليهود وهم رهط عبد الله بن سلام فقال: "هل أسلموا"؟ قالوا: لا إنهم على دينهم؛ قال: "قولوا لهم فليرجعوا فإنا لا نستعين بالمشركين على المشركين"انتهى .
واحتجوا أيضا بما رواه الحاكم في صحيحه من حديث يزيد بن هارون أنبأنا مسلم بن سعيد الواسطي عن خبيب بن عبد الرحمن بن خبيب عن أبيه عن جده خبيب بن يساف قال:أتيت أنا ورجل من قومي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يريد غزوًا فقلت يا رسول الله إنا نستحي أن يشهد قومنا مشهدا لم نشهده معهم فقال: "أسلما"فقلنا: لا؛ قال: "فإنا لا نستعين بالمشركين" قال: فأسلمنا وشهدنا معه" الحديث .
القول الثاني : القول بالجواز؛ قال الشافعي وآخرون : إن كان الكافر حسن الرأيفي المسلمين ودعت الحاجة إلى الاستعانة به أستعين به وإلا فيكره ، وحمل الحديثين على هذين الحالين ، وإذا حضر الكافر بالإذن رضخ له ولا يسهم والله أعلم . ا . هـ
وقد جاء في الحديث الآخر أن النبي صلى الله عليه وسلم استعان بصفوان بن أمية قبل إسلامه.
واحتج القائلون بالجواز أيضًا بما رواه أحمد وأبو داود عن ذي مخمر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ستصالحون الروم صلحا آمنا وتغزون أنتم وهم عدوا من ورائكم فتنصرون وتغنمون"الحديث.

س: وما حكم معاونة بعض الكفار في حرب بعضهم لبعض؟
ج: إذا كانت هناك معاهدة على النصرة بين المسلمين وفريق من الكفار؛ فيساعد المسلمون الكفار المعاهدين على من بغى عليهم، بالسلاح ونحوه، ومثل هذا ينظر فيه للمصلحة والمفسدة، وإذا كان العدو مشتركًا بين المسلمين وبعض الكفار فيعاونون أيضًا؛ كما في الحديث: "ستصالحون الروم صلحًا آمنًا وتغزون أنتم وهم عدوًا من ورائكم فتنصرون وتغنمون"أخرجه أحمد وأبو داود وصححه الألباني.

س: ما حكم إعانة الكفار في حرب المسلمين؟
ج: قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في (فتاواه) (1/274):
وقد أجمع علماء الإسلام على أن من ظاهر الكفار على المسلمين وساعدهم بأي نوع من المساعدة فهو كافر مثلهم، كما قال الله سبحانه: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (المائدة : 51).

س: ما حكم التشبه بالكفار؟
ج: يحرم التشبه بالكفار فيما هو من خصائصهم؛ عنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ" رواه أبو داود (اللباس / 3512) قال الألباني في صحيح أبي داود:حسن صحيح . برقم (3401)
وقول الله تعالى: { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنْ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمْ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} (الحديد: 16).
قال شيخ الإسلام رحمه الله:"فقوله : { وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} نهي مطلق عن مشابهتهم، وهو خاص أيضاً في النهي عن مشابهتهم في قسوة قلوبهم ، وقسوة القلوب من ثمرات المعاصي" انتهى.
وقال ابن كثير رحمه الله عند تفسير هذه الآية (4/396) : "ولهذا نهى الله المؤمنين أن يتشبهوا بهم في شيء من الأمور الأصلية والفرعية " انتهى .
وروى أبو داود (652) عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " خَالِفُوا الْيَهُودَ ، فَإِنَّهُمْ لَا يُصَلُّونَ فِي نِعَالِهِمْ وَلَا خِفَافِهِمْ " وصححه الألباني في صحيح أبي داود .
وعن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما قال : رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم عَلَيَّ ثَوْبَيْنِ مُعَصْفَرَيْنِ ، فَقَالَ : "إِنَّ هَذِهِ مِنْ ثِيَابِ الْكُفَّارِ فَلَا تَلْبَسْهَا" رواه مسلم (2077).
وعَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ ، أَحْفُوا الشَّوَارِبَ ، وَأَوْفُوا اللِّحَى " رواه مسلم (259).

س: ما معنى مخالفة الكفار ؟
ج: أوجب الشرع الحنيف وجوب مخالفة الكافرين؛ وترك التشبه بهم فيما هو من خصائصهم؛ والتشبه يكون فيما يظهر ومن ذلك لبس الثياب التي هي علامة عليهم، وكطريقة كلامهم والتحدث بلغتهم بغير حاجة ونحو ذلك؛ أما المخالفة فتكون في الأفعال والأقوال وفي كل الأمور؛ ما لم يكن أمرًا أقره شرعنا الحنيف؛ فالمخالفة أعم وأوسع من ترك التشبه؛ قال تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنْ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}(الجاثية: 18).
وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنْ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ}(الرعد: 37).
وقول الله تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنْ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمْ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} (الحديد:16).
وروى أبو داود (652) عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " خَالِفُوا الْيَهُودَ ، فَإِنَّهُمْ لَا يُصَلُّونَ فِي نِعَالِهِمْ وَلَا خِفَافِهِمْ " وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
وعن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لَا يَصْبُغُونَ فَخَالِفُوهُمْ " رواه البخاري (3462) ومسلم (2103).
والأدلة في هذا الباب كثيرة.

س: ما حكم عيادة مرضى الكفار؟
ج: يجوز إذا كان يرجى من وراء ذلك مصلحة؛ كإسلام المريض ؛ وقد جاء في صحيح البخاري من طريق حماد بن زيد عن ثابت عن أنس رضي الله عنه قال: كان غلام يهودي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمَرض فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده فقعد عند رأسه فقال له : "أسلم"فنظر إلى أبيه وهو عنده فقال له : أطع أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم-. فأسلم فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول : "الحمد لله الذي أنقذه من النار".
وقد جاء في الصحيحين وغيرهما من طريق ابن شهاب قال أخبرني سعيد بن المسيب عن أبيه أنه أخبره أنه لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءَه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد عنده أبا جهل بن هشام وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة قال رسول الله صلى لله عليه وسلم لأبي طالب: يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أشهد لك بها عند الله؛ فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب ؟ فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ويعودان بتلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم: هو على ملة عبد المطلب وأبى أن يقول: لا إله إلا الله؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما والله لأستغفرنّ لك مالم أُنه عنك؛ فأنزل الله تعالى فيه: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى}.

س: ما حكم تعزية الكفار في أمواتهم؟
ج: لا بأس بذلك لتأليف قلوبهم بغير مفسدة ولا يكون في كنيسة، قال فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:"ينظر في ذلك للمصلحة، إن كان في ذلك مصلحة التأليف وجلب المودة من هؤلاء الكفار للمسلمين فلا بأس، وإن لم يكن فيها فائدة فلا فائدة"انتهى .
"الإجابات على أسئلة الجاليات" ( 1/ 14- 15).

س: ما حكم الاستغفار لموتى غير المسلمين؟
ج: لا يجوز الاستغفار لغير المسلمين أو الدعاء لهم بالرحمة؛قال الله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ}وفي الآية وجوب إظهار البراءة من الكفار والمنافقين من جميع الوجوه، وظهر في هذه الآية أنه تجب البراءة من أمواتهم وأحيائهم وإن كانوا في غاية القرب من الإنسان.

س: ما حكم الزواج من نساء الكفار؟
ج: يجوز للمسلم أن يتزوج المحصنة من أهل الكتاب اليهود والنصارى؛ والدليل قوله تعالى: {اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان}(المائدة:4).
هذا مع كون المسلمة أولى؛ قال تعالى: {وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ }(البقرة :221).
وأما المشركة التي تعبد الأصنام أو البوذية أو المجوسية أو الملحدة فلا يجوز للمسلم نكاحهن؛ والدليل على ذلك قوله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ}(البقرة: 221).

س: ما حكم زواج المسلمة من كافر؟
ج:
يحرم على المسلمة أن تتزوج بغير مسلم؛ والدليل على ذلك قوله تعالى: {وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}(البقرة: 221).

س: هل يقدح في البراءة من الكفار محبة الزوجة غير المسلمة(الكتابية)؟
ج: أما إن كانت المحبة لدينها ولما هي عليه من الكفر فهذا والعياذ بالله من الموالاة الكبرى التي تخرج عن الإسلام؛ وأما إن كانت المحبة لحسن تبعلها له؛ ولتفانيها في خدمته وأولاده؛ مع بغض ما هي عليه من الكفر والبراءة منه ودوام النصح لها ودعوتها إلى الإسلام؛ فهذا لا شيء فيه والله أعلم.

س: ما حق الجار غير المسلم؟
ج: أولًا: اعتنى الشرع الحنيف بالجار، فوصى الله تعالى وأمر بالإحسان إليه فقال سبحانه وتعالى: {وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً} (النساء : 36).
وقال صلى الله عليه وسلم: «ما زال جبريل يوصيني بالجار، حتى ظننت أنه سيورثه» متفق عليه.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليحسن إلى جاره» متفق عليه.
وللعلم فالجيران ثلاثة:
(1) جار له حق واحد؛ وهو غير المسلم؛ له حق الجوار.
(2) وجار له حقان وهو الجار المسلم؛ له حق الجوار وحق الإسلام.
(3) وجار له ثلاثة حقوق؛ وهو الجار المسلم ذو القرابة والرحم؛ له حق الجوار وحق الإسلام وحق القربى.
ثانيًا
: أما عن الجار غير المسلم فله حق الجوار بالمعروف، مع الإحسان إليه لأنه داخل في عموم قوله صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليحسن إلى جاره» متفق عليه.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «كان غلام يهودي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمرض ، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده ، فقعد عند رأسه فقال له: أسلم، فنظر إلى أبيه وهو عنده فقال له: أطع أبا القاسم صلى الله عليه وسلم، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: الحمد لله الذي أنقذه من النار» رواه البخاري.
وكان عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - إذا ذبح شاة يقول: «أهديتم لجاري اليهودي ؟ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه» رواه أبو داود.

س: ما حكم أكل طعام الكفار وذبائحهم؟
ج
: طعام الكفار من أهل الكتاب وغيرهم حلال للمسلم شريطة ألا يكون محرمًا في الإسلام؛ عن أنس - رضي الله عنه - أن يهوديًا دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى خبز شعير، وإهالة سنخة فأجابه[أخرجه أحمد (13201)].
وقال عز وجل: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ}الآية.
أما الذبائح فيجوز أكل ما ذبح أهل الكتاب اليهود والنصارى؛ قال ابن قدامة : ( أجمع أهل العلم على إباحة ذبائح أهل الكتاب ؛ لقول الله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ}( المائدة: 5)؛ يعني : ذبائحهم . قال البخاري: قال ابن عباس : طعامهم ذبائحهم. المغني(13 /293).
وفي صحيح البخاري (رقم 5507) عن عائشة رضي الله عنها، "أن قومًا أتوا النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا : إن قومًا يأتوننا باللحم، لا ندري أَذَكَرُوا اسم الله عليه أم لا؟ فقال: سموا أنتم، ثم كلوا".
أما ذبائح الكفار الوثنيين فلا يجوز أكلها، لأن الأصل في الذبائح الحرمة، ولأن الوثنيين لا يذكرون اسم الله عليه والله يقول: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ﴾ (الأنعام: 121) والله أعلم.

س: ما حكم الاحتفال بأعياد الكفار؟
ج: لا يجوز الاحتفال بأعياد الكفار لما في ذلك من إقرار ما هم عليه من الكفر، ولما فيه من تكثير سوادهم ؛ والتشبه بهم قد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : "من تشبه بقوم فهو منهم"؛ والله سبحانه وتعالى يقول: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ}(الفرقان: 72). الآية فسرها العلماء بأعياد المشركين؛ ولما فيه من التعاون على الإثم والعدوان قال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (المائدة :2).
ولما فيه أيضًا من موالاتهم؛ قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}(المائدة: 51) ، وقال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ}(الممتحنة: 1) .
ولأنه ليس للمسلمين إلا عيدان يوم الفطر ويوم الأضحى وقد روى أبو داود (1134) والنسائي (1556) عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا ، فَقَالَ : مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ ؟ قَالُوا:كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا : يَوْمَ الْأَضْحَى، وَيَوْمَ الْفِطْروصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2021).

س: ما حكم تهنئة الكفار بأعيادهم؟
ج: قال ابن القيم - يرحمه الله - في كتاب (أحكام أهل الذمة) : " وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق، مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم ، فيقول: عيد مبارك عليك، أو تهْنأ بهذا العيد ونحوه، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب بل ذلك أعظم إثماً عند الله، وأشد مقتاً من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس ، وارتكاب الفرج الحرام ونحوه ، وكثير ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك، ولا يدري قبح ما فعل، فمن هنّأ عبداً بمعصية أو بدعة، أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه ." انتهى
ومنع من ذلك أيضًا لما فيه من إقرارهم على كفرهم، ولما فيه من تقوية نفوسهم على باطلهم، ولما فيه من موالاتهم. والله أعلم

س: ما حكم إلقاء السلام أو رد السلام عليهم ؟
ج:
لا يجوز أن نبدأ الكافر بالسلام؛لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تبدؤوا اليهود ولا النصارى بالسلام .. " . رواه مسلم ( 2167) . وأما رد السلام عليهم
فيرد بقول: وعليك أو وعليكم ؛ فعن ابن عمر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن اليهود إذا سلموا عليكم يقول أحدهم: السام عليكم، فقل: عليك". رواه البخاري ( 5902) ومسلم (2461).
والسام أي الموت والهلاك، وأخرج البخاري(6258) عن أَنَس بْن مَالِكٍ - رضى الله عنه - قَالَ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - :« إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَقُولُوا وَعَلَيْكُمْ » .

س: ما حكم دفع الزكاة لغير المسلمين؟
ج: لا يجوز إعطاء الزكاة لغير مسلم؛ إلا إذا كان من المؤلفة قلوبهم قال الله تعالى : { إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } (التوبة: 60).
وقول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل لما بعثه لليمن : " ادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ" الحديث متفق عليه .
س: ما حكم الصدقة لغير المسلمين؟
ج: يجوز التصدق على الفقراء من غير المسلمين مع كون فقراء المسلمين أولى، قال تعالى: { لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ . إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } (الممتحنة: 8 -9).
ولحديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت : " قَدِمَتْ عَلَيّ أمي وهي مشركة - في عهد قريش إذ عاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومُدَّتِهم - مع أبيها ، فاستفتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن أمي قدمت علي وهي راغبةٌ - تطلب العون - أفأصلها ؟ قال : نعم صِلِيْها " رواه البخاري(2946).
وعن عائشة رضي الله عنها : " أن امرأة يهودية سألتها فأعطتها ، فقالت لها: أعاذك الله من عذاب القبر، فأنكرت عائشة ذلك ، فلما رأت النبي صلى الله عليه وسلم قالت له، فقال: لا ، قالت عائشة: ثم قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك: " إنه أوحي إلي أنكم تفتنون في قبوركم". مسند أحمد برقم(24815). فدل هذان الحديثان على جواز التصدق على الكافر.

س: ما حكم قبول أموال الكفار؟
س: يجوز قبول أموال الكافر إذا بذلها وتبرع بها عن طيب نفس؛ فقد أكل النبي صلى الله عليه وسلم عند اليهود. رواه البخاري (2424) ومسلم (4060).
وأهدى له ملك أيلة – بلدة بساحل البحر – وكان كافراً بغلة بيضاء وبردةً .
رواه البخاري (1411) ومسلم (1392).
وبذل عنه النجاشي مهر أم حبيبة ولم يكن أسلم آنذاك؛ فعن أم حبيبة أن رسول الله صلى اللهم عليه وسلم تزوجها وهي بأرض الحبشة زوَّجها النجاشي وأمهرها أربعة آلاف وجهزها من عنده وبعث بها مع شرحبيل بن حسنة ولم يبعث إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء وكان مهر نسائه أربع مائة درهم .
رواه النسائي (3350) – واللفظ له – وأبو داود (2086) والحاكم (2/ 181) وصححه وأقره الذهبي.

س: ما حكم الإهداء إليهم أو قبول هديتهم؟
ج: يجوز الإهداء لهم وقبول الهدية منهم؛ فقد قبل النبي صلى الله عليه وسلم هدية المقوقس عظيم الإسكندرية، وأهدى عمر - رضي الله عنه – حلته لأخ له مشرك كما في صحيح البخاري.

س: ما حكم الانتفاع بما أنتجه الكفار؟
ج: لا بأس بذلك إذا دعت الحاجة إليه؛ فعلم الكيمياء والفيزياء والفلك والطب والصناعة والزراعة والأعمال الإدارية وأمثال ذلك يحتاجها المسلمون، فلا بأس من الانتفاع بها، بل قد يجب الأخذ بها لرفع الحرج عن الأمة.
أما ما أنتجوه من الفلسفات النظريات الكلامية والتصورات العقدية فيمنع المسلم من الأخذ بذلك لكمال الدين وتمام النعمة، ولما في ذلك من مخالفات عقدية واضحة لعقيدة الإسلام؛ وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب عن القراءة في صحيفة التوراة، لأن كتاب الله فيه الهدى والنور؛ والله أعلم.

س: ما حكم استخدام الكفار؟
ج: لا بأس بالاستعانة بالكافر الأمين وإجارته إذا لم يتوفر المسلم؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر رضي الله عنه في رحلة الهجرة استعانا بدليل اسمه عبد الله بن اريقط وهو يومئذ على الكفر.

س: ما حكم العمل لدى المشركين؟
والجواب: يكره ذلك، لما فيه من تعرض المسلم للامتهان، وجاز لحاجة أو ضرورة ويدل على ذلك ما رواه البخاري أيضاً عن خباب رضي الله عنه قال: كنت رجلاً قيناً فعملت للعاص بن وائل فاجتمع لي عنده، فأتيته أتقاضاه فقال: لا والله لا أقضيك حتى تكفر بمحمد، فقلت: أما والله حتى تموت ثم تبعث فلا ؛ قال: وإني لميت ثم مبعوث؟
قلت: نعم. قال: فإنه سيكون لي ثم مال وولد، فأقضيك: فأنزل الله تعالى: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَدًا} (مريم: 77).
قال المهلب: كره أهل العلم ذلك - أي مؤاجرة نفسه من مشرك في أرض الحرب - إلا لضرورة بشرطين أحدهما أن يكون عمله فيما يحل للمسلم فعله والآخر: أن لا يعينه على ما يعود ضرره على المسلمين" .فتح الباري (4/452).

س: ما حكم استعمال أنيتهم وملابسهم؟
ج: أما عن آنية الكفار فيكره استعمالها لما ثبت في الصحيحين، عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الأكل في أواني المشركين، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تأكلوا فيها إلا أن لا تجدوا غيرها فاغسلوها وكلوا فيها".
أما عن استعمال ملابسهم فلا بأس ولا حرج على المسلم في استعمالها إذ لم يرد ما يمنع من ذلك. ما لم يكن فيه تشبه بهم فيما هو من خصائصهم؛ فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى عليه ثوبين معصفرين فقال له : " إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها " رواه مسلم (2077).
و روى مسلم (2069) عن عمر رضي الله عنه أنه كتب للمسلمين في أذربيجان: " إياكم والتنعم وزي أهل الشرك " رواه مسلم (2069).

س: هل يجوز التوارث بين المسلم والكافر؟
ج: لا يجوز أن يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: " لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم " رواه البخاري ( 6383 ) ومسلم (1614).

س: ما حكم من صحح دين النصارى أو اليهود أو غيرهم من ملل الكفر؟
ج: من صحح دين النصارى أو اليهود أو غيرهم من ملل الكفر، ولم يعتقد كفرهم فهو كافر مرتد؛ قال الله عز وجل: {ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين } ( آل عمران: 85).
وقال الله تعالى : {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} (المائدة: 17)
ومكذّب بقوله تعالى : {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}(المائدة: 73)
وقوله تعالى:{وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ . اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ }(التوبة: 30 - 31).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : "والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار" . رواه مسلم ( 153).
قال القاضي عياض: "ولهذا نكفِّر كل من دان بغير ملة المسلمين من الملل، أو وقف فيهم، أو شك ، أو صحَّح مذهبهم، وإن أظهر مع ذلك الإسلام، واعتقده، واعتقد إبطال كل مذهب سواه ، فهو كافر بإظهاره ما أظهر من خلاف ذلك" . انتهى من" الشفا بتعريف حقوق المصطفى " ( 2 / 107).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية
– رحمه الله - : قد ثبت في الكتاب، والسنَّة، والإجماع: أن من بلغته رسالته صلى الله عليه وسلم فلم يؤمن به: فهو كافر ، لا يقبل منه الاعتذار بالاجتهاد ؛ لظهور أدلة الرسالة، وأعلام النبوة ". مجموع الفتاوى (12 / 496) .
وقال – رحمه الله – أيضاً
- : إن اليهود والنصارى كفار كفراً معلوماً بالاضطرار من دين الإسلام . "مجموع الفتاوى" (35 / 201).

س: ما تفسير قوله تعالى:{ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ }؟
قال البغوي في تفسيره(5 /167) :{ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ } هذا على طريق التهديد والوعيد كقوله :{ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ } (فصلت: 40).
وقيل معنى الآية : وقل الحق من ربكم ولست بطارد المؤمنين لهواكم فإن شئتم فآمنوا وإن شئتم فاكفروا فإن كفرتم فقد أعد لكم ربكم نارا أحاط بكم سرادقها وإن آمنتم فلكم ما وصف الله عز وجل لأهل طاعته.
وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما في معنى الآية : من شاء الله له الإيمان آمن ومن شاء له الكفر كفر وهو قوله : { وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ } (الإنسان: 30).
وقال ابن كثير في تفسيره(5 /154): يقول تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم : وقل يا محمد للناس : هذا الذي جئتكم به من ربكم هو الحق الذي لا مرية فيه ولا شك {فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} هذا من باب التهديد والوعيد الشديد ؛ ولهذا قال: {إنا أعتدنا} أي : أرصدنا {للظالمين} وهم الكافرون بالله ورسوله وكتابه؛ {نارًا أحاط بهم سرادقها} أي : سورها.

س: ما تفسير قوله تعالى: {لكم دينكم ولي دين} ؟
ج: قال الفخر الرازي في تفسيره مفاتح الغيب: قال ابن عباس: لكم كفركم بالله ولي التوحيد والإخلاص له ، فإن قيل : فهل يقال: إنه أذن لهم في الكفر؟ قلنا : كلا فإنه عليه السلام ما بعث إلا للمنع من الكفر فكيف يأذن فيه، ولكن المقصود منه أحد أمور:
أحدها : أن المقصود منه التهديد، كقوله: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ}.
وثانيها : كأنه يقول : إني نبي مبعوثإليكم لأدعوكم إلى الحق والنجاة ، فإذا لم تقبلوا مني ولم تتبعوني فاتركوني ولا تدعوني إلى الشرك.ا هـ
وقال البخاري: يقال: (لكم دينكم) الكفر؛ (ولي دين)الإسلام .
وجاء أيضًا: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} أي لكم جزاؤكم على أعمالكم ولى جزائى على عملى كما جاء فى قوله تعالى: {لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ} .

س: ما معنى قاعدة: الرضى بالكفر كفر؟
ج: والمعنى أن من أقر الكافر على كفره وصحح ما هو عليه من الكفر أو زعم بأن جميع الناس من يهود أو نصارى أو غيرهم من ملل الكفر سيدخلون الجنة كأهل التوحيد والإسلام؛ أو أحب الكافر لكفره فهو كافر قولًا واحدًا؛ والدليل على هذه القاعدة قوله تعالى:{ وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً }(النساء: 140).
وقال القرطبي في تفسيره "الجامع":{إنكم إذاً مثلهم}، من لم يجتنبهم فقد رضي فعلهم، والرضى بالكفر كفر، فكل من جلس في مجلس معصية ولم ينكر عليهم يكون معهم في الوزر سواء، فإن لم يقدر على النكير عليهم فينبغي أن يقوم عنهم حتى لا يكون من أهل هذه الآية ا- هـ.

س: ما حكم بناء كنائس النصارى أو معابد اليهود أو ما شابه في ديار الإسلام؟
ج: جاء في فتوى اللجنة الدائمة فتوى رقم ( 21413 ) وتاريخ 1 / 4 / 1421 هـ: صار من ضروريات الدين: تحريم الكفر الذي يقتضي تحريم التعبد لله على خلاف ما جاء في شريعة الإسلام، ومنه تحريم بناء معابد وفق شرائع منسوخة يهودية أو نصرانية أو غيرهما؛ لأن تلك المعابد سواء كانت كنيسة أو غيرها تعتبر معابد كفرية؛ لأن العبادات التي تُؤدى فيها على خلاف شريعة الإسلام الناسخة لجميع الشرائع قبلها والمبطلة لها، والله تعالى يقول عن الكفار وأعمالهم: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُوراً}( الفرقان:23).
ولهذا أجمع العلماء على تحريم بناء المعابد الكفرية مثل: الكنائس في بلاد المسلمين، وأنه لا يجوز اجتماع قبلتين في بلد واحد من بلاد الإسلام، وألا يكون فيها شيء من شعائر الكفار لا كنائس ولا غيرها، وأجمعوا على وجوب هدم الكنائس وغيرها من المعابد الكفرية إذا أُحدثت في الإسلام، ولا تجوز معارضة ولي الأمر في هدمها بل تجب طاعته. انتهى

س: ما حكم القراءة في التوراة أو الإنجيل الموجود بأيدي اليهود أو النصارى؟
ج: أولًا: نحن نؤمن بالكتب التي أنزلها على أنبيائه ورسله إجمالا، قال تعالى: {مَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}(البقرة: 285).
والإيمان بالكتب ركن من أركان الإيمان فقد قال صلى الله عليه وسلم لما سأله جبريل عليه السلام عن الإيمان: « أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ » أخرجه مسلم(8).
ونؤمن بالكتب التي أخبرنا الله بها كالتوراة التي أنزلها الله على موسى عليه السلام، والإنجيل أنزله الله على عيسى عليه السلام والزبور أنزل على داود عليه السلام ونحو ذلك، فمن كذب بالكتب إجمالًا أو كذب بأحدها فهو كافر لأنه مكذب لكتاب الله تعالى.
ثانيًا: القرآن هو كتاب الله تعالى الذي أنزله وحيًا على النبي محمد صلى الله عليه وسلم وهو آخر الكتب، وقد نسخ الله به ما سبق من الكتب التي أنزلها سبحانه وتعالى:{ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ}(المائدة: 48).
ثالثًا: هذه الكتب الموجودة الآن بين أيدي اليهود والنصارى؛ أو ما يسمى بالكتاب المقدس بزعمهم؛ فهي محرفة؛ ومبدلة؛ وطالها من العبث والتحريف والزيادة والنقصان؛ وشتى أشكال التغيير والنسيان؛ قال تعالى:{ فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ}(المائدة :13).
وقال تعالى:{ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا}(المائدة:41).
ويستدل لذلك بما رواه البخاري (3635) ومسلم (1699) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ الْيَهُودَ جَاؤُوا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرُوا لَهُ أَنَّ رَجُلاً مِنْهُمْ وَامْرَأَةً زَنَيَا فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ فِي شَأْنِ الرَّجْمِ؟ فَقَالُوا: نَفْضَحُهُمْ وَيُجْلَدُونَ؛ فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلاَمٍ: كَذَبْتُمْ إِنَّ فِيهَا الرَّجْمَ فَأَتَوْا بِالتَّوْرَاةِ فَنَشَرُوهَا فَوَضَعَ أَحَدُهُمْ يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ؛ فَقَرَأَ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا؛ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلاَمٍ: ارْفَعْ يَدَكَ؛ فَرَفَعَ يَدَهُ؛ فَإِذَا فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ فَقَالُوا: صَدَقَ يَا مُحَمَّدُ فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ".
رابعًا: أما عن حكم القراءة في التوراة أو الإنجيل الموجود بأيدي اليهود أو النصارى فلا يجوز إلا للمصلحة أو الضرورة؛ فمن تصدر للرد على شبهات النصارى أو تفنيد عقائدهم أو دعوتهم فيجوز له ذلك إن كان مؤهلًا لهذه المهمة ومسلحًا بالعلم والعقيدة الإسلامية الصحيحة؛ أما ما عدا ذلك فيحرم الاطلاع فيها أو قراءتها فقد أخرج أحمد(15156) وغيره عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكِتَابٍ أَصَابَهُ مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الْكُتُبِ فَقَرَأَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَغَضِبَ فَقَالَ: "أَمُتَهَوِّكُونَ فِيهَا يَا ابْنَ الْخَطَّابِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً لَا تَسْأَلُوهُمْ عَنْ شَيْءٍ فَيُخْبِرُوكُمْ بِحَقٍّ فَتُكَذِّبُوا بِهِ أَوْ بِبَاطِلٍ فَتُصَدِّقُوا بِهِ؛ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلَّا أَنْ يَتَّبِعَنِيِِِِ". والله أعلم.

س: ما حكم بيع الأراضي والعقارات للنصارى واليهود؟
ج: الأصل جواز البيع والشراء بالشروط المعروفة في كتب الفقه؛ والله يقول: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ}(البقرة: 275). ولكن بخصوص بيع الأراضي والعقارات لليهود أو النصارى فيحرم للمفسدة الحاصلة؛ من تقوية شوكتهم على المسلمين؛ ومن السيطرة على دول الإسلام؛ والله تعالى يقول: {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً}؛ ويقول سبحانه: {ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} (المائدة: 2).
ويقول سبحانه: {ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله أولياء ثم لا تنصرون} (هود: 113).
جاء في كتاب قذائف الحق ص 60: تقريرا سريا تسرب من الكنيسة المصرية ورد فيه: " قال شنودة: إن المال يأتينا بقدر ما نطلب وأكثر مما نطلب، وذلك من مصادر ثلاثة: أمريكا، الحبشة، الفاتيكان، ولكن ينبغي أن يكون الاعتماد الأول في تخطيطنا الاقتصادي على مالنا الخاص الذي نجمعه من الداخل، وعلى التعاون على فعل الخير بين أفراد شعب الكنيسة، كذلك يجب الاهتمام أكثر بشراء الأرض، و تنفيذ نظام القروض و المساعدات لمن يقومون بذلك لمعاونتهم على البناء، وقد ثبت من واقع الإحصاءات الرسمية أن أكثر من 60 % من تجارة مصر الداخلية هي بأيدي المسيحيين، وعلينا أن نعمل على زيادة هذه النسبة.
وعليه فيحرم بيع الأراضي والعقارات والأبنية لغير المسلمين في دول المسلمين، كما سبق بيانه والله أعلم.

س: ما حكم التحاكم لقوانين وتشريعات الكفار؟
ج: إن الله تعالى سمى عدم التحاكم للشرع الذي أنزله كفرًا وسماه حكم الجاهلية وسماه أيضًا حكم الطاغوت والعياذ بالله، قال تعالى:{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}
(المائدة:44)
وقال تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ . أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}(المائدة: 49 -50).
وقد قال تعالى : {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} (الشورى: 21).
وقال سبحانه : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا . وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا } (النساء:60- 61).
وعلى هذا فالتحاكم لشرع الكفار وقوانينهم كفر والعياذ بالله؛ ونحن لن نتكلم هل هو كفر أكبر أم كفر أصغر؟ لأن الأصل أن تمرر النصوص كما جاءت زجرًا وتقريعًا وترهيبًا لمن تحاكم لغير شرع الله تعالى.
ولكن من المتفق عليه أن من استحل التحاكم لغير شرع الله تعالى؛ أو فضل قوانين الكفار بحكم الله وشرعه؛ أو ساوى قوانين الكفار بشرع الله فهو كافر كفرًا أكبر يخرجه عن الإسلام؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " والإنسان متى حلل الحرام المجمع عليه ، أو حرم الحلال المجمع عليه، أو بدل الشرع المجمع عليه ، كان كافرًا مرتدًا باتفاق الفقهاء " انتهى من مجموع الفتاوى ( 3 / 267).
وقال ابن كثير رحمه الله
: " فمن ترك الشرع المحكم المنزل على محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء، وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر، فكيف بمن تحاكم إلى الياسا وقدمها عليه ؟! من فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين " انتهى من "البداية والنهاية" (13 /139).
و(الياسا) ويقال : (الياسق) هي قوانين جنكيز خان التتاري الذي ألزم الناس بالتحاكم إليها؛ولاشك أن من باشر التشريع بنفسه كان أعظم كفرًا وضلالًا ممن تحاكم إليه.

س: ما حكم القول بزمالة الأديان السماوية؟
ج: في القول تفصيل : أولًا: إن كان القصد بأن الأنبياء والرسل إخوة وكلهم بعثوا من الله، وعلى هذا فما نزل على محمد صلى الله عليه وسلم وما نزل على موسى عليه السلام وما نزل على عيسى عليه السلام كله من عند الله، فلا بأس بهذا القول بمعنى أن مصدرهم واحد.
ثانيًا: إن كان المعنى تسوية الإسلام بما عليه اليهود اليوم وكذا ما عليه النصارى أو تسوية القرآن بالتوراة والإنجيل، وأن الكل سيدخلون الجنة وهم مرضيون عنهم من الله ؛ فهذا ضلال بين وكفر صراح؛ ففيه تكذيب للقرآن، الذي أثبت كفر اليهود والنصارى وأثبت تحريفهم للتوراة والإنجيل، وما بقي فيها صحيحًا غير محرف فهو منسوخ بالإسلام، كما أن من أصول الاعتقاد في الإسلام أن بعثة محمد صلى الله عليه وسلم عامة للناس أجمعين ، قال الله تعالى:{وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً ولكن أكثر الناس لا يعلمون} وقال سبحانه:{قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعًا}وغيرها من الآيات.
وكلمة أخيرة فهذه الدعوة خبيثة الهدف والغاية، ويحرم التورط فيها؛ وينبغي الحذر من مخططات القوم، لا سيما رواد المدرسة العقلية الحديثة فقد دعا بهذه الدعوة أمثال جمال الدين الإيراني (الأفغاني) ومحمد عبده وغيرهم الذين يقولون: اقتلع الإسلام من قلوب المسلمين جذور الحقد الديني.

س: ما حكم الدعوة لوحدة الأديان؟
ج: القول بوحدة الأديان دعوة خبيثة هدامة كفرية، إذ فيها تصحيح لما عليه اليهود والنصارى، قال جل وعلا:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ} ؛ وثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة: يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أهل النار".
ومن الآثار السيئة لهذه الدعوة تضييع وتمييع عقيدة الولاء والبراء التي هي أصل من أصول الإسلام، وليعلم القاصي والداني أن هذه الدعوة كفر وردة؛ فمن لم يكفر اليهود والنصارى فهو كافر، طردًا لقاعدة الشريعة: "من لم يكفر الكافر بعد إقامة الحجة عليه فهو كافر".
ولذا فمن المضحك المبكي أن نسمع من يدعو لمجمع أديان( مسجد ومعبد وكنيسة) في مبنى واحد؛ أو طباعة القرآن والتوراة والإنجيل في مجلد واحد؛ والعياذ بالله من الكفر وتحول العافية.

س: ما حكم الدعوة لتقارب الأديان؟
ج: ظهرت هذه الدعوة من بعض الناس اليهود والنصارى غالبًا بغرض إفساد عقائد المسلمين، ولكي يتقبل المسلمون ما عليه اليهود والنصارى ولا عكس، فالفاتيكان إلى اليوم لا يعترف بالإسلام دينًا؛ فالإسلام في معتقد الفاتيكان مذهب وضعي؛ وضعه محمد - صلى الله عليه وسلم-، فالمقصود من وراء هذه الدعوة تقريب التنصير للمسلمين، وتذويب الفوارق العقدية والقضاء على شخصية المسلم، ويستخدمون لذلك شعارات مثل اللقاء الإبراهيمي أي تجميع الأديان في الديانة الإبراهيمية نسبة لإبراهيم الخليل عليه السلام؛ ومن ذلك شعار "المؤمنون متحدون" : وهو شعار واسم جماعة عالمية للمؤمنين بالله يتزعمها البابا، وقد تأسست في شهر مارس من عام 1987م بهدف جمع الديانات بما فيها الإسلام تحت مظلة النصرانية بزعامة البابا.
وعليه فهذه الدعوة دعوة إلى الكفر؛ وردة عن الإسلام إذ كيف يجتمع الحق والباطل والهدى والضلال؟!!! قال تعالى: {وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ . وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } (آل عمران: 72 -73).
وقال تعالى:{وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً }(النساء:89).
وقال تعالى:{وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}(البقرة:109). والله أعلم.

س: ما حكم الدعوة للمذاهب الهدامة كالقومية العربية والفرعونية والماسونية والعلمانية والليبرالية ونحوها؟
ج
: الدعوة إلى الكفر كفر وردة والعياذ بالله تعالى؛ ومثل تلك الدعوات فيها من الولاء الفكري والعقدي لأعداء الإسلام؛ وفيها من الرضا بغير الإسلام ما هو معلوم؛ فما قامت هذه الدعوات إلا لتكون بديلًا عن الإسلام؛ قال تعالى: {أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ}(آل عمران: 83).
وقال سبحانه:{وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}(آل عمران: 85).

س: ما هي وسائل القوم في إضعاف عقيدة الولاء والبراء؟
ج: للقوم وسائل وطرائق شتى؛ لإضعاف عقيدة الولاء والبراء ولتمييع القضايا الإسلامية ولتذويب شخصية المسلم؛ ومن ذلك:
(1) نشر اللادينية والمذاهب الهدامة.
(2) إحياء النعرات الجاهلية كالقومية والقبلية والفرعونية ونحوه.
(3) محاربة أصول الإسلام ومصادره قرآنا وسنة؛ والتشكيك فيهما.
(4) العمل على إيجاد بدائل لمصادر الإسلام من ذلك فكر المستشرقين، وأطروحات التغريبيين.
(5) الطعن في الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، والحط من قدرهم.
(6) محاربة اللغة العربية، وتشجيع تعلم اللغات الأخرى.
(7) محاربة التاريخ الإسلامي؛ والعمل على تشويهه وتزويره.
(8) محاربة مظاهر التدين؛ كالحجاب الإسلامي؛ والزي الشرعي واللحية.
(9) إضعاف الهوية الإسلامية.
(10) التحريش بين المسلمين وإثارة القلاقل بينهم؛ ليضعف ولاؤهم لبعض.
(11) الدعوة إلى المواطنة وزمالة الأديان.
(12) العمل على نشر الأفكار التغريبية والفكر الهدام.
(13) الدعوة إلى قبول الآخر بما عليه وما فيه من انحرافات.
(15) محاولة القوم رفع شأن الساقطين والساقطات؛ وفي الوقت ذاته الحط من أقدار الصالحين والمصلحين.
(16) سحق المتدينين والدعاة المخلصين والتنكيل بهم بواسطة الحكام الجائرين؛ إرهابًا للناس وللصد عن دين الله تعالى.
(17) تشجيع الإعلام الفاسد على ترويج الشائعات المغرضة والشبهات الباطلة على الإسلام وأهله.

س: اذكر بعض صور الولاء والبراء الواقعية؟
ج: صور الولاء والبراء كثيرة في القرآن والسنة وفي أحوال السلف الصالحين، وقد ذكر الله تعالى لنا قول إبراهيم عليه السلام ومن معه لقومهم وأمرنا بالتأسي بهم؛ فقال تعالى:{قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}(الممتحنة: 4).
ولقد ضرب الصحابة الكرام رضي الله عنهم؛ والسلف الصالحون صورا من أروع الصور في الولاء والبراء؛ صيانة لجناب التوحيد وإعلاء من كلمة" لا إله إلا الله" ومن ذلك:
قصة أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه مع أبيه؛ فقد أخرج الطبراني في المعجم الكبير(1 /154)(360) قال: حدثنا أبو يزيد القراطيسي ثنا أسد بن موسى ثنا ضمرة عن ابن شوذب قال : جعل أبو أبي عبيدة يتصدى لأبي عبيدة يوم بدر فجعل أبو عبيدة يحيد عنه فلما أكثر قصده أبو عبيدة فقتله؛ وفيهِ أَنْزَلَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (المجادلة: 22).وهذا إسناد مرسل.
ومن ذلك أيضا موقف عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول مع أبيه - رأس النفاق - روى البخارى ومسلم – رحمهما الله – واللفظ لمسلمعن جابر بن عبد الله – رضى الله عنه – قال: كنا غزاة ، فكسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار ، فقال الأنصارى: يا للأنصار ، وقال المهاجرى: يا للمهاجرين ، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "ما بال دعوى الجاهلية"؟
قالوا: يا رسول الله كسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار ، فقال: "دعوها إنها منتنة"فسمعها عبد الله بن أُبى فقال: قد فعلوها ، والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعزُّ منها الأذل ، قال عمر: دعنى أضرب عنق هذا المنافق ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم): "دعه ، لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه.
قال محمد ابن اسحاق: عن عاصم بن عمرو بن قتادة: أن عبد الله بن عبد الله بن أُبى لما بلغه ما كان من أبيه أتى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال: يا رسول الله ، إنه بلغنى أنك تريد قتل عبد الله بن أُبى فيما بلغك عنه ، فإن كنت فاعلا فمرنى به ، فأنا أحمل إليك رأسه ، فوالله لقد علمت الخزرج ما كان لها من رجل أبر بوالديه منى ، إنى أخشى أن تأمر به غيرى فيقتله ، فلا تدعنى نفسى أنظر إلى قاتل عبد الله بن أُبى يمشى فى الناس فأقتله ، فأقتل مؤمنا بكافر ، فأدخل النار ، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):"بل نترفق به ونحسن صحبته ما بقى معنا"
وذكر عكرمة وغيره: أن الناس لما قفلوا راجعين إلى المدينة ، وقف عبد الله بن عبد الله بن أُبى بن سلول على باب المدينة ، واستل سيفه ، فجعل الناس يمرون عليه ، فلما جاء أبوه عبد الله بن أُبى قال له ابنه: وراءك ، فقال: مالك ويلك؟!!!!
قال: والله لا تجوز من هاهنا حتى يأذن لك رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، وكان يسير فى ساقة فشكا إليه عبد الله بن أُبى ابنه فقال الابن: والله يا رسول الله لا يدخلها حتى تأذن له ، فأذن له رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، فقال: أما أذن لك رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فَجُزْ الآن" انتهى كلام ابن اسحاق. [تفسير ابن كثير (4 /359) وأصل الخبر عند الترمذى فى السنة (5 /90) وقال: هذا حديث حسن صحيح].
ومن ذلك قصة زيد بن الدثنة –رضي الله عنهالذي اشتراه صفوان بن أمية ليقتله بأبيه أمية بن خلف فخرجوا بزيد إلى التنعيم حيث اجتمع رهط من قريش فيهم أبو سفيان بن حرب فقال له سفيان حين قدم ليقتل : أنشدك الله يا زيد أتحب محمداً عندنا الآن في مكانك نضرب عنقه وأنك في أهلك ؟ فقال زيد: والله ما أحب أن محمداً الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه وأني جالس في أهلي. فقال أبو سفيان: ما رأيت من الناس أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمد محمداً. ثم قتلوا زيد – رضي الله عنه.[ السيرة النبوية لابن هشام 4 / 125].
وكعب بن مالك رضي الله عنه يحكي عن نفسه لما هجره المسلمون بسبب تخلفه عن رسول الله في غزوة تبوك : " فبينا أنا أمشي في سوق المدينة إذا نبطي من أنباط أهل الشام ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة يقول : من يدلني على كعب بن مالك ؟ فطفق الناس يشيرون له حتى إذا جاءني دفع إلي كتاباً من ملك غسان فإذا فيه : أما بعد فإنه قد بلغني أن صاحبك قد جفاك ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة فالحق بنا نواسك . فقلت لما قرأتها : وهذا من البلاء فتممت بها التنور فسجرته بها" أخرجه البخاري.
وفي قصة عبد الله بن حذافة السهمي – رضي الله عنه – ما يدل على ذلك . فإنه قد أسر في أحد المعارك مع الروم فعرض عليه ملك الروم أن يتنصر فرفض ثم قال له : إن فعلت شاطرتك ملكي وقاسمتك سلطاني فقال عبد الله : لو أعطيتني جميع ما تملك وجميع ما تملكه العرب على أن أرجع عن ديني طرفة عين ما فعلت ذلك . ثم هدده الملك بالقتل وصلبه ورماه قريباً من رجليه وقريباً من يديه وهو يعرض عليه مفارقة دينه فأبى . فقال له : هل لك أن تقبل رأسي وأخلي عنك فقال عبد الله له : وعن جميع أسارى المسلمين أيضاً ؟ قال : نعم فقبّل رأسه فأمر الملك بإطلاق سراحه وسراح جميع المسلمين المأسورين لديهم وقدم بالأسرى على عمر – رضي الله عنهفأخبره خبره فقال عمر: حق على كل مسلم أن يُقبّل رأس ابن حذافة وأنا أبدأ فقبل رأسه.[ سير أعلام النبلاء 2 / 14].
ويروي لنا أبو الفرج الجوزي قصة أبي بكر النابلسي فيقول : أقام جوهر القائد (الرافضي) لأبي تميم صاحب مصر أبا بكر النابلسي فقال له : بلغنا أنك قلت : إذا كان مع الرجل عشرة أسهم وجب أن يرمي في الروم سهماً وفينا تسعة؛ قال : ما قلت هذا ؛ بل قلت إذا كان معه عشرة أسهم وجب أن يرميكم بتسعة وأن يرمي العاشر فيكم أيضاً فإنكم غيرتم الملة وقتلتم الصالحين وادعيتم نور الإلهية . فضربه ثم أمر يهودياً فسلخه فكان يذكر الله ويقرأ { كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا} ويصبر حتى بلغ الصدر فطعنه ثم حشي تبناً وصلب وقد حكى ابن السعساع المصري أنه رأى في النوم أبا بكر النابلسي بعدما صلب وهو في أحسن هيئة فقال ما فعل الله بك ؟ فقال : حباني مالكي بدوام عزٍ وواعدني بقرب الانتصار؛وقربني وأدناني إليه وقال: انعم بعيشٍ في جواري. [ سير أعلام النبلاء 16 / 148 – 150].
وغير ذلك من قصص الولاء والبراء كثير لدى السلف الصالح ولعل فيما ذكر كفاية.

س: ما الثمار الطيبة للثبات والرسوخ على عقيدة الولاء والبراء؟.
ج: لعقيدة الولاء والبراء ثمار طيبة متعددة دنيا وآخرة؛ ومن ذلك:
(1) تحقيق معنى " لا إله إلا الله"؛ التي هي كلمة الإسلام والتوحيد.
(2) السلامة من الفتن الظاهرة والباطنة؛ قال تعالى: { وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ}(الأنفال: 73).
(3) تذوق حلاوة الإيمان فقد قال صلى الله عليه وسلم: " ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان : من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما . وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار" متفق عليه.
(4) حصول القوة والنصرة والعزة والتأييد من الله والتمكين في الأرض.
(5) دحر الباطل وحزبه.
(6) حصول النجاة يوم القيامة.
ويدل على ما سبق قوله تعالى: { لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (المجادلة: 22).

س: ما الآثار السلبية المترتبة على تضييع أصل الولاء والبراء؟
ج: يترتب على ضياع مفهوم الولاء والبراء من الآثار السيئة ما الله به عليم؛ ومن ذلك:
(1) ضعف وازع الدين في قلب العبد، فيتجرأ على فعل الحرام.
(2) حصول الدخن في عقيدة المسلم ودينه الذي هو أغلى من النفس.
(3) يخشى على من ضعف ولاؤه وبراؤه من سوء الخاتمة؛ فإن الإنسان يموت على ما عاش عليه.
(4) تسوية المسلم بغير المسلم تحت مبدأ المواطنة أو المساواة؛ وغيرها من مبادئ التغريب وما شابه.
(5) قد يخرج المرء من الدين بالكلية إذا والى الكفر وغير المسلمين الموالاة الكفرية، كما سبق بيانه.
(6) الضعف والخور الذي يضرب جذوره في الأمة على إثر ضعف العقيدة وخواء القلب من الإيمان.
(7) ضياع وتناسي مفهوم الجهاد في سبيل الله؛ في ظل تمييع الولاء والبراء والتقرب من أهل الكفران.
(8) ضعف الغيرة على الإسلام والنبي محمد صلى الله عليه وسلم، والصحابة رضي الله عنهم؛ حتى رأينا وسمعنا الطعن والسب لديننا ورسولنا عليه الصلاة والسلام وللصحابة الكرام؛ فلم نر حاكمًا يتحرك ولا مسئولا يتمعر وجهه فضلًا عن أن يحزن قلبه أو ينكر بلسانه.




ما يتعلق بالتشبه بالكفار والمنع الشديد من ذلك:ـ
* قال ابن تيمية فى معنى الصراط المستقيم فى:اقتضاء الصراط المستقيم جـ2 صـ 11 وما بعدها:ـ
ثم إن الصراط المستقيم هو أمور باطنة في القلب من اعتقادات وإرادات وغير ذلك وأمور ظاهرة من أقوال وأفعال قد تكون عبادات وقد تكون أيضا عادات في الطعام واللباس والنكاح والمسكن والاجتماع والافتراق والسفر والإقامة والركوب وغير ذلك.
وهذه الأمور الباطنة والظاهرة بينهما ولا بد ارتباط ومناسبة فإن ما يقوم بالقلب من الشعور والحال يوجب أمورا ظاهرة وما يقوم بالظاهر من سائر الأعمال يوجب للقلب شعورا وأحوالا
وقد بعث الله عبده ورسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بالحكمة التي هي سنته وهي الشرعة والمنهاج الذي شرعه له.
فكان من هذه الحكمة أن شرع له من الأعمال والأقوال ما يباين سبيل المغضوب
عليهم والضالين وأمر بمخالفتهم في الهدى الظاهر وإن لم يظهر لكثير من الخلق في ذلك مفسدة لأمور
منها أن المشاركة في الهدى الظاهر تورث تناسبا وتشاكلا بين المتشابهين يقود إلى الموافقة في الأخلاق والأعمال وهذا أمر محسوس فإن اللابس لثياب أهل العلم مثلا يجد من نفسه نوع انضمام إليهم واللابس لثياب الجند المقاتلة مثلا يجد في نفسه نوع تخلق بأخلاقهم ويصير طبعه مقتضيا لذلك إلا أن يمنعه من ذلك مانع.
ومنها أن المخالفة في الهدى الظاهر توجب مباينة ومفارقة توجب الانقطاع عن موجبات الغضب وأسباب الضلال والانعطاف إلى أهل الهدى والرضوان وتحقق ما قطع الله من الموالاة بين جنده المفلحين وأعدائه الخاسرين وكلما كان القلب أتم حياة وأعرف بالإسلام الذي هو الإسلام لست أعني مجرد التوسم به ظاهرا أو باطنا بمجرد الاعتقادات التقليدية من حيث الجملة كان إحساسه بمفارقة اليهود والنصارى باطنا أو ظاهرا أتم وبعده عن أخلاقهم الموجودة في بعض المسلمين أشد
ومنها أن مشاركتهم في الهدى الظاهر توجب الاختلاط الظاهر حتى يرتفع التمييز ظاهرا بين المهديين المرضيين وبين المغضوب عليهم والضالين إلى غير ذلك من الأسباب الحكمية
هذا إذا لم يكن ذلك الهدى الظاهر إلا مباحا محضا لو تجرد عن مشابهتهم فأما إن كان من موجبات كفرهم فإنه يكون شعبة من شعب الكفر فموافقتهم فيه موافقة في نوع من أنواع ضلالهم ومعاصيهم
* فهذا أصل ينبغي أن يتفطن له والله أعلم
** فصل في ذكر الأدلة من الكتاب والسنة والإجماع على الأمر بمخالفة الكفار والنهي عن التشبه بهم
لما كان الكلام في المسألة الخاصة قد يكون مندرجا في قاعدة عامة بدأنا بذكر بعض ما دل من الكتاب والسنة والإجماع على الأمر بمخالفة الكفار والنهي عن مشابهتهم في الجملة سواء كان ذلك عاما في جميع الأنواع المخالفة أو خاصا ببعضها وسواء كان أمر إيجاب أو أمر استحباب.
وكذلك نفس قصد مخالفتهم أو نفس مخالفتهم مصلحة بمعنى أن ذلك الفعل يتضمن مصلحة للعبد أو مفسدة وإن كان ذلك الفعل الذي حصلت به الموافقة أو المخالفة لو تجرد عن الموافقة والمخالفة لم يكن فيه تلك المصلحة أو المفسدة ,كذلك قد نتضرر بموافقتنا الكافرين في أعمال لولا أنهم يفعلونها لم نتضرر بفعلها.
*قال: فنحن نذكر من آيات الكتاب ما يدل على أصل هذه القاعدة في الجملة ثم نتبع ذلك الأحاديث المفسرة لمعاني ومقاصد الآيات بعدها:ـ
قال الله سبحانه:وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ
وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ {16} وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ الْأَمْر فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمْ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ{17} ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِع أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ {18} إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّه شَيئًا وإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِين(19) سورة الجاثية.
أخبرسبحانه أنه أنعم على بني إسرائيل بنعم الدين والدنيا وأنهم اختلفوا بعد مجيء العلم بغيا من بعضهم على بعض ثم جعل محمدا صلى الله عليه وسلم على شريعة من الأمر شرعها له وأمره باتباعها ونهاه عن اتباع أهواء الذين لا يعلمون وقد دخل في الذين لا يعلمون كل من خالف شريعته وأهواءهم هي ما يهوونه وما عليه المشركون من هديهم الظاهر الذي هو من موجبات دينهم الباطل وتوابع ذلك فهم يهوونه وموافقتهم فيه اتباع لما يهوونه ولهذا يفرح الكافرون بموافقة المسلمين في بعض أمورهم ويسرون به ويودون أن لو بذلوا مالا عظيما ليحصل ذلك ولو فرض أن ليس الفعل من اتباع أهوائهم فلا ريب أن مخالفتهم في ذلك أحسم لمادة متابعتهم في أهوائهم وأعون على حصول مرضاة الله في تركها وأن موافقتهم في ذلك قد تكون ذريعة إلى موافقتهم في غيره فإن من حام حول الحمى أوشك أن يواقعه.
ومن هذا الباب قوله سبحانه: وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُون بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الأَحْزَابِ مَن يُنكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ {36} وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ وَاقٍ {37} سورة الرعد. َ
فالضمير في أهوائهم يعود والله أعلم إلى ما تقدم ذكره وهم الأحزاب الذين ينكرون بعض ما أنزل إليه فدخل في ذلك كل من أنكر شيئا من القرآن من يهودي أو نصراني أو غيرهما وقد قال ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم ومتابعتهم فيما يختصون به من دينهم وتوابع دينهم اتباع لأهوائهم بل يحصل اتباع أهوائهم بما هو دون ذلك
ومن هذا أيضا قوله تعالى:
وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِن هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكََّ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ {120} سورة البقرة.
فانظر كيف قال في الخبر ملتهم وفي النهي أهواءهم لأن القوم لا يرضون إلا باتباع الملة مطلقا والزجر وقع عن اتباع أهوائهم في قليل أو كثير ومن المعلوم أن متابعتهم في بعض ما هم عليه من الدين نوع متابعة لهم في بعض ما يهوونه أو مظنة لمتابعتهم فيما يهوونه كما تقدم
ومن هذا الباب قوله سبحانه :
الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ وَإِن فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ {146} الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ {147} وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعًا ّ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {148} وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ {149} وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ {150} سورة البقرة.
قال غير واحد من السلف معناه لئلا يحتج اليهود عليكم بالموافقة في القبلة فيقولوا قد وافقونا في قبلتنا فيوشك أن يوافقونا في ديننا فقطع الله بمخالفتهم في القبلة هذه الحجة إذ الحجة اسم لكل ما يحتج به من حق وباطل "إلا الذين ظلموا منهم" وهم قريش فإنهم يقولون عادوا إلى قبلتنا فيوشك أن يعودوا إلى ديننا.
فبين سبحانه أن من حكمة نسخ القبلة وتغييرها مخالفة الكافرين في قبلتهم ليكون ذلك أقطع لما يطمعون فيه من الباطل ومعلوم أن هذا المعنى ثابت في كل مخالفة وموافقة فإن الكافر إذا اتبع في شيء من أمره كان له من الحجة مثل ما كان أو قريب مما كان لليهود من الحجة في القبلة
وقال سبحانه :"وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ {105} سورة آل عمران.
وهم اليهود والنصارى الذين افترقوا على أكثر من سبعين فرقة ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن متابعتهم في نفس التفرق والاختلاف مع أنه صلى الله عليه وسلم قد أخبر أن أمته ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة مع أن قوله لا تكن مثل فلان قد يعم مماثلته بطريق اللفظ أو المعنى وإن لم يعم دل على أن جنس مخالفتهم وترك مشابهتهم أمر مشروع ودل على أنه كلما بعد الرجل عن مشابهتهم فيما لم يشرع لنا كان أبعد عن الوقوع في نفس المشابهة المنهي عنها وهذه مصلحة جليلة
وقال سبحانه وتعالى لموسى وهرون:ـ
قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيل الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ {89} سورة يونس َ
وقال موسى لأخيه هرون:وَقَال مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ {142} سورة الأعراف.َ
وقال تعالى: وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرسَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا {115} سورة النساء. َ
وما هم عليه من الهدى والعمل هو من سبيل غير المؤمنين بل من سبيل المفسدين والذين لا يعلمون وما يقدر عدم اندراجه في العموم فالنهي ثابت عن جنسه فيكون مفارقة الجنس بالكلية أقرب إلى ترك المنهي عنه ومقاربته في مظنة وقوع المنهي عنه.
قال سبحانه: وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَاب بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُم عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ {48} وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ {49} سورة المائدة.
ومتابعتهم في هديهم هي من اتباع ما يهوونه أو مظنة لا تباع ما يهوونه وتركها معونة على ترك ذلك وحسم لمادة متابعتهم فيما يهوونه.
ونحن ذكرنا ما يدل على أن مخالفتهم مشروعة في الجملة إذ كان هذا هو المقصود هنا.
ثم قال سبحانه : فَاسْتَمْتَعُواْ بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُم بِخَلاَقِكُم كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ بِخَلاَقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُواْ أُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الُّدنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ {69} سورة التوبة .
وفي "الذي" وجهان أحسنهما: أنها صفة المصدر أي كالخوض الذي خاضوه فيكون العائد محذوفا كما في قوله "أو لم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون" وهو كثير فاش في اللغة
والثاني أنه صفة الفاعل أي كالفريق أو الصنف أو الجيل الذي خاضوه كما لو قيل كالذين خاضوا
وجمع سبحانه بين الاستمتاع بالخلاق وبين الخوض لأن فساد الدين إما أن يقع بالاعتقاد الباطل والتكلم به أو يقع في العمل بخلاف الاعتقاد الحق والأول هو البدع ونحوها والثاني هو فسق الأعمال ونحوها
والأول من جهة الشبهات والثاني من جهة الشهوات.
ولهذا كان السلف يقولون احذروا من الناس صنفين صاحب هوى قد فتنه هواه وصاحب دنيا أعمته دنياه
وكانوا يقولون احذروا فتنة العالم الفاجر والعابد الجاهل فإن فتنتهما فتنة لكل مفتون فهذا يشبه المغضوب عليهم الذين يعلمون الحق ولا يتبعونه وهذا يشبه الضالين الذين يعملون بغير علم ووصف بعضهم أحمد بن حنبل فقال رحمه الله عن الدنيا ما كان أصبره وبالماضين ما كان أشبهه أتته البدع فنفاها والدنيا فأباها
وقد وصف الله أئمة المتقين فقال "وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون" فبالصبر تترك الشهوات وباليقين تدفع الشبهات.
ومنه قوله في سورة العصر"وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر" وقوله "واذكرعبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار" .
ومنه الحديث المرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم إن الله يحب البصير الناقد عند ورود الشبهات ويحب العقل الكامل عند حلول الشهوات ْ.
فقوله سبحانه "فاستمتعتم بخلاقكم" إشارة إلى اتباع الشهوات وهو داء العصاة.
وقوله "وخضتم كالذي خاضوا"إشارة إلى اتباع الشبهات وهو داء المبتدعة وأهل الأهواء والخصومات وكثيرا ما يجتمعان فقل من تجد في اعتقاده فسادا إلا وهو ظاهر في عمله وقد دلت الآية على أن الذين كانوا من قبل استمتعوا وخاضوا وهؤلاء فعلوا مثل أولئك.
ثم قوله "فاستمتعتم" و "خضتم" خبر عن وقوع ذلك في الماضي وهو ذم لمن يفعله إلى يوم القيامة كسائر ما أخبر الله به عن أعمال وصفات الكفار والمنافقين عند مبعث عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم فإنه ذم لمن يكون حاله حالهم إلى يوم القيامة.
وقد توعد الله سبحانه هؤلاء المستمتعين الخائضين بقوله "أولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك هم الخاسرون".
وهذا هو المقصود هنا من هذه الآية وهو أن الله قد أخبر أن في هذه الأمة من استمتع بخلاقه كما استمتعت الأمم قبلهم وخاض كالذي خاضوا وذمهم على ذلك وتوعدهم على ذلك.
*ثم هذا الذي دل عليه الكتاب مشابهة بعض هذه الأمة للقرون الماضية في الدنيا وفي الدين وذم من يفعل ذلك دلت عليه أيضا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتأول هذه الآية على ذلك أصحابه رضي الله عنهم:ـ
فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لتأخذن كما أخذت الأمم من قبلكم ذراعا بذراع وشبرا بشبر وباعا بباع حتى لو أن أحدا من أولئك دخل حجر ضب لدخلتموه قال أبو هريرة اقرؤا إن شئتم: " كالذين من قبلكم كانوا أشد منكم قوة" الآية.
قالوا يا رسول الله كما صنعت فارس والروم وأهل الكتاب قال فهل الناس إلا هم..
وعن ابن عباس رضي الله عنهما في هذه الآية أنه قال ما أشبه الليلة بالبارحة هؤلاء بنو إسرائيل شبهنا بهم.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال أنتم أشبه الأمم ببني إسرائيل سمتا وهديا تتبعون عملهم حذو القذة بالقذة غير أني لا أدري أتعبدون العجل أم لا.
وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال المنافقون الذين منكم اليوم شر من المنافقين الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قلنا وكيف قال أولئك كانوا يخفون نفاقهم وهؤلاء أعلنوه .
وأما السنة فجاءت بالإخبار بمشابهتهم في الدنيا وذم ذلك والنهي عن ذلك وكذلك في الدين
فأما الأول الذي هو الاستمتاع بالخلاق ففي الصحيحين عن عمرو بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا عبيدة بن الجراح إلى البحرين يأتي بجزيتها وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو صالح أهل البحرين وأمر عليهم العلاء بن الحضرمي فقدم أبو عبيدة بمال من البحرين فسمعت الأنصار بقدوم أبي عبيدة فوافوا صلاة الفجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف فتعرضوا له فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآهم ثم قال أظنكم سمعتم أن أبا عبيدة قدم بشيء من البحرين فقالوا أجل يا رسول الله فقال أبشروا وأملوا ما يسركم فوالله ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخشىعليكم أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم
فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يخاف على أمته فتنة الفقر وإنما يخاف بسط الدنيا وتنافسها وإهلاكها وهذا هو الاستمتاع بالخلاق المذكور في الآية
وفي الصحيحين عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوما فصلى على أهل أحد صلاته على الميت ثم انصرف إلى المنبر فقال إني فرط لكم وأنا شهيدعليكم وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن وإني أعطيت مفاتيح خزائن الأرض أو مفاتيح الأرض وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي ولكن أخاف عليكم أن تتنافسوا فيها وفي رواية ولكني أخشى عليكم أن تنافسوا فيها وتقتتلوا فتهلكوا كما هلك من كان قبلكم قال عقبة فكان آخر ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر
وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا فتحت عليكم خزائن فارس والروم أي قوم أنتم قال عبد الرحمن بن عوف نكون كما أمرنا الله عز وجل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تنافسون ثم تحاسدون ثم تدابرون أو تباغضون أو غير ذلك ثم تنطلقون إلى مساكن المهاجرين فتحملوا بعضهم على رقاب بعض.
وروى مسلم في صحيحه عن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله سبحانه مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء.
فحذر رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنة النساء معللا بأن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء.
وهذا نظير ما سنذكره من حديث معاوية عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال إنما هلك بنو إسرائيل حين اتخذ هذه نساؤهم يعني وصل الشعر
وكثير من مشابهات أهل الكتاب في أعيادهم وغيرها إنما يدعو إليها النساء
وأما الخوض كالذي خاضوا فروينا من حديث الثوري وغيره عن عبد الرحمن بن زياد بن أنغم الأفريقي عن عبد الله بن يزيد عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل حتى إذا كان منهم من أتى أمة علانية كان من أمتي من يصنع ذلك وإن بني إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملة وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلهم في النار إلا ملة واحدة قالوا من هي يا رسول الله قال ما أنا عليه اليوم وأصحابي رواه أبو عيسى الترمذي وقال هذا حديث غريب مفسر لا نعرفه إلا من هذا الوجه .
وهذا الافتراق مشهورعن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وسعد ومعاوية وعمرو بن عوف وغيرهم وإنما ذكرت حديث ابن عمرو لما فيه من المشابهة فعن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تفرقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة أو اثنتين وسبعين فرقة والنصارى مثل ذلك وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة رواه أبو داود وابن ماجة والترمذي وقال هذا حديث حسن صحيح.
وعن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أهل الكتابين افترقوا في دينهم على ثنتين وسبعين ملة وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين ملة يعني الأهواء كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة وقال إنه سيخرج من أمتي أقوام تتجارى بهم تلك الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه فلا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله والله يا معشر العرب لئن لم تقوموا بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم لغيركم من الناس أحرى أن لا يقوم به.
فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بافتراق أمته على ثلاث وسبعين فرقة واثنتان وسبعون لا ريب أنهم الذين خاضوا كخوض الذين من قبلهم
ثم هذا الاختلاف الذي أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم إما في الدين فقط وإما في الدين والدنيا ثم قد يؤول إلى الدنيا وقد يكون الاختلاف في الدنيا فقط
وهذا الاختلاف الذي دلت عليه هذه الأحاديث هو مما نهى الله عنه في قوله سبحانه ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم وقوله" إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء وقوله" وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله”
وهو موافق لما رواه مسلم في صحيحه عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه أنه أقبل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في طائفة من أصحابه من العالية حتى إذا مر بمسجد بني معاوية دخل فركع فيه ركعتين وصلينا معه ودعا ربه طويلا ثم انصرف إلينا فقال سألت ربي ثلاثا فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة وسألت ربي أن لا يهلك أمتي بالسنة فأعطانيها وسألت ربي أن لا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها .
وروى أيضا في صحيحه عن ثوبان رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وإن أمتي سيبلغ ملكها ما روى منها وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض. وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة بعامة وأن لا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم وإن ربي قال يا محمد إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد وإني أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة بعامة وأن لا أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم من بأقطارها أو قال من بين أقطارها حتى يكون بعضهم يهلك بعضا ويسبي بعضهم بعضا ورواه البرقاني في صحيحه وزاد وإنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين وإذا وقع عليهم السيف لم يرفع إلى يوم القيامة ولا تقوم الساعة حتى يلحق حي من أمتي بالمشركين وحتى يعبد فئام من أمتي الأوثان وإنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون كلهم يزعم أنه نبي وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي ولا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى.
وهذا المعنى محفوظ عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه يشير إلى أن الفرقة والاختلاف لا بد من وقوعهما في الأمة وكان يحذر أمته منه لينجو من الوقوع فيه من شاء الله له السلامة كما روى النزال بن سبرة عن عبد الله بن مسعود قال سمعت رجلا قرأ آية سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ خلافها فأخذت بيده فانطلقت به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فعرفت في وجهه الكراهية وقال كلاكما محسن ولا تختلفوا فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا رواه مسلم.
نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الاختلاف الذي فيه جحد كل واحد من المختلفين مامع الآخر من الحق لأن كلا القارئين كان محسنا فيما قرأه وعلل ذلك بأن من كان قبلنا اختلفوا فهلكوا.
فأفاد ذلك شيئين :
أحدهما:تحريم الاختلاف في مثل هذا .
والثاني:الاعتبار بمن كان قبلنا والحذر من مشابهتهم.
ومثل ذلك ما رواه مسلم أيضا عن عبد الله بن رباح الأنصاري أن عبد الله ابن عمرو قال هجرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فسمعت أصوات رجلين اختلفا في آية فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرف في وجهه الغضب فقال إنما هلك من كان قبلكم من الأمم باختلافهم في الكتاب
فعلل غضبه صلى الله عليه وسلم بأن الاختلاف في الكتاب هو كان سبب هلاك من قبلنا وذلك يوجب مجانبة طريقهم في هذا عينا وفي غيره نوعا.
**بيان بعض ما جاء فى القرآن مما فيه النهى عن مشابهة الكافرين عموما وأهل اكتاب خصوصا:ـ
*قال رحمه الله فى نفس الكتاب جـ 2 صـ 45:
ومما يدل من القرآن على النهي عن مشابهة الكفار قوله سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا وَاسْمَعُوا ْوَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ {104} سورة البقرة ْ
قال قتادة وغيره كانت اليهود تقوله استهزاء فكره الله للمؤمنين أن يقولوا مثل قولهم وقال أيضا كانت اليهود تقول للنبي صلى الله عليه وسلم راعنا سمعك يستهزؤن بذلك وكانت في اليهود قبيحة.
وروى أحمد عن عطية العوفي قال كان يأتي ناس من اليهود فيقولون راعنا سمعك حتى قالها ناس من المسلمين فكره الله لهم ما قالت اليهود.
وقال عطاء كانت لغة في الأنصار في الجاهلية وقال أبو العالية إن مشركي العرب كانوا إذا حدث بعضهم بعضا يقول أحدهم لصاحبه راعني سمعك فنهوا عن ذلك وكذلك قال الضحاك .
فهذا كله يبين أن هذه الكلمة نهي المسلمون عن قولها لأن اليهود كانوا يقولونها وإن كانت من اليهود قبيحة ومن المسلمين لم تكن قبيحة لما كانت مشابهتهم فيها من مشابهة الكفار وطريقهم إلى بلوغ غرضهم.
وقال سبحانه وتعالى : لِّلَّهِ ما فِي السَّمَاوات وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ ِ
يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {284} آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِل إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ {285} لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ .َ
عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ {286} سورة البقرة.
وقد روى مسلم في صحيحه عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم لله ما في السموات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله الآيات اشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بركوا على الركب فقالوا أي رسول الله كلفنا ما نطيق من الصلاة والصيام والجهاد والصدقة وقد نزلت عليك هذه الآية ولا نطيقها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم سمعنا وعصينا بل قولوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير فلما اقترأها القوم وذلت بها ألسنتهم أنزل الله تعالى في إثرها "من الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير"فلما فعلوا ذلك نسخها الله فأنزل الله"لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا" قال نعم"ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا" قال نعم"ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به"قال نعم"واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين"قال نعم .
فحذرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يتلقوا أمر الله بما تلقاه به أهل الكتابين وأمرهم بالسمع والطاعة فشكر الله لهم ذلك حتى رفع الله عنهم الآصار والأغلال التي كانت على من كان قبلهم.
ولما دعا المؤمنون بذلك أخبرهم الرسول أن الله قد استجاب دعاءهم.
وهذا وإن كان رفعا للإيجاب والتحريم فإن الله يحب أن يؤخذ برخصه كما يكره أن تؤتى معصيته قد صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك كان النبي عليه الصلاة والسلام يكره مشابهة أهل الكتابين في هذه الآصار والأغلال وزجر أصحابه عن التبتل وقال لا رهبانية في الإسلام وأمر بالسحور ونهى عن المواصلة وقال فيما يعيب أهل الكتابين ويحذرنا عن موافقتهم فتلك بقاياهم في الصوامع وهذا باب واسع جدا.
وقال سبحانه وتعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُم أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْم الظَّالِمِينَ {51} سورة المائدة.
وقال سبحانه :ـ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِم مَّا هُم مِّنكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِب وَهُمْ يَعْلَمُونَ {14} سورة المجادلة.ِ
يعيب بذلك المنافقين الذين تولوا اليهود إلى قوله:
لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَن حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {22} سورة المجادلة.
ونظائر هذا في غير موضع من القرآن يأمر سبحانه بموالاة المؤمنين حقا الذين هم حزبه وجنده ويخبر أن هؤلاء لا يوالون الكافرين ولا يوادونهم.
والموالاة والموادة وإن كانت متعلقة بالقلب لكن المخالفة في الظاهر أهون على المؤمن من مقاطعة الكافرين ومباينتهم .
ومشاركتهم في الظاهر إن لم تكن ذريعة أو سببا قريبا أو بعيدا إلى نوع ما من الموالاة والموادة فليس فيها مصلحة المقاطعة والمباينة مع أنها تدعو إلى نوع ما من المواصلة كما توجبه الطبيعة وتدل عليه العادة ولهذا كان السلف رضي الله عنهم يستدلون بهذه الآيات على ترك الاستعانة بهم في الولايات.
فروى الإمام أحمد بإسناد صحيح عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال قلت لعمر رضي الله عنه إن لي كاتبا نصرانيا قال مالك قاتلك الله أما سمعت الله يقول"يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض " ألا اتخذت حنيفا قال قلت يا أمير المؤمنين لي كتابته وله دينه قال لا أكرمهم إذ أهانهم الله ولا أعزهم إذ أذلهم الله ولا أدنيهم إذ أقصاهم الله .
ولما دل عليه معنى الكتاب وجاءت به سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنة خلفائه الراشدين التي أجمع الفقهاء عليها بمخالفتهم وترك التشبه بهم :ـ
ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم"أمر بمخالفتهم.
ولا يتشبه بأهل الكتاب لقول النبي صلى الله عليه وسلم غيروا الشيب ولا تشبهوا بأهل الكتاب وقال إسحاق بن إبراهيم سمعت أبا عبد الله يقول لأبي يا أبا هاشم اختضب ولو مرة واحدة فأحب لك أن تختضب ولا تشبه باليهود
وهذا اللفظ الذي احتج به أحمد قد رواه الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم غيروا الشيب ولا تشبهوا باليهود قال الترمذي حديث حسن صحيح.
وقد رواه النسائي من حديث محمد بن كناسة عن هاشم بن عروة عن عثمان ابن عروة عن أبيه عن الزبير عن النبي صلى الله عليه وسلم قال غيروا الشيب ولا تشبهوا باليهود ورواه أيضا من حديث عروة عن عبد الله بن عمر لكن قال النسائي كلاهما ليس بمحفوظ.
وقال الدارقطني المشهور عن عروة مرسلا
وهذا اللفظ أدل على الأمر بمخالفتهم والنهي عن مشابهتهم فإنه إذا نهى عن التشبه بهم في بقاء بياض الشيب الذي ليس من فعلنا فلأن ينهى عن إحداث التشبه بهم أولى ولهذا كان هذا التشبه بهم يكون محرما بخلاف الأول
وأيضا ففي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خالفوا المشركين أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى رواه البخاري ومسلم وهذا لفظه.
فأمر بمخالفة المشركين مطلقا ثم قال أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى.....أ.هـ

ابو نضال 09-25-2015 09:28 AM

رد: مجمل في الولاء و البراء
 


بسم الله الرحمن الرحيم


بارك الله بك على هذا الطرح القيم
كان موضوعك رائعا بمضمونه

لك مني احلى واجمل باقة ورد

http://scontent-frt3-1.xx.fbcdn.net/...4e&oe=56A653CA


وجزاك الله خيرا وغفر لك ولوالديك وللمسلمين جميعا



لا اله الا الله محمد رسول الله





الساعة الآن 02:55 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة للمسلمين بشرط الإشارة لشبكة الكعبة الإسلامية